مقدمة ضرورية جدا
فى الأيام القليلة الماضية انشغلت بقراءة بحث تاريخى لسيد القمنى, لم يكن ملفتا للنظر بالنسبة لى فى هذا الكتاب أنه يتحدث عن تاريخ الفراعنة الذى أرى انفصال جذرى بينى و بينه و لا أشعر بكثير من الانتماء إلى هذا التاريخ و لكن الذى لفت نظرى هو عنوان الكتاب " رب الثورة" فقررت أن أقرأ هذا الكتاب لأن عنوانه يتماشى مع أحداث الثورة التى نعيشها هذه الأيام و ما أن شرعت فى قراءة هذا الكتاب حتى أصابنى الذهول و الفضول فى كل فصل و كل سطر فى هذا الكتاب لأن ما يحكيه لنا مؤلف الكتاب فى عرضه لأحدى الثورات المصرية القديمة فى عهد الدولة الفرعونية القديمة أنه سرد لما يحدث الأن و أيضا يلقى أمامى بصور مستقبلية لمستقبل الثورة المصرية فى ظل حالة الارتباك و التخبط و الاضطراب السياسى الذى نعيشه هذه الايام .
لم أكن اتخيل أننى أشاهد صورة كربونية رديئة لما حدث و ما سوف يحدث و صورة الحاكم الظالم الذى يذبح شعبه كالخراف و لا هم له سوى حلب هذه البقرة الحلوب بأى ثمن و بأى شكل و على حساب حياة كل المصريين, فخيرات البلد و الشعب المصرى ما هو ألا كنز استباحه لنفسه و اغترف منه بجنون حتى ساءت الاوضاع الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية مما أنذر بقيام الثورة التى أدت فى نهاية المطاف إلى انهيار الدولة, أدعو الله ألا ينالنا نفس المصير, فتلك الثورة الشعبية التى قامت أنما انفجرت على نفس المبادىء التى نادينا بها فى 25 يناير : "حرية – عيش – عدالة اجتماعية " لا تستشعروا فى كلامى هذا المبالغة أو محاولة لاثارة الدهشة و لفت الانظار, كل ما فعلته أننى قدمت لكم فى هذا المقال نصوص من فكر مؤلف الكتاب انتقيتها بعناية لا تخل بالبحث التاريخى و لا بتسلسل الاحداث و لا تؤثر سلبا على السرد التاريخى و لكنها موظفة بشكل أحسبه مناسب لايضاح صورة الثورة الشعبية فى ذلك الوقت كيف كانت و إلى أين انتهت؟, فى بعض المقاطع اوردت الفقرات كما هى و فى البعض الأخر عرضت للفقرات بأسلوبى اختصارا للمساحات و الوقت منعا قدر المستطاع للملل و قررت أن أنقل لكم الصورة كما رأيتها لعلنا نسترشد مما نقرأ من أحداث الثورة الشعبية فى الدولة المصرية القديمة صورة متكررة لاحداث الثورة التى لازالنا نعيشها اليوم و علقت على بعضها رغبة منى مشاركتكم لرؤيتى الشخصية فى الربط بين هذه الثورة التى حدثت من الاف السنين و ما يحدث الأن !!
كيف بدأت الثورة الشعبية فى مصر الفرعونية؟
يقول السيد القمنى أن التاريخ المصرى أصيب بانقطاع مفاجىء بعد الأسرة السادسة مما يعنى حدوث أمر جلل أدى إلى مرور التاريخ المصرى بمنطقة الظل طوال الفترة التى استغرقها هذا الصراع و أن هذا الصراع الاجتماعى بين طبقتى الأجراء و النبلاء قد بدأ فعلا خلال حكم الملك بيوبى الثانى و هو قبل سقوط الأسرة السادسة و يؤكد أن هذا الملك قد انتهت شيخوخته بثورة اجتماعية و قد بدأت بوادرها فى الأسرة الخامسة و يعضد القمنى هذا الرأى برؤية نجيب ميخائيل الذى وصف هذا الصراع بأنه ثورة تأكل ما تلقاه.
و من ثم يعرض لطرح بترى الذى يقول أن مصر فى اعقاب الثورة التى استمرت لسنوات تقوض نظام الدولة بشراسة نتيجة للظلم الغاشم الذى تعرض له الشعب أنها تعرضت لغزاوت متفرقة من بدو الشرق حتى وصلوا إلى مصر الوسطى بينما يشير نجيب ميخائيل إلى غزوة أخرى جاءت من الجنوب النوبى فى نفس الوقت إلى غزو غربى من الصحراء الليبية و ذلك كما اتصوره بعد انهيار الحكومة المركزية و غياب السيطرة الأمنية تماما و يرى الباحثون أن الصراع الاجتماعى المشار إليه قد تصاعد حتى وصل إلى ذروته فى هذا العصر مما حدا ببعضهم إلى وصفه أنه كان ثورة طبقية بمعنى الكملة و انفجارا لمراجل الغضب الشعبى تحت الظلم الاجتماعى و الامتيازات الطبقية التى جثمت على الصدور قرونا طويلة قبل الثورة و لكنهم يشيرون فى نفس الوقت إلى أن هذه الثورة لم تستطع التحول إلى نظام جديد بل اقتصرت على هدم النظام القديم فحسب مما إدى بها على حسب تعبير نجيب ميخائيل إلى أنها أكلت نفسها بعد أن قضت على كل شىء و لم يبق أمامها ما تأكله.
و يستعين القمنى برأى إريك بيت فى شرحه للصراع الاجتماعى فى الدولة المصرية القديمة فى أنه كان هناك هوة واسعة تفصل طبقة النبلاء عن طبقة الفلاحين الذين كانوا كالارقاء فى مزارع الملاك و أما أحوال العيش فأن النبلاء و كبار الموظفين كانوا سعداء جدا و أن الأجراء كانوا على جانب عظيم من الشقاء و كثيرا ما تظهر نقوش الأسرتين الخامسة و السادسة صورة الملك ممسكا بالعصا يؤدب الفلاحين و جباة الضرائب يسحبونهم على وجوههم إلى قصر السيد ليلقوا جزاء تقصيرهم فى دفع ما عليهم من أموال, و لم تكن هناك جهة يمكن أن يلجأ إليها الفلاح ليحصل على حقوقه بعد أن ظهر النبلاء, و أصبحوا هم القضاة
و فى محاولة سريعة منى للربط بين تلك الصور القديمة و الصور المعاصرة التى نحيها فيها فأن طبقة النبلاء هى طبقة رجال الاعمال التى تزواجت بالسلطة بشكل واضح و فج فى العقد الأخير من حكم مبارك و احتكرت موارد و أموال الشعب لنفسها بدون حسيب أو رقيب لأن الرقيب هو نفسه شريك فى هذا الفساد و الظلم الاجتماعى و سرقة مقدرات الشعب فالكتاب يستعرض فترة الاسرة الخامسة و التى كانت بداية للتزواج الاجبارى بين السلطة و المال و اصبح الملك يقتطع املاك للنبلاء على مساحات واسعة كما يحدث الان بالضبط من سرقة ممنهجة لاراضى الدولة و اقطاعها لعدد معين من رجال الاعمال القريبين من أسرة مبارك و حزبه اللاوطنى و أن النبلاء كانوا يعصرون الفلاحين عصرا لينهبوا كل ما استطاعوا أن ينهبوه و يشاركون فيه الملك حاكم البلاد و حامى الحمى بل امتد الأمر إلى ان اصبحوا هم القضاة و هى صورة مماثلة لما يحدث اليوم ففى عهد مبارك كان هناك استيلاء منظم على مصانع الدولة عن طريق الخصخصة فاستطاع أحمد عز ان يستولى على مصنع السويس للحديد و الصلب و مصنع الدخيلة للصلب و احتكر صناعة الحديد و اقتسم الكعكة مع نجلى مبارك و كذلك حسين سالم و مجدى راسخ و القائمة تطول بالمنتفعين و الفاسدين الذين كانوا يمثلون رجال مبارك و نجليه و اصبحت أى قضية من الممكن أن يرفعها أى مواطن بحق هؤلاء الفاسدين مكانها التسويف و التأجيل و الطعن و الاستنئاف و الرفض و آخيرا النسيان !!
التراث الأدبى يفضح الممارسات الظالمة و أوجه الفساد فى الدولة القديمة
و يستند القمنى إلى التراث الادبى الذى خلفه هذا العصر و الذى يعكس صور لما دار فيه من أحداث و من هذه القطع التى عرض لها هى نصائح الحكيم آبى أور الذى عاش فى أواخر الأسرة السادسة و تشير أبياته إلى طبيعة ثورية و تحمل مطالب بالعدل الاجتماعى و الديموقراطية و إزالة الفوارق الطبقية مع تأكيده أن ما حدث نتيجة للاحداث الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية معا و يعدد فى ذلك الحكيم صور انهيار الدولة بعد أن ضربتها الثورة التى أكلت الأخضر و اليابس, فالصورة الأولى ضعف الوازع الدينى و الانحلال الخلقى ففى هذا الصدد يقول: صار الرجل الأحمق يقول: إذا عرفت أين يوجد الأله, قدمت له القرابين؟" و " إن القصابين يذبحون الأوز, و يقدمونها للآلهة على أنها ثيران" و العلة الثانية تكمن فى القضاء الظالم فيقول فى هذا الصدد أن الجمهور الثائر وجه انتقامه إلى دار القضاء ( الذى لم ينل استقلاليته إلى الان و يتبع وزارة العدل و تفتيش وزارة العدل و العزل من قبل وزارة العدل و لجان تأديبية و انتداب المستشارين الى قطاعات مختلفة فى الدولة مما يؤثر بالكلية على نزاهة احكام القضاء لان الحكم هو الخصم فى ذات الوقت و يقول الحكيم فى هذا الشأن بعد أن ثار الناس على دار القضاء : " ألقيت قوانين دار القضاء فى العراء, ووطئت بالأقدام فى الشوارع" و الصورة الثالثة يحصرها فى دواوين الضرائب التى طالما عانى منها الشعب و اتجهت إليها الجماهير و فى هذا قال: " فتحت الدواوين, و سلبت كشوف الإحصاء, و أتلفت سجلات كتبة المحاصيل"
و من ثم يعرض لصورة خطيرة و هو غياب الحالة الثورية بشكل كامل عن الحاكم الذى يتصور أن بلاده تعيش أزهى عصور الرخاء الاقتصادى و تغرق فى بحور الامن و الطمأنينة و انغام الهدوء الساحر فيحاول الحكيم فى يأس أن يلفت نظر الحاكم إلى هذه الصورة الكارثية و لكن لا حياة لمن تنادى فيقول : " الكل آيل إلى الدمار ... إن ما يروى لك هو الباطل, فالبلاد تشتعل, و الناس قد أهلكوا, لديك وحى و بصيرة, و أسباب العدلة و لكنك بعثت الفوضى فى البلاد مع الفتن و ليتك تذوقت بعض هذه المصائب"
و يطلعنا السيد القمنى على أثر أدبى آخر بعنوان " نصائح إلى مرى كارع " تشيع منها الروح الديموقراطية و على الرغم أن النص الأدبى لا ينتمى إلى نفس العصر الذى قامت فيه الثورة الشعبية ألا أن القمنى يرى رأى مخالف لهذا الرأى التاريخى المتعارف عليه وفقا لما تشير إلى تاريخ هذا النص الأدبى لأن تلك النصائح موجهة إلى مرى كارع أو واح كارع المعروف بأسم أخيتوى الثالث و الذى وصفته المدونات التاريخية بالجبروت و البطش و عدم الرحمة و لكن القمنى يرجع هذا النص الأدبى إلى زمن الثورة كجملة من التصورات للمطالب الجماهيرية فى الحاكم العادل و نسب بعد ذلك إلى ذلك الملك الجبار كنوع من إضفاء الشرعية لهذا الملك نتيجة لذيوع هذا النص الأدبى فى مرحلة بعد الثورة إلى أن أضحى بمثابة نص مقدس تتناقله الاجيال فاستغله ذلك الملك الجبار لأضفاء صبغة شرعية على حكمه و صرف أنظار الناس عن الصورة القاتمة لحكمه و هى عادة أصيلة لكل الحكام الظلمة المستبدين أن يخلعوا على أنفسهم أسمى و أفضل الصفات و هم أبعد ما يكونوا عنها و بالعودة إلى عصر الثورة فى نهاية الأسرة السادسة فنجد أن ذلك النص الأدبى أنما يعبر عن المطالب الثورية إينذاك فجاء فيها: " لا تفرق بين ابن النبيل و ابن فقير الأصل ... قل الحق فى قصرك ... يخشاك عظماء الأرض و الزم العدل تخلد على الأرض و قوة المرء فى لسانه و إن الحديث الطيب أقوى من الحرب و القتال .... خذ بيد الحزين و البائس و لا تظلم أرملة و لا تقتل و لا تكون فظا لأن الشفقة محبوبة و ليكن أكبر أثر لك محبة الناس لك "
و هناك أيضا قصة الفلاح الثائر خون أنوب الذى قدم شكوى لا تعبر فقط عن مشكلة خاصة بل جعلها عامة و شاملة كما يقول القمنى و قد وجه حديثه إلى ناظر الخاصة الملكية : " إن كبار الموظفين يأتون السيئات (القيادات الجامعية الفاسدة – حكومات الفساد (نظيف – عاطف عبيد – عاطف صدقى .. ألخ) رئيس مجلس العشب و الشورى ) و إن الذى ينبغى أن يستأصل الشرور إنما يرتكب هو نفسه المظالم (و كأن هذا الكلام يصف ما نعيشه الان بكل حذافيره), و أعتقد أن هذه الفقرة تناسب الوضع القائم حاليا بعد أن تولى المجلس العسكرى مقاليد الحكم كما جاء فى بيان اللواء عمر سليمان فأحب أن اهدى إليه رسالة ذلك الفلاح الثائر لأنها تعبر عن تصرفاتهم و توجهاتهم الحالية :" لقد وليت لتقضى فيما بين الناس من خصام و لتعاقب المجرم و ما أراك تفعل شيئا غير أن تناصر اللصوص و قد أولاك الناس ثقتهم فملت فى الحكم كل الميل لقد وليت أمر الناس لتكون حصنا للبائسين فحذار أن يغرق البائس فى مائك الجارف إن الذى يجب أن يحكم تبعا للقانون هو الذى يأمر بالسرقة فمن الذى سيعاقب الخسة., إن من يجب عليه أزالة الفساد هو المرواغ, لقد أصبح الرجل مستقيما و هو أعوج و أنك تمرر فقط من معه الأجر" و فى مقطع آخر يقول" لقد وليت لتسمع و تحكم بين المتخاصمين لتعاقب اللص لا لتصبح سندا للص قد يثق فيك الإنسان لكنك مجرم, إنك قد عينت لتكون سندا للمعوز و حارسا له كى لا يغرق لكن انظر , إنك أنت البحيرة التى تبتلعه ", يرى القمنى أن قمة الأهداف الثورية بعد عقود من الثورة قد أتت أخيرا بأهم مطلب لها و هو تولية أمنمحات الأول على عرش مصر و ذلك لان أمنمحات هذا لم يكن من سلالة ملكية و إنما هو فرد من سواء أفراد الشعب استطاع أن يثبت صلاحيات عسكرية و أنه اعتبر فى نظر رجال الفكر المخلص المنتظر للبلاد من عثرتها و للشعب من ظلم نبلائه ( و ذلك كما كنا نتوسم فى المجلس العسكرى و لكن خابت الظنون بعد ذلك و اللافت للنظر أن من أئتمنهم الناس على أمورهم و على استكمال أهداف الثورة غدر وا بها و انقلبوا عليها و سعوا بعد ذلك إلى تصفية كل القوى الثورية التى باركت إدراتهم لشئون البلاد, ألا نعيش اليوم كل ذلك؟!) و استطاع امنمحات فى نظر بعض الباحثين أن يكسر نهائيا شوكة الحكام الإقطاعيين و إن كان القمنى يتحفظ على هذا الرأى و كذلك أنا لأن القيادات الثورية التى باركت اعتلاء هذا الشخص العرش هى التى انقلبت عليه فيما بعد كما يصورها لنا القمنى من خلال انحرافه عن سياسيات الاصلاح و مغازلة طبقة النبلاء مرة أخرى مما اعاد البلاد لاجواء ما قبل الثورة كما كان عليه الحال فى فترة الدولة القديمة و انقلبت عليه القوى الثورية الشعبية و حاولت أن تطيح به عن طريق اغتياله من خلال حراسه الشخصيين و لكنه افلت من محاولة الاغتيال و استطاع ان يدافع عن نفسه حتى اتاه العون من قوى اخرى غير ثورية تنتمى إلى النظام البائد الذى فى مصلحته أن يستمر حكم امنمحات الذى بدأ يسير على ضرب من قبله فى فساد و إفساد و بدأ فى تصفية كل قوى المعارضة و فى ذلك يقول بوركارت " أن الانقلاب أو الثورة إذا نجحت و قضت على الاستبداد القديم و ممثليه تحدث أول ظاهرة تثير الذهول و هى الخلاص من الرواد الثائرين و إحلال آخرين محلهم و قد يرد ذلك إلى ضرورة القضاء على القوى المتصارعة على النفوذ, كما تظهر معسكرات متطاحنة جديدة ( مثل الاحزاب السياسية و القوى السياسية المتناحرة على الساحة الان) و تختفى أغلب الآراء المثالية و تصبح طاعة السلطة الجديدة هى أهم ما يرمى إليه أصحاب النفوذ الجديد و يقول أيضا : " فى النكسات التى تعقب الثورات التى اخفقت أهدافها كثيرا ما يستسلم الناس و يخضعون لأكثر الحكومات حماقة (حكومة عصام شرف) و يرضون بأتفه مقابل و يعتبرون أنفسهم سعداء إذا لم يؤد سوء الأحوال إلى حدوث تدخل أجبنى ( و هؤلاء معرفون بأنهم حزب الكنبة " و يتحدث بوركارت عن أسباب سقوط الثورات إلى مثل هذه النهاية فيقول " إنها تحدث لأسباب خمسة أولها: الشعور بالإجهاد بعد الاندفاع فى دوامة الأحداث المثيرة, و ثانيها ان جموع الشعب لا تشعر بالإثارة و الجماسة إلا فى البداية, و تنصرف بعد ذلك و تصاب باللامبالاة و ثالثا العنف بمجرد انطلاقه يؤدى إلى استيقاظ قوى خفية فى النفوس, تعيد الناس إلى حالة الهمجية التى لا رابط لها فينتهى الأمر إلى القضاء على مثالية الثورة فى أول عهدها, رابعا اختفاء أقوى رجال أشعلوا الثورة بعد إعدامهم, أما من يخلفون هؤلاء الأقوياء فهم غالبا من أوساط الناس و خامس سبب هو أن الأحياء الباقين من ممثلى هذه الحركة, يخافون تحولا داخليا عميقا فبعضهم يرى الاكتفاء بالاستمتاع بالحياة و البعض الآخر تتركز آماله فى النجاة من مصير الثائرين"
خاتمة أو أنذار
لم يكن الهدف من هذا المقال أن يكون درسا فى التاريخ و لا استرجاع لحضارة السبعة الاف سنة و لكن كشف النقاب عن حضارة سبعة الاف سنة من الظلم و الاستعباد و القهر و السرقة و الذل و التفاوت الطبقى الكارثى و غياب الصورة الحقيقية عن ذهن الحاكم الظالم و رفضه ان يستمع لنصائح أهل الخبرة مثل الحكيم أيبور كما حاول أن ينصح الملك بيوبى الثانى و لم ينصت له الأخير لانه لا يسمع ألا أهل الثقة و يكره أهل الخبرة.
من غير الممكن أن نفتخر بتاريخ ثلاثين أسرة حكمت مصر الفرعونية فى عهد الدولة القديمة و الوسطى والحديثة لانه تاريخ ملىء بالظلم و الإظلام و القهر و الطغيان و لا يمكن أن تشفع لهم انجازاتهم الحضرية التى بقيت إلى اليوم شاهد على انجازات حضارية متفوقة و تحير الكثير من البحاثة و علماء الايجيبتيولوجى لأن دول الظلم من الممكن أن تقدم للعالم و الإنسانية أنجازات تحسب لها كما كان هو الاتحاد السوفيتى و كما هو حال فرانكو فى اسبانيا و لكنها تبقى دول ظلم قهرت شعوبها و ضحت بالكثير منهم فى سبيل مجدها الشخصى و جشعها المادى.
دول رفض حكامها التنازل عن العرش فآلت الامور إلى ثورة دموية حطمت كل ما وقف فى طريقها من نافع و ضار فى نهاية الدولة القديمة فقوضت نظام الدولة تماما و انهارت الدولة و تبخرت الحكومة التى كانت تحكم بقبضة من حديد فلما أنصهر الحديد ركعت الدولة و اصبحت عرضة لكل القوى الاستعمارية و الحقيرة أن تنهش فى جسد الدولة المنهك فاتت على مصر الغزوات من كل حدب و صوب من بدو الشرق و قبائل ليبية من الغرب و ايضا من شعب النوبة فى الجنوب و ذلك لان حفنة من الحكام الاوغاد الظلمة الفجرة رفضوا ان يتنازلوا عن الحكم بعد أن عاثوا فى الأرض فسادا و فضلوا أن يحترق الاخضر و اليابس على ألا يسلموا إدارة شئون البلاد لمن هو أصلح و أجدر منهم لهذه المهمة لانهم يرون أنفسهم ربكم الأعلى و هل لكم من أله غيرى ؟, لان بطونهم خاوية لا تشبع من السرقة و تنحيتهم عن هذا الكرسى يعنى انقطاع أكبر ماسورة سرقة نهلوا من خياراتها عقود بل قرون فسمحوا للغازى أن ينهش فى جسد البلاد على ألا ينعم اهلها بخيرها.
هؤلاء يجب أن يكون مصيرهم مزبلة التاريخ و الاحتقار و يجب أن نفتح أعيننا على مستبد جديد يحاول أن يغتصب منا مكتسبات ثورتنا الحالية و يريد ان يخرس المطالب الثورية على حساب أطماعه الشخصية و اعطاء قبلة الحياة لنظام بائد يحتضر لكى يمارس فساده و سرقته من جديد, مستبد جديد توسم الناس فيه خيرا و اشاد به المثقفون و المفكرون و عضدته القوى الثورية لقيادة البلاد نحو الديموقراطية و تطهير البلاد من الفاسدين فاستولى على الحكم و انتهج سياسة النظام البائد مثل امنمحات الذى اوصلته الثورة الشعبية بعد مخاض عسير استمر لعقود الى سدة الحكم ليمنوا أنفسهم بالاصلاح و العدل و الرخاء و بدل من ذلك اعاد انتاج نفس مفرادت النظام القديم و عندما حاولوا اعادته للطريق الصحيح رفض أن يرجع و لما فشلوا فى تنحيته و اغتياله بدأ ينكل بكل الرموز الثورية و تخلص منهم الواحد تلو الأخر و استبدلهم بمن يفتقدون للروح الثورية بل استبدلهم بمن لا يؤمنون بالثورة و لا يعترفون بها ليرسخوا ركائز حكمه المستبد و تتوالى من جديد عهود الاستبداد ثم الانهيار التام و الغزوات التى ضربت الجسد المصرى من كل ناحية و بلا رحمة
أن لم نستيقظ الان لنعيد الثورة إلى مسارها الأول تذكروا أنما أنتم تمهدون الطريق لامنمحات جديد يحكم مصر بالحديد و النار و يفسد فى الارض و يظلم المظلوم و ينصر الظالم و سيكون مصير هذه الدولة لا محالة الانهيار التام و لكن على الأقل فى قديم الأزل كانت تلك الدول الديكتاتورية على الرغم من طغيانها ألا أنها كانت لديها مقومات الدولة القوية الناجحة و أما نحن اليوم فنمتلك كل مقومات الدولة الفاشلة فاى انهيار مستقبلى سيكون هو الانهيار الأخير و سنتحول كلنا وقتها إلى مزبلة التاريخ و ليس حكامنا المستبدين فقط!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق