سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

الثلاثاء، 19 مارس 2013

مقالات اقتصادية: أزمة النظام الاقتصادى المعاصر بقلم/ د. حازم الببلاوى عرض و تقديم/ مروان محمد

لعله مما يدعو للغرابة أن تكون مطالبة دول العالم الثالث لإنشاء نظام اقتصادى دولى جديد أو نظام دولى جديد للمعلومات – نابعة من الرغبة فى اللحاق بما حققته الدول المتقدمة فى ميدان الثروة و الدخل المادى فى الحالة الأولى و وسائل الاتصال و المعلومات فى الحالة الثانية.

فمعارضة الدول النامية للنظام القائم إنما تعكس فى نفس الوقت الرغبة فى تقليد الدول المتقدمة و اللحاق بها, حتى أصبحت كلمة الفجوة هى المشكلة الرئيسية التى تعانى منها الدول النامية, فليس فى الأمر اعتراض حقيقى على النظام فى ذاته بقدر ما هناك من رفض لمكان الدول النامية فى هذا النظام, و على ذلك فإن دعوات الرفض للنظام القائد إنما تنبع فى الحقيقة من الإعجاب و التعلق به, و إن كان الاستنكار هو لترتيب الدول النامية المتأخر فى هذا النظام.


و إذا كانت الدول النامية قد عجزت حتى الآن عن تصور آخر مختلف عما ينبغى أن تكون عليه, باستثناء رغبتها فى أن تحسن ترتيبها فيه, فإن الجدل يثور فى الدول المتقدمة حول النظام الاقتصادى القائم و مشروعية أهدافه, فالغريب أنه فى نفس الوقت الذى تسعى فيه الدول النامية للحاق بالدول المتقدمة و تقليد نظمها بدأت هذه الدول فى التساؤل حول جدوى و مشروعية أهدافها.


و ليس من السهل تحديد هدف واحد أو أهداف محددة للنظام الاقتصادى السائد, و ذلك أن هناك نسيجا متشابكا من العلاقات و القيم التاريخية و الحاجات الحالية, و مع ذلك فمن أجل التبسيط يمكن القول بأن الهدف الغالب فى الدول المتقدمة هو النمو, فالنمو هو المثل الأعلى للسلوك الاقتصادى و النمو هو الزيادة المستمرة و هو أمر جد على الحضارة مع الثورة العلمية.


فمنذ الثورة العلمية و قد أصبح القياس مرادافا للعلم, فلا علم إلا ما يقبل القياس, و متى تحدثنا عن القياس فإننا نشير إلى الكم, و فى عالم الكم الأكبر أفضل من الأصغر, و لذلك لم يكن غريبا أن يكون السعى وراء النمود مصاحبا لهذه الثورة العلمية فالثورة العلمية قد غلب عليها الاهتمام بالكم و الكفاءة و تقلص دور الكيف و الجمال.


و هذا التغيير فى النظرة للأمور هو تغيير عقلى و ثقافى خطير لا ينبغى أن نقلل من أهميته, و قد ترك آثاره على مختلف أوجه الحياة و ليس فقط النشاط الاقتصادى و القيم السائدة. فالثورة العلمية الحديثة لم تتضمن فقط مزيدا من الاهتمام العلمى و تراكما للمعارف, و إنما عكست فى نفس الوقت تغييرا من اهتمامات العلماء لأساليب بحثهم, ففى ميدان العلوم الرياضية مثلا كان انتقال مجالات الاهتمام نذيرا بهذا التحول فى النظرة إلى الكون, فعند الإغريق مثلا كانت الهندسة هى أرقى العلوم و هما هو أفلاطون يضع على باب أكاديميته تحذيرا بأن من لا يعرف الهندسة لا يدل هنا و الهندسة هى علم التناسق و لا شأن لها بالكم و عندما جاء ليبنز و نيوتن فى القرن السابع عشر و طورا البحث فى الرياضة بالاهتمام بالتفاضل و التكامل( التحليل الرياضى) فإن ذلك لم يكن تطويرا عاديا و استمرارا لنفس الاتجاه السابق و إنما كان قفزة و انقطاعا عن الماضى, فقد أصبحنا نبحث مع التحليل الرياضى عن معدل التغيير, أى عن النمو و القيم القصوى, لقد انتقلنا إلى عالم الكم و بعدنا عن عالم الاتساق و الجمال, و لذلك لم يكن غريبا أن يرى العديد من المؤرخين أن الحضارة الصناعية فى أوروبا و أمريكا هى حضارة الكم.


و لكن أى كم؟ لقد أصبح الهدف زيادة الإنتاج و زيادة حيازة الأشياء, فهذا هو ما يقبل القياس, و أصبح الهدف هو تحقيق النمو, و اكتسب الناتج القومى و الدخل الفردى قدسية كبيرة فى الأهداف الاقتصادية للنظم المعاصرة.


فى ضوء ما أثير حول حدود النمو و استحالة الأستمرار بالمعدلات الحالية لنمو السكان و نمو الانتاج و الاستهلاك, فقد بدأ الجدل فى الدول الصناعية ذاتها حول جدوى النمو كهدف للمجتمعات, و لم يقتصر هذا الجدل على الإشارة إلى عدم إمكانية الاستمرار فى السعى وراء هذا الهدف, بل إنه جاوز ذلك التساؤل عن مدى فائدته و جدواه, بل و بدا البعض فى رفع شعار مضاد و هو صفر معدل نمو و بصرف النظر عن مدى فائدة هذا الشعار الجديد فإن هناك مصاعب عملية فى تنفيذه, ففى مجال يبدو الاتفاق عليه أكثر من عيره و هو تقييد أو وقف النمو السكانى, تظهر عدة صعوبات عملية, فمن ناحية قد يؤدى التطبيق الحرفى لمنع نمو السكان لسلسلة من التذبذبات فى السكان, فإذا نجحنا فى عدم زيادة السكان مباشرة فإن معنى ذلك أنه بعد فترة معينة ستزيد معدل الوفيات نتيجة لزيادة الأعمار, و من ثم تظهر الحاجة لزيادة المواليد بمعدل أكبر, ثم تنخفض هذه الحاجة مرة أخرى لتعود من جديد, و هكذا نضطر أن نمر بعدة تذبذبات قبل الوصول إلى مرحلة التوزان, فالسكان مثل السيارة مندفعة بسرعة لا يمكن إيقافها مرة واحدة و إلا وقعت حوادث. و لذلك فلابد من التدرج. كذلك يشير البعض إلى خطورة تحول منع نمو السكان إلى زيادة فى شيخوخة الأمة مع ما يترتب على ذلك من متاعب اقتصادية و حضارية, و أخيرا فإنه ما لم توضع سياسة سكانية عالمية, و يتحقق تضامن حقيقى ين الشعوب و يسمح بحرية انتقال العمل, فإن تقييد نمو السكان بشكل كبير قد يؤدى إلى الأضرار بالبعض على حساب البعض الآخر, و لذلك لم يكن غريبا أن يفشل مؤتمر بوخارست للسكان عام 1974 و هو الاول من نوعه على مستوى العالم, فى الوصول إلى نتائج مقبولة من الجميع.


و فيما يتعلق باستمرار نمو الإنتاج, فقد كان محلا لانتقادات متعددة متعلقة بآثاره على التلووث و تدهور البيئة المادية و الحضارية و ما نشأ عنه من سوء توزيع الثروة و الدخول, و إذا كان الجدل فى هذه النقطة كثيرا ما يختلط مع الجدل حول حماية نوعية الحياة فإن هناك انطباعا عاماً بوجود تعارض بين تحسين نوعية الحياة و بين الاستمرار فى زيادة الإنتاج, و على أى الأحوال فقد بدأ العديد من المفكرين يستبعدون فكرة النوم باعتباره مرادفا للتكرار, و يدعون إلى الأخذ بفكرة النمو العضوى الذى يقوم على إعادة تعديل علاقات القوى بين الدول و المناطق من ناحية و إعادة النظر فى القيم التى تحكم النظام و أهدافه من ناحية أخرى, فتقرير نادى روما الثانى يدافع عن فكرة أخرى للنمو تختلف عن مجرد التزايد الكمى إلى تعديلات كيفية.






من كتاب على أبواب عصر جديد للدكتور حازم الببلاوى , مكتبة الأسرة 1997


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق