سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

السبت، 14 ديسمبر 2013

مقالات تربوية: إن مشكلتنا تربوية بقلم/ ديفيد ج. كوج

إن التربية كما يقول ديوي ضرورة من ضرورات الحياة, وهذا صحيح تماما. فالتربية بوصفها اعداد الطفل منذ مرحلة الطفولة ليكون مواطنا صالحا في المجتمع في المستقبل او ليكون شخص ناجح في حياته علي الصعيدين الشخصي والاجتماعي؛ مهمة جدا.
يمكنني ان اصف التربية علي انها ظاهرة طبيعية في الجنس البشري وبمقتضاها يصبح الفرد وريثا لما حصلته الانسانية من حضارة. اي ان تعلم الطفل الماضي كي يساعده ذلك في التعامل مع المستقبل اي انه يتم اعداده للمستقبل. ولكي يتم ذلك لابد من ان تتم هذه التربية لاشعوريا, عن طريق المحاكاة بحكم وجود الفرد في المجتمع, وبذلك تنتقل الحضارة من جيل الي اخر. فالانسان بوصفه كائن اجتماعي يعيش في محيط اجتماعي كفرد يؤثر ويتأثر, لذلك يجب ان ذلك بتوضيح وتمثُل القيم الانسانية العليا امام الطفل. كما ان التربية المقصودة بطبيعة تقوم علي العلم بنفسية الطفل من جهة ومطالب المجتمع من جهة اخري. فالتربية ثمرة علمين هامين هما علم النفس وعلم الاجتماع. 
لذلك اري ان زعمي في عنوان المقال ان مشكلتنا تربوية تتضح في انه لم يتم تعليم الاطفال (القادة بالتحديد) ايام الصغر بالطريقة الصحيحة, لم يتم توريثهم حصيلة الانسانية من حضارة ولا اخلاق ولا طرق العيش الشريف. وهذا كله يعود الي عدم المام القائمين علي الامر؛ سواء كان في البيوت في المدارس, يعود لعدم المامهم بمناهج التربية الحديثة. 
فمثلا ولكي يكون الطفل شخص صالح اجتماعيا في المستقبل لابد ان يعلم القيم المجتمعية المحيطة به, وما اقصده بالقيم هو ما يعتقده الناس انه يجب ان يسير عليه الحياة. وكذلك المعايير الاجتماعية, وهي تلك المعايير التي تحدد ما هو صحيح وما هو خاطئ للطفل. وبذلك يمكن للطفل ان يعيش بطريقة جيدة ويكون صالح في المستقبل. ولكي يتم ذلك لا يجب ان نعيش الطفل في عالم يوتوبي مفصول تماما من الواقع بل ان نوضح له امور مع بعض الامثلة.
لو اردت ان اخرج طفلا او اطفال غير قبليين فاني ساقول لهم, ان القبلية ليست جيدة واعطيهم السبب وهو ان القبلية تضعفنا وتشتت قوانا وكل ما كنا ضعفنا استحال علينا انجاز اي شئ؛ اي شئ علي الاطلاق, واضيف ايضا مثال او اثنين, مثل ما جري في رواندا عام 1994م بين التوتسي والهوتو وكيف خسرت رواندا اناس كان يمكن ان يقدموا لها الكثير ان عاشوا, كما ان ما حدث في رواندا واحدة ان لم تكن اسوأ انتهاك لحقوق الانسان في القارة السمارء منذ مطلع القرن العشرين. 
وايضا تجربة النازية في المانيا في عهد هتلر, الذي تفنن في قتل اليهود الابرياء بدعوي انهم سبب المشكلة في المانيا (خسارة الحرب العالمية الاولي, مشكلة الاقتصاد) . ولكن الحقيقة هي ان كان للنازيين نوايا عرقية وذلك انهم يرون ان الشعب الالماني وهم الجنس الاري طبعا افضل من وطئت قدماهم هذه الارض. واشرح له كيف ان ذلك قاد الي وفاة الملايين من البشر وتشريد الكثيرين.
ثم اقول ان اصبحت ذا نزعة قبلية او قومية فالنتيجة حتما ستكون واحدة من ما ذكر انفا وهي اسوأ ما يمكن ان يبتلي الجنس البشري, ان مثل هذا الكلام سينمي ثقافة السلام والتسامح لدي الطفل وينمي فيه روح المسئولية ايضا. وبذلك نكون قد نقلنا له ولو القليل من ما حصلته الانسانية من حضارة, ان السبيل الي التقدم دائما يكون باختيار وتبني المناهج الصحيحة التي لا تأذي الاخرين ايضا.
وهذا يعني الالمام بنفسيته ومحيطه الاجتماعي ايضا, فالطفل الذي من المفترض ان يتم اعداده للمستقبل هو الطفل الذي يكون لديه وعي متنامي بمتطلبات مجتمعه وبالتالي المجتمع الانساني, ولديه وعي عالي بالسلام والتسامح بطبيعة الحال, يكره ويبتعد عن كل ما يأذي الاخرين.
ولذا يكون دور المدرسة مهمة ايضا ودور المدرسة تكون كالاتي:
i. ان المجتمع جهاز معقد التركيب فيه نظم اقتصادية, سياسية, دينية, وفنية يصعب علي الفرد فهمها اذا ترك وشأنه, ووظيفة المدرسة تهيئة بيئة مبسطة يفهم الاطفال منها الحياة الاجتماعية.
ii. ان تخلق المدرسة للناشئة مجتمعا مصفي من الشوائب, وتؤكد لهم ما في المجتمع من محاسن, فتصبح بذلك اداة للرقي كأنها تطهر العادات الاجتماعية الموجودة وتسمو بها.
iii. إقرار التوازن بين مختلف عناصر البيئة الاجتماعية من عقائد دينية واجناس متباينة وغير ذلك, فتكون المدرسة هي البوتقة التي يصهر فيها افراد المجتمع ويتقاربون في مشاربهم وتقاليدهم وعاداتهم.
iv. توحيد نفسية الفرد حتي لا تتجاذبه طوائف الامة المختلفة فتتفكك نفسيته.
ان هذا بالضبط هو ما نحتاجه في الجنوب لننشئ اجيالا يعتد بها في المستقبل القريب والبعيد, فمشكلتنا الاولي والاخيرة كما ازعم تربوية بحتة. 
ان ما نعانيه اليوم من سوء تخطيط, انحطاط اخلاقي, الابتعاد عن القيم الانسانية, تفكك في العلاقات الاجتماعية ولاسيما العائلي, فساد, اللاتسامح, العنصرية الزائدة (المتمثلة في القبلية), غياب الضمير, والوعي الجمعي, والايثار, والواجب. 
كل هذه الاشياء نعاني منها لانه لم يتم تربيتنا بالطريقة المثلي, لم يتم تعليمنا لا في المدارس ولا في بيوتنا ان الاعتداء علي المال العام خطأ اخلاقي وبالتالي جريمة تعاقب عليه القانون. او ان التمسك بالقبيلة يجعلنا عنصريين وبالتالي متخلفين. 
لم يتم اخبارنا ان الفساد بمختلف انواعه سواء ماديا او اخلاقيا لا يساعد علي النمو وانما التخلف والتقوقع فقط. لم يخبرنا احد لا في البيوت ولا حتي في الكنائس ان المواطن الجيد هو الذي يعامل الكل معاملة حسنة كانه من واجبه ان يعاملهم هكذا.
ان غياب التربية والمفهوم التربوي الحديث تركنا عرضة لكافة الامراض المستشرية اجتماعيا في عالم اليوم, اعني العالم المابعد حداثي عصر العولمة الذي كسر فيها كل الحدود الجغرافية وكذلك الاجتماعية اما الاقتصادية فحدث ولا حرج. 
فلكي يتم حل هذه المشكلات لابد من تبني منهج تربوي حديث, بمعني نبذ التربية القديمة التي تقوم علي الحفظ والتلقين, وتبني تربية يقوم علي التفاعل في المدرسة بين الطفل ومدرسيه وكذلك مع اقرانه, اما في البيوت فيجب الاهتمام بحاجات الطفل النفسية والمعرفية ايضا, عكس ما هو سائد وهو انه لو تم تلبية حاجات الطفل المادية فقط فان كل شئ علي ما يرام, ان مثل هذا الكلام هراء, خاوي من اي حقيقة منطقية لن تساعد ولو خطوة الي الامام. 
لابد من تدريب المعلمين جيدا لكي يدرسوا الناشئة ايضا جيدا وبشكل يتماشي مع تطلعاتنا اليوم وغدا, فالتربية يقوم علي اعداد الطفل علي التعامل مع الاخرين جيدا وشخذ ذهنه بالقيم الاخلاقية الجيدة والرفيعة, بينما التعليم يعني شحذ ذهنه بالمعلومات العلمية, ولا ننسي ان التربية يأتي قبل التعليم, وليتم ذلك لابد من وجود بيئة جيدة ايضا ليتعلم الاطفال فيها, بيئة فعلا مهيئة لهم ليتعلموا فيها كل ماهو جيد ومفيد لمستقبلهم حتي لا يعانوا من المشاكل القبلية والتخلف والفساد التي نعني منها اليوم.
كما يجب علي العائلات ان يركزوا علي تعليم ابنائهم جيدا, وزرع القيم الطيبة فيهم, قد يبدو هذا الكلام مجافي للواقع اي ارجاع مشكلتنا الي التربية, بينما قد يقول قائل ان المشكلة سياسية او اقتصادية...الخ. 
نعم ان السياسة المتمثلة في ادارة البلاد لها جانب فيما يحدث من مشكلات وويلات اليوم وجونقلي ليست بعيدة عن اذهاننا, ولكن ان الفشل في ذلك يعني عدم المام او جدية القائمين علي الامر في الاستفادة من التنوع الذي كان يجب تحويله الي الاختلاف وبالتالي التكامل قبل ثماني سنوات من الان, اما الاقتصاد فكلنا يعلم سوءا التخطيط وغياب الوعي عن الواطن العادي الشئ الذي يجلب لنا المتاعب دائما, فمثلا عندما اعلن الحكومة ايقاف ضخ النفط خرج مسيرات في مختلف الولايات وهللوا للقرار غير مدركين ما يمكن ان يجلبه ذلك من متاعب بالنظر الي ان البترول هو المورد الوحيد الذي يجني الجنوب اليوم من وراءه النقود.
الا ان كل هذه الاخفاقات وغيرها تعود الي التربية, لانه لو تم تربية الناس كلهم تربية جيدة وتمت شحذ اذهانهم بالمعلومات اللازمة للحياة العالم الواقعي لما كنا نعاني – علي الاقل – ما نعانيه اليوم من ويلات. فالتربية بحاجة الي الاهتمام واعادة النظر فيها وهذا مهمة كل المواطنين دون استثناء, كما ان الاستفادة من تجارب الاخرين, مثل تجربة رواندا بعد المجازر العرقية حتي الان, او حتي التعلم –ولو قليل- من المعجزة الالمانية, وبقية الامم التي تقدمت بفعل الارادة الحرة, الارادة الخيرة التي دفعتهم للامام وتجربة النمور الاسيوية غير بعيدة عن الاذهان. فالتربية تمهد الطريق نحو التطور التنمية الحقيقة. لان التربية تعدنا جيدا لمواجهة المستقبل, وتعطينا الاسلحة المناسبة لخوض معترك الحياة, التي تتمثل في بعض جوانبها, الاخلاق, القيم, المعايير, مواجهة الفساد والقبلية التي ظلت في التنامي كل يوم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق