سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

الخميس، 10 مايو 2012

تاريخ: من هم العرب؟ بقلم الاستاذ / عباس محمود العقاد

فى أطار مبادرة موقع حروف منثورة لنشر الاعمال التاريخية و الفكرية للكاتب الكبير عباس محمود العقاد قرر موقع حروف منثورة نشر بعض الفصول من كتاب (أثر العرب فى الحضارة الأوربية) تباعا على الموقع فى شكل سلسلة مقالات من أجل ألقاء الضوء على فترة هامة من التاريخ العربى و أثره فى الحضارة الأوربية و سيتم أنتقاء أفضل فصول هذا الكتاب الرائع لنشرها على موقعنا مع تناولها بالتحقيق و التقديم من خلال الاستاذ / مروان محمد و يتم ذلك فى حواشى المقال لالقاء مزيد من الضوء على هذا الجزء الهام من تاريخنا العربى , نتمنى ان تحوز هذه المباردة الاولى من موقع حروف منثورة اعجابكم و لتبدأ اولى سلسلة مقالات (أثر العرب فى الحضارة الأوربية) 



المصدر: كتاب : أثر العرب فى الحضارة الأوربية 

مكتبة الأسرة 1998 ( الأعمال الفكرية )

هم أمة أقدم من اسمها الذى تعرف به اليوم, لأنها على أرجح الأقوال أرومة من الجنس السامى التى تفرع منها الكلدانيون و الآشوريون و الكنعانيون و العبرانيون, و سائر الأمم السامية التى سكنت بين النهرين و فلسطين و ما يحيط بفلسطين من بادية و حاضرة, و قد تتصل بها الأمة الحبشية بصلة النسب القديم مع اختلاط بين الساميين و الحاميين.

فهذه الأمم كلها تتكلم بفرع من فروع لغة واحدة هى أصل اللغات السامية, و يدل على تلك اللغة اشتراك فروعها فى بنية الفعل الثلاثى الذى انفردت به بين لغات العالم بأسره, و تشابه الضمائر و المفردات و كثير من الجذور و المشتقات. فضلا عن التشابه فى ملامح الوجوه و خصائص الأجسام, قبل أن يكثر التزاوج بينها و بين جيرانها من الأمم الآسيوية أو الأفريقية.

و إذا كان لهذه الأمم جميعا أصل واحد فأرجح الأقوال و أدناها إلى التصور أن يرجع هذا الأصل إلى الجزيرة العربية لأسباب كثيرة:

منها أن التحول من معيشة الرعاة إلى معيشة الحرث و الزرع و الإقامة فى المدن طور من أطوار التاريخ المعهودة, و ليس من اطواره المعهودة أن يتحول الناس إلى معيشة الرعاة الرحل فى بوادى الصحراء بعد الإقامة فى الحواضر و البقاع المزروعة(1) 

و منها أن الجزيرة العربية – فى عزلتها المعهودة – أشبه المواقع بالمحافظة على أصل قديم, و هى كذلك أشبه المواقع أن تضيق فيها موارد الغذاء عن سكانها فيهجروها إلى أودية الأنهار القريبة.

و منها أن اتجاه الهجرة من ناحية البحرين و ناحية الحجاز متواتر فى الأزمنة التاريخية القريبة و البعيدة و أقربها ما حدث بعد الإسلام فى وقت واحد من زحف العرب على العراق و زحفهم على الشام فى عهد الخليفة الصديق, و ليس لدينا ما يمنع أن يكون التاريخ الحديث دليلا على التاريخ القديم, و لا سيما إذا خلا التاريخ كل الخلو من رواية يقينية أو ظنية تومىء إلى هجرة النهريين و سكان الأودية إلى الجزيرة العربية, كائناً ما كان موقعه من تلك البلاد, بل ثبت على التحقيق أن الساميين هم الذين هجروا مواطنهم إلى ما بين النهرين حيث قامت العواصم التى تسمى بالأسماء السامية كمدينة بابل " باب الله" أو " باب إيل"(2)

أما الراى الآخر الذى يرجح أن الأمم السامية نشأت فى بقعة من الأرض غير الجزيرة العربية فأشهر القائلين به هو الأستاذ جويدى الكبير العالم الإيطالى المعروف فى القاهرة, و أقوى الحجج التى يستند إليها مستمد من مضاهات اللغات السامية و كثرة أسماء النبت و الأمواه فى لهجاتها الأولى, و عنده أن اشتراك اللغات السامية فى هذه المفرادت مما يدل على أرومة نشأت فى بلاد خصبة كثيرة الزروع و الأنهار, و لم تنشأ فى صحراء العرب و ما شابهها من البقاع.

و هذا الرأى ضعيف لا يقوم بالحجة الناهضة و لا تؤيده حالة الجزيرة العربية قبل الكشوف الحديثة بزمن طويل, فضلا عن حالة الجزيرة التى تدل عليها تلك الكشوف فى طبقات الأرض و عوارض الجو و علم الأجناس.

فالمروج الفيحاء و البقاع الخصبة لم تكن مجهولة فى جنوب الجزيرة و لا فى جوانبها الشرقية الشمالية عند البحرين و وادى اليمامة, و هى البقاع التى مر بها المهاجرون من قديم الزمن تارة من اليمن إلى البحرين إلى ما بين النهرين و بادية الشام, و تارة من البحرين بداءة إلى ما وراءها من المشارف الشمالية.

و لم تزل بقاع اليمامة إلى ما بعد الإسلام مشهورة بالمراعى الواسعة و العيون الثرارة و الأمطار الغزيرة و المروج المعشبة التى تخلفت مما هو أخصب منها و أعمر بالإنسان و الحيوان فى أقدم الأزمان, و قد لاحظ الرحالة الألمانى شوينفرت أن القمح و الشعير و الجاموس و المعز و الضأن و الماشية وجدت فى حالتها الآبدة فى اليمن و بلاد العرب القديمة قبل أن تستأنس فى مصر و العراق و تبين من الكشوف العلمية فى العهد الأخير أن الجزيرة العربية تعرضت لأدوار الجفاف و طوارىء الزلازل منذ عصور موغلة فى القدم, فكان القفر فيها يجور على الخصب فى أدوار طويلة بعد أدوار اخرى على التدريج, قبل أن تجور الصحراء على معظمها فى عصور التاريخ.(3)

فحالة الجزيرة العربية كافية لتفسير التشابه بين لغات الساميين فى ألفاظ الخصب و الثمرات و الأمواه. و لكن الرأى الآخر – راى الأستاذ جويدى – لا يفسر لنا الفرض القائل بهجرة العرب مثلا ما بين النهرين أو من الشام, إلى قفار الصحراء, و هو فرض لا دليل عليه من الروايات القديمة و لا من الأحوال المرجحة على حسب التقدير المعقول. و لا من السوابق المألوفة كما رأينا الأمثلة عليها فى التاريخ الحديث.

و على هذا يصح أن نعتبر أن سلالة العرب الناشئين فى جزيرتهم الأولى قد سكنت أواسط العالم المعمور منذ خمسة الآف سنة على أقل تقدير, و أن كل ما استفاده الأوربيون فى العالم بعد امتزاج العرب بأنباء تلك البلاد.

و ليس هذا التراث بقليل. لأنه يشتمل على كل أصل عريق – عند الأوربيين – فى شئون العقل و الروح و أسباب العمارة و الحضارة. و هى (1) العقائد السماوية و (2) آداب الحياة و السلوك و (3) فنون التدوين و التعليم و (4) صناعات الحرب و تبادل الخيرات و الثمرات.

هوامش:

(1) نعتمد فى هذه الجزئية على القصص القرآنى و التى يغفلها اغلب المؤرخين و الباحثين فى مجال التاريخ على الرغم من اعتبارها مصدر من المصادر المهمة لتحقيق التاريخ الإنسانى و على هذا نعتمد على القرآن الكريم كمصدر مهم للتاريخ الإنسانى فى ألقاء الضوء على فكرة تخالف ما ذهب إليه المفكر عباس العقاد فى قوله (منها أن التحول من معيشة الرعاة إلى معيشة الحرث و الزرع و الإقامة فى المدن طور من أطوار التاريخ المعهودة, و ليس من اطواره المعهودة أن يتحول الناس إلى معيشة الرعاة الرحل فى بوادى الصحراء بعد الإقامة فى الحواضر و البقاع المزروعة) و تبين الآيات القرآنية ان الله سبحانه و تعالى قد أمر أبراهيم عليه السلام أن يذهب بابنه أسماعيل و امه الى البادية حيث مكة حاليا و هناك دعا أبراهيم ربه قائلا: " رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ" و حتى لو كانت هذه القصة تشير إلى حدث استثنائى فانها ايضا بشكل ما تؤرخ الى فكرة الهجرة من الحواضر الى البوادى و لا يمكن نفيها بشكل قاطع كما جزم بها المفكر عباس محمود العقاد 

(2) نختلف مع المفكر عباس العقاد فى هذه النقطة لان ضرب مثلا بالفتوحات العربية بعد الاسلام فى عهد ابو بكر الصديق و عمر بن الخطاب للعراق و الشام و نحب ان ننوه من وجهة نظرنا المتواضعة انها لم تكن هجرات عربية الى الحواضر و لكنها كانت حروب تخوضها الدولة الاسلامية الناشئة من أجل نشر كلمة الاسلام وفق ما أمر به الرسول والذى هو وحيا من الله سبحانه و تعالى فهى لم تكن هجرة بشرية فى اطوارها العادية المألوفة من الهجرات الإنسانية المعروفة على مر التاريخ 

(3) نتفق مع راى الاستاذ عباس العقاد فى هذه الجزئية و ليس أدل عندنا من الامثلة التى ساقها عباس العقاد سوى أن نضيف إليها وصف الانهار و البحار فى القرآن الكريم و الاحاديث النبوية المختلفة و الحديث عن الزروع و الجنان المختلفة و هى تدل على معرفة عميقة للعرب بحياة الحضر و الاراضى الزراعية الخصبة و حياة الساكنين بمجاورة الانهار و منها : " وهو الذي سخر لكم البحر لتأكلوا منه لحماً طرياً وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون" و ايضا فى وصف الجنان و الانهار نذكر منها ما يلى : " قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَثَل الصَّلَوَات الْخَمْس كَمَثَلِ نَهْر جَارٍ غَمْر عَلَى بَاب أَحَدكُمْ يَغْتَسِل مِنْهُ كُلّ يَوْم خَمْس مَرَّات ) و ايضا يذكر الله فى القرآن الكريم الزرع و الحدائق و النبات بقوله تعالى : " ‏فَلْيَنْظُرِ الإنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ، أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً، ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقّاً، فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً، وَعِنَباً وَقَضْباً، وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً، وَحَدَائِقَ غُلْباً، وَفَاكِهَةً وَأَبّاً، مَتَاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ" و فى موضع آخر يصف الله سبحانه و تعالى مساحات شاسعة من الارض مخضرة و هى من العناصر التى لا نألف وجودها فقط الا فى الحواضرو المجتمعات الزراعية "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ" و رغم ان هذا القرىن لم يخاطب فقط قوم سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم و لكن خطاب لكل العالمين و لكن لم يرد فى الاثر او التاريه الاسلامى ما يدل على عدم فهم الصحابة و المسلمين وقتها لما تصفه الايات القرآنية باعتبارهم مجتمعات بدوية صحراوية و لكنهم فهموها و عقلوها و استوعبوها جيدا و لم ترد قصة على حد علمى انهم وقفوا عندها و سالوا الرسول صلى الله عليه و سلم ما هى الانهار و البحار و كيف تكون الارض مخضرة و هذا يؤيد ما ذهب اليه الاستاذ عقاد من أن احتجاج العالم الايطالى جويدى بأن مفرادت كهذه لا تظهر فقط الا فى مجتمعات زراعية و حضرية هو قولا مردود عليه بقول القرآن الكريم الذى اسهب كثيرا فى وصف هذه المجتمعات و تقبل المجتمع العربى المحيط بالرسول وقتها لهذه المفرادت .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق