مرحلة ما بعد تأسيس الدولة الإسلامية
بين قراءة مسيسة و آخرى موضوعية:
من الضرورى إعادة قراءة أحداث بيعة السقيفة خارج ذلك الاطار المقدس الذى يفرضه شرح القدامى لتلك الاحداث التاريخية الهامة , لقد قاموا بوضع تفسير أوحد لا يخرج عنه فكر الأمة و كأن إعادة تفسير و رسم سيناريو آخر لتلك الاحداث التاريخية هى خرق لأحدى الثوابت الدينية و إن المرء ليعجب من ادخال تلك الاحداث التاريخية فى مصنف الثوابت التى لا يجوز إعادة تفسيرها أو شرحها ألا ما تقدم من شروحات الأقدمين فقط. و هذا يعد مصادرة للرأى يمكن أن نرجعه إلى السلطة القهرية التى استمدها فقهاء تلك العصور من السلطة الاستبدادية للحكام فانتقلت عدوى الاستبدادية إلى الفكر و الحجر عليه و وسائل القمع المختلفة التى مارسوها و المحاولة المبتذلة لربط الاحداث التاريخية بثوابت الدين و " المعلوم من الدين بالضرورة " , هى محاولات لتسيس فكر كل باحثين التاريخ و ألزامهم بخط معين لا يجوز الخروج عنه, مع إن إعادة قراءة التاريخ أو نقد بعض أحداثه لا علاقة له بالدين, فالخروج بنتائح مغايرة لما اتفق عليه حول بيعة السقيفة أو ما شابهها من أحداث يعد من وجهة نظر علماء الدين و كأنه ضرب لصلب الدين و خروج من حد الايمان إلى حد الكفر ! و ذلك الربط المتسلط بين الأحداث التاريخية و الثوابت الدينية هو سلاح بعض علماء الدين للسيطرة على العامة و أى فكر آخر فى ذلك المجال, فمصادرة الرأى هو احتكار للسلطة قبل أن يكون دفاع عن التاريخ و لأن فى تلك المصادرة الغير مبررة على تحليل أحداث التاريخ الإسلامى خروج عن المنطقية فأضفاء الشرعية الدينية عليها يعيطها ثوب المقدس و الدخول فى منطقة الحرام و الحلال و يجعلها من الثوابت التى لا تناقش و هو تعطيل للبحث العلمى التاريخى فى أحداث هامة من التاريخ الاسلامى و على هذا الاساس قام عدد كبير من علماء الدين بتحريم مناقشة أحداث الفتنة التى تخص الامام على بن ابى طالب و معاوية بن أبى سفيان. ذلك الحجر الغريب و السيف المسلط من بعض علماء الدين على بعض رموز التاريخ الاسلامى و على رأسهم تاريخ الصحابة الاجلاء, لا مرجعية له من أهل السلف فالامام الشافعى رحمه الله صاحب قاعدة أن " كل ابن آدم يؤخذ منه و يرد ألا صاحب هذا المقام" و أشار إلى قبر رسول الله و هو دليل على أن الحرية النقدية و الفكرية كانت متاحة لكل طالب علم و المصادرة التى تمت فيما بعد ليست ألا من أوامر بعض الرموز السلطوية الاستبدادية الذين أفناهم الدهر و ذهبت ريحهم و ليس من المعقول أن يسيطر على أفكارنا إلى اليوم فرمانات الأموات لهم ما كسبوا و عليهم ما اكتسبوا. فكل مفسرى أحداث بيعة السقيفة يجمعون بشكل غير منطقى بالمرة على أن كل الامة الإسلامية اجمعت على بيعة ابى بكر الصديق و هذا منافى للحقيقة و احداث التاريخ التى لا يمكن أقصاءها و لا تجاهلها بالمرة و التى لا تؤيد تلك المزاعم التى لا أساس لها من الصحة و عدم أجماع كل الامة على أبى بكر لا ينقص من شأنه شيئا و لا يحط من قدره, أذن لماذا هذا التزييف للوعى و القراءة المغلوطة و البعد عن الموضوعية و الميل إلى الاهواء, هل حب أبى بكر الصديق يدفعنا إلى المبالغة و الافراط حتى يفسد علينا القراءة السليمة للتاريخ الإسلامى. و جعلوا من اجماع الامة على بيعة ابى بكر ثابتة من الثوابت التى لا يجوز نقدها أو مناقشتها و من نفاها أو اختلف معها فقد ضل عن السبيل و أصبح إيمانه على حرف !!
بيعة السقيفة و الرؤية الجديدة:
إن أحداث بيعة السقيفة تنفى تمام النفى أن الامة كلها اجمعت على بيعة ابو بكر, فلا يمكن ان ننسى أن عدد من كبار الصحابة لم يبايعوا أبو بكر و لم يحضروا بيعة السقيفة أمثال خالد بن الوليد و أبى بن كعب – سيد القراء – و سلمان الفارسى و عمار بن ياسر و الزبير بن العوام و عبيد الله بن طلحة و كل البيت الهاشمى و العباس بن عبد المطلب عم رسول الله و على رأسهم الامام على بن أبى طالب و زوجته السيدة فاطمة الزهراء التى ماتت و لم تعطى البيعة لأبى بكر, حتى أن الامويين إلى حد ما اتخذوا موقف الجمود السياسى و كان ذلك متمثل بالأخص فى أبو سفيان بن حرب و لما استقرت البيعة لأبو بكر أقترح أبو سفيان على الامام على أن يشنها عليهم حربا حتى تكون الخلافة للامام على و قال فى ذلك أبو سفيان قولته المشهورة" لأملاءنها عليهم خيلا و رجالا " و لكن الامام على عنفه بشدة على ذلك و حال دون خططه و لا يمكن أن ننسى أيضا أن الانصار دعموا مرشحهم للخلافة أمير الانصار سعد بن عبادة ليكون خليفة على جميع المسلمين و لا يفوتنا ما دار من نزاع بين الانصار و المهاجرين فى بيعة السقيفة. و ان الانصار سارعوا بترشيح سعد بن عبادة للخلافة , لماذا نتغافل عن كل تلك الاحداث و نغلق العيون عنها و كأنها مؤشرات لفضائح إسلامية لا يجوز الافصاح عنها و تصنيفها فى مصنف أولى الفتن الإسلامية التى وأد نارها أبو بكر الصديق أو اللجوء إلى محاولات تبرير توفيقية و كأنهم يسعون إلى رأب صدع وهمى غير موجود فى الواقع و لكنه موجود فقط فى روؤسهم , أن كل ذلك لا يقلل من مكانة أو شان ابو بكر و لكن الذى يخرج الحقيقة عن موضوعيتها إلى المبالغات و المزايدات السخيفة هو تسطيح الحدث التاريخى و اختزال هذا الحدث المهم و العظيم و الذى يعد نقطة تحول فى تاريخ الامة الإسلامية إلى جملة واحدة سخيفة و غير منطقية و هى " أن كل الامة الاسلامية أجمعت على بيعة أبى بكر"و من هنا جاء استدلال بعض الشيوخ الجامدين على أنه لا يوجد أحزاب فى الإسلام و لكنها سياسة الحزب الواحد و أن التعددية الحزبية لا تصح وفق منظورهم الإسلامى ضيق الأفق !! و إن المرء ليضرب كف بكف على هذه القراءة المغلوطة التى أما أنها تنبع من نية حسنة أو تنبع من غرض خبيث و هذا فيه تسويغ لما قام به عبد الناصر من حل كل الاحزاب السياسية التى كانت موجودة إبان الحكم الملكى و فرض سياسة الحزب الواحد و هو الحزب الحاكم, و ينبع استدلال آخر من قراءتهم المغلوطة لبيعة السقيفة فى أن وجود تعددية حزبية هى خلق فتنة بين فئات المسلمين و التعددية تمنع من قيام أمة واحدة على كلمة واحدة!! كيف لا يدهش المرء من كل تلك القراءات الغريبة المفتراة التى لا تنبع فقط ألا من وعاظ السلاطين أو اقلام السلطة, أن كل تلك المقولات انما هى تأسيس للحكم الشمولى الاوحد الاستبدادى لذلك تم مصادرة أى قراءة أخرى لبيعة السقيفة من أجل التاسيس لتلك الفكرة الإحادية المغلوطة المسيسة من الاساس, و هى اجماع الامة على شخص واحد و سياسة واحدة و كل ذلك يعطى الشرعية لأى حاكم مسلم أن تكون حاشيته هى الحق الاوحد ووجوده على عرش الحكم منفردا حق دينى مكتسب ووجود أى جبهة معارضة هى اخلال بالثوابت الدينية !!
نحو معرفة أدق لحروب الردة
و لذلك تم أيضا اختزال أحداث الردة فى صورة سخيفة و مبتذلة فى أن حروب الردة كانت فقط موجهة للقبائل التى خرجت عن الإسلام بعد موت الرسول صلى الله عليه و سلم و أعلنت كفرها متمثلة فى مسيلمة الكذاب و مدعية النبوة سجاح و لكن الحقيقة أن حروب الردة انطوت على حروب أخرى لم تكن موجهة للمرتدين فقط بل موجهة لمجموعة من المعارضة المسلحة فى الامة الإسلامية, و لمزيد من التوضيح أن بعض حروب الردة أنما هى موجهة إلى فئة من المسلمين أمتنعوا عن أعطاء الذكاة لأبو بكر و لكنهم كانوا باقين على إسلامهم. هذا الحدث يتم اغفاله أو بالأصح صعلكته و لا نعلم لحساب من يتم ذلك؟!, و يقوم بعض المفسرين بضم فئة المعارضة هذه إلى قائمة المرتدين و لكننا فى الحقيقة يجب أن نفصل بين حروب الردة و الحروب التى كانت موجهة لجماعات إسلامية معارضة. تلك هى المعارضة الاولى التى ظهرت فى الاسلام و لكن يجب أن نفرق بين نوعين من المعارضة , هناك معارضة إيجابية أتخذت قنوات شرعية مثل الامام على و متبعيه فهم ممثلون لفئة المعارضة المنظمة المشروعة فى جسد المجتمع الإسلامى و المعارضة السلبية التى تمثلت فى مانعى دفع مال الذكاة و التى لجئت إلى السلاح فقوبلت بحزم من الدولة و هو الضرب على أيدى الخارجين من أجل الخضوع و الدخول مرة أخرى فى جسد الامة الإسلامية, أذن فالمعارضة فى الإسلام لم تكن غريبة عليه بل كانت مشروعة و معروفة و لكن خلفاء و أمراء العصور المتاخرة عن هذا العصر الأسلامى الاول وظفوا أقلام السلطة و وعاظهم لتحويل فئة المعارضة تلك إلى فئة مرتدين و مارقين عن الدين و بذلك تم حبس هذه المعارضة فى صورة سلبية بالإضافة الى صعلكة الموضوع وو ضعه فى أطار زائف لتخريب وعى الإنسان المسلم فتصبح أى معارضة ناشئة للحكم الاستبدادى القائم هى فئة على غير أساس شرعى و هى تعد بذلك خارجة عن الدين باحالتها إلى أحداث الردة التى تمت فى عهد أبو بكر فينطبق الحكم المغلوط الذى بناه وعاظ السلاطين على أحداث الردة بأنهم مرتدين عن الدين و يتم أسقاطها تباعا على أى جبهة معارضة ناشئة !! هل يعقل أن نحتكم إلى مقولات و أفكار مسيسة من أجل التخديم على مصالح الحكم الاستبدادى ؟, لذا يجب دراسة تلك الاجتهادات و الكتابات التى نقرأها و لا نخر عليها صما بكما عميانا و ندرسها فى ضوء العصر و الظروف و الملابسات التى كتبت فيها.
الشكل الحزبى الاول فى الإسلام
بالنظر إلى أحداث بيعة السقيفة فيجب أن نصبغ عليها منظور جديد و مغاير تماما لما هو قائم بالفعل, لذا قمت بمحاولة لتطبيق الآليات السياسية المعاصرة على أحداث بيعة السقيفة حتى أقرب فهمى المعاصر لتلك الاحداث و وجدتها متماشية تماما و أنها نموذج أولى للتعددية السياسية و فكرة قيام الاحزاب و الدوائر الانتخابية. فلو نظرنا لأجلاء الصحابة و كبار الصحابة باعتبارهم ممثلن لقبائلهم فبيعتهم تلزم أفراد قبيلتهم البيعة و تلك المكانة اكتسبوها بفعل الاسبقية فى الأيمان والجهاد و ملازمة رسول الله صلى الله عليه و سلم فنشئت عنها طبقة جديدة من السلطة و السيادة تختلف عن مفهوم السيادة و الأشراف السابق قبل الإسلام. فابو بكر يعتبر ممثلا لقبيلة تيم أحدى البطون القريشية و بالنظر إليها على أنها حزب و هو رئيس هذا الحزب, فان هذا الحزب يدين بالولاء إلى رئيسه و إذا نظرنا إلى عمر بن الخطاب باعتباره من قبيلة أسد أحد البطون القريشية فهو رئيس لحزب أسد و ولاء الحزب له باعتباره رئيسا جديدا للحزب وفقا لمكانته الجديدة التى أصبغها عليه دخوله فى الإسلام و تاريخه النضالى من أجل الإسلام و كذلك الاوس و الخزرج فى المدينة أو يثرب و كل الصحابة المنتمين إلى مختلف القبائل العربية التى يمكن النظر إليها على أنها احزاب سياسية و الصحابة المنتمين إليها هم الرؤساء الجدد لهذه الاحزاب و يجب أن نتفهم أن البيعة و الشورى فى المجتمع العشائرى القبلى يختلف عن المجتمعات المدنية التى تتبع الاحزاب المختلفة بصرف النظر عن الانتماءات العرقية المحلية و فالمجتمع المدنى يدين بالولاء لاحزاب مختلفة تبعا لبرنامجها السياسى و ليس لاشخاص بذواتهم فقد نجد فى الاسرة الواحدة انقسام فى الولاءات بين الاحزاب الموجودة على الساحة السياسية فى حين أن المجتمعات القبلية تتوحد فى انتمائها لحزب معين دون غيره و هذا هو حال شبة الجزيرة العربية وقتها. أذن فهؤلاء الصحابة المجتمعين فى بيعة السقيفة روؤساء أحزاب و غلبة حزب على الأخر هى نتيجة لموازين القوى و الاستناد إلى المحالفات و التآلف بين الاحزاب و مع ظهور الإسلام طرأ مفهوم جديد استطاع أن يحتل لنفسه مكانة و أهمية و هو تخطى الامر من مجرد انتماءات قبلية إلى انتماءات قبلية لاشخاص بذواتهم فهناك قبائل اخرى تساند حزب أبو بكر و تدين له بالولاء مثل حزب عمر بن الخطاب و عبيدة بن الجراح فكلهم بالمفهوم المعاصر دخلوا فى ائتلاف موحد مع الحزب البكرى مكونين الجبهة البكرية فى مقابل الجبهات الاخرى و نجد هذا التوحد و الائتلاف الجبهوى متوحد فى أعلى صوره فى جبهة أو حزب المهاجرين و الذى هو يعد افراز طبيعى أملته الاحداث الإسلامية السابقة على فترة الخلافة الراشدة فظهر كحزب جديد و انتماء قبلى أوسع رقعة من مجرد البطون القريشية إلى قبائل أخرى فى شبه الجزيرة العربية , كل هذه الانتماءات القبلية على مستوى الجزيرة العربية تتحرك كلها تحت مظلة حزب المهاجرين و الذى ظهر من خلال أحداث بيعة السقيفة كحزب متحد ذات برنامج سياسى محدد و مبادىء حزبية متفق عليها من قبل جميع المنتمين إليها, و لا يظهر أى نوع من أنواع الشقاق فيه بعكس حزب الانصار الذى ظهر فيه تضارب المصالح و الشقاق و عدم تكوين ائتلافات قوية بين قبائل شبة الجزيرة العربية كما فعل حزب المهاجرين بالأضافة إلى دخول بعض الاحزاب اليثربية أو بالمعنى القديم القبائل اليثربية فى حزب المهاجرين و مثال على ذلك بشير بن سعد و اتباعه الذى مال بفريقه إلى حزب المهاجرين ضد ابن عمه سعد بن عبادة لربما لاختلافات فى التوجهات السياسية بينهما و لكن التراث لدينا يصور لنا الامر فى صورة غريبة غير منطقية تبين أن رجحان كفة حزب المهاجرين مستند إلى حديث لرسول الله صلى الله عله و سلم يقطع بان الخلافة فى قريش و لا تصح لغير قريش و هو تناقض و تضارب فى خط سير الاحداث !! و هذا يدعونا لتساؤل هام , هل يعقل أن حزب الانصار قد أغفل هذا الحديث النبوى الهام متعمدين و هم يعدون لبيعة السقيفة و ترشيحهم لعبادة بن الصامت خليفة لجميع المسلمين و إذا تصورنا انهم اغفلوا ذلك الحديث متعمدين فهم بذلك قد خالفوا حكم من احكام الدين الصريحة و القاطعة, فهل نتصور ان اجلاء الصحابة من الانصار آثمين و أذا تصورنا أنهم اغفلوا ذلك الحديث غير متعمدين فذلك مما لا يحتاج إلى تعليق منا و هو بذلك ليس أكثر من محاولة للاستخفاف بعقل القارىء و المتدبر للاحداث. و لا مجال لأن يظهر فجاة حديث نبوى فى مفاوضات بيعة السقيفة لينهى الصراع و المفاوضات و يتم تصويره بأن ذلك الحديث النبوى الذى أورده ابو بكر فى بيعة السقيفة أنه وأد نار الفتنة التى كادت ان تشتعل بين المسلمين و يضعون نقطة نهاية للفقرة كانها اشارة إلى وصول احداث بيعة السقيفة إلى هذه النقطة السريعة الغير منطقية و اللاموضوعية بالمرة , إذا كان هذا الحديث مشهورا بالفعل بين المسلمين حينئذ ما حق للانصار هذا الجدل و الصراع حول السلطة بما انه من المعلوم من الدين بالضرورة !! و لا ننسى ان خلفاء بنى امية و بنى العباس هم القريشين و الحديث يخدم على وجود شرعى مفتعل لهم فى السلطة , وفق ذلك الحديث فان الأنصار قد دخلوا تحت مصنف الردة بارتدادهم عن بعض أحكام الدين و حاشا لله أن يكون هذا ما حدث و لا ننسى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد ربى الامة الاسلامية على أنه لا فضل لاعجمى على عربى و لا لعربى على أعجمى ألا بالتقوى و أنه علم الناس انه لا باس فى أن يولى عليهم عبد أسود أميرا لو علموا فيه خيرا. و لا معنى أيضا للمفاوضات التى جرت بين الانصار و المهاجرين فى بيعة السقيفة بعد أن استند ابو بكر لهذا الحديث, حيث يقول الانصار منا خليفة و منكم خليفة فيرد أبو بكر بأن منهم الامارة و فى المهاجرين الخلافة و أن يؤكد ابو بكر على المشاركة السياسية الموسعة للانصار و دخولهم فى حكومة ائتلافية مع حزب المهاجرين باعتبارهما أكبر الاحزاب الاسلامية وقتئذ حيث أنه كانت توجد أحزاب اخرى فى الظل ذلك الوقت و هما حزب الامويين و حزب الهاشمين و قد بزغ نجم حزب الأمويين فى خلافة عثمان بن عفان و تضخم فى عهد معاوية بن ابى سفيان و كذلك صحوة الموت لحزب الهاشمين فى عهد الامام على بن أبى طالب و لو كان أبو بكر له الاجماع التام من كل قبائل الجزيرة العربية ما كان ملزما له التفاوض مع الانصار للدخول فى حكومة ائتلافية حيث يخبرهم أن المهاجرين لا يقضون أمرا بدون الرجوع إلى الانصار و هى أن دلت فتدل على تقسيم كل مفردات السلطة بين حزب المهاجرين و حزب الانصار. تلك هى النظرة الموضوعية و الدقيقة لمجريات الأمور فى وقت أحداث بيعة السقيفة و أن الفهم المغلوط على أن الأنقسامات و الاختلافات بين فئات الامة الأسلامية أنما تمثل فتنة فهو فهم قاصر أو مسيس بنية خبيثة من أجل مصلحة الحكام الاستبدادين و من منطلق ذلك الفهم المغلوط نشأت الأزمة التى حاول البعض التصدى لها و حلها, أزمة مفتعلة لم تكن موجودة, ابتدعها البعض لأجل مصلحة مسيسة و حاول البعض الآخر تبريرها بدافع الزود عن الاسلام ضد هجمات المستشرقين القذرة و ذلك باعتبارها عيب أو ثغرة وجب سدها !! و هى ليست بالعيب أو الثغرة و لاهى بمأزق أو إشكالية على الاطلاق, أذن فليس من المنطقى أن يفوز شخص مهما بلغت مكانته باجماع الأمة كلها و ألا أننا نسخر من عقولنا و نسخر من إسلامنا و نعطى الفرصة الذهبية لهجمات المستشرقين الخبيثة و هى أيضا تجافى الاحداث المذكورة فى الأثر و أن تأويلات تلك الاحداث المزعومة هى التى خلقت الأشكاليات التى لا وجود لها فى أرض الواقع و بالعودة الموضوعية إلى طبيعة الاحداث نفسها يمكن فهم الامور فى وضعها الصحيح و المفروض هو تفسير الحدث ذاته بنزعه من سياقات و شروحات الاقدمين و من تبعهم من المحدثين. و لا يمكن أن نفوت خطبة أبوبكر الصديق ساعة توليه مقاليد السلطة حيث خطب فى الناس مؤسسا لفكرة شرعية المعارضة السياسية الأسلامية و مؤسسا لفكرة أن ولاية الخليفة تأتى من الامة و برضى الامة وفق القواعد و القوانين التى أرساها لنا الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم و لا يشترط فى البيعة أجماع كل أطياف الامة الاسلامية و أنه كما تمت له البيعة بالرضى يجوز فى ذات الوقت خلع بيعته أذا حاد عن الطريق المستقيم. نلك هى أسس البيعة السليمة التى أسس لها ابوبكر الصديق فور توليه السلطة و بذلك أعطى الضوء الأخضر لوجود مجلس رقابة و محاسبى متكون من الصحابة من كلا الحزبين (الأنصار/ المهاجرين) و لو كانت الامه كلها أجمعت كما يدعى فما الداعى لوجود منفذ للمعارضة طالما اتفق الجميع عليه و كثيرا ما أختلف الصحابة مع ابوبكر فى شأن حروبه ضد المسلمين مانعى الذكاة و أعطوها فيما بعد عن يد صاغرين و كان على رأس جماعة المعارضة وزير و صديق ابوبكر المقرب عمر بن الخطاب.
مانعى الذكاة .... جبهة معارضة مسلحة:
و لكن دعونا نستعرض لماذا اتخذ مانعى الذكاة هذا الموقف؟ , هذا الموقف لا يلقى نصيبا من العرض و الشرح و التحليل و التفنيد الموضوعى لان المفسرين يناؤا عن أن يفسروا ذلك بظهور جبهة معارضة مسلحة ترفض بيعة ابى بكر على جميع الامة الاسلامية. امتناعهم عن اداء الذكاة هو اعلان صريح لرفض بيعة ابى بكر و عدم موافقتهم على تنصيبه خليفة عليهم و نلحظ أنهم لم ينالوا نصيبا من تقسيم السلطات كما نال الانصار النصيب الأوفر من ذلك, و بابعادهم سياسيا و دخلوهم فى نطاق العوام من الرعية و هو ما لم يقبلوه على حد تصورى الشخصى الذى لا يرقى إلى مستوى اليقين المطلق و لكنه اليقين القابل للنقد و الجدل و لكنهم فى ذات الوقت يمثلون قطاع صغير من جملة رعية المجتمع الاسلامى الجديد فى الجزيرة العربية لذا فهى لا تمثل وزنا سياسيا حقيقلا بمثل ما يمثل الانصار من وزن سياسى ثقيل فى المجتمع الاسلامى الجديد لذا فوزنهم السياسى الضئيل لا يستطيع ان ينتزع لنفسه أى مكانة سياسية أو سلطوية فى تلك الحكومة الائتلافية الجديدة و لا يمكن إحالة معارضتهم بأى حال من الاحوال إلى أنهم معارضين لولاية ابى بكر لأن الولاية منصوصة للامام على بعد الرسول صلى الله عليه و سلم و الدليل على ذلك أنهم اذعنوا فى نهاية الامر لسلطة الحكومة الجديدة و لم نعرف فى التاريخ الاسلامى أنهم امتنعوا عن اداء الذكاة من أجل اغتصاب ابوبكر لولاية الامام على المنصوص عليها من قبل الله سبحانه و تعالى و لم يذكر فى التاريخ أن الامام على أنضم إليهم باعتبارهم جبهة معارضة مسلحة و لم يؤيد و لا حتى بارك خروجهم على ابوبكر ,هذا هو ما أثر عن التاريخ الاسلامى المدون فى أمهات الكتب و ما عاداه فلا علم لى به. فجبهة المعارضة العلوية جبهة معارضة تستخدم القنوات الشرعية بالمفهوم المعاصر و هى جبهة معارضة مشروعة و تمثل قلة فى جسم المجتمع الاسلامى وقتها و هناك جبهة المعارضة المسلحة لمانعى الذكاة و التى عبرت عن المعارضة باستخدام القوة و كان من حكمة أبو بكر أن قابل عصيانهم المسلح باخضاع مسلح من جهته, و ذلك لانه لو كان امتثل لمشورة الصحابة و على رأسهم عمر بن الخطاب لخرجت كل قلة بما رأت و هوت و انفصلت و بذلك لتحولت الدولة الاسلامية الناشئة لدويلات صغيرة متصارعة متناحرة و لعادت مرة أخرى قبائل عربية متشرذمة تتصارع على مواقع السلطة الجديدة و هى رؤى بعيدة المدى و حكمة صائبة من ابوبكر الصديق لتثبيت دعائم الدولة حديثة الولادة , فهو أسس لفكرة المعارضة الايجابية و رفض المعارضة النازعة لاستخدام القوة و تلك تعد من جهته تربية ديموقراطية قام بها للامة كانت فى مهدها وأد نموها معاوية بن ابى سفيان بتحويلها إلى ملك عضود و لم يعطى الفرصة لقيام دولة اسلامية نموذجية تقوم على أركان الديموقراطية و التعددية الحزبية و لكن بمفهوم إسلامى بحت.
البيعة...أفكار طليعية فى فخ اجتهادات التخريب:
فى قرون لم تكن تعرف غير النظام الملكى الاستبدادى و الحكم المطلق و رفض مبدأ تداول السلطة و اختيار الأمة لحكامها, كلها كانت أفكار تنويرية طليعية لم يعرفها العالم فى ذلك الوقت و لم تظهر له أى بوادر ممهدة لمثل تلك الافكار فى أى بقعة من بقاع العالم ألا أن تلك الافكار كانت مكتملة النضج و قابلة للتطبيق الفورى فى المجتمع الاسلامى الذى أسسه رسول الله صلى الله عليه و سلم, فى الوقت الذى كان كل العالم غارق فى ظلمات الجهل الدينى و السياسى و الاجتماعى خرج للعالم من تلك البقعة المباركة أول نموذج ديموقراطى بصبغة إسلامية تحمل مقومات الدولة الحضرية التى لم تمهلها الدولة الاموية فرصة النمو و قتلتها فى مهدها و عادت لتؤسس مرة أخرى لأفكار الحكم الاستبدادى فتتلمذ فى العصور التى تلت عصر الخلفاء الراشدين على أيدى أمراء الظلم و خلفاء الاستبداد فقهاء يتمتعون بجهل سياسى و يسوغون ولاية الحاكم الفاسق المستبد كما ثبت أركانها الماوردى و ابن تيمية و الغزالى فى عصور شهدت موت الديموقراطية الإسلامية لتفتح المجال أمام عصور الاستبداد الملكى و توريث الحكم و تعبيد الطريق للظلم تحت مظلة أسلامية ابتدعها فقهاء السلطة و ما أنزل الله بها من سلطان و قد بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم ليحارب كل أشكال الحكم الملكى المستبد و اشكال توريث الحكم و اغتصاب الحكم و اقصاء دور الشعب فى انتخاب حاكمه و كل اشكال السلطة السلبية المنافية لروح و جوهر الاإسلام و لا ننسى أن الله القائل على نفسه " و ما ربك بظلام للعبيد" فأن الله الذى لا يرضى الظلم علينا لا يرضى أيضا أن يحكمنا من استبد بنا و ظلمنا ؟, لا يمكن أن يرضى ابدا بحاكم مستبد, فاسق, ظالم و لكنها أفكار أنتجتها دول الظلم و القهر مثل الدولة الاموية كبذرة اولى و رسختها بقوة الدولة العباسية حتى أضحت من أصول الفقة و التشريع السياسى فى الإسلام و جعلت من الثوابت التى لا يجوز نقدها أو التجريح فيها. و لذلك تم تسيس قراءة التاريخ الإسلامى للجيل الأول و نزع الروح السياسية الإسلامية العادلة عنه و تحويله إلى قراءة مبسطة تخدم على أفكار كل الحكام الاستبدادين بمساعدة فقهاء عصرهم سواء بسوء نية منهم أو بجهل منهم و كلاهما أضرا بالإسلام ضررا عظيما و الإسلام برىء مما نسب إليه من اجتهادات فقهاء تلك العصور و نتج عن ذلك أن تصيد لنا اعداء الدين من المستشرقين الغربيين و الآن الباحثين العرب اللادنيين العديد من الثغرات و كأنهم اكتشفوا للاسلام عيبا يباهوا به أنفسهم و لكنهم يباهون به جهلهم و هو وجوب التفريق بين شرائع و أحكام الإسلام و بين اجتهادات فقهاء أمثال هؤلاء لا يمت عملهم للإسلام بصلة من قريب أو بعيد. فيخرج الكثير منهم بأن اجماع الامة كلها على بيعة أبو بكر هو نوع من الاكراه و التسلط الذى مارسه ابوبكر على الامة الإسلامية ليجمع الأصوات عليه و يستبد بالخلافة و جعلوا بيعته مؤشر جلى و واضح للاستبداد و ذلك نتيجة للقراءات الغير منطقية التى فرضها فقهاءنا على النصوص التاريخية و انزلوا بها بما ليس فيها فزينوا لشياطين الغرب أعمالهم و وثقوا لهم كاحسن ما يكون و لكن يستقيم أن تتم البيعة لأبوبكر بين معارض و مؤيد و هذه هى سنة الحياة و هكذا تسرى الامور و ماعادا ذلك ليس منطقيا و ليس مقبولا و هو من باب المزايدات و المغالاة و تحميل الامور ما لا تحتمله. و قام علماء ديننا بتسطيح أحداث الردة و خلطوا الاوراق ببعضها البعض و جعلوا المرتدين مثل مانعى الذكاة و كلهم مرتدين فمهدوا الطريق للمستشرقين أن يطعنوا فى نزاهة أبو بكر و جعلوه رمز للاستبداد و الظلم و انه الرجل الذى يقبر أصوات المعارضة له و يستندون فى أدلتهم إلى بعض أقوال علماءنا الكرام فى ذلك لمحاربته مانعى الذكاة الذين لم يرتدوا عن الإسلام و رغم عن ذلك حاربهم أبوبكر باعتبارهم مرتدين و كل ذلك نجم عن الخلط بين الاوراق التى احدثها بعض علماءنا الكرام فى هذه الاحداث بحجة الدفاع عن الإسلام, فحسبوا أنهم أحسنوا صنعا فى حين انه حبطت اعمالهم. هؤلاء الفقهاء و علماء الدين و مفسرى التاريخ خلفوا تراثا من الاجتهادات المسيسة فى قراءة تاريخ الجيل الأسلامى الاول أقتفى على أثارهم فقهاء عصور لاحقة سارت على ضربهم بدون تحليل و تمحيص باعتبار اجتهاداتهم هى من أصول التشريع الإسلامى و بدلا من رفضها أسسوا لها أكثر و أكثر حتى رسخت مكانتها بيننا و أصبحت مقدسة لا تقبل المناقشة أو النقد. بينما تلك التفسيرات أساءت كثيرا لأبوبكر و لو أنهم اقتنعوا بالتفسير الموضوعى فى تحليل الأحداث لكانت فى صف أبوبكر أكثر من أن تكون ضده لو أنهم أعملوا القليل من الفهم فكما سبق و أسلفنا لا يضره أن يبايعه الكل فهذه حتمية بشرية و لا يستوى أن يبايعه الجميع كمثل أن يحصد 99.9% من الأصوات لأننا لو سلمنا بهذه الفكرة لاعتبرنا أن هناك خلل قد يعود بالسوء على هؤلاء الصحابة الأجلاء بأكثر مما ينصفهم.
نص الولاية بين الثبوت و الأسطورية
و طبقا للاعتقاد الشيعى فى النص بالخلافة للامام على و أنها أمر ألهى, أمتنعت الأمة كلها عن الأمتثال له و بذلك يؤسس الاعتقاد الشيعى لفكرة بداية الظهور الاول للفكر العلمانى فى العقل البشرى و التجرد من الحاكمية الالهية و الامتثال لحاكمية البشر و ذلك لأنكار جميع الامة الاسلامية حق الأمام على الألهى فى الخلافة و السكوت عن تلك المخالفة الألهية التى قام بها أصحاب الرسول صلى الله عليه و سلم المنشقين عنه و هذا مما لا يسوغه عقل و لا يقبله إنسان لأن الاسلام جاء ليقضى على كل الأفكار المتصلة بالحق الألهى المكتسب فى كرسى الحكم و عمل الشيعة على التأصيل لأفكار التخلف السياسى من منطلق النص الألهى للولاية و إخراج الفكر السياسى الإسلامى من طور الصلاحية الأزلية لطور الرجعية و التخلف و إحالة بيعة الأمة الإسلامية للامام على على الخلافة على أنها عودة لمبايعته على حقه الألهى المكتسب فى الخلافة, و هل هذا يجيب على التساؤل القائم بافتراض صحة مذهبهم فما هى حاجته لاخذ الييعة من المسلمين على خلافته بما أنها حق ألهى مكتسب و لماذا قبل بالتحكيم بينه و بين معاوية بعد معركة صفين. بتلك الفكرة المبتذلة عن النص بالولاية قضوا على أى منفذ ضوء يعلن للعالم الغربى الظهور الاول للنموذج الديموقراطى فى العالم الإسلامى من أربعة عشر قرنا مضت الذى يدعون ابتكراه, سابقة فى التاريخ الإسلامى لم يصل إليها أى مجتمع و جردوا بيعة الامام على القائمة على الأرادة الحرة للأمة الاسلامية و أجماع القلوب على الامام على لحقوقية ألاهية لا دخل للبشر فيها و يتحول بها الامام على من خليفة منتخب من الامة إلى خليفة مقدس يمثل ظل الله على الأرض مفوض من الله و ليس مفوض من الامة مغفلين الآيات الواردة فى آمر الشورى " و شاورهم فى الامر" ... " أمرهم شورى بينهم" و ذلك من أجل التخديم على فكرة لمن تكون التبعية و لمن تكون مقاليد السلطة فهم استنادا لذلك الاعتقاد المسيس جعلوا من الخلافة الالهية للامام على شرعية لاتباع المذهب الشيعى و دعوة مضمنة لحقهم فى قيادة الامة الاسلامية بواقع تلك الحقوقية الملفقة و تسويغ فكرة أن يلعبوا دور القادة و أن تعلب باقى تيارات الامة الإسلامية دورالمتبوع, ليس استنادا إلى الكفاءة و القدرة و الخبرة و لكن نتيجة لغطاء دينى مزعوم يخدم على مصالح الصفوة و فقط!! , و فى كل تلك القراءات المسيسة أيضا من جانب أهل السنة تجريد لحقيقة البيعة و مفهوم الخليفة و مبدأ الشورى الذى لا ننكر أن معاوية بن ابى سفيان قد حطمه و طمسه طمسا حتى نسى تماما و حولوا طبيعة الصراع بين الامام على و معاوية بن ابى سفيان إلى خلافات اجتهادية و رفع معاوية إلى مرتبة الصحابى الجليل كاعطاءه نوع من الحصانة ضد الانتقاد و النبش فى فتنة عصره التى ابتدعها , و قد أصبح مفهوم الصحابى عند أهل السنة بمقام الحصانة الممنوحة لعضو مجلس الشعب كما هو الحال لدى الشيعة فيما ينظرون لأل البيت و متبعويهم. فكرة الحصانة و القدسية و الهلالية و التحصين و غلق باب البحث و التفنيد فى شخوص هؤلاء عند كلا المرجعيتين أهل السنة و أهل الشيعة نفس ما يمكن أن نراه متجليا اليوم فى نواب الحزب الوطنى فى مجلس الشعب و مسئولى الحكومة الذين هم اعضاء الحزب الوطنى و الذين يعلون فوق سوط القانون و المساءلة و المحاسبة أو أى قرارات بسحب الثقة من مسئول معين أو توجية أى نوع من الاتهامات ضد كل من هو وطنى.
حرية التعبير .... لماذا يتم أغفالها ؟!
أعطوا الضوء الأخضر بقراءتهم المغلوطة هذه للافكار الاستبدادية أن تمر مرور الكرام و صعلكة ما قام معاوية و اختزاله فى حدث مفرغ المضمون و هى مظلة الخلافات الاجتهادية بين أثنين من اجلاء الصحابة , تبسيط و تسطيح للفكرة يخرج الدين الإسلامى من طور العقلانية لطور التخلف و الرجعية و ترسيخ لكل مبادىء الظلم و الاستبدادية لذا على صوت الرافضين لربط الدين بالسياسة متكئين على تلك القراءات المغلوطة فى التاريخ الإسلامى و التى لهم الحق فى رفضها بل و التجريح فيها أيضا و التى لا يسوغها أى عاقل و الأسلام يتبرأ منها فى أصله النقى, فلا يستقيم أن يخطب أبوبكر فى الناس أن يطيعوه ما دام يطيع فيهم الله و رسوله و أن يقوموه إذا لم يطع فيهم الله و رسوله فشخص يحمل فى جعبته احاديث تسوغ له حكم جائر ظالم استبدادى لا يخضع للمحاسبة او المساءلة و أيضا لديه ما يحصنه من أحاديث إذا كان فاسقا يخلع برقع الحياء و يلبس برقع الفجور و السفور , من لديه مثل كل تلك الحصانات الشرعية لا حاجة له لان يواع الامة و يلاطفها بينما هو مسلح باحاديث قوية مروية عن رسول الله تطلق يده لتصنع ما يشاء و أن مثل هذه الاحاديث تذكرنى بثلاثين مادة فى الدستور المصرى تعطى صلاحيات مطلقة لرئيس جمهوريتنا ليصنع بنا ما يشاء. و هل يغيب عنا معارضة امرأة لعمر و هو خليفة لكل الامة الاسلامية أى رئيس جمهورية بالمفهوم المعاصر و قد كان ذلك فى وسط جمع غفير للمسلمين و وسط صحابته و صحابة الرسول الكريم اى النخبة الحاكمة و القائمين على أمور إدارة البلاد فينزل عمر بن الخطاب إلى قولها قائلا: " أصابت امرأة و اخطا عمر" بعيدا عن شيم التواضع و الاخلاق الحميدة و كل ما يتغنى به وعاظ المساجد حول عمر بن الخطاب و هو اهلا لها و لكن يجب الرجوع إلى ظروف عصره و ملابساته التى لا نفصلها أبدا عن السياق العام للحدث و من ثم بناء احكام لا تتسق مع طبيعة الامور لا شان لها ألا اسطرة كل المرويات و تحويلها إلى مفاخر و مآثر عن هؤلاء الصحابة الاجلاء بينما لو عدنا إلى ظروف ذلك العصر الذى عاشته الامة الإسلامية أيبان الخلافة الراشدة نجد أن ذلك لم يكن جنونا أو جراءة بالغة من المرأة بقدر ما هو نابع من شيم و أخلاق و مبادىء هذا العصر , مناخ و جو بيئى يملى على الجميع توافر جو الحرية سواء أبى أو شاء عمر و لكن اتفقت المشيئة العمرية مع ظروف العصر أينذاك المتسم بمناخ الحرية , ظروف ذلك العصر هى التى اقرت وجود جبهة معارضة دائمة فعالة قوية حاضرة للمحاسبة و المساءلة و مراقبة الحكام و المسئولين و القائمين على أمور و إدارة البلاد يقفون للنخبة الحاكمة بالمرصاد و الكل يدور فى فلك و أطار الشريعة الإسلامية و تطبيق الاحكام متبعين كلهم كتاب الله و سنة نبيه, و أن القرآن دستور الامة و هى شريعة التعاقد بين كلا الطرفين الحاكم و المحكوم كما بين خطوطها الرئيسية أبو بكر الصديق فى خطبة توليه الخلافة الإسلامية.
مصدر: عقائد الشيعة - طارق العماوى - دار الفكر الحديث
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق