سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

الاثنين، 15 سبتمبر 2014

رواية (ذكريات ما قبل الموت): الحلقة الثالثة 20 ديسمبر 2010 بقلم/ مروان محمد

- أنت فين؟

- أنا جاى من الإسكندرية, قربت أوصل.

- تعالى لنا على هناك بسرعة.

أضحك و أنا أقول معدلا من جلستى على مقعدى فى الميكروباص التويوتا و قد تسرب الألم إلى ظهرى المتصلب لمدة ساعتين:

- فرحانة يا بسمة. 

- طبعا ده حدث تاريخى أساسا, مكناش متخيلين أنه حيحصل بالسرعة دى, دنا قولت أننا حنخلل فى الحوار ده.

- فعلا, كلنا كنا يائسين بس فرج ربنا بقى.

- وصلت لكارتة القاهرة و لا لسه.

- عدينا الكارتة و على المحور دلوقتى. 

- لما تقرب من التحرير أنزل السلم عشان الكوبرى واقف هناك أساسا. 

- ماشى يا سيتى. 

- سلام. 

أنهت الاتصال دون أن تترك لى الفرصة لألقى السلام فهى بالكاد تسمعنى وسط هذا الصخب العالى و هتافات الجماهير و صيحات الفرح و التكبير, أشعر بألم شديد فى ظهرى و أيضا بسعادة طاغية تدغدغ كل جلدى.

*****

20 ديسمبر 2010

" اندلعت مواجهات عنيفة أمس بين قوات الأمن ومئات الشبان الغاضبين الذين حطموا نوافذ المتاجر وأتلفوا السيارات في منطقة سيدى أبوزيد الواقعة على بعد 210 كيلومترات من جنوب غربى العاصمة تونس و تفيد الأنباء الأخيرة أن اليوم يشهد حالة من الهدوء النسبى المشوب بقلق تجدد المواجهات مرة أخرى "

أقف فى المسافة الفاصلة بين باب المطبخ و الصالة متطلعا بقليل من الأهتمام و الكثير من اللامبالاة لملقية نشرة الأخبار و أنا أشرب كوب الشاى, فالتنميل الذى ينتشر فى رأسى تذيب كل رشفة من كوب الشاى بضعا من خلايا التنميل التى تتسلل أيضا إلى باقى أجزاء جسدى.

"وقال شهود عيان أن شرارة المواجهات اندلعت بين مئات الشبان وقوات الأمن بوسط المدينة بعد أن أقدم الشاب محمد البوعزيزى من المدينة على حرق نفسه احتجاجا على ظروفة المعيشية المتردية. وأضافوا أن محمد البوعزيزي حرق نفسه بالبنزين وسط المدينة احتجاجا على قيام السلطات المحلية بمصادرة عربة يد عليها بضاعته من الخضر والغلال التي يكسب عيشه من بيعها"

أتجه إلى حقبيتى ألملم أشيائى فيها و أضع اللاب توب, أرتشف رشفة أخرى من كوب الشاى, اتطلع إلى الساعة ثم إلى المذيعة التى تبث مقطع فيديو مرفوع على النت لبضع شبان تونسين يشتبكون مع قوات الأمن التى ترد عليهم بعنف قنابل مسيلة للدموع و رصاصات مطاطية.

" وقال شاهد رفض كشف أسمه "مواجهات عنيفة انتهت باعتقال العشرات وتكسير واجهات المتاجر وتهشيم سيارات". ولم يتسن على الفور الحصول على تعليق من مصدر حكومي بخصوص الأحداث. وقال مهدي الحرشاني وهو أحد اقارب محمد البوعزيزي الذي يرقد في المستشفى بالعاصمة تونس في حالة حرجة مصابا بحروق بليغة "المواجهات مستمرة بوسط المدينة.. الناس غاضبون على ما جرى لمحمد وعلى تفشي البطالة.. السلطات الجهوية وعدتنا بالتدخل والإفراج عن المعتقلين شرط إنهاء العنف.. نأمل أن تهدأ الأمور لكن ما يجري فرصة لكي تهتم بنا السلطات".

أتطلع إلى الساعة مرة أخرى و من ثم أتناول الريموت كنترول مغلقا التلفاز, أتجه إلى باب الشقة, أغلق الباب, الموبايل يرن, اتطلع إلى شاشة الموبايل ..... بسمة !!

- أيوه يا بسمة خير.

- صباح الخير الأول أو حتى السلامو عليكم. 

- و عليكم. 

- يا ساتر, بقولك أنا عايزة الداتا شو النهاردة فى الحصة الأخيرة عشان عندى بريزنتيشن للعيال, أنا بقولك أهو عشان محدش يحجزوا قبلى. 

- حاضر.

- أنت ركبت الباص و لا لسه. 

- خايفة على. 

- دمك تقيل. 

- مع السلامة. 

- أشوفك فى المدرسة , متنساش, ماشى. 

- ماشى.

كالعادة فى ذلك الصباح المبكر جدا و مع هواء الصباح الذى يرسم سيناريو كامل لمخاض النوم الذى أعيشه كل صباح أتجه فى خطوات سريعة إلى الشارع الرئيسى فى انتظار باص المدرسة, روتين يتكرر بشكل يومى, عقلى الذى لا يكف عن التفكير يحسب بدقة الدقائق المطلوبة لكل مرحلة بدءا من الاستيقاظ حتى الاغتسال و كى الملابس, خطواتى السريعة هذه التى تقودنى إلى الشارع الرئيسى, سلسلة من الحسابات المرهقة التى تقع فى منطقة اللا طائل و لكن عقلى يتحرك من نفسه ليزيد من أرهاقى الصباحى.

*******

- الساعة اتنين و نص, مش مصدقة أن اليوم انتهى. 

أنظر إليها فى صمت مبتسما, يلفتها تحديقى بها و لكنها تنشغل عنى بسحب أوراقها من على مكتبها الصغير و من ثم تقول بحماسها الطفولى الجميل:

- أحنا خارجين النهاردة ما تخرج معانا. 

- رايحين فين. 

- شيليز. 

- أنت عارفة موقفى من المطاعم دى. 

- مقاطعة يعنى. 

- مفيش أحلى من الأكل الوطنى. 

- يا وطنى. 

ضحكة باهتة هى التى ترسم نفسها على المشهد, نتحرك لنغادر الفصل و هى تقول:

- يا أبنى دى فرصة متتعوضش, صدقنى حتقضى لك وقت لذيذ.

- و أكل أكل عمرى ما اتربيت عليه , لأ شكرا. 

- أنت بتتحجج.

- يمكن. 

تبتسم هى الأخرى ابتسامة سرعان ما اختفت , تتحرك بسرعة و اضطر إلى أن أوسع من خطواتى حتى أحاذيها فى المشى 

- يعنى مينفعش تمشى بالراحة أبدا. 

- اتعودت على كده من كتر ما كنت بتمشى مع بابا. 

- الله يرحمه. 

- فال الله و لا فالك لسه عايش. 

اضحك فتنظر لى باستغراب و تقول: 

- يا سلام عجبتك قوى كده. 

- بقالى زمان مضحكتش بصراحة. 

- تعالى كل يوم اضحكك. 

توقفت عن السير فتوقفت تنظر لى بدهشة و هى تتساءل:

- أيه وقفت ليه ؟

- دايما الردود جاهزة عندك كده. 

تبتسم و هى تتحرك فتدعونى للتحرك بسرعة مرة أخرى: 

- ورثتها عن ماما دى. 

- مفيش حاجة ورثتيها منى. 

- أنت كل كلامك هزار. 

- يعنى. 

نصل إلى ساحة الباصات, الصمت يتسلل بشكل لا إرادى و غير مقصود حتى اقتربت حافلتها فنظرت نحوى قائلة بجدية:

- عايزة أبقى أقعد أتكلم معاك بكره, أنت فاضى بكره. 

- عندى أول تلات حصص و حبقى فاضى. 

- كويس أنا حبقى فاضية قبل الأخيرة نتكلم فيها. 

- أيه عايزانى اتجوزك. 

- مش حرد عليك. 

" يا لا يا بسمة حلى الكلام دلوقتى"

ترفع يدها معتذرة لزميلتها المتذمرة التى تقف بالقرب من باب الحافلة, تتجه بسمة إلى الحافلة تصعدها فى خطوات رشيقة و تلتفت نحوى على نحو سينمائى:

- متنساش تيجى لى بكره حسب أنا عارفة أنك بتنسى كتير. 

لوحت لها بكفى مبتسما و مؤمنا برأسى, تحركت حافلتها و على نحو غريب قفزت على شاشة الرؤية صورة الأمن التونسى و هو يصطدم بقوة و غلظة بالشبان المتظاهرين, هكذا ظهر المشهد بدون أى مقدمات و لكنها كانت أشبه بلطمة خفيفة يتلقاها عقلى المرهق أساسا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق