سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

الخميس، 28 أغسطس 2014

قصة قصيرة: البيت الصيفى بقلم/ محمد مصطفى

" بيت صغير يمتاز بالجمال والهدوء فى آن واحد , يقع فى احدى ضواحى مدينة فايد بالاسماعيلية , تحديدا فى الوسط من " غابة الزيتون " تلك المنطقة الزراعية المليئة بأشجار الزيتون ..

اُتخذ البيت من قبل مالكيه ( القاهريين ) ليكون مقرا لقضاء عطلاتهم الصيفية , وفى بقية السنة يكون البيت خاويا من ساكنيه .

لم يكن لأحد أن يتوقع أن يكون ذلك البيت ( الذى يُضرب به المثل فى السكون والهدوء ) ضيفا دائما على صفحات الصحف الأولى ومقدمات نشرات الأخبار وبرامج التلفاز الحوارية .

ومما يثير الدهشة أن يكون ذلك ... بسبب جريمة ! 

كانت تلك الجريمة قضية الساعة ، شغلت الرأى العام لوقت طويل ، لكن مع الوقت خَبَت القضية شيئا فشيئا ، وانشغلت الصحف والجرائد بغيرها من الاخبار والحوادث ، حتى اختفى ذكرها تماما ، لتذهب حيث تنتمى... الى أرشيف الالغاز... حيث " الجريمة الكاملة " .

لكن حدَثَ ماأعاد الجريمة من سباتها العميق لتتصدر الصفحات الاولى ونشرات الأخبار من جديد ..


"25/1/1974"

مجموعة من الاصدقاء الجامعيين خرجوا فى رحلة قصيرة ، كان من المقرر لها ان تستمر لعدة ايام ، قاصدين "البيت الصيفى" - بيت صديقهم علىّ - الذى يقع فى مدينة فايد بالاسماعيلية .

فى الساعة الثانية بعد منتصف الليل ، تلقت الشرطة اتصالا من داخل البيت الصيفى ، لم يُقل فية سوى كلمة واحدة : "هناك حالة وفاة.." ، ثم أُغلق الخط .

بعد اسبوع تلقى مخفر الشرطة بلاغا من مزارع محلى - يعمل بارض زراعية بجوار البيت الصيفى - يفيد باشتباهه بحدوث مكروة لقاطنى البيت . 

تحركت قوة من الشرطة الى المكان ، كان سور المنزل الملطخ بالدماء - التى امتدت على طول الطريق الجانبى - يوحى ببشاعة ماحدث ، فى الواجهة الشرقية للمنزل كانت نافذة كبيرة تطل على الحديقة .. مهشمة تماما ، واثار الدماء عليها تدل على محاولة للهرب ... محاولة فاشلة !

فى غرفة الجلوس وراء النافذة ، ظهرت اول ضحية... فتاة فى مقتبل العمر ترتدى ملابس قديمة ممزقة ، كانت ممدة على الارض والدماء تحيط بها.

خلف الغرفة - فى الصالة المؤدية الى الطابق الثانى - كانت اثار الدمار واضحة ...مزهريات محطمة ،تلفاز مهشم ، كؤوس مكسورة ، وقطع اثاث صارت حطاما ...كل شىء ملوث بالدماء ! 

على السلم الداخلى كانت الضحية الثانية، شاب فى اوائل العشرينات ،مسنداً ظهرة الى حائط السلم ، يداة ممددتان الى جانبة ، وعيناة المتسعتان والممتلأتان بالفزع تدلان على اخر مارأة. 

فى الطابق الثانى كانت الامور أقل دمارا ، لكن الدماء على الارض دلت على مزيد من الضحايا ، كانت الدماء قادمة من الغرفة فى اخر الرواق . فى الغرفة كان شاب ممد على السرير تملأ الطعنات جسدة ، دلت وضعيتة على انة قد قتل وهو نائم ، بخلاف الشاب الاخر على السرير المجاور الذى كان واضحا انة قد استيقظ من نومة قبل ان يباغتة قاتله .

"هناك شخص ناقص" .... قالها المفتش خاطر بصوتة الجهورى المتأمل ، لم يكن يحتاج الامر لكثير ذكاء لادراك ذلك ، فقد كانت حاجات ذلك الشخص موجودة بجانب حاجات الاخرين ، وبطاقتة الشخصية ملقاة على الارض . 

افاد الجيران ان البيت ملك لعائلة " الشامى " ، وبتفقد القتلى تبين ان احدهم "على الشامى" (قُتل وهو نائم) -طالب فى كلية الهندسة بجامعة القاهرة . جاءت المعلومات من الاهل والاصدقاء فى القاهرة بالخبر اليقين .. فقد خرج على بصحبة ثلاثة من اصدقائة ( حاتم فاروق – اسلام عصمت – رامى الجندى) فى رحلة الى البيت الصيفى .

بالاضافة لعلى ، فقد وجد اسلام وحاتم من ضمن القتلى ، بينما لم يُعثر على رامى الجندى ! 

لم تنجح الشرطة فى معرفة هوية الفتاة ، لكن كان واضحا ان طريقة قتلها كانت مختلفة عن البقية . 

استغرق البحث عن رامى الحندى جهد الشرطة الاكبر ،عُلقت صورة فى الاماكن العامة وفى الصحف ...لكن بلا نتيجة .

بعد وقت طويل من البحث والتدقيق فى القضية ، وصلت الشرطة لطريق مسدود ، مما اضطرها - تحت وطأة الضغط الاعلامى - الى اعلان ان المشتبة بة الاساسى هو " رامى الجندى " ، وحيث انة مفقود ، فقد اُغلقت القضية لاجل غير مسمى ..

" 1/8/1993 "

قالت غادة توفيق (39 سنة) - ابنة رجل الاعمال الشهير " توفيق الصائغ" - : " هل مايقال فى الاعلام صحيح حقا؟ سيشترى ابى البيت الذى وقعت فية تلك الجريمة القديمة ؟ " ، رد عليها زوجها المهندس مجدى السعيد (42 سنة ) :" نعم ياعزيزتى ...انها فكرة عبقرية ، بناء مول ضخم مكان ذلك البيت المعروف سيجذب الناس من كل مكان فى مصر لرؤية مسرح الاحداث فى القضية الشهيرة ، كما اننا لن نحتاج لكثير دعايا ، ستتكفل الصحف والبرامج الاخبارية بذلك " .

نظرت غادة الى زوجها فى قلق :" لست مطمئنة لذلك المشروع " . طمأن مجدى زوجتة ببعض الكلمات ، ثم أنهى افطارة سريعا وانطلق الى شركة " توفيق الصائغ" ، حيث يعمل بها رئيسا للهيئة الهندسية ، كان عليه ان يبدا فى عمل تصميم للمول الكبير .

"6/3/1994"

دخل توفيق الصائغ غرفة الاجتماعات فى شركتة الكبيرة ، وعلامات الحزم تبدو على مُحياه . 

توفيق الصائغ.... رجل الاعمال المعروف الذى اصبح رمزا للمغامرة ، بدأ حياتة كشاب متوسط الحال ، وفى وقت قياسى سطع نجمه حتى صار اية ، يرتاب البعض فى نجاحة الباهر ، بينما يراة اخرون نتيجة طبيعية للاجتهاد والذكاء فى التجارة . 

قال توفيق :" حسنا ، امامنا غدا يوم مهم ، ماذا اعددتم للغد؟ " ، القى الحاضرون بالاقتراح تلو الاخر ، وتوفيق ياخذ مايشاء ويرد ما لا يعجبة .... كان يختار بعناية شديدة ، فالغد سيشهد الاعلان الرسمى عن مشروع المول الكبير ، وقد اعد لذلك حفلة كبيرة ، ستقام فى البيت الصيفى ، سيحضرها كثير من الشخصيات العامة ورجال الاعلام .

استأذن فتحى - مساعد توفيق الشخصى - فى الدخول ... كان فتحى احد الخدم فى بيت توفيق ، لكن اجتهادة فى عملة واخلاصة لسيده ...دفع توفيق لكى يتخذة مساعدا شخصيا لة ، ربما رأى فية نفسة قديما ، كما وجد فية مايحتاجة اى رجل اعمال فى مساعدة : "التكتم".

كان فتحى هادىء الطباع , قليل الكلام , لايختلط بالناس لغير حاجة , ولا يُعلم عن حياته الشخصية سوى القليل . 

- عفوا ياسيد توفيق ..- 

ماالامر يافتحى ؟ - 

السيد "أمير" يريد محادثتك ، اخبرتة انك فى اجتماع لكنة اصرّ- 

" امير توفيق"... طبيب بشرى ، آثر الاعتماد على نفسة ولم يركن الى ثروة ابية ونفوذة الواسع ، عمل بالخارج فى فريق بحث علمى لسنوات طويلة ، قبل ان يعود الى مصر - منذ ايام قليلة - لأول مرة منذ 6 سنوات . 

ماذا هناك ياأمير ، لدى اجتماع مهم -

هناك امر مهم يجب ان اخبرك بة ياأبى ، متى ستفرغ؟ -

كلا لا أملك وقتا اليوم .. انا مشغول طول النهار . اسمع سأتناول العشاء عند غادة الليلة , لما لانتقابل هناك ؟ -

حسنا ياابى , نتقابل عند غادة اذا ..


"7/3/1994"

اكتظ البيت الصيفى بمحررين الصحف والاعلامين من جديد بعد غياب طويل ، لكن هذة المرة ليس لسرقة اخبار التحقيقات ، بل لتغطية الحفل الكبير .

تزين البيت المنكوب كأنما يوَدع عالم الجريمة ، ليدخل عالم التسوق والاقتصاد .

تعالت اصوات الضحكات ، وسط الموسيقى الصاخبة ،والانوار المبهرجة . وقف وزير السياحة السابق " زهير محسن" يتحدث مع "حلمى السيد" الاعلامى الشهير ، فيما كان السيد توفيق عند الباب الرئيسى يستقبل الضيوف ، الذين كان من بينهم المفتش خاطر الذى وقف وحيدا - وكاس الشراب فى يدة - يتامل البيت الصيفى ..ذلك البيت الذى مثّل لة لغز حياتة الاكبر .

كان المهندس مجدى السعيد يتلقى امنيات الحاضرين بالتوفيق فى المشروع الجديد ، لم يكن اختيارة مهندسا للمشروع مفاجئا ، فهو زوج ابنة توفيق ، لكن لم يكن ذلك هو السبب الحقيقى - فلم تكن المحاباة من شيم توفيق - وانما موهبتة وذكاءة الهندسى الحاد الذى كان واضحا مذ كان طالبا فى كلية الهندسة بجامعة القاهرة .

تم تغيير الموسيقى , وشرع الحضور فى تناول الشراب , وترددت اصوات تراطم كؤوس الشراب ببعضها . 

وفجاة.. انقطعت الانوار ، خيم السكون لدقائق ، ثم علت اصوات همهمات الحضور :

- أضيئوا الانوار

- الا يملك احدكم مصباح ؟

- اين مفتاح النور ؟!

اتت صرخة عالية من الطابق الثانى ...اثارت الفزع فى الحضور ، بدأت النساء فى الصراخ ، تعالت الصرخات حتى صارت حادة هستيرية ، تصحبها خبطات بالقبضات تدق الابواب . صار الكل يبحث عن مخرج ، اشتد التدافع على الابواب وسط حالة من الهرج والمرج ..

وفى تلك اللحظة - كانما بفعل ساحر - اضيئت الانوار كلها دفعة واحدة ، ليدرك الحاضرون انهم ازاء جريمة قتل جديدة فى البيت الصيفى .. 

كان مجدى السعيد مشنوقا بحبل سميك مُعَلَق بالسقف ، وجسدة يتدلى فى الهواء !! 

لم يكن ذلك المشهد اكثر مالفت الانتباة ، .... فقد كان منظر الدكتور امير فى الطابق الثانى ، ملقى على بطنة وتلك السكين الحادة مغروزة فى رقبتة اشد فزعا .. !! 

خرّ توفيق جاثيا على ركبتية وهو ينظر الى جثة ابنة فى ذهول ...دون ان ينبس ببنت شفقة !

"6/3/1994"

أنهى الجميع عشاءهم اللذيذ الذى أعدته غادة التى اشتهرت بطعامها الشهى . ابتسم مجدى السعيد ابتسامة باهتة وهو يقول : " لا اظن اننا سنتجاوز الميزانية المحددة لقد وضعنا احتياطاتنا للظروف " ، رد توفيق بحماس :" انى اثق بك تماما يامجدى " ، ثم التفت الى امير - الذى كان قد انتهى لتوة من العشاء - : " مالامر الهام الذى كنت تود الحديث بشانة ياامير ؟ " .

احمر وجة امير وبدا ارتباكة واضحا عندما قال : " لست متاكدا تماما بعد... لكن .... اظن انى اعرف القاتل فى قضية البيت الصيفى " ، اطلقت غادة شهقة مفاجئة وتمتمت : " اتقصد ذلك البيت الذى سيقام علية المشروع ؟! " 

قطب توفيق جبينة ، وقال بنبرة غامضة : " اة.." 

تدخل مجدى بسرعة قبل ان يكمل امير كلامة : " لقد كان هدوء القضية فائدة كبيرة لنا ، ومن مصلحتنا ان يستمر هذا الهدوء ، انا واثق من ذلك يا امير ... ارجو الا تتسرع بفعل قد يؤدى لهدم مشروعنا الضخم ، لقد بذلنا مجهودا شاقا " .

اشاح امير بنظرة بعيدا ، ثم قال وهو شارد : " ساحتاج لمزيد من الوقت لاثبات نظريتى ، وحتى ذلك الحين لن اتحدث عن الموضوع " ، ثم اصبح تعبير وجهة جادا فجأة : " لكنى اود منكم جميعا الحذر ، فذلك الشخص يعمل معنا " ..

فى تلك اللحظة ... قرر احد الجالسين ان امير يجب ان يسكت الى الابد !!

"3/8/1993"

انعطفت السيارة عند ذلك المنعطف الحاد ، ليظهر فى الافق البيت الصيفى بطلته الساحرة ، نزل السيد توفيق من السيارة وبصحبتة عدد من المستشارين الهندسين وفى مقدمتهم مجدى السعيد ، بالاضافة الى فتحى.. الذى كان يُفضل توفيق ان يصحبة معة فى تنقلاتة الخاصة كانة حارس شخصى لة ، نظرا لدقة ملاحظتة التى كان يحتاجها توفيق دائما . 

كان امام البيت سيدة عجوز هى " جيهان الشامى- " - وريثة ال الشامى الوحيدة - كانت تستقبل الضيوف الذين جاؤا ليُقَيموا المكان قبل شرائة . 

لم تنجح جيهان فى اخفاء سعادتها ببيع البيت ، بدا انها مستعدة لتقديم تنازلات عديدة فى سبيل نجاح الصفقة ، وهو ما وجدة توفيق مريبا ، لكنة لم يجد دلائل تؤكد سوء ظنة ، فخمن انها لم تستطع ان تجد عروضا جادة للبيع ، كما ان السكنى فية بعد ما حدث فية من احداث كانت مستحيلة.

كانت الزيارة مثمرة ، اعطت الفريق الهندسى نظرة مبداية للخطة الهندسية المزمع عملها .

لكن كان للزيارة اثرها المختلف على شخص اخر ، شخص طُبعت امامة صور للبيت الصيفى من الداخل منذ 20 سنة ، راى نفسة فيها يهرول فى البيت ليلا ووراءة شخص اخر يحاول قتلة ، كان يعرف ذلك الشخص ، انة يراة امامة الان .. يركب السيارة ويستعد للذهاب .

جعلته تلك الزيارة يدرك كل شىء ، كيف وصل بة الحال الى ماهو علية الان ...وماذا سيفعل فى الايام المقبلة ! 

"25/1/1974"

قال اسلام عصمت فى حماس : " لقد اكتملنا الان ... هيا بنا ننطلق " ، قال على الشامى بنبرة اعتذار : " اخشى اننا لم نكتمل بعد ، لقد دعوت شخصا ما .. " ، سال حاتم فاروق سريعا : "من؟ " ، قال علىّ :" مجدى السعيد " .

علّق رامى الجندى مازحا : " اليس هو الاول على دفعتكم ؟ لا احسبك تستميلة ليساعدك فى الدراسة ؟" ، رد علىّ : " المواد الدراسية شاقة هذة السنة ، ولاباس بطالب متفوق متفوق ييسرها على قليلا " ، قال اسلام : " يالك من شيطان صغير " .

لم تمر سوى دقائق حتى كانوا امام سكن مجدى ، كان سكن طلابى ، لكن لان ذلك الوقت كان اجازة نصف العام ، فقد كان مجدى وحيدا .

قال مجدى لزميلة علىّ : " لقد ابلغتنى بالرحلة فى وقت ضيق جدا ، لم اتمكن من اخبار احد انى ذاهب معكم حتى الان " ، رد علية على : " لو كنت مكانك لما اخبرت احدا على الاطلاق ".

لم تكن علاقة مجدى بالاخرين وطيدة ، لم يرهم قبل ذلك سوى مرة او مرتين وهم مع على ، اما هو فقد كان معروفا لديهم بالاسم فقط بسبب تفوقة الدراسى .

كانوا يسافرون فى سيارة على ، بعد مدة من السفر جنّ الليل عليهم ، سال علىّ : "هل يستطيع احدكم ان ياخذ مكانى فى القيادة ، اشعر بالاعياء " ، كان الوحيد الذى يملك رخصة قيادة هو مجدى ، فتولى هو القيادة .

فى وسط الطريق قال رامى فجاة : " ماهذا الصوت؟ اظن ان هناك خطب ما فى الاطار " ، اوقف مجدى السيارة ونزلوا يتفقدوا الاطارات ، كانت تحتاج الى زيادة الهواء ، اخذ على المنفاخ وقام بتزويد الاطار بالهواء . 

عندما همّوا بالسير جاءت فتاة تطلب المال ، اعطاها مجدى بعض العملات النقدية ، لكن سُخط الفتاة كان واضحا ، كانت تريد اكثر ...الحّت فى الطلب . انزعج مجدى وفاض بة الكيل من جشع الفتاة . اراد ان يتركها ويمضى ، عاد الى الخلف بسرعة كى يعود الى الطريق ، كانت الفتاة الشحاذة تدور خلف السيارة لتذهب الى الجهة الاخرى من السيارة ، فاصطدمت بها السيارة بقوة واوقعتها على الارض، سالت دماء الفتاة بغزارة وعلا صوات صراخها، أخذوها فى السيارة معهم وانطلقوا بحثا عن مشفى ، لكن لم يجدوا واحدا قريبا . وقع الاتفاق على ان ياخذوها معهم الى البيت الصيفى عَلًّهم يجدوا فيه ما يمكنهم من معالجتها .

لم يمض على وصولهم للبيت دقائق حتى توفيت الفتاة اثر جرح عميق فى الراس . اصاب الارتباك الجميع ، اتفقوا على ابقاء الجثة للغد حتى يروا مايمكنهم فعلة ، كانوا فى حالة اعياء شديدة ، لذا صعدوا جميعا الى الطابق الثانى لاخذ قسط من الراحة .

فى الاعلى .. كان مجدى يجلس فى غرفته وحيدا , يفكر ..

اصابه الشعورُ بالذنب فى مقتل ، لم يستطع ان يبعد عن عقلة فكرة انة قد قتل فتاة بتهورة ، تخيَّلَ العواقب التى قد تصيب مستقبلة الدراسى ، اخذ يذرع الغرفة جيئة وذهابا وهو غارق فى التفكير .

وجد أنه لم يعد يحتمل الجلوس منفردا فخرج يبحث عن صديقه على ليبوح له بمشاعره , لكنه عندما فتح باب الغرفة فجأة رأى ما ضرب على وتر هواجسة ... فقد كان حاتم يتحدث فى الهاتف قائلا : " الشرطة ؟؟ .. هناك حالة وفاة " ! 

اصيب مجدى بانهيار عصبى ، جالت كل الاحتمالات المأسوية فى ذهنة فى أقل من لحظة , وبحركة لاارادية اخذ عصا حديدة بجانبة وانهال ضربا على حاتم . لم يفق مجدى من انهيارة الا وحاتم يرقد على السلم امامة جثة هامدة ! 

وصل الامر بالنسبة لمجدى لنقطة اللاعودة......كان يجب الا يخرج احد من البيت حيا !

دخل المطبخ وتناول سكينا حادا , ثم ولج احدى الغرف حيث كان كلا من اسلام وعلى نائمين فى سكون ، قتل علىّ ( الذى كان نائما ) بدم بارد , ثم أصاب اسلام ( الذى لم يستطع ان يهرب بعد ان استيقظ بتوه ) بعدة طعنات قاتلة ..

وبينما كان ذاهبا للغرفة الاخرى لبكمل مهمتة ، فوجىء برامى فى الطابق الاول يلوذ بالفرار .

أسرع خلفة حتى ادركة عند مدخل البيت ، نشبت بينهما معركة شرسة . تلقى رامى ضربات قوية بالسكين الحاد فى الوجة والبطن سقط على اثرها دون حراك . ظن مجدى انة قد مات فجمع اشياءة وخرج عائدا الى سكنة مستغلا عدم معرفة احد بمجيئة معهم من الأصل ! 

"7/3/1994"

كانت الحفلة فى البيت الصيفى تسير على ما يرام ، وقف مجدى يتلقى التهانى ، وبعد ان نجح فى التملص من محدثية انطلق الى غرفة الكهرباء ، قطع النور عن البيت باكملة ، ثم صعد مسرعا الى الطابق الثانى حيث كان امير يهيم على وجهة من اثر المخدر الذى اعطاة مجدى لة قبل الحفلة مباشرة .

ضربة سكين فى الرقبة كانت كافية لاسكات امير الى الابد ! 

"26/1/1974"

استعاد رامى وعية ليجد نفسة محاطا بالفوضى والدماء المتناثرة حوله فى كل مكان ، لم يعرف اين هو ، ولا من فعل بة ذلك ، لم يعد يتذكر شيئا ، اصابتة حالة من فقدان الذاكرة ، لقد كانت الضربات التى تلقاها قوية .

استجمع ماتبقى لدية من قوة وفر هاربا ، كان الظلام حالك ، واصل المشى ... لكن الى اين ؟! انه لايذكر شيئا ، وقف حائرا فى وسط الطريق ، راة احد المسافرين ، ارتاع لحال ذلك الشاب الذى لايوجد فى جسدة موضع الا وبه جرح غائر ، حمله معه فى سيارته ثم اوصلة الى مشفى ومضى .

عمل الاطباء على استقرار حالتة ، لكن كانت الجروح العميقة فى الوجة تستدعى اجراء عملية تجميلية ، ستؤدى لتغيير شكلة تماما . أجرى لة تلك العملية طبيب شاب ... اسمة " امير توفيق " .

انتقل الشاب فاقد الذاكرة من مشفى الى مشفى ومن مصحة الى اخرى ، يجرى العمليات الجراحية ويخوض جلسات العلاج النفسى ، عندما تسال الشرطة عن رامى الجندى ...بالتاكيد لم يكن فى المستشفى احد بهذا الاسم ... ولا بتلك الصورة . 

افاق الشاب ليجد نفسة انسانا لا أصل لة ، لايعرف من اين اتى ...ولا الى اين سيذهب !

بعد سنوات طويلة من العلاج ، خرج أخيرا ليواجة الحياة من جديد ، لكن بشخصية مختلفة . 

عمل فى شتى المجالات ، تنقل من محافظة الى اخرى ، علمتة كثرة الوظائف دقة الملاحظة وتقدير قيمة العمل .

فى 18/9/1988 قرأ اعلان فى الصحيفة بخصوص فرصة عمل كخادم فى بيت رجل الاعمال الشهير توفيق الصائغ ، تقدم للوظيفة ، واثبت كفاءتة ، ترقَّى حتى اصبح مساعدا لتوفيق .... اما اسمة فقد اصبح " فتحى " !!

سافر امير بعد فترة قصيرة من اجراءة عملية التجميل لرامى ، سافر اخر مرة فى 16/9/1988 ولم يعد الا بعد مايقرب من 6 سنوات .

اول مرة راى فيها مساعد ابية الجديد كان بعد ان عاد من السفر اخر مرة .... عرفة دون شك !

لما اعلنت الشرطة ان المتهم الرئيسى فى القضية هو " رامى الجندى" ظن امير انة قد عرف القاتل ..... لم يكن يتوقع ان يكون القاتل الحقيقى هو زوج اختة !

"7/3/1994"

بعد ان نفَّذ جريمتة الاخيرة ، فُوجىء مجدى بشخص يهاجمة من الخلف واضعا حبلا سميكا حول رقبتة . التفت الية ... ولأول مرة راى ذلك الوجة عن قرب . 


قال فى نفسة : " ألم أقتلك من قبل ؟! "

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق