سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

الخميس، 10 مايو 2012

القصة القصيرة: حكايات عاطف العشرة: لحظات ضرورية للصمت 1 بقلم/ مروان محمد


(1)
رفع عاطف عينيه من خلف اوراق الملف , قال في صوت هادئ يواري الكثير من الاهمية والخطورة:
- ما الموجود في هذا الملف؟
هز الشاب الجالس خلف صفحات الملف كتفيه يقول مرتبكا:
لا شئ ,مجرد مجموعه قصصية؟
بالتأكيد كان يعرف ما يحويه هذا الملف ولكنها الرغبه القديمة في ان يتقمص شخصية وكيل النيابة , التقط سيجارته المشتعلة يسحب نفسا وعينيه تعود لتجري فوق كلمات احد اوراق الملف , عقد حاجبيه وخطوط جبينه المتعرجه تتجمع متقوسة فوق حاجبيه وذلك لانه جاهد لكي يفهم اي شئ مما هو مكتوب ولكن نافوخه رفض ان يستوعب اي حرف.
نحي الملف جانبا , شبك اصابع كفيه يردف بنفس نبرة الصوت الصارمة:
- مجموعة قصصية
- نعم
- أممم
اعاد حشر الملف داخل المظروف الاصفر الكبير واحكم ربطه بالشيكرتون ثم الحبال البيضاء, نهض عاطف متجها الي مائدة خشبية صغيرة تناول من عليها عصا صغير غمس طرفه في علبه الشحم ثم شمع بها عقدة الحبل وناول المظروف المنتفخ للشاب الذي نهض يستلمها منه , وهم بأن ينصرف لولا أن همس له عاطف:
- نصف جنيه في الدرج لو سمحت !

(2)
" قدم المقعد ضعيفه يا عاطف , ربما تحتاج الي مسمار"
نفخ في قرف وهو يهرش شعره الاشعث ثم نهض من فراشه متكاسل , يغادر حجرته الي الصالة يتمتم:
- اين المقعد ؟
كانت تتكوم في ركن الكنبة ككائن هلامي لا خطوط ترسم حدود الجسد الا من وجه متغضن وعينين سودوتين ذابلتين وفم اشبه بخط افقي يشق الوجه ,أشارت بسبابتها في صمت الي احد المقاعد فتقدم منه يقلبه , يختبر قدم المقعد فيجدها غير ثابتة فقال :
- المقعد في حاجة الي نجار
أطل الاستنكار من عينيها وهي تصيح بصوت كالفحيح تلوح اكفيها :
- وانت مت يا ابني !
- لماذا لا تقتنعين بأني موظف في مصلحة البريد ؟
اخفت وجهها بين كفيها المعروقتين تهتز في انتظام تهمهم بكلمات غير مفهومة وقد تناست وجوده تماما

(3)
"ألن تتزوج؟"
لم يجب عاطف بل تناول مبسم الشيشة يسحب نفس عميق ومياة الشيشة تكركر في قوة.
- وما رايك في بنت نقتسم ثمنها سويا ؟!
- أنا رجل متزوج يا عاطف
نهض عاطف من مقعده يتثاءب وهو يقول:
- لقد كنت امزح معك, ممكن تدفع انت الحساب هذه المرة
- لا بأس , ولكن الي اين ؟, الليل لا يزال طويلا
- أعذرني لست بحالة تسمح بالسهر
- أذن , فلأراك غدا

(4)
"شورت وفانلة وكاب "
تأمل اللافتة الضوئية اعلي مدخل سينما (ريو) , دس يديه في جيب بنطاله , قبض علي حفنة النقود, يخرجها , يتامل النقود الذابلة ثم يرفع عينيه الي قائمة الاسعار المسطرة بالابيض علي نافذة شباك التذاكر .
يملأ صدره برائحه اليود المنتشرة في هواء هذا الليل الجميل والشوارع المغسولة بمياه الامطار تبدو براقة.
وقف عدد محدود من الناس في ساحة مدخل السينما ينتظرون موعد الحفلة المسائية الذي يوشك ان يبدا ,يتجاذبون اطراف الحديث الهامس , الباسم.

التقط سيجارة من علبه سجائرة المتعجنة ثم اعادها الي جيبه الايمن ,استوقف احد المارة يطلب سيجارته ليشعل بها لفافته , اعادها للرجل يشكره.
تجشأ بصوت مسموع ولكنه ضاع في هدير محركات السيارات التي تمرق كل حين من خلفه بسرعة و غمغم محدثا نفسه:
لا بأس , فتلك الفتاة اللبنانية تستحق ثمن التذكرة!

(5)
لقد قرر ان يتغيب عن العمل , عندما يتصلون به سيدعي انه مريض.
غدا سيدفع ليوسف ثلا ثة جنيهات ليكتب له شهادة مرضية فيجد مبررا لهذا اليوم ,التقط مجلة الكواكب من علي الكوميدينو يتامل الراقصة التي تحتل بصدرها الكبير أغلب مساحة الغلاف , تصفح المجلة في ملل.
- ولد يا عاطف.
- نعم
- تعال
نهض في تثاقل ملقيا المجلة علي الفراش متجها اليها يتامل جسدها الهلامي المضجع في ركن الكنبة يسألها في ضيق :
- ماذا تريدين يا جدتي؟
- لقد جاء جواب امس ونسيت ان اخبرك , خذه.
دست يدها اليمني اسفل فخذها الايمن تلتقط مظروف ابيض تعجن تحت فخذها المتراقص علي الدوام , تناوله منها يرمق طابع " امير البحرين" , اختلج قلبه في سعادة وهو يفضه سريعا في الوقت الذي شق فيه الصمت القصير صوت العجوز:
- هل هذا جواب من صديقك الذي يعمل في البحرين؟
- نعم
- خير , سيعينك علي العمل هناك كنجار.
- اخرسي يا جدتي!
دخل حجرته وترك جسده يهوي علي فراشه ,عينيه تجري فوق كلمات التلغراف ودقات قلبه المختلج تتسارع .
" فشلت في ان اوفر لك عقد عمل كمحاسب , العمل كنجار هناك متوفر سأبذل كل جهدي وساخطرك"
" هااا, هل سيجلب لك فرصة عمل كنجار يا ولد ؟"
كان يحدق في الجواب مبهوتا ثم اهتز جسده بعد ان ران الصمت لهنيهة من الوقت بالضحك المكتوم ثم اجاب في صوت عالي :
- من الممكن أن تقولي أنه مازال هناك أمل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق