سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

السبت، 24 يناير 2015

مقالات سياسية: في الردّ على سفسطة مرضى اليسراوية وحراس الزعامات التاريخيّة الشخصيين بقلم/ المختار الأحولى


منذ تشكّل أول لبنة للجبهة والصراع السكتاريّ حول السيطرة على مراكز قرار وتسيير الجبهة من أول الأحزمة حول مجلس الأمناء وحتى التنسيقيات المحلية.وحتى كيفيّة استيعاب وتطويع سلطة قرار المستقلّين بشكل يخدم مصلحة لا الجبهة بقدر خدمة مرجع نظر المجموعات المستقلّة والذي يصبّ في خانة الطرف المسئول في دائرته والذي في أغلب أغلب الأحيان لا علاقة له حتى بمرجعياته الفكريّة لنقص فادح في التكوين الفكري والمنطلقات الأساسيّة في التحليل الشيء الذي أثر سلبا في مختلف المراحل على سير عمل مفاصل الجبهة وخلق بؤرة تفصل بين خطوط التواصل بين مختلف أطر الجبهة.وهذه الخطية والسكتاريّة دفعت هؤلاء إلى لعب دور الحارس الشخصي والأمين لتوجهات وأفكار القائد الرمز والمجاهد الأكبر المنزّه والذي يأتيه الغيب من دفاتر النظريّة العلمية التي توحي له قرآن الجماعة المنزّل الواجب اتباعه اتباع القطيع لراعيها وسيدها (أقول قولي هذا وأنا أعلم علم اليقين أنّ هؤلاء هم أول من سيصعد صخرة سقراط مدافعا على وجوده كهيكل وليس كطرف وحلقة من حلقات تشكّل الفكر والنهج الجبهاوي).

لذلك سيكون هذا الردّ موجها رأسا لمكون رئيسي من مكونات الجبهة وهم أصحاب الفكر والرؤيا والمستند النظري الواضح والعلمي والمتطوّر والتونسي بالأساس بلا مرجعيّة سياسيّة تنتمي لكيانات خارجيّة تبحث عن دعم منها هي فاقدة له في محيطها (وفاقد الشيء لا يعطيه) وأيضا هي تفتقر لتجربة التي نحن من يعيشها بتفاصيلها الكاملة ويتأثر بها بشكل مباشر مما ينتج الفكرة والتحليل (حتى وإن أخطأ بعضنا في التقييم فمن أوّل دروسنا النظريّة هي النقد والجدل المنتج للفكرة ووجب أن أشير للكلّ أن النظريّة التي نتبناها والتي ندّعي علميتها.فإنّ جانبها العلمي والأساسي فيها هو المعادلة العلمية لفهم وتحليل وأولها وأساسها 'الجدلية' ومن يقول الجدل فيفترض رأسا المماحكة الفكرية والإقناع وهذا أصل الديمقراطيّة وليس ما يروج له البرجوازيّة الصغيرة التي تنتمي لفضائنا بقصد تكوين رصيد نضالي يقنع الجماهير بإتباعها ومن ثمة تنطلق في تركيز راياتها التحريفيّة والأمثلة حيّة ونعيشها اليوم والآن في مشهد (النداء) لذلك دعنا ننطلق من أصل الخلاف والاختلاف.

على إثر اعتصام القصبة 2 وتأكد اللاعبين الأساسيين من البرجوازية ذات القرار المسلوب والمنتمي لراعيها الخارجي وبدعم من عناصر البرجوازية الصغير الوصوليّة والانتهازية والقاعدة التجمعية التي وإن حلّ حزبها بقرار قضائي إلاّ أن هيكلها التنظيمي العملي والميداني مازال نشيطا (وحتى يومنا هذا). قامت وفي ظرف وجيز بتغير شكلي ارضاء للجماهير التي مازال فعلها الثوري قابل للتطور والتصعيد والتشكّل في اطار مرجعي بعد بروز قيادات ثورية وتحركها المباشر للتأسيس. أبعدت رئيس الحكومة الغنوشي (وهنا وجب التذكير بكلمته الشهيرة التي قالها من شرفة بيته مساء توجّه البرجوازية الصغيرة التي تمثّل في جزئها الأغلب مراكز قرار إداري وسلطة إداريّة ميدانيّة وأيضا بدون نسيان سلطتها الحزبية التجمعية كقيادة ميدانيّة..حيث صرّح للشعب وهو أعلم الناس بأن كلماته تلك ستصل في حينه للراعي الرسمي للمشروع التونسي الغادر بالثورة."الأغلبيّة الصامتة" وهنا لا يقصد فعل الصمت بل يحدد حجمها الأغلب لهذا المرجع نظر والراعي.الذي لم ينتظر طويلا كما لم يترك هذه الأغلبيّة تقلق وتمل الانتظار حتى يصيبها تفكك أو شكّ فينفرط عقدها. لذلك سارع (طارق بن عمار وقروي أند قروي ومن خلال تمكنهم وشريكهم برلسكوني من سلطة ترويج الأوراق البديلة المستخرجة من أرشيف دوائر معنيّة بشأن تونس منذ ستينات القرن الماضي ومنذ أيام بورقيبة الذي منحهم الوجود ليصارع خطر الاشتراكيّة والفكر التحرري العلمي الممثل في حركة (برسبيكتيف).)

وللتذكير في ذات الليلة قام 'الصحفي' بن حديد بحوار هو في الأصل طرح لنقاط برنامجيّة تتبناها الشخصية المقترحة والتي كانت (السبسي)ومن الدائر الأولى كان طرطور المستعمر 'إذ لم يرتقي بعد ليكون شرطي أو جندي المستعمر لحميريّة متأصلة في كيانه العميل' قد أعدّ الدائرة والحلقة الثانية الداعمة والاختبار المرشح القبل الأخير والمتمثّل في اللقاء المخصص للسبسي في قناة الجزيرة والذي فتح الباب عمليا بعد سبر أراء منظم ومغلّف جيدا مثّل أكبر تطمينات قدموها لأعوانهم في الداخل (الأغلبية الصامتة قولا والمتحركة فعلا)وحتى تضمن المسار بشكل أدقّ قام السيد السبسي بزيارة شهيرة 'خمسة أيام' ظاهرها لقاءات ومحاضرات وباطنها مناقشة البرنامج وفرض شروط اللعبة على المرشح.الذي عاد لتونس بنتيجة معلومة مسبقا متمثلة في قروض سخيّة دفعته لاتخاذ قرار تاريخي بالزيادة الكبيرة في الرواتب والتي نتج عنها انطلاقة شعبيّة السبسي.

والآن يمكن لنا وبعد اكتمال النسبة الأكبر من المشهد التأكد من شروط وجود السبسي المنقذ وزعيم لا فقط الأغلبية الصامتة إذ كان على رأس قائمة المستهدفين للتجنيد لمشروعه تلك (الزعامات التي سيصنعها الإعلام الموجه والتي يفترض أن تكون لها الخبرة الكافية والتي لا توجد إلاّ على ظلال يسار وجوده إذ أنها أخرجت من المشهد النضالي اليساري منذ زمان ثبوت انتهازيتها ووصوليتها) ولأنّ الحاجة لوجود يسار متماسك ولكن بلا أجنحة.فهو الوحيد القادر على محاربة جهل اليمين 'الثيوقراطي' الديني والذي ينزع نحو الأصولية.وهو الوحيد القادر على التعبئة الشعبية ضد هذا الخطر والتقليل ما أمكن من الالتجاء إلى سلاح مازال يعاني تبعات انتمائه المطلق لسلطة الدكتاتورية (ونعني وزارة الداخليّة) حتى لا يقع تصادم من شأنه أن يعيد الصراع إلى مربّع يستنزف الوقت والطاقة ونتائجه وخيمة على المشروع الامبريالي.خصوصا وأنه ثبت لدينا وبشكل مدعوم (نحيل القارئ للإطلاع على وثائق تسريبات ويكيليكس الخاصة بتونس وبالنهضة تحديدا والتي تمثل مسار المفاوضات على حكم تونس وورقة عمل وخارطة الطريق التي من خلالها وعلى أرضيتها بني مشروع المنطقة ليبيا والجزائر تحديدا ومشروع الثورات العربية أو ما سمي الربيع العربي)

ومن جملة مهام السبسي نوردها في شكل نقاط حتى لا نطيل:

ـ تهيئة أرضيّة صعود اليمين (الديني) بشروط ديمقراطية اللعبة. للتذكير حادثة شريط بيرسيبوليس في ذات القناة والدعم اللوجيستي الذي قدمته الجزيرة التي لازالت تحظى بنسبة مشاهدة نسبيا مرتفعة والتي كرست هجومها على العلمانية الموجهة لليسار وليست أصل العلمانية لما هو معروف من نقص فادح في الوعي الجماهيري الذي رتب منذ بورقيبة على أن التفسخ والانحلال الاخلاقي والكفر والإلحاد هو علمانية يسارية شيوعية. وكان ذلك أكبر دعم جماهيري تعاطفي انتخابي للنهضة التي اكتسحت المجلس التأسيسي ومنه الى الحكم.في الوقت الذي كان فيه اليسار لا يزال يمارس أخطائه البدائيّة من انقسام سكتاري خطّي يلتزم فيه ظاهريا بتجارب اشتراكية ينتصر لها ويغني على ليلاها ويسقط حلولها على بيئة وأرضيّة ثوريّة مغايرة تماما.لكن في هذه الفترة بالذات بدأ بعض ايساريين الوطنيين بالتفكير التأسيسي لمرجعية فكريّة تحصّن التجربة الثوريّة التونسيّة المتميزة بخصوصياتها حتى في محيطها العربي لا فقط الإنساني الرحب.وكان مشروع الجبهة الشعبيّة الذي عمل الطرف المقابل كلّ ما في وسعه من أوراق لكي يغدره في مهده الأول وبتوفّر عناصر أخرى تمسّ من كيانهم وكيان مموليهم وداعميهم وحتى لا يكتمل بناء الحزب اليساري الكبير الذي كان الحلقة الثانية بعد تركيز الجبهة (في رؤية شكري بالعيد الشهيد ومن اتفق معه) كان التخلّص من رأس المشروع مثلما تخيّلوا للحظة ضعف أكيدة. وكان اغتيال الشهيد شكري بالعيد.

ـ كما كان على السبسي إسناد 'ثوار ليبيا' تسليحا وهنا كان عليه التعامل المباشر مع القيادة القطريّة.وضمان لجوء الهاربين. وبالمقابل منح له ورقتين تمنعان عنه أي تفاعلات شعبيّة تعاكس المشروع وهي أساسا منح (الحارقين من شباب الوطن) صيغة بقاء في أوروبا.وتوفير القروض اللازمة الاقتصادية (المفتعلة إذ صورت وقتها على أنها كارثيّة والحال أن الأموال المصادرة وباقي ميزانية الدولة وما يسمى بالرأسمال الوطني وغيره من المصادر التمويلية لا تزال حاضرة ومهيأة للعودة للنشاط ولكن ونحن نعلم أن الاقتصاد الامبريالي يقوم أساسا على الأزمة ليكون الاستهلاك في أعلى أرقامه الممكنة وأن سياسته تفترض الأزمة وتتمثلها لتكون عنصر المؤامرة هي الفاعل الرئيسي لذلك هم يوهموننا بأنّ التفكير الدائم في عنصر التآمر هو مرضي بينما هم يربحون الوقت والأرض بمساحتها التي يبتلعون في فترة تراخينا عند اقتناعنا بأن لا مؤامرة تسيير واقعنا وإنما نتائج مرحلة الدكتاتور فقط ).أولا لإغراق الاقتصاد المفخخ أصلا بفخاخ جديدة تهيئ أرضيّة زمنيّة قابلة لتأسيس الوجه الثاني لليبرالية وتجميع الأغلبية الصامتة في فصيل يستقطب الجبهة المغايرة للثيوقراطية من الحداثيين العلمانيين.ويكون وقتها من السهل تحجيم اليسار المتشكل في جبهة موحدة وشلّ حراكه في انتظار القرار الفصل في وجوده(ومن الأخطاء الكبرى للجبهة في هذه الفترة تعويلها الشبه كلّي على عناصر قوّتها حتى أنهكتها أولا بصراع قيادتها "راجع مؤتمر الإتحاد العام التونسي للشغل الأخير ومؤتمر الإتحاد العام للطلبة وغيره من المواقع التي هي أصلا ليست متشكلة فكريا وتنظيميا بشكل واعي تحت لواء اليسار"لذلك سنجدها تحرّر مؤسسة الأعراف من كلّ أزماتها الشعبيّة والاجتماعية وتعطيها دفعا وتضخّ فيها الحياة بشكل لم تتصوره حتى وهي غير مهيأة له وإلاّ لما كانت قياداتها على ما نرى اليوم.والتي لم تنتهز الفرصة كاملة لنقص فادح في تموين زعاماتها السياسي رغم وجود عناصر في خطوط سفلى يمكن لها لعب هذا الدور.ونقصد هنا تحديدا الحمار الوطني)

ثانيا إعادة توزيع أوراق المسك بخيوط مراكز تبعية الإدارة للمشروع "أو ما يسمى بأزمات التسميات".وهنا فقط أعطي مثالا على الخدمة التي قدمها الوزير الطيب البكوش في هذا المشروع وهي تمثّل نقطة من بحر التلاعب إذ أنّ التسميات التي يمكن تغييرها في كلّ مرحلة وحسب مشروع الحاكم ليست هي الأساس لأنّ الأصل في مواقع ميدانية تمس المواطن من جهة وتمس بقية أجزاء الادارة من جهة أخرى.

أسأل أين هم الآن مديري المدارس والمدارس الاعدادية والمعاهد الذين ثبت تعاملهم مع الدكتاتور والذين حرموا من مناصبهم التي هي تكليف وليست خطة وظيفيّة ؟

الجواب:هموا وبنسبة تفوق 90% منحوا خطط وظيفيّة تتوزّع بين رئيس مصلحة ومدير مساعد(إذن هموا الآن سلطة خطة وظيفيّة وليس تكليف بمهمة)يتحكمون في خدمات تقدم للشعب وأيضا يسيرون هيكلا اداريا بما يحتويه من رتب أخرى.وقوّة بشرية لهم عليهم سلطة معنويّة وهيكلية وتأديبيّة. فهل عوقبوا أم قاموا بترقيتهم ومنحهم سلطة أعلى خاصة بالمرحلة. والخطة كانت مدروسة وليست خطأ فجميع هؤلاء تقدموا بطلب إداري وفي نفس الفترة للمركزية الاداريّة ووقع منحهم هذه الخطط الوظيفيّة في ذات الفترة بينما سحب البساط من خريجي المدرسة الوطنية للإدارة وغيره من الإطار الإداري الواجب منحه هذه الخطط في حينه.وأكرر هنا هذا لا يعدوا أن يكون سوى مثالا بسيط لقاعدة لا تتجاوز عددها 1500 شخص لكنهم يمثلون قاعدة رئيسيّة في مندوبياتنا الجهوية التي هي 24 ادارة فقط. مع إضافة العدد الذي لم يطاله الفعل الجماهيري (ديقاج)ومن هذا المنطلق تكون وزارة كوزارة التربية لا تزال في دائرة الكوارث خصوصا ونحن نعلم أن وزارة التربية في هذه المرحلة بالذات هي المغذّي الرئيسي لليسار وتحوي أهمّ جزء من قاعدة عناصر قوّته النخبويّة الطليعيّة والتي بمقدورها ضخّ وتوجيه وتشكيل المشهد الثوري لمستقبل تونس المنظور والآني حتّى. وقس على ذلك في مواقع الإدارة الأخرى

لذلك فرّخوا أزماتهم الفقاعيّة التي توازي قوّة الصراع لسحب هذه الفرضيّة نتيجة اقتناعهم بمبدئيّة والتزام الطرف اليساري البريء حدّ السذاجة وأعني مسألة تحييد المساجد والإدارة ومواقع العمل التربوي.بينما ميدانيّا انحصر الوجود الفاعل الفعلي لعودة تشكّل (الأغلبية الصامتة) موازاة مع صعود نجم الثيوقراطيين كقوّة ميدانيّة في هذه المسارح بذات أساليب الترغيب والترهيب مستعملين السلاح الاداري الزجري لترويض المكان برمته. بينما خسر اليسار النسبة الأغلب من المتعاطفين مع مشروعه نتيجة تصديقه بعدم تآمر الطرف المصارع(ومرض نظرية المؤامرة المفترض).

وبعد انتهاء ورقة السبسي التي أسست لفكرة المنقذ والمخلّص لدى الأغلبيّة الصامتة والتي عملت على بثّ إشاعاتها عبر ما تمتلكه من قوّة إعلاميّة توجيهيّة وحتى على الميدان بأن لا بديل عن السبسي وهو الوحيد الأوحد الفذّ ربان سفينة الانقاذ.

في هذه الأثناء صعّدت ورقة اليمين الثيوقراطي لا ليحكم بل ليؤسس قاعدة حكمه التي ستأتي بعد التخلّص من رواسبه الذاتيّة التي تعيش في صلبه أولا.وأعني الأطراف التي تنحو نحو الأقصى بأشكال عدّة.والتي غير مضمونة على حدّ قول الغنوشي لكن هذه المرّة في صلب حزب حركة النهضة أولا(أي التي مشكوك ولائها للمشروع الغنوشي).وفي نفس التوقيت تبنى القاعدة السياسيّة والإدارية الموالية بشكل مطلق.

وأهمّ عنصر فوري تمكنت إلى حدّ كبير منه النهضة هو تأسيس القاعدة الرأسماليّة الموالية والقادرة على زعزعة وإقلاق راحة من يغايرها في أي مرحلة إمّا من خلال فرض المشاركة في الحكم أو الإنفراد به.لذلك نجد اليوم لا مناص للسبسي من التفاعل مع النهضة ولو مواربة يعني تشكيل حكومة لا تظهر فيها عناصر النهضة في الصورة بوضوح يستفزّ الشعب بقدر ما تكون من خطّها الخلفي المنتمي أو الموالي.

ولزيادة التذكير كانت مرحلة فرنسا تأسيس لتوزيع خارطة اليمينين اليمين اليبرالي العلماني واليمين الثيوقراطي بترتيب راس المال المتورّط ووسيلته الإعلاميّة معا.في لقاء السبسي الغنوشي الباريسي وبرعاية الخارج.

وهنا كانت الجبهة تصارع الفقاقيع التي تنهك وتشتت تركيز ومحورة قواها خلف مشروع متكامل ومبدئي وعلمي هي تطرحه لكن لا يصل إلى الشعب بل تصل تبعات جريها خلف وهم الصراع بينما يهرب عنها أصله وهو إنفاذ هذا المشروع شعبيّا مادامت لا تمتلك مواقع سيطرة على الحكم لتوجيهه لذلك تحولت جبهة الصراع إلى انتزاع قوّة الجبهة التي كسبتها زمن التطبيل لها اعلاميّا لكسر زحف الاخوان والحدّ من نسب خسارتهم للمواقع في انتظار تشكّل كيانهم الحزبي والهيكلي الحاكم.وكسبته أيضا من خلال مسار نضالي فرطت فيه حين كرّست تسليم وجودها ونضالات قواعدها وقياداتها إلى زعيم أو زعامات (تاريخيّة) لتتجه نحو تأليه الزعيم ليبرز مرض النماذج السياسية في سكتاريتها وخطيتها.من عبادة القائد الرمز وحمايته من المغايرين فكريا مع كلامه الرباني الملهم والوحي المنزل عليه وعلى حرس معبده وكذا...

عوض تركيز الوعي الشعبي الذي يوسّع القاعدة المتعاطفة لتنتج قادة ميدانيين الجبهة في حاجة أكيدة في هذا الظرف بالذات لوجودهم حتى تفكّ العزلة التاريخية التي أنتجها بورقيبة وواصل رسم معالمها الزين.وهي عزل اليسار عن قاعدته الأصلية الشعب المفقر والمجهّل و...و...ونحن نعرف سلفا أنّ شعار الثوريين الحقيقي هو القائد الذي لا ينتج قادة ينته إلى قائد قطيع يسحبه منه أول صاحب مائدة تنتج فتات وبالتالي ينتهي ويندثر مشروعه الثوري إلى رفوف التاريخ.

وهنا وجب أن نذكّر الواهمين براءة مشروع السبسي أنّ هذا الأخير وقبل أن يسقط الجبهة في فخّ جبهة الإنقاذ (أو الصراع المباشر الأول).وبعد خروجه من الحكم المؤقت رحل إلى فرنسا للنقاهة والتداوي قيل.والحال أنه قام بما يلزم إعدادا للمرحلة بشكل جيد من تهيئة لراس المال (الوطني) الهارب والمهرّب أيام الثورة الأولى وشكّل صور وخارطة ورزنامة تفاعلهم وعودتهم التدريجيّة.وكذلك رسم سياسته التفاعليّة مع الامبريالية العالمية وصناديق أموالها. وأيضا شكّل رسم خارطة حدود قصوى لفعل الطرف الذي يعاني ضربات المصارع الشرس والجندي المسلّح بالفكر (العقائدي) الذي تفتقر له قاعدته الرئيسيّة من الأغلبية الصامتة الجاهلة والتابعة لوليّ نعمتها.وأيضا شكّل الرسم الأول لخارطة حزبه ونواته المركزيّة التي توصّل إلى إغوائها أيام المرحلة الأولى من الحكم المؤقّت.

والجبهة التي كان لها سيطرة مهمّة على قاعدة متعاطفة كبيرة ومتنوعة وقتها.والتي تمتلك من خلالها سلطتين إداريّة بحكم مواقعهم وميدانيّة بحكم انتمائهم للمشروع ولو بنفس انتهازي محاولة منهم الحدّ من نسبة خسائرهم على مستوى المواقع.إذ يصبح الاصطفاف في المشهد الثوريّ حلهم الأكيد للخروج من دائرة (ديقاج) التي مازال لها وقع ولو بنسبة أقل من السابق.مع بقيّة عناصر المشهد الثوري من شبيبة وعمال وحتى الفلاّحين الصغار.

وحتى يكسب السبسي موطئ قدم على الميدان (وهو العارف بمحدوديّة فكر وتفاعل قاعدة المتعاطفين مع مشروعه من الشرائح الدنيا والذين في غالبهم تربوا في ميادين جماهير الرياضة ولا علاقة لهم بالعمل السياسي سوى في شكل رفع التقارير في أفضل حالات التميّز والنوعية النضاليّة)كان عليه أن يسارع بجذب أضعف الحلقات لكن شريطة أن يكون لها مصداقيّة في أوساط جبهة تفكّر.وهي الطامحة في الحكم بالمشاركة السريعة والغير مدروسة عقليا ومبدئيا نتيجة تغييبها لعنصر أساسي في الصراع وهو عنصر المؤامرة ونتيجة لذلك صدقت وعود السبسي وبلا ضمانات.وصدقت أيضا أن شروطها ستكون سيفا على رقبته والحال أنّ اليمين الليبرالي وغيره من أشكال اليمين بلا عهد ولا ميثاق في كلّ مراحل تشكّلهم التاريخي منذ الأزل.ونحن كيساريين من أوّل أسسنا النظريّة الماديّة التاريخيّة والقراءة العلميّة للتاريخ بكافة مراحله.

وكنتيجة لجبهة الإنقاذ انسحبت من دائرة التعاطف مع الجبهة الحلقة الإنتهازيّة الأولى (البرجوازية الصغيرة وخصوصا الإداريّة)لتعود إلى فضائها الطبيعي.وتبعها طبعا قطيع الولاء.

وبعيد التخلّص من كارثة اليمين الثيوقراطي جزئيا وعلى الأقل كسلطة قرار حاكم.والحدّ من نسب الخسارات المالية في مشروع نهب المال العام لتكوين الامارة الاقتصادية الرأسمالية التابعة للمشروع النهضاوي.وغيره من مخططاتها التي أعلنها راشد الغنوشي في الفيديو المسرب أثناء لقائه بأبنائه الذين يمثلون شبابه الثوري من السلفية الشعانبية.والغير معلنة حتى الآن أيضا.

اصطدمت الجبهة بجدار الخيار إمّا الخيرة فيما اختاره الله. أو التخيير بين (نارين) وأي من (النارين) لن تحرق سوى الجبهة وحدها.وهذا كان واضحا منذ البداية وخصوصا إثر انتهاء الانتخابات التشريعيّة.فالدور الأول من الانتخابات الرئاسيّة كان معلوم سلفا كلّ فرضياتها ولمن ستؤول نتائجها في جميع حالاتها(والطماع يبات ساري أليس هذا ما يقول المثل الشعبي).وكان على الجبهة أن تلتفت إلى تعزيز انتصارها الجزئي والمهم جدا في تحويل خسارتها في انتخابات 2011 إلى أرضيّة أسست فوز الجبهة ب 15 مقعدا فيها على الأقل 8 مقاعد نموذجيّة من حيث تكوينها كعناصر نوعيّة يمكن أن تأسس إلى مشهد سياسي مستقبلي واعد للجبهة وتعمل منذ الآن على التأسيس من خلال إعادة صياغة علميّة لهيكلها كجبهة موحّدة والذهاب إلى غاية المشروع من خلال التركيز على خليّة نوعيّة تقود بحثا فكريّا جادا يفرز أرضيّة فكريّة (حتى لا أقول بتفاؤل مفرط نظريّة ثوريّة تونسيّة) ونحن نعرف أنّ نماذجنا التي طالما اقترحناها بديلا ثوريّا عاجزة عن التفكير بدلا عنا وإنتاج اسقاطات أو نقليات وغيره من المعوقات التي تنم عن فقر فكري ذاتي ودراسة مكونات الميدان التونسي بخصوصياته وإنتاج مشهده الخاص على غرار ماو الصين أو ستالين الاتحاد السوفياتي أو تروتسكي مؤسس الجيش الأحمر مفخرة الاتحاد أو ميشال عفلق أو منيف الرزاز ولياس فرح وعصمت سيف الدولة أو غيرهم ممن فكّر وسطّر ودرس بحدود تفكيره ومحدودية واقعه ومكونات قوّة وجوده الذي أسس نموذجه الذي يحتذيه بعض الكهنة من حراس الفكر وليس دارسيه المنتجين المفكّرين.وبالتالي تأسيس جبهة اليسار الشعبي أو ما طمح إليه شهيد الجبهة الأول شكري بالعيد.

لكن لم نتعلّم حتى من قولة لينين حين خيّر في صراعاته بين التعامل مع اليمين أو اليمين حيث قال جازما(لو خيّروني بين اليمين واليمين لاخترت معركتي) ونحن إذ انسلخنا (ولو بتدرج من ساحات الجبهة.وهنا أتحدث على مستوى شخصي و أعبر عن من يوافقني الرأي وهم كثر بنسبة معقولة ولو أنّ منهم من مازال يساهم مثلي في مراجعات نقدية ربما تفيد وتأسس وليس تصلح إذ لسنا في حاجة إلى مواقف اصلاحيّة بل بناء وتأسيس)فإنّ الانسلاخ هذا الذي جوبه بنزعة الغطرسة من نوع المقالات التي تشيد بالزعامات ورؤيتهم السديدة والثاقبة وتتستر على الاخطاء التي تحطم وتهدم المشروع الثوري في مهده مساعدين وداعمين من حيث يعلمون أو لا يعلمون اليمين في صراعه نحو كسر هذا الطرف والرقم الشعبي الثوري العلمي والمتطور والمسلّح بالقدرة والقوّة التي لن يمتلكها وهو على انتمائه وولائه لولي نعمته الامبريالية وحارسها الصهيوني عدو الامة والجماهير الانسانيّة الكادحة.

ولأنهي نصيحة لهؤلاء الكتبة الثوريين الموهومين بوعيهم القطيعي والمنتصرين لراعيهم وزعاماتهم التاريخيّة انتموا لشعبكم ومشاكله وسخروا اقلامكم لآلامه يكون أفضل لكم وأرقى عوض الدفاع عن الأحياء القادرين من منابرهم أن يدافعوا ويبرروا مواقفهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق