سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

الجمعة، 6 ديسمبر 2013

دراسات: نثر - شعر: سركون بولص : المآثر و التفرد بقلم/ عدنان أبو أندلس

                      سمة التنوع في بيئته و شعره.

تنحى بعيدا" عن الأرض و اقانيمها , كالنسر حلق عاليا" و فريسته بين مخالبه , كانت له الفرادة في كتابة قصيدته , شذب حواشيها من الشائع والمألوف و ترك ما نلوك به من مكنونات شعورية مكررة , عاش في 
زمان خلقه لنفسه و حفر بأدواته المبتكرة أساسه و بني عليه جدرانه من رؤاه الخالصة ليكمل قصره الشعري 
الكوني ذاك هو سركون بولص الذي هام و توحد لمطابقة إرهاصاته و أحاسيسه مع التطور الشعري حيث 
حول جسده إلى مكان , بهذا الجدل يصبح الشاعر و المكان صنوان على مستوى واحد من القناعة اللحظوية ,
بعث من هناك برقيات اللايقين من لذاذات تاقت إليها العين بالنظرة و النفس بالحسرة غبطا" لما وصل إليه 
من إمدادات الماوراء فكانت صدى نصوصه تشبه إلى حد ما – حلم قصير , مضطرب , خائف لمكوثه في 
مكان وحيدا" يخلقه لنفسه في جدليته أرست له تحقيق عالمه الكوني , يخلقه و يدمره في آن واحد , فهو مجهول له خططه بنفسه كي يلائم محيطه البعيد و خاصة في إرساء المعاني و التي لم تنطق بعد . 
يدخل في مهاوي و مجاهيل تصل إلى مفترق طرق , يلج بالذي يقابله أولا" , ثم يتركه إلى آخر فترى ممارساته تبدو ناقصة , ثم يكملها – يتعامل مع حدث ما أن ينجزه آلا و قد اتلف معظمه فيعيد تشكيله وفق 
رياق جديد و هكذا ( 1 ) . 
إن السمات المحببة في سيكولوجيته هي اسمه و رسمه و هندامه و أناقته و حيويته و صمته المهذب و مدنيته 
في حقبة كانت تعج بالترف و الانفتاح و التمدن و التقليعات التي تستهوي شباب تلك الفترة , أن تقليعة شعره 
المهفهف و قميصه المفتوح للريح تؤهله في ذات الحين أن تجعله ممثلا" بارعا" رومانسيا" سيما و انه يجيد 
اللغة الانكليزية بطلاقة لاطلاعه الواسع على الآداب الأجنبية و ترجمتها هي التي جعلته متفردا" في راؤه و التي أضفت على نصوصه ( ملامح أساسية تجدها متجسدة فيها بناء الأدب الانكليزي و صورها و مناجاتها 
السريالية إضافة إلى تجسيده الصوفية المسيحية ) (2) من مزامير توراتية و إيقاعات لاهوتية لذا استحق قصب السبق في حداثة الطرح و التي واكبت المناخ السائد آنذاك , و في كركوك بلذات شكل سركون نقله نوعية في مسيرة القصيدة الحديثة فهو شاعر حقيقي متمدن بروحه و موهبته و أدواته الشعرية , هذه الملامح تراءت له في الامثال و الحكم متاثرا" بها متخطيا" الحواجز المحلية التقليدية مرفرفا" على تخوم النمط الاوربي فجاءت مسمياته الغريبة ( الاكروبول , تلميذة من بيركلي , سيزار فابيخو , فيبر سدروف , سيدوري 
, انسيننادا ) و كما في مقطعه .
من بين اسناني اخرج داخنا" 
حالما" / دافشا" / نازعا" سراويلي 
سيزار فابيخو – عجلة الانسان الجائع 
يا سيزار فابيخو – انا من يصلح هذه المرة 
اسمح لي ان افتح فمي – و احتج على الدم الصاعد 
في المحرار – أرى الزئبق إلى الخلف 
هذه المناجات السريالية استقطبت مفردات حديثه وواقعية و خيالية في آن واحد , مفردات متناثرة تنظيم فني و فوضى مدمرة نستنتج من ان رفض الاتحاد القائم بينهما إلا في وحدة الشاعرية حيث جاءت على شكل مواعظ و حكم و استرشادات و حكايات و موروث و ذكرى عبرا ديوانه ( الحياة قرب الاكروبول ) المختلف عن 
اصداراته الاخرى ... قصائده عما اسلفناه عنونتها مثل الحالمين – العشاق – بستان الاشوري – الأم تريزا 
و نستل منها قصيدة ( الله ) 
شاء الله 
للعالم السفلي ان يتجلى 
ازقة مظلمة , حزينة 
كتب على البشر ان تهيؤا فيها 
الى الابد 
اما مناجاته الأخرى و التي استعذبناها و ارهقتنا باللايقين كان له تفرد حقيقي فيها استدرك شظاياها المتناثرة 
و إشعاعاتها الساطعة بلغته المستحدثة هي السمة التي لا تخلو منها أيا" من قصائده وفق سبيكة صنعها بنفسه 
فلمعت في افق الادب العربي و العراقي و الذي كان يخلو في مناخه الواقعي مثل هكذا لون , و إليك هذا 
النص المفكك السريالي – الفوضوي – المتناثر – السائب – التائه – الفالت من سيطرة العقل و الإدراك و 
الوعي و الذي كتبه في اوج قصائد التمرد هو( الام بودلير وصلت ) نستل منها ما يلي : 
وصلت الى الحد 
في الاصل كنت راعيا" 
يفترس ارخبيلا" ممزقا" 
من الارواح 
في الماضي الذي يمكن صيده 
اخرج اليه فيهرب 
غزالة تاكل الملح على بابي 
أي ملح بقي لي ايه الماضي 
هذه الملامح التي ذكرت سمه بارزة في عنفوان حداثته الشعرية و في ذائقة متلقيه , ذلك المغامر الكوني الذي 
اقتحم المنافي منذ امد بعيد لان مساحة الشعر الأرضية ضاقت به و لم تعد تسعه , لذا اضطر أن يهاجر و يهجر ذاك المناخ الضيق و الذي يستوعب فقط مفردات يقرها الواقع المألوف و تقرها الذائقة ذات السجية 
المفطورة على الشخوصات الماثلة عيانا" , سافر إلى بلاد تفتح ذراعيها للمبدعين حيثما كانوا يتقاطرون إليها . 
من خلال استقراءي للبيئة التي ولد فيها الشاعر ( الحبانية ) و البيئة التي نشأ بها كركوك و بيأت أخر تطارح 
بها الهوى و الحب مثل ( الكرادة – بيروت – سان فرانسيسكو ) و هنالك ملمح أخر أود ذكره ألا و انه 
التنوع و الاختلاط بالاثنيات و التلاقح و الثقافات و احتكاكه ب عمال شركة نفط العراق من الأجانب متقنا" 
فن التعايش مدركا" هذا التنوع (3) لذا ألهمه هذا المآثر في تنوع مفرداته فانطلقت رؤاه على أفق ملون استقله 
لتوظيف كريستالي أو أمساك السمكة العصية السابحة في بحر الزئبق هكذا اسميها شخصيا" قصائده الحداثوية 
هذا الرائد الكوني المغامر المقتحم أعاصير الحلم منظرا" في وقفته تأمل أخاذ و قدرته من التأملات الفكرية 
و الفلسفية و الجدلية جعلته و ما زال أعلى صوتا" و حضوره أوسع و صورته جذبا" و سحرا" رغم شيخوخته لدى قراءه فكل ما يصدر منه جميل وفق مآثر سيكولوجية يغرق فيها بهواجس عاطفية صارخة و إيقاعات تمتد على مسافة التكييف الجديد , هذا الدخول الواهم و السابر لأغوار اللاوعي يمنحك مؤشرات في 
قصائده النثرية , عبر تدرجات بين السريعة و المقطعية الطويلة و المسترسلة (4) ذلك سركون بولص السيل 
الزاهي في عالم الشعر . 

المصادر : 
1- جريدة نركال – العدد -60 – تشرين اول /2008 – كركوك . 
2- افق الحداثة و حداثة النمط – سامي مهدي – بغداد – 1988 . 
3- كتاب شعرية الماء – جريدة النبأ – العدد – 185 / 2007 – كركوك . 
4- أسد آشور – قراءات و مختارات – هشام القيسي – كركوك 2008

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق