سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

الجمعة، 6 ديسمبر 2013

داراسات:نثر - شعر: لغة التحشد السّلمي وسطوة الهاجس بقلم/ عدنان أبو أندلس

بهنام عطا الله في –هكذا أنت وأنا وربما نحن(1)

التَحشّد مفردة مستنفرة تلفها العتمة الداكنة,شكلاٌ ومعنى,حالما تستغيثها الذات المقهورة تتحفز بإستعداد لما لها من مدلول حركي حاد ,يثير الإستنفار التفسي في المجتمعات المتحفزة بنخوة لنداءالإستجابة وشحذ الهمم ولملمة القوة تجاه الخصم,وهذا مانراه جليا بعنف وسطوة في تركيبة الشرق المثقلة بهذا الكم من القوة الجمعية.إن الخطاب التعبوي والتحشد وإثارة المشاعر فله عند الشاعر بهنام عطا الله شأن آخرفي مجموعته الشعرية-هكذا أنت وأنا وربما نحن-الطبعة الأولى-دمشق-2012-يختلف جدلياٌ وّذا صبغة عقلية ,بتناوله المفردات الحربية ذات اللون الأبيض من باب التباهي, بأمجاد الماضي الضارب بعمق جذور الإصالة لإستذكاره رموزاٌ لها وقعاٌ منعشاٌ في إستقراء الماضي وإستحظاره لحظة متطلبات الحاجة اليه منها زاخراٌ بموروث تليد هي , نفر-نمو-ديموزي-أورور-أور –أنليل-إيدسالا ,هذه الرموز الحضارية الممتدة في عمق الذات –الأنا – إذ داهمها خطر فتلتجأ الى إستذكار الموروث البحت أو الإسطوري كتراث ينم عن التعبير عن القلق , فالجوء اليه ذكراٌ من باب شّحذ قوة ودفع أذى , يصنف الناقد الفرنسي –رولان بارت – الموقف من التراث في أربعة مواقف:التراث الشعبي, الأقنعة, المرايا , التراث الأسطوري"2"وهكذا من لمعة الإضاءة لتأريخ علّم البشرية عراقة الحرف النوري.
بهذا العنوان الذي يحمل دالة الحشد من ضمائر الإشارة –انت –أنا –نحن- يستفزنا بنوع من العتب الموجه الى ذواتنا الكلية ,وخاصة أناه لها وقع شديد على لائمته , هذه هي اللبنة الأساسية لمملكته المتهيأة لسطوة التحشد السلمي والتي بناها على سلمية التأهب بنصوصه (23) مضاءٌ بنكهة الموروث الذي جسده بصور من القيّم التراثية والتي إستحضر فيه جوهر التراث وقيمه الراسخة فينا"تفتح أمام المتلقي ,فضاءٌ للتامل في طقس يرفد عبر إنسيابية تتسربل بغموض شفيف وتكتظ بمفردات من الموروث الديني والشعبي, يجهد الشاعرليمنحها دلالات معاصرة ,فيعيش طقس حكيم مجهول بكلمات موجزة توحي ولاتفصح"3" هذا ماتناوله الناقد د.جاسم خلف الياس في تقديمه للمجموعة التي نحن بصددها عن إشادته بمقدمة الشاعر معد الجبوري ,ونقتطف نصاٌ منها –مطر اليقظّة-ص17-يقول:
مسلةّ...
مازلنا نصوغ نصوصها
من بقايا القديسين
ومن ضوء المصابيح
خرافة بيضاء
لا تمحو من ذاكرة الكون
عطورها تجتاح أناشيدنا الهاطلة
مع مطر اليقظة.
إن عنوان القصيدة حافل بتحشد ملموس عياناٌ–مطر- لملمة الغيوم وتحشدها بهطول مكثف وإنهمار وماوراءه سيل –فيضان –واليقظة –إنتباه –حذر,هاتان المفردتان تتألفان في التحشد, كذلك إستهلال القصيدة –مسلة هي الأُخرى حافلة بحشد قوانينها ربما الصارمة والتي سُنت لقضية طارئ ما أولحدث إستثنائي أوجب خطها أنذاك,صوغت أي المسلة بقدسية الموروث ووجب الأخذ بها مثل خرافة بيضاء ترفرف في سماء إفتراضية.
وفي تص آخر له-خوذة البراءة- المفردة التي تلازمنا أكثر من رؤوسنا عند المواقف الحرجة لهذا أبدى الشاعر بتوظيفها على صورتها ,لكن مملكته –الحلميه- المسالمة تأبى النطق بها لذا أردف معها –البراءة –كي تكون عوناٌ لها في تجريدها من صخبها وشراسة عنونتها وجعل لها إيقاعاٌ هادئٌ مناسباٌ مع سياق المسالمة:
هكذا...
تخضر سعاداتي,
بصباحات مرحة ومساءات تبسط فوضاها 
تبتل بحزني...
تتململ.... ترتدي خوذة البراءة/ وقطع آخر مسارات للفحولة –تفترش ولائمها –تقتنص الخمول وتزحزح العثرات-هي مشاجب للحمائم –تحوطات امان-حوافر الخيل-لامعات كالسيوف
هوامش مكتظة بالاستعارات.هذه المقاطع تزخر بالقوة المبثوثة في رحم مملكته المثالية –سلم وأمان أرعب ببياض سريرته كل إرتعاشات التحشد والنفير المأزوم والمتأزم.
كذلك في خزائن الأهات ص39هنا زج المفردتين الجمعيتين بلصق كي يلائم حالة العتمة المكثفة فيهما :
تكدست التفاهات في عربات الجند
مثل أفكار داكنة
مثل عرافات خرجن 
من دهاليز الأرض
متسترات بالبعاد والمراثي
وأمامي حشود تنفلق نحو المجهول 
مفردات الجمع التي ألفها الشاعر يبغي من صيغة –الجمع- تعريف المتلقي لهذه الهيأة بالبروز عما تبناه وهي ظاهرة –التحشد –المعنى بذلك وهذا المقطع زاخر بما يؤول عليه مثلاٌ:التفاهات/ عرافات/ دهاليز/ متسترات/ حشود ...الخ من صيغ عاجة بذي المعنى وتتصدع القصيدة بنتوءات حادّة من ادوات الحالة التحشدية-أقاليم تتدثر بالحيطة والحذر/جيوش محتشدة للهجوم/وأخرى تقف عند عتمة-الأمم المتحدة للدفاع تستجدي رفع الفصل السابع-من أوراق الروزنامات-وشتات التواريخ الغبية. ليس الماضي ,بالنسبة للشاعرالحديث ,زمناٌ منقضياٌ ,أو ذكرى ميتة لايمكن إستعادتها ,أو بعث الحياة في رمادها المتجهم ,بل هو على العكس من ذلك تماماٌ,حيوات متفردة ,وطاقة روحية جياشة , زمن يكتظ با لدلالة ,وهذا الماضي يظل في معظمه ,قادرا على تقديم العون جمالياٌ"4"
ونصه الأخر يصرخ من صراحة نفيره في عنوان –وليمة الألم51:
أمامك الدروب إستفاقت بالدموع
مثل إفتتاح السماوات على الجهات
الجموع تهتف...تهتف
وهي تشعل آخر الشموع.
ويستطرد في أسطره مهيئاٌ أرضية باذخة من هيجان المشاعر والأُلفة لكبح التطاول المضاد بتسخيره أدوات العزيمةلحمل نياشين النصر بلا منازع في جمهرة سلمية حشودها الكلمة وميراث يستحوذ ويشحذ كل طاقاته للذود عن المكنون في الذات الجمعية.
وفي قصيدة ضحايا البراءة ص55يقول:
تتثاءب في حلم الهزائم
تهرول...مع القذائف
القذائف التي تسحل ارواحنا
الى قامة القدر
وهي تتشظى
هذه الأسماء والأحداث المروية وعناصر الإمتزاجات ذات الصلة بكينونة الذاكراتية للحروب التي اطالت المعمورة لذا بانت في متن القصائد برمتها وتشكل هاجساٌ لدى الجموع بذكره أسفار الحرب وأدوات الموت/سبطاتة بندقية/أصوب حدقاتي/المشاجب /الحروب العرجاء/كما الجندي المستجد/ ساحة العرضات/نياشين الموت/وغيرها مما تسبب للمتلقي إرتعاشة ونزق الحياة وهو يشم رائحة البارود والموت المتربص معاٌ
ويختم بنص من نهارات معطلة ص134يقول:
أما قصائدي
فمسالك شائكة لقوانيت المدى
تقيم حول حواسي
غشاوة الإرتباك ومملكة 
مملوءة بالرعونة
كل هذا التحشد مرده الأساسي للخلاص من ظائقة مرّ بها وحتى عنونة المجموعة كان موفقاٌ في تسميتها الشاملة أنت-أنا –نحن أسماء الإشارة المعنية بنداء النجدة والغوث والنفير,هذا الإستبطان والإستقراء الذي تولد من ذاكرة خصبة لشاعر رأى بعينيه الموت ومنح إجازة الحياة لمدونته هذه كي ينقل لنا الحقيقة العيانية لأجيال قادمة ربما تتوشح وتتحشد برداء السلم الأبدي .
إحالات:
1-هكذا أنت وأنا وربما نحن-المجموعة الشعرية-د.بهنام عطا الله-دار تموز-دمشق-2012.
2-دراسات في نقد الشعر-الياس خوري-مؤسسة الأبحاث العربية-بيروت-1986.
3-مقدمة الشاعر معد الجبوري-فصول المكائد-نينوى-1996 .
4-حداثة النص الشعري-دراسات ت نقدية-د.علي جعفر العلاق-دار الشؤون الثقافية-بغداد-1990.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق