سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

السبت، 28 يونيو 2014

المقالات الاجتماعية: تقنين البغاء بقلم/ عبد الرازق أحمد الشاعر

استطاع الربيع العربي المباغت أن ينزع أوراق تاريخنا من غلافها، وأن يوزع أوراق التوت التي كانت تواري سوءاتنا فوق الخرائط. وتمكنت الكاميرا المتلصصة من التجول في أجسادنا العارية لتوزع صورا مقززة تثير الاشمئزاز في عيون المنحرفين الذين كنا نضم ثيابنا عنهم حين نلتقيهم في الطرقات. وصار المتحرشون في بلادنا نجوم غلاف ومادة للمضغ المقزز في برامج التوك شو التي امتلأ بها فراغنا المخيف.
وتحول كل شيء في لغة الميادين إلى شعارات تستخدم المقدس والبذئ لتخرج المصريين من عصمة الرسالات إلى فوضى الجسد، وهكذا، تحول الدين إلى هامش يضيق كلما اتسع الخلاف. وبهذا، نجح المتربصون بالوحدانية إلى زراعة أصنام الغواية وبقايا البؤس في أرض الفوضى، ونجحوا في إقناع المصريين الخارجين من عصمة الثورات بالدوران حول الخوار الإعلامي المقيت ليشاهدوا لغة بذيئة في عصر مليء بالبذاءة، في انتظار عودة محمد بالألواح من فوق الجبل ليعيد إليهم قيمهم التي داسوها تحت أقدامهم عراة في ميادين التيه.
جريمة لم تشهد الميادين مثلها، أن تقف امرأتان عاجزتين عن التلحف بثياب رجال تخلوا عن جسديهما، وتظاهروا بالتقزز وهم يسترقون النظر ليروا ما تركه المنحرفون عاريا من بقايا ليشبعوا في أنفسهم شهوة الادعاء وشهوة الاستنكار وشبقية لم يجيدوا إخفاءها. وفوق بلاط الميدان الذي شهق أولا، يعود المصريون إلى الصمت، لكنه الصمت الأذل في تاريخهم الحديث. 
منحرفة هي اللحظة انحراف الميادين الفسيحة. ومنحرفة انحراف الصمت أقلام كنا نحسبها على خير. ومن عجب أن تجد كاتبا كان يشار إلى تاريخه بالبنان يطالب ولاة الأمر بتقنين الفجور حفاظا على القيم. وكأن قيم المواخير هي الملاذ الأخير لأصحاب العقائد في مواجهة قيم ما بعد الثورات. يمكنك إذن، طبقا لرؤية كاتبنا الملهم، أن تخرج من كنيس أو كنيسة أو مسجد بقدمك اليسرى، لتدخل دار بغاء بنفس القدم لتخرج ما في جعبتك من فحولة ثم تعود أدراج تدينك كأن فسقا لم يكن. وتحت حماية شرطي لا يستحق أن يرفع رأسه عاليا، يمكنك أن تقضي شهوتك كما تقضي حاجتك، فالمواخير المرخصة كالمراحيض العامة في مفاهيم كتاب ما وراء القيم.  
في ميدان الحرية، تحرش عصبة من الفجار بامرأتين لا حول لهما ولا ناصر، ولم تجدا من بين الواقفين حول عريهما المدنس رجلا من أطهار الزمان الأخير إلا مفكرا بائسا يطالب المتحرشين بالتستر، ويطالب الدولة بتقنين البغاء وحراسة من ينفثون عن مكبوتاتهم المنحرفة صونا لما تبقى من قيم وحماية لعفة القوارير التي لم تطلها يد العابثين بعد. وكأن المسيح ومحمد لم يأتيا إلى هذا العالم المليء بالمدهشات إلا ليحررا رجاله من شهواتهم القذرة في أجواف المومسات. 
استطاعت التكنولوجيا إذن أن تحشر الناس جميعا في غرفة ضيقة ليمارسوا طقوس اللهو ذاته، لكن يبدو أن الغرفة تلك لم تتسع لأصحاب القيم المخالفة والثقافات المغايرة. ويبدو أن صفحات التواصل قد استطاعت أن تهدم كثيرا من القيم التي ميزت شعوبا وقبائل على مر العصور. فرضت التكنولوجيا قيم المنتصر ووزعت فساده على أرجاء الخرائط، وأصبح الناس يتحدثون اللغة نفسها ويكتبون التويتات نفسها، ويسخرون من الشيء نفسه، ويتقاسمون الحلم نفسه والخوف نفسه والشبقية والمقت. واستطاع المستعمر من وراء الحدود أن يحول رؤوسنا المهملة إلى قارورات مليئة بالمولوتوف، وأن يجعل مجتمعاتنا المتماسكة هدفا لنيراننا الوشيكة. واليوم ندفع ثمن السقوط وثمن السكوت، وثمن البغاء. لكننا يقينا لن نستطيع حماية المواخير العامة بحجة حماية الفضيلة .. هذا كثير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق