سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

الجمعة، 13 ديسمبر 2013

كلمة الشهر: أطفال الجليد - ديسمبر 2013 بقلم/ عبد الرزاق أحمد الشاعر

في مدينة الرستن، وعلى مقربة من سدها الذي بناه عبد الناصر ذات وحدة، تخثرت الدماء في شرايين رضيع لم يحبو فوق شهره الثاني عشر بعد. وبهذا يصبح أليكسا رقما جديدا في معادلة القهر التي يتعرض لها القادمون في الزمن الخطأ من أطفال سوريا والذين لم تتشكل بصمات أصابعهم بعد. صحيح أن طفل حمص يتفوق على طفل حماة الذي سبقه إلى رفيق أكثر دفئا في الثاني عشر من يناير الماضي بخمسة أشهر قمرية، إلا أن عينيه البريئتين تشهدان أنهما لم تسجلا تفوقا يذكر في مجال البراءة. فكلاهما ماتا بأعين شاخصة نحو الأفق وكأنهما يفتشان في السماء المكفهرة عن بقايا أمل أو سلم ترقى به أرواحهما الغضة نحو آخرة لم ينعموا أولاها.
ولأن جسر الرستن الممدود في حوصلة التاريخ كزئبق يابس لم يعد يربط شمال البلاد بجنوبها كما كان يفعل في القديم. ولأن شاحناته لم تعد تحمل أي وقود لطفل يحتضر بردا، ولأن الهياكل البشرية المتناثرة فوق جبين الوطن المتصدع كبثور سرطانية كالحة لم تعد تحمل في صدورها المقوسة شفقة لعينين صغيرتين تستغيثان للنجوم، قرر الطفل أن يفر من الربيع اللاهب إلى الشتاء القارص في موجة يأس أليكسية باردة.
لا فرق بين موت وموت أيها السوري الرضيع، ولا فرق بين أسلحة تتدفق عبر الحدود وأخرى تنزلها الطائرات العابرة لمحيط الآدمية البائسة. لا فرق بين أجسام متفحمة نزت شحومها كمدا على رصيف وطن دون أن يلتفت إليها العابرون إلى شئونهم الصغيرة، وأخرى تيبست دماؤها وتجمدت الأنفاس في رئاتها فلم تقو على إصدار أنين مكتوم أو صيحات استغاثة. وطالما أن الموت مقدور على أصحاب القلوب الضعيفة مثلكم، وأن المارون فوق أجسادكم النحيلة لا يفرقون بين رؤوسكم الصغيرة وكرات الثلج، فلا حاجة بكم للصراخ، لأن أحدا في النهاية لن يهتم.
أيها الصغار الواقفون على رؤوس توابيتكم الصغيرة، لا تؤمنوا لمن تاجر بأحلامكم البريئة، ولا تثقوا بمن يذرف الدمع الساخن عند أجساد رفاقكم المقددة عند التلال، ولا تعتقدوا أن تجار السلاح الذين يمنون عليكم بكرات اللهب خيرا ممن يبكون عند قبوركم وفي أياديهم مدافع محشوة بالكراهية، ولا تنتظروا دمعة ساخنة من وراء الحدود لأن رفاق الربيع الزائف مشغولون عنكم بصيحات كاذبة في متاهات سياسية ضالة. ولا تظنوا أن كل من يرفع يديه نحو السماء بدعوة عن ظهر غيب شريك طهارة، فأغلب الذين ناصروكم بقلوبهم وبخلوا على أجسادكم الزرقاء بغيض من فيض دفء يغمرون به أطفالهم السمان كل مساء ليسوا أفضل حالا ممن بالوا ككلاب ضالة فوق قبوركم الخرساء. 
اليوم نشهد مأساتكم أيها الراحلون من مدن البلادة في صمت قبوري مهيب نحو سماواتكم الرحيبة لامبالين، وغدا تشهدون ذعرنا وعرينا وقلة حيلتنا حين نقف وإياكم في صعيد طاهر لنجازى دما بدم وصقيعا بلهيب. ستمر جنازتك أيها الصغير المتجمد أمام مقاهينا الدينية المشغولة بسن الرماح وتعبئة زجاجات الدين بسارين الكراهية دون أن يقف حدادا على روحك الذكية أحد من الذين يملؤون ملاءات الفضائيات ببقع الخطب المنبرية، وسترحلون دون أن تتركوا فراغا في نفوسهم المشغولة حتى النخاع بالإعداد لجمعة الرحيل وجمعة الخلاص وجمعة الثأر وجمعة القصاص. سترحلون ولا هم لسياسيي عالمكم البائس الفقير إلا الرقص فوق حبال الفضائيات المشدودة لسرقة ما تبقى من آثار أجسادكم الغضة فوق تلال الثلج المكومة عند التلال.
سترحلون نحو السماء وتبقى عللنا المزمنة طابورا خامسا لا يمد جسرا ولا يقيم سدا، ويبقى الدين علكة لا طعم لها في أفواه المتاجرين بلحاهم الكثة وأصواتهم الجهورية وعممهم الملونة. وسيرحل أليكسي كما رحل الربيع الكاذب عن ربوع الميادين، ويذوب الثلج من فوق مروجنا المعممة بالبياض، لكن برودة واقعنا لن تزول بالضرورة، ولن تفور الدماء في عروقنا كما اعتادت أن تفور. فجليدنا الروحي لا يرتبط بالمواسم ولا تذيب شمس المشارق كتله اللاهية. 
أما أنتم أيها المتاجرون بصور الأطفال اليابسة في مواقع التواصل، فلا تعتقدوا أن كثرة الصور المبثوثة من كاميراتكم الثمينة عالية الدقة قادرة على بعث أرواحنا الراقدة في توابيت الأنانية منذ عقود. لأنها تحول أنهار البؤس في واقعنا إلى جزر من جليد، فالتعود على الصورة يقتل الإحساس بها ويميت التعاطف في قلوب لا تجد إلا النبضات المكتومة لتتصدق بها على أجساد لم تجد التعامل مع تلال جليدنا العربي المتراكمة. أما أنتم أيها المارون نحو الإله من فوق أجداث أطفالنا الغضة، حتما لن تجدوا ربا هناك. وحين ينحسر مد الفتن عن شواطئنا الملوثة بفتاوى الكراهية، ستحاصركم أرواح الأطفال التي لم تتيبس كلحومهم الغضة في أسافل التلال، ويومها ستدفعون الثمن.
عبد الرازق أحمد الشاعر
أديب مصري مقيم بالإمارات
Shaer129@me.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق