سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

الجمعة، 6 ديسمبر 2013

دراسات: نثر - شعر: قصيدة النثر/الجنس الكوني بقلم/ عدنان أبو أندلس

قلق النشأة وانية الاستقرار

التصريح بالحب في نصوص من شعرائها 
 
إن المحاولات التي سبقت ولادة قصيدة النثر كانت مخاضا عسيرا في الذائقة والإدراك لإنتاج المطالبة الخفية والرغبة في أيجاد لغة مستحدثة وغير مطروقة تجدد إمكانياتها اللاحقة ، أن التحرر من هذه المطالب العميقة هي سمة مشتركة لا يمكن إهمالها على حد تعبير الرائد رامبو حيث (( يضع الشاعر نفسه في اللا منطق ويقدم حكايات لا بداية لها ولا نهاية)) جمل 000 اعتراضية000 مفككة 000 فوضيه وليس للعقل سيطرة عليها أنها خيال الظل 00 الوهم 00 مجافاة الحقيقة 000 الانحلال ، التنافر000 الخ0و كما وصفها الناقد محمد صابر عبيد (( بأنها بيضة أم صفارين )).
فقصيدة النثر (( مستعارة من النثر العادي الذي يخلو من البهرجة ، ولكن كلماته مشحونة بقوة خفية يسري عبرها التيار الشعري كما يسري التيار الكهربائي عبر سلك ليغرقنا بالنور فجأة )) لا حدأث هزه ورعشة شعرية00 (1)
أن أكثر الشعراء الذين كتبوا فيها هم الذين عاشوا حياة الصعلكة و التشرد سواء في الشرق او الغرب وكأنها تلائم أطباعهم المتمردة على التقاليد عبر غيبوبة ـ هلوسة ـ هذيان 00 تخدير حتى قيل أن رامبو تعاطى المخدرات ووقع في غيبوبة وتحت تأثيرها في اللاوعي كتب أحسن قصائده 00 حيث أنها لاتنم عن وحدة متماسكة بل شظايا متنافرة لا يجمعها جامع ولا ينظمها خيط موضوعي وقد وصفها الشاعر احمد عبد المعطي حجازي (( حاطب ليل يلتمس طريقة في دروب غير مطروقة وغير معبدة )) أي ظل وخيال وتعثر أنها تقطع جميع الحبال التي تربطها بما يبررها بالواقع الماثل ترتفع وحدها بالتحليق مثل كرة معلقة في الهواء أو سمكة زينة تسبح في حوض من الزئبق 00 أو مثل غزالة تمرق إمامك فجأة مرة يغطيها الضباب ومرة تظهر بعض مفاصلها الهلامية وتختفي حالا000 ((انها روح منفلتة لايتجرأ احداً ان يضع لها قوانينها فظلت حرة سائبة في مسار لاينتهي ابدا )) يقول عنها الناقد أبو لينير : ( انك تقرأ الإعلانات والفهارس والملحقات التي تغني بصوت عال ، هذا هو الشعر هذا الصباح ) أي أن قصيدة النثر تستطيع أن تستقطب مفردات حديثة وواقعية وخيالية في أن واحد ، ما آن يتجمع ويتوحد بهما المتناقضان حتى يحدثان حركة ديناميكية متفجرة 000 أن من قطبيها المتنافرين ـ التنظيم الفني والفوضى المدمرة 00 نستنتج من أن رفض الاتحاد القائم بينهما ألا في وحدة الشاعرية 0000 وان من خصائصها المستقرة حاليا ( الإيجاز ـ الكثافة )( التوهج ـ الإشراق)( المجانية ـ اللازمنية ) حيث حلت بدائلا لثلاثية الشعر الكلاسيكي (الوزن - القافية ـ الموسيقى) ، للضوابط والقواعد والقيود الصارمة ، ابتدأ، ابتكار المحاولات لخلقها بدءا من رامبو بافكارة الحرة الميتافيزيقية ولوتريامون بمزاجه الفوضوي ومالارمية لمغامراته القلقة 00ومرورا بفكر وتنظير بيرتران إلا استقرارها النسبي ( الآني ) جاء على يد وفكر وإبداع بود لير الذي لا خلاف فيه بخلق شعر حديث مدني وتحديدا في العام 1857 عبر ديوانه ( إزهار الشر) وهذا مقطع من عالم الحب الذي نحن بصدده 000(قصيدة حب)
إني أعبدك / كما اعبد السماء ذات ليل / يا دعاء الحزن / يا أيها الصمت الرهيب/ أني ازداد حبا لك0000يا جميلتي000
كذلك رامبو يقول : ان تصبغ الفضاء الازرق / نشوة الاهازيج / اقوى من الخمر و اعمق من كل قيثار / فتتوهج شعلة الحب المريرة ?. 
و لجاك بريفير حب من نوع اخر يقول : حبيبتي / نحن نحب بعضنا بعضا" و نحيا / نحن نحيا و نحب بعضنا بعضا / و لا نعرف ما هو هذا الحب .
كذلك لوركا في قصيدة اغنية في الحلم . 
اخضر / كم احبك اخضر / نجوم هائلة من صقيع ابيض / تاتي مع سمكة الظلام / التي تفتح طريق الفجر . 
حبك يقسمني / كالساعة الرملية / مع ان الوحدة الالهية / جعلت من ثلاثين عاما" يوما" اخر.
اما الرائد مالارميه يقول : في اغنية حب . 
هكذا اغنية الحب / تطير على الشفاه / ان بداتها فاطرد منها الواقع / لانه منحط . 
اما ابو لينير يقول : تسقط امواج هذه الاحجار / ان كنت لم تحب ! أنا حاكم مصر / زوجته و أخته / جيشه / ان لم تكن الحب الوحيد . 
أن أكثر شعراء قصيدة النثر وقعوا في الحب أولهم بود لير نفسه وأخرهم بانتظار من إن يعلن عن نفسه لاحقا000 هذه قصيدة النثر و الترجمة الدقيقة لها( القصيدة النثرية) ولكن الذي شاع على الألسن عندنا مصطلحا هو: قصيدة النثر متابعة للترجمات المبكرة للمصطلح الفرنسي 0 ولمدنيتها أي قصيدة النثر يبتغي شاعرها السهولة بالفاظه الممدودة وحروفه الرخوة اللينة الناعمة للنطق بها برقة ونعومة هذا في قصيدة النثر الغربية منذ بواكيرها وحتى اليوم000 
فالقصيدة الشرقية لها صدى واسع بذكر الحب و كما جاء في قصيدة الشاعرة الهندية كمالا داس 
في قصيدة المرآة تقول : من السهل أن تحملني رجلا" على حبك / كوني صريحة فقط في رغباتك كامرأة / قفي عارية أمام المرآة معه / كي يستطيع رؤية نفسه الأقوى و يصدق نفسه . 
و للشاعرة الفارسية فروخ فرخزاد نفس شفيف و همس رقيق بالحب : 
ما هو الصمت / ما هو يا حبيبي الاوهن / ما هو الصمت سوا كلام لم يتكلم به /انا اتاخر عن لكلام .
أما قصيدة النثر العربية / فقد ابتدأت بعد قرنا كاملا من نشوء سابقتها الغربية أي بعد عام 1957 على يد جماعة مجلة شعر البيروتية وبنفس المحاولات الهادفة والملحقة وفق الأسلوب بدءا من محمد الماغوط في قصيدته ( النبيذ المر) في منتصف الخمسينات واد ونيس ويوسف الخال وانسي الحاج و شوقي ابو شقرا وغيرهم , واستمرت على منوالها الحداثي رافضة النمطية والقيود بتطلعها إلى أفاق أخرى تحلق بها ولرائدها الماغوط ارتشافه في الحب يقول00
انا00 أنا وأنت يا حبيبتي / حطابان مغروران في غابة يائسة / كل منها يحمل فأسا قاطعه 00 كحد السيف / ويهوي عليها 000 شجرة بعد شجرة / وغصنا بعد غصن 00 دون أن ندري / أن هذه الغابة هي 000 حبنا. 
و الرائد ( ادونيس ) في اول الجسد اخر البحر يولد الحب . 
خرج الورد من حوضه لملاقاتها / كانت الشمس عريانة في الخريف / سوى خيط غيم على خصرها / هكذا يولد الحب / في القرية التي جئت منها . 
اما انسي الحاج يقول : افكر في حبي الذي ركعك / ثم ملك يا حبيبي / افكر في المراثي يا حبيبي / افكر في القتل . 
و شوقي ابو شقرا يقول : تحت ضوء القمر احببتك / و تحت ضوء القمر احببت الله و امي و خرير الماء – الماء الحقيقي / لكن روحي المشفقة كارض الزلزال لا يرويها شيء . 
في أواخر ستينات القرن المنصرم تلقفت الرؤى العراقية نصوصا حديثة تخاطب الطبيعة بسحرها الأخاذ ولا نفتاحها على منافذ أخرى عبر كوة الأنا الراسخة في اللاشعور(( تبنت جماعة كركوك لمشروع تجديدي غير مألوف شكل تحديا لطموحات وهواجس الشعراء والكتاب الكلاسيكيين آنذاك وإيغالا بلا ترددا أو توجس في الغوص بتجربة جديدة لم تكتمل هويتها بعد على يد سركون بولص وفاضل العزاوي وصلاح فائق والذين نشروا نتاجاتهم في مجلة شعر/ لبنان وذلك لتأثير هؤلاء بالأفكار الحديثة التي طرحتها المجلة آنذاك ولإجادتهم اللغة الانكليزية بالذات سهلت الاقتحام لتلك القواعد الراسخة فيها 00 هذا جيل أواخر الستينات عصر التمدن الذهبي يحاكي الشيء بروحه 
000 إضافة إلى جماعة كركوك الآخرين000 وتجلت في ظهور روئ مختلفة شيئا ما من شعراء مرحلة السبعينات لدى مجموعة من شعرائها المتميزين هم (خزعل ألماجدي ، سلام كاظم))وغيرهم000(2) 
ففي كركوك بالذات شكل سركون نقلة نوعية في مسيرة القصيدة الحديثة فهو شاعر حقيقي متمدن بروحة وموهبته ووسامته وأدواته الشعرية لذا توفرت في قصيدته ثلاثة ملامح هي ـ أولا بناؤها المتأثر بالشعر الانكلوسكسوني ـ ثانياـ مناجاتها السريالية ـ ثالثاـ غنائية شفيفه تعج بتأثيرات الصوفية المسيحية من مزامير توراتية وإيقاعات لاهوائية( 3 ) لذا استحق قصب السبق في حداثة الطرح والتي واكبت المناخ السائد آنذاك 000000 حتى قيل إن القصيدة العمودية ابنة البادية ـ وقصيدة التفعيلة ابنة الريف, وقصيدة النثر ابنة المدينة لما تكتنف هذه الأجناس وعلى التوالي الخشونة والليونة وما بينهما الاعتدال المحبب لذا تعددت تسميات قصيدة النثر , قصيدة الشعر , ( النثيرة ) او النثر المركز او الشعر المنثور او ما يرادفها من مصطلحات تعبيرا" عن قلق المصالح و قلق العصر هي من افرازات هذه الحركة الحداثوية(4). 
و لشعرائها شأن في الحب بدا" بالشاعر الحداثوي سركون بولص يقول : لم نعد نحب / ما كنا مولهين به / كما كان يسرنا / كالرماد على لساننا يستقر . 
كذلك صلاح فائق : حبيبتي / مع هذه القصائد / ارسل لك تحيات قلبي / الذي لا يتكلم . 
فاضل العزاوي يقول : كيف يكون الموت / بدون شهادة حب / و على ارصفة الاحلام / طيورك كيف تغادر / غابات القلب . 
اما الشاعر المتمرد و الذي يهذي بحلمه الكحولي بامتياز جان دمو يقول : حبيبتي فمك حمار كهربائي / حيث اسناني / تسافر في الريح . 
و للشاعر حسين مردان الصعلوك الاثيري يقول : اتسمع ايه الحبيب / دعني أتمدد في قلبك / فالحب قوي كالموت و الغيرة قاسية / كالهاوية / لهيبا" كلظى الرب . 
خزعل الماجدي : كلنا نحب القمر / لأنه كان في داخلنا / ذات يوم .
هذه قصيدة النثر منذ بواكيرها و حتى سبعينيات القرن المنصرم حيث كانت المواجهة بينها و بين الذائقة السائدة اشد ضراوة , ذلك لان هذه القصيدة(( كانت نظرية و تطبيقا" , ريحا" معاكسة للسياج الراسخ لمفهوم الشعر و وظيفته و مهاراته إضافة إلى ذلك فقد حملت ملابسات النشأة الأولى أي - قصيدة النثر – الكثير من الاعتراضات الأيدلوجية و التي كان من الصعب تخطيها )) (5) 
حيث جاء التشكيك باعتبارها جنس أدبي لا يؤخذ به مما ولد تراكما" من الفوضى و الاحتجاجات في حينه , و تم رفضها قبل ان تولد , علما" انها ولدت قبل قرنا" كاملا" (( لكنها بقيت في حاضنات الخدج ما يقارب الخمسين عاما")) ((لم يتعرض شكل شعري او جنس ادبي لتشكيك وتحديد لغوي مثلما تعرضت له قصيدة النثر فهي بحق تشكل (علة) اشكالية عند كثير من الباحثين والنقاد وهم بشكل عام ينقسمون الى طائفتين متناقضتين في الرؤية والمنهج الاولى : تتطرق في الرفض معللة ذلك انها خارج كل ما مالوف في الشكل وتطبيق من الشعر العربي ، الثانية ترى ان قصيدة النثر يؤثر في العلم والكتابة الشعرية وترد على القيود الكلاسكية الذي رافق الشعر العربي)) (6) و تعزيزا" بذلك ورد عن د. عارف الساعدي في مقابلة له في جريدة الزمان شباط / 2013 ( قصيدة النثر – و سؤال القراءة ) (( أن التشكيك بقصيدة النثر هو جزء من حيويتها و ديمومتها , فمادام هناك تشكيك يعني هناك قلق من هذا الشكل الجديد و ريبة في أمره , أما الاستقرار فيعني الذبول و الركود )) (6) . يعني هذا الاعتراف الضمني بهذا الجنس ضمن التشكيك بوجوده و إلا فما الريبة منه . 
(( لا شك أنها استطاعت و توسعت عبر شعرائها المتميزين أن تظهر ساطعة في سماء الأدب و أن تعبر عن بعض ما في حياتنا العربية من حزن و توتر و وحشية , لكنها لم ترق حتى ألان إلى أن تكون تيارا" شعريا" أساسيا" مستقرا" أو مهيمنا"))(7) دون إصابتها بقلق النشاة وانية الاستقرار النهائي . 

االهوامش :-
1-جمالية قصيدة النثر ـ سوزان برنارـ ترجمة د0 زهير مجيد مغامس/ بغداد ـ 1978
2- افق الحداثة وحداثة النمط / سامي مهدي / بغداد ـ1988
3- نفس المصدر في – 2 - . 
4- علاقات الحضور و الغياب في شعرية النص الادبي ( مقاربات نقدية ) د. سمير الخليل بغداد- 2008 ط 1 . 
5- حداثة النص الشعري / د. علي جعفر العلاق / دار الشؤون الثقافية بغداد - 1990 .
6- قصيدة النثر عند جماعة كركوك – د.سنان عبد العزيز النفطجي – مجلة كركوك اليوم العدد 12 لسنة 2013 .
7- جريدة الزمان / شباط - 2013 د. عارف الساعدي ( قصيدة النثر- سؤال القراءة ) مقابلة . 
8- نفس المصدر في - 5 -

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق