سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

الاثنين، 21 أكتوبر 2013

قصة قصيرة: جائزة للقتل بقلم / سليم عوض عيشان

تنويه :
النص من وجهة نظر الكاتب .. هو نص اجتماعي فحسب ..
أما إذا كان للقارئ وجهة نظر أخرى مختلفة .. كأن يكون النص سياسيًا .. يقصد به الكاتب ( تكميم الأفواه ) ... أو ( قتل حرية الرأي والفكر ) ...
فللقارئ حرية الرأي المطلقة ...
============================

( جائزة للقتل )
" موت من النوع الرديء "

احتدم النقاش بينهما كالعادة كل منهما يحاول جاهداً أن يقنع صديقه بوجهة نظره فلا هذا يقتنع ولا ذاك يستطيع الإقناع فليس لدى أي منهما أدنى استعداد للتنازل ليفهم وجهة النظر الأخرى من صديقه...
مثل هذا النقاش والاحتدام كان يحدث كثيراً بينهما ، أحياناً حول أمور لها قيمة .. لها معنى .. ولكن في كثير من الأحيان كان النقاش يحتدم حول أمور ليس لها قيمة أو معنىً على الإطلاق ...
النقاش بينهما كان يأخذ أشكالاً معينة ، ولكنه على كل حال لم يكن ولو لمرة واحدة نقاشاً هادئاً ، متزناً ، فمثل هذه الكلمات ليس لها وجود في قاموس نقاشهما .. ولكن الأمور لم تصل في لحظة إلى درجة الاشتباك بالأيدي أو استعمال الأدوات الأخرى ، فإذا كان الصراخ ينهى نقاشاً يوماً ما ، فإن هذا الصراخ ذاته لم يكن مناسباً لإنهاء نقاش آخر في اليوم التالي ، الذي قد تستعمل فيه الشتائم والألفاظ النابية والغريبة ولكن هذا وذاك لم يمنعا أن يكون اجتماعهما في اليوم التالي للنقاش حول أمر آخر ..
هما صديقان مثقفان كل منهما حاصل على شهادة جامعية ، لهما مكانتهما في المجتمع ، تجمع بينهما المهنة الواحدة ، العلم ، التعليم ، تجمعهما أمور أخرى كثيرة يصعب حصرها ، لا يفرق بينهما سوى اعتناق كل منهما لمذهب فكرى مغاير لمذهب صديقه فكل منهما يتحمس لمذهبه الفكري على حساب النقاش الموضوعي وعلى حساب مفهوم الصداقة ..
في نهاية كل نقاش ، كان كل منهما يقسم بأغلظ الأيمان بأن لا يلتقي بصديقه بعد هذا اليوم ولن يحاول محادثته على الإطلاق ، الغريب في الأمر أن مثل هذا القسم كان يتكرر يومياً..
احتدم النقاش بينهما كالعادة وازدادت حدته ويبدو بأن الصراخ لم يضع حداً ، لا ولا الشتائم والسباب والألفاظ النابية فكل منهما متمسك برأيه ومتحيز لوجهة نظره ، استعمل المضيف كل الوسائل المتاحة لإنهاء الموقف طالما أن صديقه الضيف يأبى الاقتناع ، لم يجد المضيف في النهاية بداً من اللجوء إلى أمر لم يفكر بنتائجه مسبقاً واستعمله في لحظة تغيب فيها العقل والمنطق ، كان السلاح الذي استعمله ضد صديقه الضيف رهيباً وقاتلاً ، فوجئ المضيف على أثره بالضيف يهوى إلى الأرض مترنحاً ، حسبه في البداية غير جاد فيما يفعل أو لعله يقوم بحركات مسرحية ذات دلالات جديدة ، ولكنه تأكد بعد لحظات بأن صديقه الضيف لم يكن يتصنع الموت ، فلقد تهاوى الرجل إلى الأرض فاقداً للحياة حقيقة، اضطرب المضيف لحظات ولحظات وهو لا يكاد يستوعب ما حدث.
فها هو قد قتل صديقه بطيشه وجنونه واندفاعه لقد استعمل سلاحاً قاتلاً ضد صديقه لينهى النقاش على غير العادة ، لقد صرخ في وجه صديقه بجنون:
- أخرج من هنا ، فأنت رجل بلا مبادئ.
لقد كان الأمر قاتلاً بالنسبة للضيف فكيف يتهمه صديقه المضيف بمثل هذا ؟ وكيف يجرؤ أن يتهمه بأنه رجل بلا مبادئ ؟ لقد كانت صدمة قوية ، كانت التهمة قاتلة.
تحير المضيف " القاتل " في أمره بعد أن أدرك خطورة موقفه ، وبعد أن هدأ للحظات قليلة ، كان يلقي بنفسه إلى جانب جثة صديقه ، يتمرغ إلى الأرض، يتمسح بجثة صديقه يستحلفه بأغلظ الأيمان أن ينهض . فلما أدرك إستحالة ذلك ، بكى ، ثم ضحك جلس إلى الأرض ، ثم نهض وصمت ثم صرخ لم يدر ماذا يفعل ليتخلص من هذا الموقف الغريب ؟
لعلها ليلة ، ليلتان ، لم يذق فيهما طعم النوم أو الراحة والاستقرار أو الطعام أو الشراب كان تائه الفكر ، زائغ البصر ، أحس بالجنون يزحف إليه بسرعة ، بل لعله كذلك ، راح ضميره يؤنبه بشدة ، الأفكار تتزاحم إلى رأسه تكاد تفجره ، الصراع الرهيب ، فهل يصل النقاش بين القوم إلى درجة القتل هكذا ؟ وأيّ نقاش هذا ؟ هل حقاً بأن صديقه قد قتل أم أنه يتظاهر بالموت ؟
لم يبرح الرجل مكانه طيلة الوقت ، خوفاً من أشياء وأشياء ، حاول أن يترك المكان للحظات ولكنه لم يستطع ، كان يشعر بأن القوم إذا ما وقع بصرهم عليه فسوف يكتشفون فعلته الشنعاء حالاً ، فضل أن يتوارى عن الأنظار حتى لا يكتشف ولا يفتضح أمره.
طرقات متوالية على الباب الخارجي ، اهتز ، انتفض ، ارتعش ، كاد أن يقع إلى الأرض ، فلقد تبادر إلى ذهنه بأن أمره قد كشف ، ولا بد أنهم حضروا إليه لإعدامه جزاء ما اقترف من إثم وجريمة.
لم تلبث أن ازدادت الطرقات صخباً وضجيجاً ، وازداد الرجل ارتعاشاً واضطراباً ، وبعد لحظات قصيرة خالها الدهر ، تناهى إلى مسامعه صوتاً قد ألفه وألف الاستماع إليه ، صرخ الطفل في الخارج يعلمه بأنه قد أحضر إليه الصحف والجرائد التي تعود إحضارها إليه ، تلاشي عنه شيئاً من اضطرابه وارتعاشه ، تمالك نفسه قليلاً ، نهض من مكانه بتثاقل ، اقترب من الباب باضطراب فتحه برعشة جنونية ، أطل برأسه إلى الخارج اصطدم بصره بوجه الطفل البريء بائع الصحف ، فخاله شيطاناً أو سجاناً ، ابتسم الطفل ابتسامة البراءة والطفولة ، ناوله الجرائد . لم يلبث أن انحنى إلى الأرض يلتقط الجرائد الأخرى التي قذف بها الطفل من أسفل الباب في اليومين السابقين ، تناولها الرجل بيد مرتعشة ونفس مضطربة ، وقلب واجف ، أطال الطفل النظر إليه ببلاهة ، أدرك مأرب الطفل بسرعة ، ناوله النقود دون أن يحصيها . انصرف الطفل ، أقفل الباب بعصبية ، قذف بالجرائد إلى الأرض بقوة ، تناثرت هنا وهناك داسها بقدميه بجنون نظر نحو الجثة الملقاة بإهمال ، بصق نحوها ، أشاح بوجهه بعيداً عنها ، غنى أغنية شرقية قديمة ، ثم أغنية غربية حديثة ، أتبعها بموال وشيئاً من الأوبرا العالمية.
نهض بتثاقل لا يدري إلى أين ، سار فوق الجرائد يدوسها بنعله بقوة ، بصق إلى الأرض بتقزز وقرف وإلى الجرائد ، حانت منه التفاته إلى صورة ضخمة على صفحة الجريدة ، فتاة ذات سمات شرقية ترتدي نصف المايوه البكينى ، إلى جانبها صورة فتاة شقراء الشعر زرقاء العينين ، ترتدي الحجاب الكامل . وبينهما قديس نصف عار !!!. أشاح بوجهه نحو ورقة أخرى ، ثم انتقل إلى ثالثة ، ورابعة ، قصاصة أخرى ملقاة في الركن القصيّ بإهمال ، أشفق عليها اقترب منها ، حملها برفق وتؤدة ، قبلها بحنان وعطف بصق عليها بنزق وعصبية ، أدناها من وجهه ، أبعدها ، شم رائحتها .. حدق بها لفت انتباهه خبر بالبنط العريض والحرف الكبير شدت إنتباهه كلمة بطول القصاصة " جائـــــــــــــــــــــــزة " .
توقف ببصره عند حروف الكلمة ، انتقل إلى التفاصيل بسرعة ، شده صعق ، بهت ، تسمر ، تهاوى إلى الأرض ، استلقى على ظهره ، ضحك ، قهقه ، بكى ، تشنج ، تمعن الخبر جيداً ، تفحص القصاصة قرأ مرة ، ومرة.
استوعب الفحوى ، إنها جائزة حقاً بمبلغ كبير، كبير جداً لمن يأتي بشخص حيّ أو ميت ، فالشخص المطلوب حياً أو ميتاً خارج عن القانون لأنه يناقش ؟ لأنه يفكر ؟ لأنه يحاور ؟ الشخص المطلوب حياً أو ميتاً ، هو نفس الرجل نفس الصديق المقتول ؟ والمطلوب أن يؤتى به حياً أو ميتاً ؟ وها هو ميت ، وها هي الجائزة بانتظاره ، فأيّ حظ هذا ؟ أيّ حظ؟ .
نهض من مكانه بسرعة ، اقترب من جثة صديقه حملها بهمة ونشاط سار نحو الباب الخارجي ، داس الجرائد والصحف بقدميه لم يجد وقتاً لديه للبصق فبال عليها؟
خرج إلى الطريق الطويل ، يحمل صديقه المقتول بيد والقصاصة باليد الأخرى ، لم يلتفت المتطفلون إلى القتيل ، بل انهمكوا في قراءة القصاصة.
وصل إلى قاعة المحكمة ، دخل مزهواً شامخاً ، لم يعترضه أحد ، وصل نحو النائب العام ، ألقى تحت قدميه بالجثة وبين يديه بالقصاصة؟ فغر النائب العام فاه الدهشة والعجب ليس من أجل الجثة ولا من أجل القصاصة ، بل من أجل القاتل فهو رجل رزين هادئ متعلم ، مثقف، فكيف يفعل هذا وذاك ؟!!
لم يلبث العجب والذهول أن تلاشي من ذهن النائب ووجهه .. عندما دخل إلى ساحة المحكمة ألف رجل .. رزينين ، هادئين .. متعلمين ، مثقفين .. يحمل كل منهم بيد
ه جثة ، وفى اليد الأخرى قصاصة جريدة.؟؟!!
--------------------------------------------------------

((( انتهى النص .. وما زال العجب والذهول يستوليان على ذهن النائب العام ووجهه .. بينما كان يدخل إلى ساحة المحكمة آلاف الرجال .. الرزينين ، الهادئين .. المتعلمين ، المثقفين .. يحمل كل منهم بيده جثة ، وفى اليد الأخرى قصاصة جريدة.؟؟!! )))

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق