سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

الجمعة، 6 ديسمبر 2013

دراسات: نثر - شعر: سمات العشق الصوفى بقلم/ عدنان أبو أندلس

اشراقات البياض : سمات العشق الصوفي 
شطحات ناصعة في نصوص الشاعر محمد مردان. 

ان العشق اسمى شعور انساني يمر به المرء ، من خلال تجربة عانى فيها اذ يحسبها الذ ما تكون رغم قساوتها المرة . انه اعلى مراتب الحب رائد الجمال وقوه روحية عظمى تسيطر على حواسه وتحصي سكناته وحركاته. (فالحب كما يفهمه الصوفيون ، فناء عن الذات او الانا وبقاء بالانت او بالله، ان حقيقة المحبه ان تهب كلك من أحببت ، فلا يبقى لك منك شي)*١
ان اهل التصوف احبوا قصة مجنون ليلى(لما رأوا فيها من اسنى الكناية عن اسرار النفس البشرية ومن الرمز الى اشتياق النفس الخالية من الأهواء الدنيئة الى الرجوع الى الله والاقتران به)*٢
كذلك تناول اخوان الصفاء في رسائلهم الموسوعية(الرسالة ٣٧) منها وقد جعلوا عنوانها:(ما هية العشق) ؛ وخلاصتها (ان الله هو المعشوق الاول ، والفلك انما يدور شوقا اليه ، ومحبة للبقاء والدوام المديد على اتم الحالات واكمل الغايات وافضل النهايات)*٣ 
ان الاقتحام شي رائع لما يخلق من العدم عوالما ناطقه خاصة به ، ومن اللاشي هياكلا ماثلة حيث ابتكار مساحات مزدحمة من البياضات الزاخرة بالتاملات العرفانية و الشطحات الصوفية الناطقة هذا مافاجئنا به الشاعر د.(محمد مردان)في اصداره الضخم والذي ينوء بثقل(٦٣٤) صفحه من اعماله الشعريه الكاملة منذ ١٩٧٨ ولغاية ٢٠٠٨ والصادرة عن دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع في دمشق والتي تضم بين دفتيها سبعة دواوين شعريه كانت قد صدرت سابقا واستجابة لنداء مركز التنوير الحضاري ودعوة الاستاذ أ.د(محمد صابرعبيد) المشرف على المشروع.
أود تقديم هذه الدراسة وكما اسلفت لضخامة الاصدار قد اختصرت على جانب واحد فيه وهو الاكثر حضورا في النصوص (العشق الصوفي) المتجذر اصلا في واحة المجموعة الخصبة.
عند الامعان جليا يتضح لدينا بان اللغة الصوفية الموشحة بمفردات البياض يكثر انتشارها بين النصوص وتزخر بمفردات عالقة بين الأذهان لايمكنها ان تنزاح عن ذاكرتنا ويصيبنا نوعا من الهلع حال سماعنا اقتراب الموت الماثل كل لحظة ورموز تتسجى هي الاخرى بالبياضات ويمكن ذكرها كالاتي . 

التجلي ،الصور،مزامير،العراف، مواجيد،عذابات،المناسك،القيامة، المعجزة،أصحاح أخر ،الرجيم، الاقانيم،شحطات، المعراج، اهل الكهف، الارضون، المن والسلوى،النشور،قداس،حضرة، البرزخ ،الناموس ،الاصنام،المشهد، اللوح،هذيان،الحلول،الروح، التوحيد،الكفن،المكاشفة، العرفان،الروحاني،الاشراق، الرؤيا،اتحاد،التقمص،الطواسين، الناسوت،اللاهوت ..الخ.
إضافة إلى إن الشاعر يتربع على خزين ثقافي واسع لاطلاعه الشامل على ثقافات الشعوب الأخرى وهذا مايضفي على نصوصه صفه التنوع لتأخد طابعا موسوعيا وموروثا اجهله ان يغادر دائرته المحلية ويجوب سوح العالم وهو متكئا في مكانه وهذه مفخرة احتسبت له ؛ولنحصي مفردات الموروث التي زجها بين صورة الشعرية.

شوكليتودا ،جين ماجين،سهول الرنة،جبل قاف، زمر عنقا،عشتار،لوليتا،ماريانا، كرستولا،القديس اوغسطين، شاه ماران،باشطابيا، كاراباغ، ارتين،الساز، النبي دانيال، فيزوف، كارودا، بيجا، نوتردام، ابوعلوك،كوزيده،تبريز، دي شاميلي، قرميزي كليسه. 

ان تأويل المرارات التي يحدث بها شاعرنا نفسه عن عشقه الأزلي لاملاءات المكان، مرتع صباه وعاصمة قلبه وضفاف فؤاده (الزاب الاسفل) وحالما يكمل دورة الحياة يقول بكل انتعاش مخدر(اني رايت منتهى كل شي) انه القتيل الذي يؤبن نفسه بالعشق واستحضرني بيتا من الشعر (لابن الملوح) يقول فيه على لسان محبوبته (ليلى العامرية) بما يشابه اضمامات الشاعر مردان .

باح مجنون عامر بهواه وكتمت هــــوايا فمت بوجدي 
اذا نودي يوم القيـــامة من قتيل الهوى, تقدمت وحدي

من خلال استقرائي لتدرجات النصوص في المجموعة استوقفني عنصر الزمن فيها وكانه يداهم الشاعر ساعة الغفله اي الساعة(٦) و(٧) مساء و(٣) فجرا على مدار تلك النصوص الزاخرة بالعطاء وكأنه يوافق اختلائهم بمن يعشقون وتحسبئا لرصد من يراقبهم. 

يمكن الولوج قليلا الى ظاهرة التقطيع تزبير الكلمة الى حروف مثلا.
ميم نون الف لام = منال 
قاف ميم باء راء = قمبر
الف راء زاء ياء = ارزي 
كاف واو زاي ياء دال الف هاء = كوزيداه 

هذا التقطيع المشفر في طلاسم العشق الصوفي ربما إشارة اخفاء لمن ابتلاهم فخروا صرعى تنزف قلوبهم إشعاعات بيضاء وهذا يشابه نوعا ما رموز ديوان الحلاج (الطواسين) .وربما تأوهات بنفس محبوس ما يفك رموزها الا العشاق 
ان أصحاب الروح البيضاء او متذوقي الشراب الرباني (العشق الالهي) الذين تجاوزوا المعرفة الحقيقية متخطين العالم المحسوس حين بلوغهم مرحلة الحال(الخلوة) او(الوقفه) (التي هي حالة غريبة مدهشة يدعى الصوفي فيها انه راي ما لاعين رات) *٤ 

ان المعرفة الحد سية الباطنية كما عند الحلاج والبسطامي وابن عربي وجنيد والسر السقطي والسهروردي وغيرهم ، هذا العشق الذي يغزي المرء في حالة استرخاءه التام وعينيه تحدقان صوب الحقيقة في هباب ابيض يملئ المكان وبهذا يمكن استقراء الاملاءات في اللغة البيضاء (الدينية،الصوفية) كي تظهر المفردات المشعه حصرا والتي وردت في طيات الاعمال وكالاتي. 
العشق ومشتقاته وردت (٧٦) مرة 
الحياة ومشتقاتها وردت(٢٦)مرة 
الموت ومشتقاته وردت (٨٧)مرة 
الميلاد ومشتقاته وردت (٣٣)مرة 

اضافة الى ورود الحزن (٥٣)مرة والحب (٤٢) مرة اما الغائب (الفرح) الذي يلائم مناخنا الحالي ورد فقط (٣)مرات . هذا الاستنتاج يدل على ان الموت هو الحقيقه المطلقه في الوجود وفي نظر سائر البشر ومنهم (الزهاد).
يلاحظ ان الشاعر يزاوج اللغة الدنيوية مع اللغة الدينية كي يبتكر أبجدية اخرى عند بث مشاعره عبر أحاسيسه الاشراقية خلال شطحاته حيث تتداخل لغته مع اللغة الشفافه إلى يراد منها كي تلائم خلجاته ولتكون قريبة من المعنى الديني في اللغة ألقرانيه *٥
وفي حالة تجنيس لبعض اسطر وردت هنا مثلا:

فارجع البصر المنتخى كرتين
وهنأ على وهن
ان قميصها قد من دبر
البرهة همت به وهم بها
فبآي الاء النبوة تهادن

مثلما تروم الروح بالقدرة الى السمو كذلك الشاعر يعلو بالمفردة ويسمو بها الى مصافي البلاغة ما ان يصل الى مقصده منها يرميها من هناك فتكون مهمة الناقد حال هبوطها ان يرويها بالمعالجة التفسيرية والتحليل .
مع العرض انه يزحم ايقاعاته من وراء الكواكيس ليتقمص مشهدا اليفا مخافة ان ترفع الستارة عن فصل موسمي قابل للتلاشي.
ولإجادته لغات أخرى غير العربية لها اثر خالص في تنويع وتزويق نصوصه بمفردات تعني بموروث تلك اللغات
وهذا مالمسناه في قصائده التي تحمل بصمه من خصوصياتها وخاصة اللغة السريانية منها وطقوس القداس فيها والتي دخلت في تفاصيل حياته اليومية.
وفق ما تقدم يمكننا الان الولوج بكل هدوء عبر كوة الى مشاعره قبل ان تستفيق انفاس احاسيسه ونحلل ما يحلو من نصوصه ونستهل بديوانه (أسفار الشجر) وقصيدة (ملامح من العشق): 
يانافذة 
الفرح الجذلان
انا وحدي
مستودع احزان العالم.

ان اللحظة الاولى ،لحظة نداء شامل للفرح وشكوى للحزن بكل نقاء وصدق لانها تأتي دون مقدمات (مباغته) وبعفويه صادقه غير مرتب لها والتي يطوقها السرور الطاغي.
ومن ديوانه (ثانية يتألق الإشراق) وقصيدة (أشعار نسبت للحلاج ) حلول 
في حضرتي صليت ركعتين 
وفي لقائي صليت ركعتين 
ويوم مولدي تيممت نزفي 
صليت ركعتين

ان حالة الحلول تتجسد في اهل التصوف فلهم دراية في احوال لم نفقهها امام خيالاتهم واخيلتهم كحدس ملموس والتنبؤ بما سيصار اليه من كشف وتخامر الغيبوبة لحظة الصراع النفسي من الهذيان والذوبان والتقمص حتى يقول الواحد منهم للاخر يا(انا) .
وديوان (الوقوف بين الاقواس ) وقصيدة(العراف).
حملت دمي
نزيف شطحتي
وما نحرت ناقتي
الا لمن خاض البحار

أن السياحة والهيام في بلاد الله الواسعة هو ديدن الزهاد ومن صفات العشاق الذين يفترشون الندى ويلتحفون الضباب ليس لهم حدود تذكر الاحدود الخالق يجوبون المعمورة سائحين لله يبحثون عن الحقيقه.

وفي ديوان(الايادي القصبة) نستهل منه قصيدة(نزيف)
هو ذا محمد مردان 
خاتم العشاق
ونبي المحبين
هذي وصاياه
وتلك جنته المترامية الإطراف
فادخلوها أزواجا 
ولكن عذرا
أنها محرمة لمن لم يكن الحب
سلطانه

بهذا النص يعلن الشاعر عشقه الخارق على مسمع البشرية من ولج الحب قلبه يستطيع الدخول الى جنته بوصايا ربما تكون هي اوامر بتأشيرة دخول الى سفينة نوح اوجمهورية افلاطون المثلى التي استثنت الشعراء منها.

وفي ديوانه(وليكن حبك رصاصة الرحمة) وقصيدة (اسئلته الممطرة) :
كل مشهد وله افريقيا شائكة
كل حلاج وله ركعتان
في العشق
يشرب نهر الزاب
فيموت غريقا.

ان العاشق تسري فيه حرارة تمده بالحس وان يجسد اتصالاته الهادرة وان يحول الحرف الى كائن يحتضن قلبه لعله يحس بما فيه من حرقه اللوعة ووقدة العاطفة والقارة الشائكة والحلاج وتحولاته يشتركان في الحرمان ذاك.
ومن ديوان (مردانيا) ونص (الموسلين) نقتطف منه:
كان يتأبط قدميه ويحملها
يحط بهما في حضرته
ويعود أدراجه بلا قدمين.

ان ظاهرة الحلول جليه في هذا المقطع المتسربل بالغموض والعصي على الادراك المنطقي الذي تجرد به عن بشريته واتحد مع الله لان الفناء هو اتحاد بلسان الحقيقه وهذه الظاهرة كلها ذوقيه وجدانيه.

في ديوانه الأخير(اناديك ...فتأتي القصيدة) ومن مقطع من قصيدة(صوت المدينه) يقول فيها:

حاولت الصلاة على سجادة جسدي
كأية ايام قميئة
غير إني لم اتعب
من الدوران حول نفسي
أريد ان أكون انا.
اي ذوبان هذا واي مكاشفه تلك، هذا التجلي يمر به لحظة الحدس واليقين خارج البصر انه يدور حول نفسه ولم يتعب حاله حال المتصوف (المولوي) الذي يجسد بحركته تلك حركة الكون الاثيريه فيشعر بشعور اخاذ نحو الخفه وكأن الدنيا هي الاخرى مسرورة لحظة دورانها معه.

ختاما اود القول حقيقه وللامانه اشهد بأنها اعمال شعرية تستحق القراءة اكثر وبامعان ، ومن المؤكد انها تجربة بهذه الفرادة في اصدار عمل ضخم مثقل بهذا الكم الهائل من صفحاته ونصوصه الزاخرة بالمفردة العذبه الرشيقة والتي تحاكي بانسيابيتها الهموم اليومية التي نكابدها، متمنيا له المزيد من العطاء وهو يرفل بحيوية الفكر والجسد معا كي يستنطق مزيدا من البياضات التي تلوح في ركن السعادة القصي. 

الهوامش :
1) الثابت والمتحول :- ج2 (تأصيل الاصول ) –دار العودة – بيروت علي احمد سعيد (ادونيس ) ط3 -1982 ص 94.
2) فلسفة الحب عند العرب – عبد اللطيف شرارة ,منشورات –دار مكتبة الحياة بيروت -1960 ص 113 .
3) نفس المصدر في (2) ص 147 .
4) دراسات في الشعر العربي الحديث – وفيق خنسه –دار الحقائق للمطبوعات الجزائر .1981 ص 19-20 .
5) ينظر صحيفة الصباح العدد 1699 في 11/6 / 2009ص11 (ثقافة ) اللغة الصوفية والمعنى في ( الفجر وما تلاه ) الناقد صلاح حسن السيلاوي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق