دراسات: نثر - شعر: نجم ... نجم السخرية الشعرية بقلم/ مروان محمد

الكلام اليوم سيكون حول أحمد فؤاد نجم, كلنا نعلم من هو ؟, هو صاحب اللسان السليط, السخرية اللاذعة و البذيئة كما يحلو للبعض تسميتها, ممل جدا ان اقول هو صاحب الكلمات النارية و القنابل المدوية او الاشعار الصاروخية, نحن فى حل من ذكر كل مسميات التبجيل و التعظيم التى يحلو للبعض ان يترنم بها و لكنى لا ارى شاعر مثله يتمتع بكل هذا الوضوح و الصراحة و بجاحته اللذيذة و قلة ادبه الفكاهية و ليست مبتذلة او متكلفة.
يشعرك فى اشعاره و مقابلاته التليفزيونية انه صادق جدا الى حد الوقاحة و تصادمى الى اقصى حد و يعبر عن كل اراءه بمنتهى الحدة و لا يهاب أحد فهو يشتم الجميع من الغفير الى الرئيس ذات نفسه و لم يسلم احد من لسانه و لم يسلم هو شخصيا من لسانه فلقد امضى وقت طويل فى المعتقلات ايام عبد الناصر و السادات و هو ليس بالامن فى العصر الحالى خاصة و انى سمعت انه تم استدعاءه لمباحث امن الدولة و من ثم اطلاق صراحه بعد ثلاث ايام, ان كانت هذه الأنباء صحيحة او لا, حتى ان الست ام كلثوم لم تسلم من لسانه و شتم الجميع حتى انه شتم عبد الرحمن الابنودى. و اتهمه بالخائن لجبهة الشعراء
ملف العدد هذا الاسبوع ليس بالنسبة لى على الاقل للكلام عن السيرة الذاتية لحياة احمد فؤاد نجم او كما يلقب الفاجومى و لكن حياته هى اشعاره الثورجية النورجية كما يقول فى احد قصائده الجميلة جداو قد خصصنا هذا الاسبوع من اجل احياء اشعار ذلك الشاعر الرائع احمد فؤاد نجم
فلو مستعدين حنشمر و نغوص بين كلماته و نحن واثقين لو ضربنا الارض ستنبت كلمات من صنع احمد فؤاد نجم و لن نتمكن من الجرى لان ناره ستطولنا قبل ما نفكر نجرى.
صدر عن مكتبة جزيرة الورد كتاب ضخم جدا مكتوب عليه الاعمال الشعرية الكاملة و يعلوه بخط اكبر أحمد فؤاد نجم, و انا اخترت بعض القصائد لحبايبنا و كبيرنا احمد فؤاد نجم رئيس مجلس ادارة السطوح!!, ناويين و النية لله اننا نتكلم عنها اليوم
و احب ان ابدأ بقصيدة " القواد الفصيح" و طبعا من اسمها يتضح مضمونها فخط احمد فؤاد الفنى لا يتخلى عن الجرأة التى لا يمتلكها غيره فى استعمال بعض المفرادت التى قد يخاف الاخرون من استخدامها و لا يحرج هو من استخدامها و يقول فى مطلع القصيدة:
سلمى يا عزيزة على الاستاذ
فنان اليوم
و المستقبل
محمود محمود محمود الباز
بنتى السنيورة القمورة
على فكره
بترقص ممتاز
ارقصى يا عزيزة متنكسفيش
محمود بقى منا خلاص و لا فيش
يا عزيزة النيزة كوا النيزه
كان ممكن تطلعى مركيزة
فى تصورى الشخصى انه لا يوجد لدى اى شاعر آخر القدرة على ان ياتى بمفرادت ليست فقط عامية و لكن ان ينحدر فى استخدام بعض المفردات العامية و لا تكون تغمة نشاذ فى سياق الشعر المرسل و هذه ميزة ينفرد بها على حد رأى احمد فؤاد نجم مثل استخدامه " النيزة كوا النيزة " القصيدة مقسمة الى اربع مناطق و الملاحظ هنا ان القصيدة فى حالة تصاعدية كلما تقدمت فى القراءة يصور لك الشاعر تهاوى الجدار تلو الاخر الذى يفصل بين محمود الباز المشار اليه فى القصيدة و بين عزيزة و محمود الباز باعتباره غريب فالقواد الفصيح يسهل له عبور كل الجدارن الفاصلة بينه و بين عزيزة حتى تكتشف فى نهاية القصيدة ان عزيزة قاب قوسين او ادنى من التصور الذى يحاول الشاعر ان يرسمه فى ذهن القارىء و ينهى القصيدة على هذا الوضع تاركا للقارىء ان يتصور المرحلة الاتية كيف ستكون
فهو يبدأ فى مقطع القصيدة الاول : " ارقصى يا عزيزة متنكسفيش" و من ثم فى المقطع الثانى يثب الى المرحلة التى تليها و هى " العبى يا عزيزة متنكسفيش" و فى المقطع الثالث من القصيدة يقول:" قربى يا عزيزة من الاستاذ" و ينهى فى المقطع الرابع المرحلة الرابعة و هى : " قربى يا عزيزة ما تتاخريش"و من الممكن اذا امعن غيرى النظر لربما خرج بالمزيد من القراءات و التأويلات مثل تأويل عزيزة بأنها مصر و محمود الباز تأويلهم على انه الاستعمار او من ينهبون خيرات مصر من ابناء بلدتها و غيرها من تأويلات التى قد تنجح فى تحليل النصر او افساد النص بكمية من التأويلات التى تحمل النص ما لا يحتمل.
و اما القصيدة الثانية التى ساتناولها وفق قراءتى الشخصية اعدها من اروع قصائده من وجهة نظرى لانها الاولى من نوعها ككتابة بشكل عام التى تكسر التابو او الهالة القدسية المرسومة حول شخص السيدة ام كلثوم بصرف النظر عن مكانتها السياسية و الاجتماعية و فنها و لكن تحولت السيدة ام كلثوم الى تابوه يعجز معه اى شخص من انتقادها او الاعتراض عليها فى اى مسألة من المسائل و هى من الامور المستهجنة طبعا و لكن احمد فؤاد نجم الذى لا يلتزم باى قاعدة من القواعد و قاعدته الذهبية انه لا قاعدة له فهو اول من تجرأ و اعترض على الست و لو بشكل غير مباشر او غير ممثل فى شخصها و هى تظهر جلية فى قصيدة " كلب الست" حيث يقول بعد ان يعرف الست بطريقته الساخرة اللاذعة بدون ان يذكر اسمها و من ثم ينطلق موجها الوصف بعد ذلك الى كلب الست: فيقول:
فوكس دا عقبال املتك
عنده دستة خدامين
يعنى مش موجود فى عيلتك
صخص زيه يا سماعين
لمن لا يعرف القصة التى دفعت احمد فؤاد نجم الى كتابة هذه القصيدة فالقصة بالمختصر المفيد ان شاب على قد الحال غلبان مثلنا عضه كلب الست ام كلثوم و ابدت الست اسفها لما حدث للشاب الغلبان و لكن الجرائد تافى اليوم التالى نشرت اعتذار وهمى للشخص الغلبان ده فجن جنون احمد فؤاد نجم و كتب هذه القصيدة و ينطلق احمد فؤاد نجم فى اطلاق كلماته الطوب التى لا ترحم و هو يقارن بين اسماعين (الشاب الغلبان اللى عضه الكب) و كلب الست فيقول:
طب دا كلب الست يا ابنى
و انت تطلع ابن مين؟
هيص يا كلب الست
هيص
لك مجامك
فى البوليس
بكره تتولف وزارة
للكلاب
ياخدوك رئيس
طبعا احنا فى غنى عن التعليق على هذه الاشعار الصادقة التى تخرج من القلب بحرقة شديدة قوى و فى نفس الوقت بحس الفكاهة المصرى الذى لا تجد مثيل له و ليس ذلك فحسب بل بنكهة احمد فؤاد نجم.
اما فى قصيدة " بقرة حاحا" فهى قصيدة سياسية كاغلب قصائده و لكنها من اشهر ما كتب فى السياسة و البقرة حاحا هى طبعا مصر, فى اعتقادى الذى ساهم فى انتشار هذه القصيدة و ان يتم ترديدها على الالسنة هى النغمة الموسيقية العالية فيها و التى يغلب عليها الطابع الشعبى مع جمل قصيرة جدا يسهل معها الحفظ و الترديد و هى سمة اخرى من سمات الفنان احمد فؤاد نجم هى سهولة حفظ اشعاره و ترديدها حتى للعامة لما تتميز به قصائده من مكونات سهلة و مفردات شعبية و تناسب كل الاذواق و ايضا لان ايقاعها الموسيقى يقارب الفلكلور المصرى مثل قوله " تكى تم تكى تم تكى تم"فى قصيدة "القواد الفصيح" و ترديده لـ"حاحا: فى قصيدة "بقرة حاحا" و ايضا ترديده لـ" ياللى" فى قصيدة" الملك هو الملك" و عودا سريعا الى قصيدة " بقرة حاحا" فهو يستهل قصيدته بقوله:
ناح النواح و النواحه
على بقرة حاحا النطاحة
و البقرة حلوب
حاحا
تحلب قنطار
حاحا
لكن مسلوب
حاحا
من أهل الدار
حاحا
و الدار بصحاب
حاحا
و حداشر باب
حاحا
غير السراديب
حاحا
و يختم القصيدة بالمستقبل المتوقع لبقرة حاحا فيقول:
وقعت من الجوع و من الراحة
البقرا السمرا النطاحه
ناحت مواويل النواحه
على حاحا ( الشعب المصرى)
و على بقرة حاحا
و طبعا نلحظ فى الخاتمة التى الحقها بالقصيدة انها ذات جمل اكثر طولا من سابقتها و ايضا تخلو من تقطيعها بترديد اللفظة حاحا و ذلك ليضع كل التركيز على المقطع الاخير حتى يرن اجراس الخطر على مستقبل مصر المتوقع و ذلك عن طريق لفت النظر الى مستوى الشكلى المتغير فى البنيان الشعرى لنهاية القصيدة.
ايضا قد تجد نفس الرتم او الصبغة فى قصيدة " كان يا ما كان" فهو يعتمد اسلوب الجمل القصيرة و السريعة و هذه المرة يفصل بين كل جملة شعرية و الاخرى بسؤال و من ثم يرد عليه و من ثم يؤسس على هذه الاجابة سؤال أخر فيعطى اجابة مفتوحة يؤسس عليها سؤال اخر و هكذا هى لعبة الدائرة المغلقة و فى كل سؤال و جواب تتكشف حقيقة من الحقائق و تطرح لغز جديد تجد حله فى سؤال أخر و من ثم يعود فيكرر نفس اللعبة حتى يستدرجك للنهاية التى يختتم بها قصيدته و تكون بمثابة الوصول الى نهاية الطريق و قد اكتنزت فى عجبتك كل الحقائق التى اراد ان يزرعها فيك و يقول فى هذه القصيدة:
كان يا ما كان
و فى كل مكان
ناس ساكنين فوق ناس
علشان
علشان ايه؟
علشان ناس مبيشتغلوش
ياكلوا عرق ناس مبيا كلوش
كان الرد المتوقع فى الشطر الثانى من بيت الشعر ان يقول " ياكلوا عرق ناس بيشتغلوا" و لكنه استخدم حيلة ضرب عصفورين بحجر واحد و هى ان مبياكلوش نتيجة منطقية لناس اشتغلوا و لكنهم لا ياكلوا مما اشتغلوا و ذلك لان صنف اخر من الناس لا يعملون سرقوا عرق شغلهم فباتوا جواعنين و هى حيلة ذكية جدا من الشاعر و من ثم ينهى هذا المقطع على سؤال:
ياكلوه ليه؟
علشان اصل المال السايب
زى البيت ابو بواب خايب
حايب ليه؟
علشان نايم مبيصحاش
مهما اتشحور و لا اتلاش
و دا كده ليه؟
و ياخذنا احمد فؤاد نجم طوال القصيدة فى لعبة السؤال و الاجابة الناقصة حتى نصل للخاتمة و التى يقول فيها:
علشان خاطر على المكتوب
حيخليك اجدع مركوب
و هى هذه هى خلاصة القول الذى يريد ان ينبه اليه الشاعر كما اتصور انه بعد كل هذه المراحل التى يمر بها الناس فى مصر من قبل ممارسات النظام ان يستخدم المواطن كمركوب لتحقيق كل احلام النظام كذلك كما تصورها الشاعر حسبما اعتقد