سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

الثلاثاء، 19 مارس 2013

المقالات الاجتماعية: المختار من العقد الاجتماعى: العبودية بقلم/ جان جاك روسو عرض و تقديم/ مروان محمد



لما لم يكن لإنسان سلطة طبيعية على أقرانه و لما كانت القوة لا تنتج حقا فإن الأساس الوحيد الباقى للسلطة الشرعية فى المجتمعات البشرية هو الاتفاق.
إن جروتيوس يقول إنه إذا كان للمواطن العادى أن يتنازل عن حريته و يجعل نفسه عبدا لسيد, فلماذا لا يستطيع شعب بأكمله أن يفعل نفس الشىء و يخضع لإرادة ملك؟ و ينطوى هذا القول على عدد من الألفاظ المبهمة التى تحتاج إلى تفسير, و لكن دعنا نقف عند لفظ واحد:
هو يتنازل, إن التنازل معناه الإعطاء أو البيع, و الرجل الذى يصبح عبدا لآخر لا يعطى نفسه لأحد. إنه يبيع نفسه مقابل ما يقوم بأوده على الأقل, و لكن لماذا يبيع شعب بأكمله نفسه؟ إن الملك لا يوفر القوت لشعبه, بل على النقيض أنه يستمد قوته من الشعب, و من الشعب وحده, كما يقول رابليه الملوك يكلفون كثيرا. فهل لنا إذن أن نذهب إلى أن الرعايا يسلمون أشخاصهم على شرط أن تؤخذ أموالهم أيضا. من العسير أن نرى ماذا يبقى لهم بعد ذلك.
سيقال إن الحاكم المطلق يضمن السلام الداخلى لرعاياه, و لكن ما الذى يكسبونه إذا كلفهم ما يتعرضون له من حروب بسبب أطماعه و جشعه الذى لا يرتوى و كلفتهم تصرفات وزرائه أكثر مما قد يكلفهم أى نزاع داخلى؟ و ما الذى يجنونه إذ كانت حالة السلام الداخلى ذاتها هى أحد أسباب تعاستهم؟ إن المرء يعيش متمتعا بالسلام تماما فى زنزانته و لكن مثل هذا السلام وحده لا أظنه يضمن سعادة المرء, إن الإغريق الذين سجنوا فى كهف الغيلان عاشوا فى سلام و هو ينتظرون دورهم ليلتهمهم الغيلان.
و القول إن الإنسان يهب نفسه بلا مقابل كلام سخيف و غير معقول, و مثل هذا التصرف باطل و غير شرعى لمجرد أن من يفعل ذلك لا يكون سليم العقلو أن نعزو نفس الشىء إلى شعب بأكمله هو بمثابة القول بأن الشعب الى يتعلق به الأمر أمة من البلهاء, و البلاهة لا تخلق حقا.
و حتى إذا استطاع الإنسان أن يتنازل عن نفسه, فإنه لا يستطيع أن يتنازل عن أولاده, فهم يولدون أحراراً, و حريتهم ملكهم, و ليس لأحد سواهم حق التصرف فيها, و قبل أن يبلغوا سن الرشد, لأبيهم أن يضع بعض القواعد المعينة بالنيابة عنهم بقصد المحافظة عليهم و على رفاهيتهم, و لكن أى تحديد لحريتهم فى الاختيار يجب ألا يعتبر بلا قيد و لا شرط و لا مما لا يمكن الرجوع فيه, لأن التنازل عن حرية شخص آخر ضد النظام الطبيعى , و ينطوى على إساءة استعمال الحقوق الأبوية و ينبنى على ذلك أن الحكم التحكمى لا يمكن أن يكون شرعيا إلا بشرط ان يكون كل جيل من الرعايا حرا إما فى قوله و إما فى رفضه, و إذا حدث ذلك, لا يعود الحكم عنئد تحكيما.
و عندما ينبذ الرجل حريته ينبذ جوهر رجولته و حقوقه, بل و واجبه بوصفه كائنا آدميا, و ليس هناك عوض ممكن مقابل هذا النبذ الكامل, و هو لا يتفق مع طبيعة الإنسان, و حرمانه من حرية الإرادة بمثابة حرمات من تصرفاته من كل جزاء أخلاقى, و بالاختصار إن الاتفاق الذى يمنح طرفا سلطة مطلقة و يرتب على الطرف الآخر التزاما بالطاعة العمياء اتفاق غير مجد و بلا معنى, إليس من الجلى أننا عندما نستطيع الحصول على كل شىء لا نكون مدينين بشىء؟, إذ عندما لا يكون هناك التزام متبادل, أى لا تبادل فى الواجبات, ألا يكون بالتأكيد من الواضح ان تصرفات الطرف الخاضع لا تعود لها أيه قيمة أخلاقية!, لأنه كيف يمكن القول بأن عبدى له أى حق قبلى عندما يكون كل ما عنده ملكى؟, إذ لما كان حقه حقى, فمن السخف القول بان حقه ممكن أ يستعمل فى غير مصلحتى.
و قد وجد جروتيوس و من سلكوا مسلكه فى التفكير, فى الحرب تبريرا لما يسمى حق العبودية , فهم يذهبون إلى أنه لما كان للمنتصر حق قتل عدوه المهزوم فللأخير أن يفتدى حياته على حساب حريته, إذا شاء, و إن هذا التعاقد يكتسب قدرا أكبر من الشرعيه بكونه يفيد الطرفين.
بيد أنه من الواضح أن هذا الحق المزعوم للإنسانا فى أن يقتل أعداءه لا يستمد بأيه صورة كانت من حالة الحرب, و لو لسبب واحد هو أن الناس فى استقلالهم البدائى لم تكن تربطهم بعضهم البعض أية علاقة مستقرة إلى حد يكفى لأن تترتب عليها حالة حرب أو حالة سلام, فهم ليسوا بالطبيعة أعداء, إن العلاقة بين الأشياء و ليست بين الأشخاص هى التى تتكون منها الحرب, و لما كانت حالة الحرب لا يمكن أن تنشا أصلا من العلاقات الشخصية البسيطة, بل من العلاقة بين أشياء فقط, فإن العداء الشخصى بين الرجل و الرجل لا يمكن أن يوجد فى الحالة الطبيعية, حيث لا يقوم نظام عام معترف به للملكية الخاصة, و لا فى حالة المجتمع, حيث القانون هو السلطة العليا.
فالنزال الفردى و المبارزة و الصراع الشخصى حوادث لا تتكون منها حالة أى شىء, أما فيما  يتعلق بالحروب الخاصة التى أباحتها مراسيم الملك لويس التاسع ووضعت لها الهدنة الألهية حدا فأنها كانت مجرد إساءة استعمال للأوضاع الإقطاعية – و هو أسخف نظم الحكم, و الذى كان يناقض مبادءى الحق الطبيعى و حسن السياسة.
و من ثم فإن الحرب شىء لا يقع بين رجل و رجل, و لكن بين دول, و الأفراد الين يتورطون فيها أعداء بمجرد الصدفة, فهم لا يقاتلون بوصفهم رجالا, و لا حتى بوصفهم مواطنين, و لكن باعتبارهم جنودا, لا بوصفهم أعضاء فى هذا الوطن أو ذلك, و لكن بوصفهم حماته, و الدولة لا يمكن ان يكون لها أعداء إلا دول, و ليسوا أشخاصا بأى حال من الأحوال, نظرا لأنه يمكن أن تكون هناك علاقة بين أشياء من طبائع مختلفة.
و هكذا. من أية زاوية نظرنا إلى الموضوع نرى أن حق الاستعباد لا وجود له لا لأنه بلا أساس قانونى سليم فحسب, بل أيضا لأن نفس المصطلح سخيف و بلا معنى, فاللفظان العبودية و حق متناقضان و لا يتفق وجود أحدهما مع وجود الآخر, و سواء كنا نفكر فى علاقة رجل برجل آخر, أو فى علاقة فرد بشعب بأسره, فإنه من البلاهة أن نقول لقد عقدنا اتفاقا أنا و أنت ليس فيه لك سوى الخسارة و لى سوى الربح و سأنفذه طالما راق لى ذلك و كذلك ستنفذه أنت طالما راق لى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق