الاختلاف بين الناس
بقلم/ عماد منسى
الاختلاف بين الناس في شئون دينهم وفي شئون دنياهم ، أمر قديم ، وسيبقي هذا الاختلاف بينهم الي أن يرث الله الارض ومن عليها . وهذه الحقيقه قد اكدها القرأن الكريم في كثير من أياته ، ومن ذلك قوله تعالي :
" ولوشاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولايزالون مختلفين ، الا من رحم ربك ولذلك خلقهم "
سورة هود الايتان 118 و119
أي : ولوشاء ربك - أيها الرسول الكريم - الحريص علي ايمان قومه ، أن يجعل الناس جميعا أمة واحده مجتمعه علي الدين الحق لجعلهم ، فان مشيئته لايمنعها مانع ، ولكنه سبحانه لم يشأ ذلك ، ليتميز الخبيث من الطيب ، ولايزال الناس مابقيت الدنيا مختلفين في افكارهم ، واتجاهاتهم ، ومقاصدهم ، وامالهم ... الا الذين اصابتهم رحمة ربك ، فاهتدوا الي طريق الخير فاتبعوه ..
واعلم أن الحكمه الالهيه قد اقتضت أن يكون الناس مختلفين ، وأن رحمة ربك التي وسعت كل شئ ستشملهم ، مادام اختلافهم من اجل الوصول الي الحق والصواب . وشبيه بهذه الايه قوله تعالي :
"ولوشاء الله لجمعهم علي الهدى فلاتكونن من الجهلين " سورة الانعام الايه 35
والاختلاف بين الناس في القضايا الدينيه أو الدنيويه ، له اسباب متعدده ، وبواعث متنوعه ، منها : الظاهر الجلي ، ومنها الباطن الخفي ومنها : مايكون الدافع اليه : معرفة الحقيقه علي الوجه الاكمل والاوفق ، واقامة الادله والبراهين علي ذلك ، وهذا مايسمى في عرف علماء البحث : بالمناظره أو الجدل . ومنها : مايكون الدافع اليه سوء النيه ، واللجاج ، والغرور ، والتباهي وهذا مايسمي بالمكابره والمعانده .
ومن اسباب الاختلاف بين الناس :-
- عدم وضوح الرؤيه للموضوع من كل جوانبه ، فهذا فهمه من زاويه معينه ، واخر فهمه
من زاويه اخري ، وثالث فهمه من جهه تختلف عن جهتي الاول والثاني ..
وقد قال الحكماء قديما : أن الحق لم يصبه الناس من كل وجوهه ، ولم يخطئوه من كل وجوهه ، بل أصاب بعضهم جهة منه ، وأصاب أخرون جهة أخري . وقد مثلوا لذلك بجماعه من العميان ، انطلقوا نحو فيل ضخم ن فوضع كل منهم يده علي قطعه من جسده ، ووصفه بالصوره التي تصورها ، فقال الذي وضع يده علي رجل الفيل :
- ان هذا الحيوان هيئته كالنخله الطويله المستديره . وقال الذي وضع يده علي ظهر هذا الفيل : _
- ان هيئته اشبه ماتكون بالهضبه العاليه ، والارض المرتفعه ...
وهكذا كل واحد منهم وصف الفيل بالوصف الذي مسته يده ، وهو من هذه الناحيه صادق ، ولكنه من ناحية تكذيبه لغيره مخطئ . وهذا اللون من الاختلاف ربما يعد أيسر الوانه ، لانه من المتوقع ان يضمحل أويزول ، بعد معرفة الحقيقه كامله ، وبعد معرفة المساله من كل وجوهها ، وبعد أن يحرر موضع النزاع ، ولذا قالوا : اذا عرف موضع النزاع بطل كل خلاف .
ومن اسباب الاختلاف بين الناس ايضا :-
- العكوف علي تقليد الاخرين دون دليل أو برهان . وأن تقرأ القرأن الكريم ، فتجد كثيرا من أياته ، تنعي علي الغافلين والجاهلين والضالين عكوفهم علي تقليد سواهم من الاباء أو من الرؤساء .. ومن الايات التي وردت في ذلك قوله تعالي :-
" واذا قيل لهم اتبعوا ماأنزل الله قالوا بل نتبع ماألفينا عليه أباءنا أولو كان اباءهم لايعقلون شيئا ولايهتدون ." سورة البقره الايه 170
أي : واذا قيل لاولئك الذين أثروا الضلاله علي الهدي ، والغي غلي الرشد ، اتبعوا ماأنزل الله تعالي علي رسوله صلي الله عليه وسلم من قرأن يهدي الي الحق ، أعرضوا عن سماع النصيحه ، وقالوا بسفاهه وعناد : بل نتبع ماوجدنا غليه أباءنا من عبادة الاصنام ، ومن خضوع للرؤساء .
ويرد القرأن عليه بأسلوبه الساخر من التقليد والمقلدين فيقول :-
" أولو كان أباؤهم لايعقلون شيئا ولايهتدون " سورة البقره الايه 170
ان التقليدللأباء والرؤساء وغيرهم ، من أشد أسباب الاختلاف بين الناس ، لاسيما اذا كان عن عناد ، وجحود للحق ، وانقياد للهوي والشهوات ...
ومن اسباب الاختلاف بين الناس التعصب للرأي ن والحسد لألاخر علي ماأتاه الله من فضله ، والحرص علي المنافع الخاصه ، دون التفات الي سواها ، والانقياد للهوى، ولتطلعات النفس الاماره بالسوء ... وكل من يدقق النظر في اكثر الخلافات التي دبت بين البشر قديما وحديثا يري معظمها مرده الي هذه الاسباب المرذوله .
ولقد حكي لنا القرأن في كثير من أياته ، أن بعض المشركين ، كانوا يعرفون أن الرسول صلي الله عليه وسلم صادق فيما يبلغه عن ربه ، الا أن العصبيه والاحقاد والغرور والعناد، كل ذلك حال بينهم وبين اتباعه ، وحملهم علي أن لايخالفوه ، بغيا وظلما . ومن الايات التي قررت هذه الحقيقه قوله تعالي :
" قد تعلم انه ليحزنك الذي يقولون فانهم لايكذبونك ولكن الظالمين بايات الله يجحدون "
سورة الانعام الايه 33
قال الامام ابن كثير عند تفسيره لهذه الايه ماملخصه : يقول الله تعالي مسليا لنبيه محمد صلي الله عليه وسلم في تكذيب قومه له ، ومخالفتهم أياه : قد أحطنا علما بتكذيب قومك لك، وهم لايتهمونك بالكذب ، ولكنهم يعاندون الحق .. كما قال ابوجهل للنبي صلي الله عليه وسلم انالانكذبك يامحمد ، ولكننا نكذب ماجئت به .
وقال ايضا عندما سئل عن النبي صلي الله عليه وسلم : والله اني لأعلم أنه نبي ، ولكن متي كنا لعبد مناف تبعا ؟!!
والخلاصه ان كثيرا من الخلافات التي تدور بين الناس مردها الي عدم فهم الموضوع من كل جوانبه أو الي التقليد العقيم أو الي التعصب الذميم أو الي الأنقياد للهوي والمنافع الخاصه ، أو الي الحسد والبغي والعدوان ، أو الي حب الشهره والتفاخر ، أو الي اثبات الوجود عن طريق الكلام ، أو الي اختلاف العقول والافهام ، أو الي حب الرياسه والسلطان ، أو الي سيطرة الاوهام ، أو غير ذلك من الاسباب التي منها القبول ومنها المرذول .
فقه الاختلاف
بقلم: مروان محمد
هو الفقه الذى يفتقد اليه معظم الناس, فقه نحن فى الظرف الراهن فى امس الحاجة اليه و لكننا لا نلتمس الطريق اليه باى حال من الاحوال, لا نعرف كيف نختلف و متى نختلف و كيف نحترم بعضنا البعض فى ظل الاختلاف, اصبح الاختلاف و احادية التفكير و الاعتزاز بالراى ثمة لا تصطبغ بها جماعة او فئة او تيار و لكن يصطبغ بها كل فرد.
تحولنا من اجهزة استقبال و ارسال الى اجهزة ارسال فقط, لا يسمع كل طرف الاخر و لكن ينجرف فى لفظ ما يريد ان يلفظه امام غريمه دون ان يكلف نفسه عناء الاستماع الى غريمه او الطرف الاخر و اصبح التشبث بالراى من كرامة كل فرد و كل جماعة و اصبح احتكار معرفة الحقيقة هى الفكرة المحورية التى تؤسس عليها مختلف الحركات و الجماعات.
هل من حل لنعيش فى ظل التعددية و ثقافة الاختلاف ام ان الراى الواحد سيظل هو سيد الموقف و المحرك الاساسى لجميع الفتن مع الاسف الشديد, اصبح هو الوقود المحرك لكل التعصبات و اصبح سمة تميز كل جماعة عن الاخرى و الفرد دون الاخر, كم منا يمتلك اذان صاغية ليستمع الى الطرف الاخر و يتقبل الاختلاف معه بصدر رحب, كم منا لا يبدأ عبارته بمثل: " الحقيقة هى دى" أو " هو ده الكلام الصح" أو " اللى بتقوله ده غلط", " اصل انت مش فاهم" , " دى حاجة معروفة و معلهاش خلاف" , " انت حتفهم اكتر منهم" و الكثير من الكلام الذى لا يؤسس ابدا للتعددية و التعايش فى ظل الاختلاف و لكنه يؤسس للفرقة و البغضاء و الكراهية و الطائفية.
هى فكرة عادات و تقاليد و ثقافة معينة نشا عليها مجتمع بالكامل او تسربت كالسرطان الخبيث الى جسم المجتمع و اصبحنا نتباهى بالاختلاف و نرفض تقريب وجهات النظر او الوصول الى حلول وسطى او حتى الاعتراف بالاخر, و ترتب على ذلك ان كل مسئول جديد يهدم كل ما انجزه المسئول السابق باعتبار ان الخطط التى سيقوم بتنفيذها المسئول الجديد هى الافضل و الاجود و ... ألخ
الى متى سنترك جرثومات خبيثة مثل هذه تهاجم جسد المجتمع المصرى المنهك اساسا, لماذا لا تتعدد الرؤى و الافكار و التفسيرات و نعيش كلنا فى ظل هذا الثراء المعرفى الغنى بالتنوع, الغنى باشكال و اطياف و الوان مختلفة من المعارف و الشروحات, لماذا يتم الحجر و المصادرة لكل الافكار و تثبيت فكرة واحدة و يتيمة لا تتجدد بفعل التنوع و لكنها تشيخ و تتحجر على ما هى عليه و لا يقبل فيها تعديل و لا تغير و لا تطوير و لكن تترك على حالتها دون المساس باعتبارها الحق الوحيد و السبيل الاقوم الى غير هذا من كلمات لا تفى الشىء حقه باكثر مما تكرس للكراهية و جو من العدوانية و التحفز الدائم, يمكننا ان نجلس و نتذكر سويا كم من مجلس حضرناه و اختلفنا فيه و لم يسمع كلا منا الطرف الاخر و تحول النقاش من ان يكون الهدف فيه الوصول الى منطقة وسطى او تحرى الحقيقة الى تمسك كل طرف بالحقيقة التى يملكها و يعتز بها لانها اصبحت تمثل كرامته و اى مساس بها اهانة شخصية موجهة الى صاحب هذه الفكرة!!
كم منا لم يكن يسمع الطرف الاخر و ظل يصم اذنيه عما يقول و يتلقى منه الكلمات و لكن دون ان يعيها او يفكر فيها و ينتظر دوره حين ينتهى الطرف الاخر من الارسال ليبدأ هو ايضا الارسال و تتلاقى الموجات لتحدث ضوضاء و يكون الحوار غوغائى غير حضارى و اللافت للنظر ان كل المناظرات التيفزيونية فى برامجنا العربية دائما ما تحفل بالتلاسن بين طرفى المناظرة و لا تسمع اى شىء من الطرفين لان الاثنين عزما على الكلام فى نفس الوقت و فى ارسال الشتائم و القوائم الجاهزة و المقولبة للاتهام و التخوين و التفسيق و كلا منهما يطلق ما فى عجبته بدون ان يعطى لنفسه و لو ثانية واحدة ليسمع الطرف الاخر.
افتقدنا اداب الحوار و اصبحنا ننبذ الاختلاف فى الرأى و نكره تعدد الراى و اصبحنا نقدس الراى الواحد و الالتفاف حول الراى الواحد باعتبار التفافنا جميعا حول راى واحد و منهج واحد هو مفتاح الامان و الاختلاف فى الراى لا مجال للتعايش معه و انه مفتاح الفتنة و التشرزم بينما حقيقة الامر ان الوضع الراهن الذى يعيشه المجتمع المصرى هو آفة من آفات رفض الاختلاف فى الراى و تقبل الراى الاخر, الوصايا التى يفرضها كل طرف على الطرف الاخر بدون وجه حق.
هل من الجائز ان يتغير هذا السلوك الشائن و ان نتعامل معه على انه سلوك مبنوذ مرفوض غير مرحب به, ضيف غير مرغوب فيه, هل من الممكن ان نفعل دور اذاننا فى الاستماع الى الاخر و نعطى اجازة لالسنتنا التى تهوى سلق الاخرين و النيل منهم و التنكيل بهم عبر كلمات جارحة, هل من الممكن حينما يفلس طرف من الاطراف فى الحوار او يفشل فى اقناع الطرف الاخر حتى ان يلتقيا فى منطقة وسطى الا يبدأ فى ارسال عشرات الاتهامات الظنية القاسية و التجريج و التشكيك فى نوايا الطرف الاخر. هل من الممكن ان يحدث كل ذلك, هل من الممكن ان نجلس لمرة واحدة و نسترخى فى مقاعدنا و نسند ظهورنا الى ظهور مقاعدنا و نفكر للحظة واحدة ما الضرر فى ان يختلف معى الاخرون و فى نفس الوقت احترمهم حتى اكسب احترامهم وودهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق