سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

الأربعاء، 20 مارس 2013

مقالات اقتصادية: مجتمع الاستهلاك عرض و تقديم/ مروان محمد

بقلم/ د. حازم الببلاوى

الغاية النهائية من النشاط الانتاجى فى كل مجتمع هى الاستهلاك, و لا يختلف المجتمع الحديث فى ذلك عن اى مجتمع سابق ألا فى الأهمية الزائدة التى بدأت تحتلها ضرورة العمل على زيادة الاستهلاك, و القدرة الهائلة التى توفرت لهذا المجتمع للعمل على تحقيق هذه الزيادة باستمرار و بمعدلات متزايدة دائما, أن التقدم الفنى الهائل المتاح الآن لاستخدامه فى أساليب الإنتاج قد وفر القدرة المستمرة على زيادة الانتاج و الإنتاجية مما زاد من فرص الاستهلاك.


كذلك فسيطرة الفنيين على قرارات الانتاج قد ساعدت على النظر إلى أن النمو أى زيادة الانتاج فى ذاتها و ما يرتبط بها من ضرورة زيادة التصريف باعتبارها من الأهداف الرئيسية التى يتوخاها مصدرو هذه القرارات, و قد نجم عن ذلك أن الاستهلاك فى المجتمع الحديث قد زاد بشكل لم يكن معروفا فيما سبق, كما نجمت عن مجموعة من القيم و القواعد التى تنظم حياة المجتمع فى ضوء زيادة الاستهلاك, إذ اعتبرت زيادة الاستهلاك ذاتها قيمة اجتماعية كبرى و محورا لكثير من أجزاء النشاط الاقتصادى, فزيادة الاستهلاك فى ذاتها و بصرف النظر عن الحاجات التى يشبعها هذا الاستهلاك المتزايد قد أصبحت من قواعد الانتاج فى العصر الحديث, فالاستهلاك لا يتزايد لاشباع حاجات قائمة, بقدر ما يخلق حاجات جديدة للتمكين من زيادة الاستهلاك و قد كان لهذه الظاهرة آثار بعيدة على الاقتصاد كما أنها نتائج خطيرة على السلوك الاجتماعى بدأت تظهر فى الفترة الأخيرة.


الواقع أن مظاهر مجتمع الاستهلاك لازالت حديثة كما أنها لازالت بعيدة عن أن تكون عامة سواء من يحث الدول أو حتى بالنسبة للدولة الواحدة, فالبنسبة للدول الصناعية لا يمكن الحديث باطمئنان عن وجود مجتمع الاستهلاك بالصورة التى تتحدث عنها إلا فى شكل اتجاه عام, و لا تكاد توجد دولة تتركز فيها خصائص هذا المجتمع إلا فى الولايات المتحدة الأمريكية, و حتى بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية فهذا المجتمع لازال بعيدا عن أن يكون شاملا, ذلك أن التقدم المتحقق فى العالم حتى الآن قد أذ صورة النمو غير المتوازن بمعنى أن هناك دائما قطاعات أسبق من غيرها فى استيعاب التقدم و فى تحقيق النمو, كما أن هناك مناطق جغرافية أقدر على تحقيق التقدم من غيرها, و هذا النمو غير المتوازن نجده على مستوى العالم فى مجموعه مما أدى إلى وجود الدول النامية و المتخلفة كما نجده على مستوى الدولة الواحدة مما أدى إلى وجود الأماكن و القطاعات المختلفة, و على ذلك فعند حديثنا عن خصائص مجتمع الاستهلاك لا ينبغى أن يفهم من ذلك أن هذا المجتمع قد تحقق بالفعل و أنما هو مجرد اتجاه عام بدأت تظهر خطوطه الرئيسية, و لكن جزر الفقر موجودة دائما و هى تثير الكثير من المشاكل على ما سنرى.


و إذا كانت خصائص مجتمع الاستهلاك لازالت حديثة فإن بوادرها قد ظهرت على النظرية الاقتصادية منذ فترة, و هذا هو فى الواقع مغزى التطور الذى لحقها منذ التقليديون و كينز. و بدون التعرض إلى جوانب كيفية توزيع الدخل التى تثير فى الواقع خلافات مذهبية, فإن جوهر النظرية التقليدية فى الاقتصاد و التى ورثناها منذ آدم سميث و ريكاردو, هو أن الطلب الكلى يستوعب فى الواقع العرض الكلى دائما, فكل ما ينتج من السلع نجد له طلبا فى السوق, و إذا كان من الممكن حدوث بعض الاختلالات الجزئية فى الاقتصاد كأن يكون عرض سلعة معينة أكبر أو أقل من الطلب عليها فإن ذلك لا يمكن إلا أن يكون حالة استثنائية جزئية لا بد أن تعادلها اختلالات جزئية أخرى, و المهم فى كل ذلك هو أن مجموع الطلب الكلى فى الاقتصاد لا يمكن أن يقل عن مجموع العرض أو الانتاج الكلى, و لذلك فإن الاقتصاد بطبيعته يتوازن عند مستوى التشغيل الشامل, و تفسير ذلك أن الاقتصاد بعيد عن اشباع جميع الحاجات, و لذلك فإن الحاجة موجودة باستمرار لزيادة الانتاج و فرص الربح من الاستثمارات الجديدة مكفولة بالنظر إلى أن هناك دائما قدرة على زيادة الانتاج و زيادة الاستهلاك, و فرص الاستثمارات تكون عادة كبيرة, و لكن نظرا لأن الاقتصاد فقير فإنه لا يمكن القيام بكل هذه الاستثمارات, و يتم القيام فقط بالاستثمارات فى الحدود التى يمكن فيها ضغط الاستهلاك, و على ذلك فكل جزء يمكن ادخاره من الناتج القومى سيطلب بالضرورة للاستثمار لأن فرص الاستثمار كبيرة لوجود فرص الربح من الانتاج فى المستقبل و اشباع الحاجات الناقصة, و على ذلك فإن التقليديين و جهوا أنظارهم إلى الادار, فهذا هو القرار الهام, و هو الذى سيحدد مقدار الاستثمار, فكل ما يدخر سيتثمر حتما لأن الطلب على الاستثمار كبير جدا, و لذلك لم تقم صعوبة عند التقليدين لتقرير ضرورة تحقيق التوازن فى الاقتصاد, فالعرض الكلى يتساوى دائما مع الطلب الكلى, و العرض الكلى يتكون من عرض سلع الاستهلاك و عرض الادخار, و الطلب الكلى يتكون من الطلب على الاستهلاك و الطلب على الاستثمار. و نظرا لأن الطلب على الاستثمار يكون كبيرا جدا بالنسبة لعرض الادخار فإنه لا يمكن أن تقوم حالة يزيد فيها العرض الكلى عن الطلب الكلى.


و إذا انتقلنا إلى تحليل كينز نجد أن التجديد الذى أتى به هو أنه أوضح أن الطلب على الاستثمار قد لا يكون من الكبر بحيث يستوعب كل المدخرات. و لذلك فليس من المقبول الاهتمام فقط بالادخار باعتبار أن الاستثمار سيتحقق دائما, بل لعل العكس هو الصحيح, فنظرا لنقص فرص الربح فإن الطلب على الاستثمار قد يكون محدودا, و من وجب أن يتعدل الادخار وفقا لهذا الطلب المحدود, و رأى كينز أن تعديلات الادخار وفقا للطلب على الاستثمار تتم بتغيرات مستوى الدخل القومى و العمالة, مما قد يجعل وجود بطالة أمرا متفقا مع التوازن الاقتصادى, و هذا فى الواقع جوهر الثورة التى أحدثها كينز فى النظرية الاقتصادية فى كتابه الشهير النظرية العامة و من الواضح أن امكان نقص الاستثمار عن المدخرات أما يرجع إلى نقص فرص الربح من الاستثمارات الجديدة, و هذا ما يشير فى الواقع إلى أن زيادة الاستهلاك فى المستقبل لم تعد متوافرة كما كان الأمر قبل ذلك بقرن من الزمان. و هذا تغيير هام و هو مقدمة لبيان أن الاستهلاك قد بدأ يفرض نوعا من المشاكل, فنحن لسنا فى مرحلة الفقر الشديد و حيث كل زيادة فى الانتاج ستصرف حتما, و لكننا بدأنا ندخل مرحلة امكان نقص الطلب الفعلى عن توفير العمالة الشاملة و للك فإن السياسة التى نصح بها كثيرة, هى ضرورة العمل على زيادة الطلب. على أنه لا ينبغى أن تعطى نظرية كينز أكثر من دلالتها الحقيقية. فليس معنى ذلك أن العالم قد عرف مجتمع الاستهلاك فى الثلاثينات, و لكن ما نود أن نشير إليه هو أنه بدأت تظهر مشاكل الطلب الكلى و لم تعد أمرا تلقائيا كما كانت عند بداية الثورة الصناعية و فى ظل مستويات الاستهلاك المنخفضة. و مما ساعد على ظهور أزمة الطلب الكلى فى الثلاثينات سوء توزيع الدخول, فأصحاب الدخول المنخفضة لم يكن من الممكن زيادة استهلاكهم نظرا لانخافض دخولهم, و أصحاب الدخول المرتفعة لم يكن من السهل زيادة استهلاكهم نظرا لانخفاض مرونة الاستهلاك لديهم, و فى هذا الجانب يتفق تحليل كينز مع تحليل ماركس للأزمات الاقتصادية فى ظل النظام الرأسمالى.






من كتاب على أبواب عصر جديد للدكتور حازم الببلاوى مكتبة الأسرة 1997


هناك تعليق واحد: