سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

السبت، 9 يونيو 2012

القصة القصيرة: قطـــــار بقلم/ شروق إلهامى

القصة الفائزة بالمرتبة الثانية فى المسابقة الأدبية الأولى الإليكترونية 2012 برعاية صفحة حكايات لمن يكرهون النوم



أنتهى الاضراب أخيرا وعادت حركة القطارات مجددا الى سابق عهدها .. وفى محطة وسط بين القاهرة واسوان ركب شاب اسمر الوجه ذو عينان بنيتان تشى بالحماس وشعر أجعد أسود قصير يرتدى قميص أزرق فاتح وبنطال جينز باهت اللون .. وقف فى مقدمة العربة يمشطها بعينيه عله يجد أحد المقاعد فارغ .. ولكن لم يسعده الحظ فتحرك نحو العربة التى تليها مخترقا المقاعد متوجها للباب المقابل ولكن أثناء سيره المتمهل الحذر فى الممرالذى أمتلئ بالحقائب بكل أهمال ، حيث أن كل جالس يضع له بين ساقيه حقيبه واخرى بجانبه فى الممر .. وجد كرسى فارغ فوقه حقيبة فأستفزه الامر .. حيث أن الكراسى للركاب وليس للحقائب فنهر الجالس على الكرسى المجاور للحقيبة .. فنظر له الاخر شذرا أو أشار له بدون كلام بما يعنى أن تلك الحقيبة للجالس فى الكرسى المقابل لها .. تأسف فى هدوء ونظر للمشار اليه فوجده نائم ساندا رأسه على النافذة اليسري بجانبه .. فقام الشاب الاسمر برفع الحقيبة وجلس مكانها ويبدو ان تلك الحركة قد ايقظت صاحب الحقيبة .. كان شاب فى الثلاثين ذو بشرة قمحية وعينان خضراوتان لا تتناسبان مع لون بشرته وله فم صغير وذقن حادة مدببة قليلا وشعر بنى ناعم وقصير .. أبتسم للاسمر قائلا : عذرا لقد كان القطار فارغ حين ركبته .. فأبتسم للاخر أبتسامة بسيطة و قائلا : لا عليك . فقال صاحب الحقيبة : أنا شاكر وبما أننا سنكون معا لساعات فضع حقيبتى على الارض بدلا من على ساقيك .. فرح الاسمر لهذا الاقتراح فقد وضع الحقيبة على ساقيه كحركة أعتذار على أساءة الظن بالفتى وايقاظه ايضا 0 قال : وأنا حسن .. واسف أنى أيقظتك .. يمكن ان تنام مجددا وسأحرص على الا يزعجك أحد. قال شاكر : لا عليك .. فلقد أستيقظت بالفعل ولن أنام قبل ساعتين على الاقل .. ثم انحنى على الحقيبة وفتح جيب جانبى واخرج منه كتيب صغير ثم بدأ يقرأ فى هدوء وكان حسن يتابع الطريق الراكض عكس أتجاه القطار ، يتأمل الاشجار والطرق والبيوت وحين مل نظر الى شاكر فوجده منهمكا فى الكتاب وكأنه ليس معه فى القطار ، نظر الى الكتاب فوجد صورة هذا الثورى الكوبى الذى انتشرت صورته على الحقائب والملابس والاكواب مؤخرا 0 

قال حسن لشاكر : ده كتاب عن جيفارا ؟ فأنتبه شاكر بأن الكلام موجه له فقال : تشى جيفارا .. فرد حسن : أفندم ؟؟ فقال شاكر : تشى يعني سيد هو لقبه وأظن الرجل بعد كل ما قام به يستحق اننا نحترمه .. حسن : لا بأس . صمت حسن حين وجد أنه ليس من مصلحته أن يستمر فى هذا الحوار فهو لا يدرى شىء عن هذه الشخصية سوى أنه ثائر كوبى وصوره فى كل مكان ، لذا هو عرفه من ذلك .. غير هذا لا يدرى عنه شىء . 

قال شاكر وكأنه أدرك ما فى نفس حسن : ماذا تعرف عنه ؟ فتلعثم حسن قائلا : أعرف أنه .. أنه . فبتسم شاكر ومد يده اليه بالكتاب 0 فقال حسن : ولكنك مازلت لم .. قاطعه شاكر : بل أقرأه للمرة الثالثة لاعجابى بهذا الشخص . أرتفع حاجبا حسن و قال شاكر بشىء من الخجل : هل أنت قادر على القراءة ؟ فقال حسن بالطبع .. أنا متخرج من كلية زراعة .. لكن أنا لا أحب القراءة .. فرد شاكر : عليك أن تحبها فهناك أشياء كثيرة لن يمدك التلفاز بشىء عنها وفى الانترنت ايضا ستضطر ان تقرأ .. لا تحبس نفسك . ابتسم حسن واخذ الكتاب شاكرا اياه .. ثم بدأ فى تصفحه بدون أهتمام .. فى هذا الوقت مر بائع الجرائد مناديا بأسماء الجرائد بين المسافرين فأوقفه شاكر واشترى جريدتين احدهما قومية والاخرى معارضة وجلس يقلب بأوراقهم وأنهمك كعادته بداخلهم فأستغل حسن الفرصة ودفع الكتاب فى حقيبته وعاد لتأمل الطريق . 
(2) 

" لا اله الا الله " أرتفع صوت شاكر بهذه الجملة أثناء قراءته للجريدة القومية مما لفت نظر حسن وعدد من الجالسين بالقرب منهم ولكن حسن من بادر بالسؤال حين رأى شاكـر قد تجهم وجهه : خير ؟ فقال شاكر دون أن يحرك عينيه عن الجريدة : حادث بمنطقة أمبابة باطلاق الأعيره الناريه مما أدى الى وفاة 12 شخص . فقال حسن دون أن يتأثر .. أه .. لقد أعلنوا عنه أمس ليلا فى المواقع الاخبارية الاليكترونية . طوى شاكر الجريدة بعيدا ناظرا لحسن وقال له : ماذا حدث قل لى .. الجرائد القومية لا تعطى الخبر كاملا .. شرد حسن بعيدا قائلا : حادث طائفى بين المسلمين والمسيحيين بسبب فتاة مسيحية اسلمت وحبسها المسيحيين فأستنجدت بالمسلمين وحدث ما تراه الان قال شاكر: " لا الله الا الله " أين كبار الشيوخ والقساوسة لمنع تلك المذبحة وحل المشكلة من البداية . فقال حسن : هذا ما أخذناه من الثورة. 

وكأن الكهرباء قد لامست جسد شاكر بعد سماع تلك الجملة ، فنظر لحسن متسائلا : ماذا تعنى ؟ . قال حسن : قبل الثورة لم تكن تحتاج لتنام ليلك خارج البيت لحماية اهلك . كان هناك أمان ، لم يكن البلطجية بالشارع وكانت الشرطة تقوم بعملها ولم تتوقف الاعمال أو تحدث تلك المجازر ولم تقف السكك الحديدية وغيرها .. اتدرى أننى أرغب للسفر لاهلى منذ اسبوع وأخاف أن أسافر فى المواصلات فيخرج علينا قطاع الطرق ليسرقونا ويقتلونا . والسكك الحديدية كانت متوقفة كما تعلم وظللت محبوسا فى القاهرة الكئيبة تلك عاجزا عن أن اكون بجانب اهلى لاحميهم فى هذا الوقت العصيب . 

أخذ شاكر نفس طويل ثم صمت لدقائق مغمض عينيه ليستجمع أفكاره ثم قال : من أخرج البلطجية من السجون ؟ . رغب حسن أن يرد ولكن شاكر أشار له أن ينتظر ، ثم أكمل كلامه قائلا : من منع الشرطة من حماية المصريين ؟ من صنع البلطجية وأمدهم بالمال والاسلحة فى فترات الانتخابات أو المظاهرات ، من سرق الاموال بحيث دفع العاملون فى السكك الحديدية والمستشفيات والمصانع والشركات للاعتصام والامتناع عن عملهم الذى لا غيره لأطعام ابنائهم ليطالبوا بحقوق انسانية كالخدمة الصحية أو المرتب المناسب أو الترقى وغيرها . من أهمل المواصلات حيث أصبحت أكبر نسبة وفيات فيها ؟ من أهمل التعليم فأصبح الجاهل والمتعلم سواء ؟ من أهمل سوق العمل بحيث زادت العمالة الاجنبية والبطالة ونسبة الاكتئاب والانتحار والهجرة العشوائية الغير قانونية والقاتلة أيضا ؟ من أهمل الصحة بحيث الداخل لعمل عملية لوز يخرج من المستشفى مسروق كليته أو مصاب بمرض ناتج عن تلوث الادوات ؟ من السبب فى تلوث مياه الشرب ، وسرطنة الخضراوات والفواكه المزروعة بأرضنا ؟ من المستفيد من زيادة نسبة الاستيراد على نقص الصناعة والتصدير ؟ 

حسن .. أنا لا أنتقدك ولا أنتقد وصفك للثورة ولكن ياعزيزى هناك من ماتوا فيها وهم قابلين بأن تكون أرواحهم ثمنا لأن ينشأ أولادك فى بيئة أفضل وأصح مما نشأنا نحن فيها .. كن منصفا وأصبر فالاصلاح عملية كاملة وليست نتيجة سريعة لاى موقف وساعد هذا الوطن أن يكون كما نحلم به حتى لا يهدر دم شهداءنا هباء . صمت شاكر وأخفى وجهه فى الشباك ليخفى دمعتين ترقرت بهم عيناه رغما عنه ولكن حسن كان قد لاحظهم منذ بداية ظهورهم وأستشعر صدقهم . لذا لم يجادل وصمت وظل يفكر قليلا فيما سمعه ثم أخرج من حقيبته كتاب جيفارا وبدأ يقراه فى تركيز وعاد شاكر لمواصلة قراءة الجريدة وظل القطار يركض عكس الطريق ليحملهم معا لارض بعيدة فى أقاصى بلدهم تنتظرهم بشوق وسعادة وحرية

هناك 3 تعليقات:

  1. حلوة جدا وبتشرح واقع مرير. لحد الان فى ناس بتنتقد الثورة ولا تشعر بدماء من راحوا فى مقابل الحريه التى ننعم بها الان مهما كانت الانتقادات لهذه الحريه ولكن .... بدأنا نتنفس صعدائها :)
    المجد للشهداء

    ردحذف
  2. رائع كالعادة يا شروق

    الطريق الراكض عكس اتجاه القطار

    القطار يركض عكس الطريق

    انتى مبدعة بجد :))

    ردحذف
  3. جميلة ..تمنياتى بمزيد من الابداع ..ولكن اتمنى ان تتناولى فقراء الثورة ومن دفعو ثمنها وهم احياء

    ردحذف