سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

الخميس، 19 سبتمبر 2013

مقالات دينية: الأذان بقلم الشيخ/ محمد الزعبى



أركان الإسلام بين الكهانة والديانة- الحلقة الحادية عشرة

الأذان شعيرة من شعائر الإسلام، وهو الطريقة التي اختارها للإعلان عن دخول وقت الصلاة. وقد وردت الإشارة إلى الأذان وكونه من فضائل هذه الأمة في العهد القديم في المزمور 149: «سبِّحوا الربَّ تسبيحًا جديدًا ، سبِّحوه في مجمع الأبرار... ترفيع اللّه في حلوقهم وسيوف ذات فَمَيْنِ في أياديهم» فتسبيحهم الجديد هو الأذان الذي يهتفون به في الجوامع (مجمع الأبرار) وهؤلاء في المزمور نفسه هم الذين «ينتَقِمونَ مِنْ جميعِ الأمَمِ ويُؤَدِّبونَ جميعَ الشُّعوبِ. يُقَيِّدونَ مُلُوكهم بالقُيودِ وأُمَراءَهُم بِسَلاسِلَ مِنْ حديدٍ. يُنْزِلونَ بِهِمِ القضاءَ المكتوبَ، فَيَتمَجَّدُ جميعُ أتقيائِه» ومعروف أن الأمّة الإسلاميّة فقط هي التي تحققت فيها هذه الصفات. وفي سفر أشعيا الإصحاح 42: «ها عبدي الذي أُسانِدُهُ والذي اختَرتُهُ ورَضيتُ بهِ... لا يَلوي ولا ينكسِرُ حتّى يُقيمَ العَدلَ في الأرضِ، فشَريعتُهُ رجاءُ الشُّعو ب... أنشِدوا للرّبِّ نشيداً جديداً، تسبيحةً مِنْ أقاصي الأرضِ. ليَضُجَّ البحرُ وما فيهِ والجُزُرُ وكلُّ سُكَّانِها. لتَرفَعِ القِفارُ والمُدنُ صوتَها والدِّيارُ الّتي يسكُنُها بَنو قيدارَ ليُرَنِّمْ سُكَّانُ مدينةِ سالِعَ، وليَهتِفوا مِنْ رُؤُوسِ الجبالِ. ليُعطُوا للرّبِّ مَجداً ويُهلِّلوا لَه في جُزُرِ البحرِ» وقيدار أحد أبناء إسماعيل كما جاء في سفر التكوين الإصحاح الخامس والعشرون العدد الثالث عشر. وسالع جبل سلع في المدينة المنورة. والترنُّم والهتاف والنشيد الجديد هو ذلك الأذان الذي كان ولا يزال يشقُّ أجواء الفضاء كل يوم خمس مرات. 
بعد هذه الإشارة نعود إلى معنى الأذان اللغوي: في كتاب التوقيف على مهمّات التعاريف لمحمد عبد الرؤوف المناوي: «الأذان لغة الإعلام، قال أبو البقاء: وأصله من دخول الكلام في الأذن. وشرعاً الإعلام بوقت الصلاة بألفاظ مخصوصة مأثورة. قال ابن بري: أَذَّنَ العصرُ بالبناء للفاعل خطأٌ، وصوابه أُذِّن بالعصر بالبناء للمفعول مع حرف الصلة» وتكاد المعاجم تجمع على أن المعنى اللغويّ للأذان هو الإعلام، ولكنّ إشارة أبي البقاء «وأصله من دخول الكلام في الأذن» هامّة في التفريق بينه وبين الإعلام، فالأذان ليس مجرد إعلام لا يبالي بآذان الآخرين، بل إنّ المؤذّن يحرص على أن تدخل دعوته آذان الناس لتتسرّب منها إلى قلوبِهم، وحتّى يحقّق ذلك عليه أن يعيش معانيَ الأذان، وأن يتفاعل معها في حياته، حتى تصبح هذه المعاني رسالتَه وقضيتَه التي يحيا من أجلها، فالمؤذّن هو داعية، يدعو إلى تغيير الإنسان والعالم. أخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن مردويه عن أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: «ما أرى هذه الآية نزلت إلا في المؤذّنين (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ) [فصلت33]» وقال الشيخ الطوسي في تفسيره التبيان: «روي أنَّها في المؤذنين». ولذلك ينبغي أن تجرى دورات أو حلقات للمؤذنين، يتدارسون فيها معاني الأذان وأبعاده الرساليّة والإنسانيّة والعالميّة.
وقبل أن نبدأ في تفصيل معاني الأذان وعباراته نقف عند موضعين في القرآن الكريم ذُكِر فيهما الأذان، الأول في سورة الجمعة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [الجمعة] هذه الآيات تبيّن الدور الحقيقيّ للأذان، وكيف يجب أن تتفاعل الأمة معه، فالأذان هو النداء لذكر الله الذي يجب أن يشحن الإنسان بالطاقة الإيمانيّة، فهو لا يهدف إلى تعطيل دورة الحياة، وإنما يهدف إلى التسامي بها لتكون لائقة بالإنسان الخليفة الذي سجدت له الملائكة، فلا يجوز أن يكون الاقتصاد والبيع والإنتاج والتجارة واللهو محور الحياة الإنسانية وأساسها، لأنه عندما يكون الاقتصاد والإنتاج المادّيّ محور الحياة فإنه سيعطِّل الجانب الروحيّ والأخلاقيّ في الحياة، وبالتالي سيمسخ الذات الإنسانيّة، ويحوّلها إلى مجرّد منتج أو مستهلك؛ أمّا عندما تكون الخلافة في الأرض لإقامة منهج الله الذي يبني الحقيقة الإنسانيّة ويتسامى بِها، أي عندما تكون العبادة محور الوجود الإنسانيّ، فإنّها لا تعطِّل الإنتاج ولا تضعف الجانب المادِّيّ (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ) إذاً بعد انقضاء الصلاة عودوا إلى أعمالكم وبيعكم وتجاراتكم ولكن مزوَّدين بشحنة الصلاة التي تحفظ الذات الإنسانية من المَسْخ المادِّيِّ ، ولذلك (فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون) فذِكْرُ الله والتقيُّّد بشرعه يجب أن يلازمكم في سعيكم الاقتصاديّ والإنتاجيّ، بذلك تحقّقون غاية الوجود الإنساني في عبادة الله بعمارة الأرض (لعلكم تفلحون)، هذا هو الفلاح الذي دعاكم إليه مؤذّن الصلاة بقوله «حيَّ على الفلاح». وإذا أردت أن تعرف أنّك حقَّقْتَ غاية الأذان والصلاة فَلْتَنْظُرْ إلى أولوياتك، فإذا ما خُيِّرْت يوماً بين المصلحة المادّيَّة الذاتيّة –التجارة أو اللهو...– وبين الاستجابة لمتطلّبات الدعوة والرسالة، فأيّهما تختار؟ إنّ نداء الصلاة لا يستقيم معَ حياة العبث أو معَ خِيار محوريّة الإنتاج والاقتصاد، إنّه نداء بمنتهى الجِدِّيِّة لكي تكون قضيتُك الأولى في حياتك هي فلاح الإنسان، فلا يصِحّ أن نستمع إلى هذا النداء بلامبالاةٍ، ولا يصِحُّ أن نستمع إليه دون أن ندرك أبعاده وأهدافه إلى تغيير الإنسان والعالم، ودون أن نتبنَّى هذه الأهداف.
الموضع الثاني الذي ذُكِر فيه الأذان في سورة المائدة، قال تعالى: (وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ) [المائدة58] فهذه الآية تبيّن موقف فريق من الناس من استماع الأذان (اتخذوها هزواً ولعباً) ومفهوم الهزو واللعب ليس محصوراً في المعنى الظاهريّ فقط، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «من قرأ القرآن فدخل النار فهو مِمّن اتّخذ آياتِ الله هزواً» [البيهقي في الشعب وأبو نعيم في الحلية ورواه العياشي في تفسيره والمجلسي في البحار كلاهما عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام] هذا الحديث يفسّر لنا معنى الاتِّخاذ هزواً، وهو ألا ينعكسَ ما يسمعه أو يقرؤه على حياة الإنسان، ولا تظهرَ نتائجُه في سلوكه وعقيدته وحركته، وكذلك اللعب ليس محصوراً بالمعنى الظاهري، بل هو عدم الجِدِّيَّةِ في ما يتطلّب الجدّ، قال الله عز وجل: (مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ) [الأنبياء] فهذه الآية تبيّن أنّ اللعب ليس هو المتبادر إلى الذهن، وإنّما هو لَهْوُ القلوب ولامبالاتها إزاء قضيّة تتطلّب منتهى الجِدّيّة؛ فآية المائدة إذاً تبيّن أنّ الذين لا يعقلون أبعاد النداء إلى الصلاة (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ) يتّخذونَها هزواً ولعباً أي لا يحملونَها على محمل الجِدّ، ولا تظهر نتائج مضامينها في حياتِهم، وبالتالي لا يجعلون قضيّة فلاح الإنسان هي قضيّتهم المصيرية التي يتّخذون إزاءها إجراء الحياة أو الموت.
في الحلقة القادمة: أبعاد التكبير: هذا ربي هذا أكبر- أيها المتدثّرون.. كبّروا ربّكم- أكبر من...- تكرار التكبير: الموقف الثابت والأبعاد الشاملة والعشق الخالد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق