سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

الأربعاء، 9 مايو 2012

شخصيات: شخصية ستمبر: أحمد عرابى 4 بقلم / مروان محمد

عرابى بين البندقية و مطرقة السياسة



 " لقد خلقنا الله أحراراً، ولم يخلقنا تراثاً أو عقاراً؛ فوالله الذي لا إله إلا هو لا نُورَّث ولا نُستعبَد بعد اليوم" تلك الكلمة الخالدة التى بقيت كعلامة فارقة فى تاريخ مصر الحديث قالها عرابى فى مواجهة الخديوى توفيق عندما قال : كل هذه الطلبات لا حق لكم فيها، وأنا ورثت ملك هذه البلاد عن آبائي وأجدادي، وما أنتم إلا عبيد إحساناتنا' ربما الصياغة الادبية بالغت فى رسم عبارة عرابى و لكنها تبقى كلمة ماثورة لن ينساها التاريخ المصرى ابدا و تعكس باستمرار الواقع العربى المرير الذى نعيشه و نتمنى ان تمحيه ثورة 25 يناير و إذا قررنا الخوض فى سيرة الثورة العرابية من منظر سياسى فان اول ما سيلفت أنظارنا الاسباب التقليدية التى عرفناها فى المدارس و كتب التاريخ عن اسباب الثورة العرابية و هى تتلخص فى الأتى :
التدخل الأجنبي في شئون مصر بعد صدور قانون التصفية عام 1880
عودة نظم المراقبة الثناثية
لجوء رياض باشا إلى أساليب الشدة والعنف مع المواطنين المصريين
معارضة تشكيل مجلس شورى نواب
سياسة عثمان رفقى الشركسى وانحيازه السافر للضباط الاتراك والشراكسة واضطهاده للضباط المصريين
سوء الأحوال الاقتصادية نتيجة تخصيص مبالغ لسداد الديون للاجانب
انتشار الوعى الوطني بين المصريينهذه هى الاسباب التقليدية بشكل مختصر عن أسباب الثورة العرابية و لكن الحقيقة أن انطلاق الثورة العرابية لم يكن دافعها كل هذه الأسباب!!, و لكن تلك الأسباب و الدوافع كانت اشبه بالملحق الذى اشفع بثورة عرابى مع تطور الاحداث و اتساع دائرة الاحتجاجات و الالتفاف الشعبى حول الاحتجاجات العرابية و لتوضيح الفكرة بشكل جلى, كانت الحركة العرابية فى بادىء الأمر عبارة عن احتجاج لمجموعة من الضباط المصريين تطورت هذه الاحتجاجات مع تطور الاحداث إلى الثورة العرابية فيما بعد عندما ضرب الاسطول الانجليزى حامية الاسكندرية و احتلت المدينة و لم تكن كل هذه المطالب حاضرة فى بادىء الامر و لكنها التحقت فيما بعد بالحركة العرابية لتتحول من حركة احتجاجية لمجموعة من الضباط المصريين إلى ثورة للشعب المصرى على الخديوى توفيق و لكن كان المحرك الاساسى للحركة العرابية الاجتجاجية هى سياسة عثمان رفقى الشركسى و انحيازه السافر للضباط الاتراك و الشراكسة و اضطهاده للضباط المصريين, و لذلك يجب فى بادىء الأمر أن نلقى نظرة قوية على طبيعة و تركيب الجيش المصرى فى ذلك الوقت الذى كان يتشكل من كبار الضباط الاتراك و الشراكسة و كان الضباط المصريين هما صغار الضباط الذين لا يجوز ترقيتهم لانهم لم يكونوا خريجى المدارس العسكرية مثل الضباط الاتراك و الشراكسة لانها كانت ممنوعة عليهم و لكنهم كانوا من الضباط المتطوعين و أدى ذلك إلى عدم مساواة الضباط المصريين بالضباط الشراكسة و الاتراك فى المرتبات و الامتيازات المختلفة, باعتبارهم الدرجة الادنى و كانت هذه هى سياسة عثمان رفقى الشركسى و عندما اتسعت حركة الاحتجاجات و انضم اليها طائفة أكبر من الضباط المصريين تبلورت الحركة فى شكل جديد ساهم فى تعريف المجتمع المصرى بها و التعاطف و التجاوب معها لان الظلم الواقع على الضباط المصريين فى الجيش المصرى هو صورة مصغرة للظلم الواقع على المواطنين المصريين فى كافة الوظائف الحكومية العامة التى كانت مقصورة على الاتراك و الشراكسة و يحرم منها المصريين و ايضا امتيازات التعليم فلذلك رأى الشعب المصرى أن حركة احتجاج الضباط المصريين هى تعكس صورة لواقع المصريين فى ذلك الوقت و لكن قبل الخوض فى الرؤية السياسية لثورة عرابى يجب أن نسبقها أولا ببعض الايضاحات و الارهاصات الأولية لبروز المعارضة السياسية ايبان حكم الخديوى توفيق و لقد ظهرت أولى معالم هذه المعارضة السياسية حينما أدت الأزمة الاقتصادية الخانقة و التدخل الأجنبي السافر في شئون البلاد و استبدادية الخديو توفيق و رئيس وزرائه رياض باشا إلي ظهور حركات وطنية تحمل لواء المعارضة و تتحدث بمطالب الشعب. و لقد حمل لواء المعارضة و الاحتجاج صفوة من أعيان المصريين من كبار ملاك الأراضي الزراعية الذين برز دورهم من خلال عضويتهم في مجلس شوري النواب الذي أنشاءه اسماعيل عام 1866 م ، و السبب وراء عدم بزوغ نجم هذه الكتلة السياسية المعارضة كممثل لكل اطياف و فئات الشعب المصرى هو أنها تضم فى كتلتها اعيان المصريين فقط و لم تكن تضم وقتها كافة شرائح المجتمع المصرى و فيما بعد أنضم إلي الأعيان المتعلمون و أيضا العسكريون الذين زاد تبرمهم بسبب إحالة الكثير من الضباط للتقاعد توفيراً للنفقات دون تدبير وظائف أخري لهم. و الحقيقة أن الحركة الوطنية كانت ضد الحكام المستبدين بقدر ما كانت ضد الأجانب. و كان رئيس الوزراء رياض باشا و من ورائه الخديو توفيق يريدون أن يسلبوا الشعب ما حصل عليه في في عهد الخديو اسماعيل. فكان رياض باشا يعارض إقامة حياة نيابية و ينحاز للنفوذ الأوربي و يضطهد الوطنيين و يعطل الصحف التي تنتقد تصرفات الحكومة. و أمام الاستبداد الداخلي و التدخل الخارجي تألفت جمعية في حلوان من الناقمين علي سياسة رياض اشتهرت باسم الحزب الوطني و كانت مطالبها التي أعلنتها في أول بيان سياسي لها في 4 نوفمبر 1879 م كالتالي :
أن تعاد إلي الحكومة المصرية جميع أملاك الخديوي و أملاك الأسرة
إلغاء قانون التصفية
تكوين إدارة مراقبة وطنية بديلة للمراقبة الثنائية الأجنبية يكون فيها ثلاثة من الأجانب تعينهم الدول الأجنبية و توافق عليهم الحكومة المصرية.و لقد حاول رياض باشا معرفة أفراد الحزب لنفيهم إلي السودان ، و لكنه لم يستطع. كما تأسست جمعية أخري في الأسكندرية عرفت باسم مصر الفتاة أصدرت جريدة بنفس الاسم و طالبت الخديو بالحريات العامة. أما أحمد عرابي فقد تزعم الضباط المصريين المتذمرين من سوء معاملة رؤسائهم الأتراك لهم، و خاصة وزير الحربية عثمان رفقي باشا ، و قصر الترقية العسكرية علي المتخرجين من المدرسة العسكرية مما يعني حرمان معظم الضباط المصريين من الترقية كما أشرنا إلى هذه النقطة من قبل. أذن يمكن بذلك العرض السريع لملامح الحياة السياسية قبيل ثورة عرابى أن تلقى الضوء على تطور المطالب فى وقفة عرابى الشهيرة أمام قصر عابدين فى مواجهة الخديوى توفيق و لقد أتهم الكثير من الساسة وقتها عرابى بعد احتدام الأزمة بينه و بين الخديوى التى أدت إلى الاحتلال الانجليزى فى نهاية الامر, أن عرابى لم يكن محنك سياسيا و لا يعرف كواليس الحياة السياسية و ما يتم فيها و لم يكن ملما بهذه الاجواء و أيضا افتقاره لعيون تنقل له الصورة السياسية بشكل واضح ساعدت إلى حد كبير فى اجهاض الثورة العرابية و أيضا قلة خبرته فى التعامل مع السياسة الخارجية التى ورطته فى صراع عسكرى مع الاحتلال الانجليزى بعد أحداث الإسكندرية المؤسفة و بدأت حركة احتجاج الضباط المصريين بزعامة عرابى بعد أن نقل الأميرالاي عبد العال حلمي قائد آلاي طرة إلي ديوان الحربية، و تعيين أحد الأتراك الشراكسة مكانه. و علي أثر ذلك تجمع الضباط المصريون في منزل أحمد عرابي في 16 يناير 1881 م لمناقشة عزل الأميرالاي و أحوالهم المتدنية في الجيش. و أسفر الاجتماع عن تزعم أحمد عرابي لحركة الضباط و كتبوا عريضة تطالب رئيس الوزارة رياض باشا بعزل الوزير التركي عثمان رفقي و تعيين مصري مكانه., علي العكس قامت الحكومة باعتقال أحمد عرابي و زميليه علي فهمي و عبد العال حلمي و قدمتهم للمحاكمة العسكرية فقام زملاء الضباط الثلاثة بالخروج علي رأس فرقهم العسكرية و حاصروا مقر المحاكمة العسكرية في قصر النيل ، فهربت اللجنة العسكرية و خرج الضباط الثلاثة إلي ميدان عابدين لمقابلة الخديوي ، و أمام التجمهر في عابدين اضطر الخديو إلي عزل عثمان رفقي و تعيين المصري محمود سامي البارودي وزيراً للحربية في 1 فبراير 1881 و بعد أن رأوا قدرتهم علي التأثير بدأ الضباط في تقديم مطالب تتعلق بأحوالهم في الجيش تتلخص في: - صرف بدل نقدي عن التغذية و الملابس و زيادة المرتبات عامة. - عدم استقطاع مدة الأجازات من مرتباتهم - أن يدفع العسكريون نصف أجرة بالسكة الحديدية و تم الاستجابة لمعظم هذه الطلبات و لكن الضباط شعروا أن توفيق يدبر ضدهم المكائد، و قاموا بتقديم مطالب جديدة تتعلق بزيادة عدد الجيش إلي ثمانية عشر ألفاً و إنشاء حصون جديدة و تكوين مجلس نواب تكون الوزارة مسئولة أمامه. و حاول الخديو تحجيم نفوذهم بارسالهم إلي السودان لإخماد ثورة المهدي ، و لكنهم رفضوا الذهاب ، كما رفضوا المشاركة في حفر الرياح التوفيقي اعتقاداً منهم أن الغرض هو جمع السلاح من أيديهم. و تسببت حادثة مقتل أحد الجنود المصريين عندما صدمته سيارة يقودها أجنبي إلي زيادة التوتر و تصاعد الأحداث ، فقد قام الجنود بحمل القتيل إلي سراي عابدين ، و استاء الخديو من هذا المسلك ، فحوكم المشاركون في المظاهرة و تم نفيهم للسودان. و عندما أخذ البارودي جانب الجيش و اعترض علي محاكمة الجنود ، لم يقبل الخديو اعتراضه، فقدم البارودي استقالته و كان هذا هو خطأ البارودى الأول من الناحية السياسية أن ترك الساحة مفتوحة أمام الخديوى ليمارس الاعيبه القذرة فى الخفاء و هذا يدل على ضعف الرؤية السياسية لدى ضباط الجيش المصرى. و اتفق عرابي مع زملائه علي حشد الجيش لمواجهة الخديو في ميدان عابدين في 9 سبتمبر 1881 م ، و في اليوم المحدد و في ميدان عابدين رفع عرابي مطالب الجيش و الأمة و هي : . عزل رياض باشا رئيس الوزراء . تشكيل مجلس نواب و لقد تحمس عرابى لهذا المطلب كثيرا و ذلك لانه رأى فى تشكيل مجلس نواب خط حصانة و دفاع له ضد مكائد الخديوى و الانجليز و قد أحسن عرابى التفكير فى هذا الأمر و هو الشروع فى بناء مؤسسات الدولة الداعمة له و التى تقف كحائل بينه و بين الخديوى توفيق و كان من الضرورة أن يعرض عرابى لمطالب أعيان مصر ضمن جملة مطالب حركة الضباط كنوع من التعاون المتبادل بين طبقة الاثرياء و المؤسسة العسكرية المتمثلة أينذاك فى ترأس عرابى لحركة الضباط المصريين المتمردين لأن الدعم هنا متبادل, قوة السلاح ترغم الخديوى على تنفيذ الاصلاحات السياسية التى تخدم مصلحة الاعيان المصريين فى ذلك الوقت و ذلك اكسب حركة عرابى بعد اجتماعى و سياسى و لكن حتى ذلك الوقت لم تتسع رقعة الثورة العرابية لتشمل كافة مطالب الفئات المختلفة للشعب المصرى و المقصود هنا على الاخص الفلاحين و الحرفيين و الطبقة العاملة بالذت فى ذلك الوقت, و من وجهة نظرى لم تكتسب تلك الحركة مفهوم الثورة الشعبية الشاملة على الرغم من تغنى بعض المؤرخين بأنها كانت انتفاضة شعبية كاملة احاطت بقصر عابدين و حتى الصور التى رسمت لتؤرخ لذلك الحدث الجلل لم تظهر عامة جموع المصريين و لكنها تظهر بجلاء ضباط مصريين و بعض الاعيان !! و كان المطلب الثالث. زيادة عدد الجيش إلي 18 ألف جندي و بناء علي نصيحة القنصلين الإنجليزي و الفرنسي ، استجاب الخديوي توفيق للمطالب و قام بعزل رياض باشا و عين مكانه شريف باشا المحبوب من الشعب و المناصر للدستور و لمجلس النواب. و بالفعل قام شريف باشا بتشكيل الوزارة و عين البارودي وزيراً للحربية و مصطفي فهمي وزيراً للخارجية. كما تقدم ألف و ستمائة من الأعيان بتقديم مذكرة لإنشاء مجلس نواب علي غرار مجالس أوروبا ، و بالفعل تم انتخاب نواب المجلس و افتتح المجلس النيابي يوم 26 ديسمبر 1881 م . و كان نشاط الوطنيين في مصر و تشكيل مجلس النواب تنذر بالمخاطر علي مصالح الإنجليز و الفرنسيين في مصر و المنطقة بأكملها ، لأن نشاط الوطنيين و المجلس النيابي سيضعف سلطة الخديوي المهادن للإنجليز و سيزيد الوعي السياسي العام للشعب و يؤدي في النهاية إلي فتح ملفات وطنية مهمة مثل التدخل الأجنبي السافر في البلاد المتمثل في الرقابة الثنائية و صندوق الدين ، كما سيفتح ملف قناة السويس و أحقية مصر بامتلاكها و إدارتها. لذلك رأت إنجلترا أن قناة السويس قد جعلت مصر من الأهمية بمكان لأن تتولي انجلترا إدارتها بنفسها و ليس عن طريق وسطاء مثل الخديوي أو القناصل أو المؤسسات المالية الدائنة و من هنا بدأت انجلترا تفكر جديا فى احتلال مصر متخذة فى ذلك عرابى ذريعة فيما بعد. كان قيام مجلس بنظام برلماني سوف يجعل من التدخل الأوروبي أمراً صعباً مما دعى انجلترا و فرنسا إلى إعادة النظر بشأن الوضع المصرى لان نظام الحكم المطلق يسهل أمور التدخل. و علي هذا أرسلت الدولتان مذكرة مشتركة في 7 يناير 1882 م توحي كلماتها بالاستياء من قيام نظام برلماني في مصر، و تذكر صراحة أن هذه الأحداث توجب التدخل لحماية العرش الخديوي. و بالطبع رفض شريف باشا المذكرة و احتج لدي القنصلين الانجليزي و الفرنسي علي المذكرة. و لما لم تتمكن الدولتان من إلغاء مجلس النواب، طلبتا ألا تتضمن لائحة المجلس مناقشة الميزانية و إقرارها، لأنها أمور تتعلق بالديون. و فأصبح موقف شريف باشا حرجا، و عرض علي النواب تأجيل النظر في الميزانية حتي يفوت الفرصة علي تدخل الدولتين ، غير أن العرابيين تشبثوا بحق المجلس في إقرار الميزانية باعتبار أن ذلك حق من حقوق الأمة الممثلة في المجلس المنتخب و اتصور وقتها على الرغم من مشروعية مطلب العرابيين ألا أنها جاءت مبكرة و لم تكن ضرورية فى تلك الاوقات لتفويت الفرصة على الانجليز و الفرنسيين للتدخل و أتصور أن شريف باشا كان محقا فيما ذهب إليه لأنه رجل سياسى محنك و ملم بكواليس السياسة الغربية الخبيثة و تلك هى الرؤية التى غابت على العرابيين الذين ينتمون الى المؤسسة العسكرية و ما كان لهم أن يقحموا أنفسهم فى الشأن السياسى من خلال التأثير على مجلس النواب و كان الأبدى بهم أن يكونوا فقط الدرع الحامى للحياة السياسية النيابية التى تم أحيائها رغما عن رغبة الخديوى و كانت ستمثل هذه الخطوة السياسية قفزة عملاقة فى تاريخ مصر الديموقراطى لولا تعنت العرابيين و كانت ستنقل البلد وقتئذ نقلة نوعية من حياة الاستعباد إلى حياة ديموقراطية كان سيقدر لها أن تستمر منذ ذلك الوقت إلى يومنا هذا و لكن تفسد السياسة بأن يقحم العسكر أنفهم فيها !! و بالتالى أمام إصرار الطرفين علي موقفيهما من مناقشة الميزانية، استقال شريف باشا و تألفت وزارة برئاسة البارودي الذي عين أحمد عرابي وزيراً للحربية. و بادرت الوزارة بإعلان الدستور في 7 فبراير 1882 م و إقرار حق المجلس في مناقشة الميزانية ، و هنا أحتج الرقيبان الفرنسي و الإنجليزي و طالبا قنصليهما بالتصرف. شعر القنصلان أن الحالة تنذر بخلع الخديوي توفيق ، و نسب إلي العرابيين أنهم كانوا يسعون إلي خلع توفيق و تعيين الأمير حليم بدلاً منه. فقامت انجلترا و فرنسا بارسال قطع بحرية علي الشواطئ المصرية في 19 مايو 1882 م بحجة حماية الرعايا الأجانب إذا ما تعرضوا للخطر بسبب الأزمة القائمة. و أرسلت الدولتان مذكرة تطلبان فيها استقالة البارودي و خروج أحمد عرابي من مصر . فرفضها البارودي و أقسم مع العرابيين يمين الدفاع عن البلاد و الولاء للثورة .فما كان من الخديوي توفيق إلا أن قبل المذكرة فاستقال البارودي احتجاجاً. و قام توفيق بتشكيل وزارة برئاسته, و السؤال هنا ما الذى دفع جمال سامى الباردوى إلى الاستقالة, لماذا لم يتشبث بمقعده خاصة و أن الأمور وصلت إلى قمة الصادم بين العرابيين و بين الخديوى, لماذا يترك له المقعد؟, كان من الواجب أن يستمر فى موقعه رغم أنف الخديوى و لكن ترك الفرصة للخديوى ليمارس لعبته القذرة و قد كانت الفرصة مواتيه للعرابيين للتشكيك فى الخديوى و فضح ميوله للمستعمر الاجنبى بقبوله المذكرة و لديه من الدعم ما يخالف به رغبة الخديوى من قوة عسكرية متمثلة فى الجيش المصرى. و منذ ذلك الحين بدأت انجلترا تتحين الفرصة لدخول مصر، و جاءت الفرصة يوم 11 يونية 1882 م في شجار ملفق قام بين رجل ملطي من الرعايا الأجانب و مكاري ( عربجي) مصري علي الأجرة ، فقام المالطي بطعن المصري طعنة قاتلة، فتطور الأمر إلي معارك متبادلة بين الأجانب و المصريين. و قام الأجانب بالتجمع في أماكن واحدة و التحصن بها. و قامت اجلترا بضرب مدينة الأسكندرية في 11 يولية 1882 م بحجة أن مصر تقوم بتحصين الأسكندرية، و تعتزم غلق الميناء و حصار البوارج الانجليزية الراسية فيه. نزلت القوات البريطانية الأسكندرية و حاصرت قصر الخديوي لحمايته، و أعلنت الأحكام العرفية، و ربط الخديوي مصيره بانتصار الإنجليز، و انسحب عرابي مع وحدات الجيش إلي كفر الدوار لإقامة خط دفاع ثاني. طلب الخديوي من أحمد عرابي الكف عن الاستعدادات الحربية و الحضور إلي قصر التين في الاسكندرية، و لكن أحمد عرابي رفض و اتهم الخديوي توفيق بالخيانة العظمي, و تم تشكيل مجلس عرفي لإدارة شئون البلاد بعيداً عن الخديو، وبعث إلى جميع أنحاء البلاد ببرقيات يتهم فيها الخديوي بالانحياز إلى الإنجليز، ويحذر من اتباع أوامره، وأرسل إلى "يعقوب سامي باشا" وكيل نظارة الجهادية يطلب منه عقد جمعية وطنية ممثلة من أعيان البلاد وأمرائها وعلمائها للنظر في الموقف المتردي وما يجب عمله، فاجتمعت الجمعية في (غرة رمضان 1299هـ= 17 يوليو 1882م)، وكان عدد المجتمعين نحو أربعمائة، وأجمعوا على استمرار الاستعدادات الحربية ما دامت بوارج الإنجليز في السواحل، وجنودها يحتلون الإسكندرية. كان رد فعل الخديوي على هذا القرار هو عزل عرابي من منصبه، وتعيين عمر لطفي محافظ الإسكندرية بدلا منه، ولكن عرابي لم يمتثل للقرار، واستمر في عمل الاستعدادات في كفر الدوار لمقاومة الإنجليز. بعد انتصار عرابي في معركة كفر الدوار أرسل عرابي إلى يعقوب سامي يدعوه إلى عقد اجتماع للجمعية العمومية للنظر في قرار العزل. في (6 رمضان 1299 هـ = 22 يوليو 1882 م) عُقِد اجتماع في وزارة الداخلية، حضره نحو خمسمائة من الأعضاء، يتقدمهم شيخ الأزهر وقاضي قضاة مصر ومُفتيها، ونقيب الأشراف، وبطريرك الأقباط، وحاخام اليهود والنواب والقضاة والمفتشون، ومديرو المديريات، وكبار الأعيان وكثير من العمد، فضلا عن ثلاثة من أمراء الأسرة الحاكمة. في الاجتماع أفتى ثلاثة من كبار شيوخ الأزهر، وهم "محمد عليش" و"حسن العدوي"، و"الخلفاوي" بمروق الخديوي عن الدين؛ لانحيازه إلى الجيش المحارب لبلاده و الغريب أن الشيخ محمد عبده لم يكن مناصرا لذلك الاتجاه و أعرب فى أكثر من رسالة اعتراضه على سياسة عرابى المناوءة للخديوى ، وبعد مداولة الرأي أصدرت الجمعية قرارها بعدم عزل عرابي عن منصبه، ووقف أوامر الخديوي ونظّاره وعدم تنفيذها؛ لخروجه عن الشرع الحنيف والقانون المنيف ولم يكتفوا بهذا بل جمعوا الرجال والأسلحة والخيول من قرى وعزب وكفور البلاد وقد قام العمدة محمد إمام الحوت عمدة الصالحية شرقية والعمدة عبد الله بهادر عمدة جهينة جرجاوية ببث الحماسة في الناس وجمع ما يستطيعون من الرجال والسلاح لدعم الدفاع عن البلاد فقد قدم العمدة عبد الله بهادر نحوا من 600 مقاتل من رجال جهينة المعروفون بالبأس والشجاعة و140 فرس و74 بندقية والعديد من الأسلحة الأخرى وكميات كبيرة من الغلال وقدم العمدة محمد امام الحوت نحو من 40مقاتل بعددهم وعتادهم وقدم سليمان زكى حكيم من أعيان مركز طوخ 41 فرس واحمد حسنى مامور مركز ميت غمرقدم 33 بندقية. و لعبت الخيانات دور كبير فى هزيمة العرابيين ضد الاحتلال الانجليزى فى موقعة التل الكبير رغم انتصار الجيش المصرى على الجيش الانجليزى فى كفر الدوار و انسحاب الجيش الانجليزى للاسكندرية ثم مغادرة الاسكندرية و أيضا لعبت قلة خبرة الضباط المصريين فى ادارة المعركة الحربية دور قوى فى الحاق الهزيمة بالجيش المصرى و يضاف إلى ذلك أيضا ضعف الاستخبارات العسكرية المصرية فى ترصد حركات الانجليز من قناة السويس حتى موقعة التل الكبير حيث فوجىء الجيش المصرى بأن الجيش الانجليزى يقف أمامه مباشرة و لم يكمل الجيش المصرى تحصيناته بعد !! ملخص لأسباب فشل الحركة العرابية خاصة التل الكبير . خيانة الخديو توفيق : فقد ساند التدخل الاجنبى في شئون مصر منذ بداية توليه. . خيانة ديليسبس : صاحب شركة قناة السويس، والذي اقنع عرابى بعدم ردم القناة لان الإنجليز لا يستطيعوا المرور عبرها لان القناة حيادية، ولكنه سمح للانجليز بالمرور، ولو ردمت القناة لما دخل الإنجليز مصر و هنا ياتى السؤال الثانى كيف يثق عرابى بوعد قطعه له رجل أجنبى فرنسى تتفق مصالح بلاده مع مستمر أنجليزى, من الممكن إرجاع هذا السبب لتصور عرابى أن باقدام أنجلترا على احتلال مصر ستتعارض وقتها المصالح الانجليزية مع المصالح الفرنسية لأنها خطوة اقدمت عليها انجلترا بدون التنسيق أو لأشراك فرنسا فيها و لربما هذا ما لأوحى به ديلسيبس لعرابى من خلال طمأنته أن الفرنسيين يقفون إلى جوار المصريين فى حربهم ضد الانجليز و هذا نرجعه فى نهاية الأمر إلى قلة الخبرة السياسية لدى عرابى. . خيانة بعض بدو الصحراء : والذين اطلعوا الإنجليز على مواقع الجيش المصري. . خيانة بعض الضباط : وخاصة على يوسف، وقد ساعدوا الإنجليز على معرفة الثغرات في الجيش المصري. . خيانة خنفس باشا قائد حامية القاهرة. السلطان العثمانى : اعلن عصيان عرابى في 9 سبتمبر 1882 وهو وقت حرج جدا، وكان ذلك بتحريض من إنجلترا ؛ جعل الكثير من الاشخاص ينقلبوا ضده. . قوة أسلحة الإنجليز عنصر المفاجأة والذي استخدمه الإنجليز بعدالمعركة قال الجنرال جارنت ولسلي قائد القوات البريطانية أن معركة التل الكبير كانت مثال نموذجي لمناورة تم التخطيط الجيد لها مسبقا في لندن وكان التنفيذ مطابقا تماما كما لو كان الأمر كله لعبة حرب Kriegspiel. إلا أنه أردف أن المصريون "أبلوا بلاءاً حسناً" كما تشير خسائر الجيش البريطاني. اختار ولسلي الهجوم الليلي لتجنب القيظ ولمعرفته بتفشي العشى الليلي بين الجنود المصريين إلا أنه لاحظ أن الجنود النوبيين والسودانيين لم يعانوا من هذا المرض. أحب أن أربط هنا بين الثورة العرابية و انقلاب الضباط الاحرار فى 1952 و التى يثار حولها اقاويل بأن عبد الناصر قد استوعب الدرس العرابى جيدا و الخطأ الأكبر الذى وقع فيه عرابى و هو أنه لم يطالب الخديوى توفيق فى 9 ستمبر يوم تجمهر هو و ضباطه أمام قصر عابدين بالتنحى عن عرش مصر و مغادرة البلاد فورا و أنه لو كان فعل ذلك ما كان واجه المصير المظلم الذى لحق به فى نهاية المطاف و أن عبد الناصر استوعب الدرس جيدا كما قلت و صحح هذا الخطأ مع الملك فاروق و أجبره على التخلى عن العرش و مغادرة مصر حتى لا يتكرر سيناريو عرابى و لكنى أختلف مع هذه الرؤية إلى حد كبير لأن لو كان أقجم عرابى على عزل الخديوى و قتها و طالبه بمغادرة الاراضى المصرية كانت ستنتهى الأحداث فى نهاية المطاف بدخول الانجليز لمصر و القبض على عرابى و إعادة الخديوى للعرش و لربما كان أعدم عرابى و رفاقه كلهم لأن موقف بريطانيا فى ذلك الوقت كان يختلف أختلافا جذريا عن موقف بريطانيا أيبان انقلاب 52 لأن بريطانيا فى ذلك الوقت لم تعد القوى الاستعمارية العظمى التى كانت عليها إيبان فترة عرابى بل كانت قوة متصدعة غير قادرة على الخوض فى استعمار جديد و ظهر هذا جليا فى العداون الثلاثى على مصر فى 56 حيث احبطت الولايات المتحدة و الاتحاد السوفيتى العدوان الثلاثى على مصر باعتبارهم قطبى العالم الجديد كقوتين عظميتين و يضاف لكل هذه الاسباب أن المفهوم الوطنى و الوطنية و الاستقلال و الفكر القومى لم يكن متبلورا هذه الأيام بمثل ما كان قويا أيام عبد الناصر بفعل نشر الثقافة الشيوعية فى القارة الاسيوية و دول شرق أوروبا , فلم تكن من أهداف عرابى أقامة دولة مصرية مستقلة و لم يكن من اهدافه عزل الخديوى و لكنه كان يهدف اى نهاية المطاف الى حزمة من الاصلاحات السياسية التى تؤهل الطريق فيما بعد لتطوير فكرة المواطن و مفهوم الاستقلال و زيادة الوعى حول مفهوم الروح القومية و كل تلك الافكار لم تكن حاضرة فى ذهن الساسة و لا ثقافة الشعب المصرى إينذاك. و بالمقارنة بين ثورة عرابى و انقلاب 52 سنجد أن هناك عدة فوارق جوهرية أهمها يتخلص فى الصورة السياسية التى حلم بها عرابى و فشل فى تحقيقها بصرف النظر عن أسباب الفشل و الصورة السياسية بعد أنقلاب 52 فعرابى كان يسعى هو و رفاقه من الساسة لبناء دولة مؤسسات قائمة على الخيار الديموقراطى و الحياة النيابية التى تمثل الشعب المصرى و كانت تمثل افكار طليعية لقيام حياة حزبية فى مصر تمثلت بوادرها فى تجمع حلوان تحت مسمى الحزب الوطنى و التجمع السكندرى تحت مسمى مصر الفتاة أما الملامح السياسية لانقلاب 52 تمثل فى تدمير الحياة الحزبية و القضاء التام على التعددية فى الحياة السياسية و صب البلد كلها فى قالب واحد متمثل فى الاتحاد الاشتراكى بدعوى فساد الاحزاب السياسية إينذاك, الحيش المصرى فى وقت عرابى كان جيش حديث التسليح قوى قادر على حماية البلاد حتى من اقوى جيوش العالم و تجلى ذلك فى موقعة كفر الدوار و الهزيمة المفجعة التى منى بها الانجليز فى هذه الموقعة و لولا الخيانات المتكررة و ضعف الاستخبارات العسكرية المصرية إينذاك لكان أنتصر الجيش المصرى مرة أخرى فى موقعة التل الكبير و لجأت بريطانيا العظمى وقتها إلى سياسة المفاوضات و الحلول الوسط أما الجيش المصرى بعد انقلاب 52 منى بالعديد من الهزائم أولها غياب الجيش المصرى تماما عن الساحة العسكرية فى العداون الثلاثى على مصر و أيضا خسائره المتكررة الغير معلنة فى اليمن عام 61 و أيضا هزيمته الكبرى فى نكسة 67, لذلك فان المقارنة بين عرابى و عبد الناصر هى مقارنة غير منصفة بالمرة و شتان ما بين الاثنان, لربما يغضب الناصريون من رؤيتى المعادية لعبد الناصر و لكنى أراها الحقيقة التى تتجلى قوية امام كل عين تقرا و تعى ما تقرأ و تتمعن فيه بحكمة و موضوعية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق