عبد الناصر و الأخوان
عبد الناصر و الأخوان المسلمين: بدايات التلاحم:
الشائع و المعروف تاريخيا أن عبد الناصر كان على علاقة قوية و وطيدة بالأخوان المسلمين قبل قيام الثورة و بعدها لفترة قصيرة و كانت عمر هذه العلاقة الحميمية بين عبد الناصر و الأخوان قبل الثورة ثمانى سنوات تخللها بعض العوائق و لكنها ظلت على تناغم و توافق, و ذلك حينما تمكن عبد المنعم عبد الرءوف من تجنيد جمال عبد الناصر وضمه "للجمعية السرية لضباط الجيش" عام 1944 ، وظل عبد الرءوف طيلة المدة من 1944 وحتى 15 مايو 1948 هو المسؤول عن التنظيم السري داخل الجيش ،متعاونا مع الفريق عزيز المصري والشيخ حسن البنا والصاغ محمود لبيب ،وهناك بعض المصادر التي تشير إلى أن ارتباط عبد الناصر بالإخوان كانت عن طريق الشيخ الباقوريٍ.
في هذه الفترة أعجب بعض ضباط الجيش بما كانت تتميز به جماعة الإخوان من الإنضباط والروح المحاربة ،وقد الحق الإخوان الضباط الذين تجاوبوا معهم بالنظام الخاص بهم و أفرد لهم حسن البنا قسما خاصا يرأسه الصاغ محمود لبيب وكيل الإخوان وقتئذ, و المفاجىء للوهلة الأولى أن الذى أطلق أسم الضباط الأحرار على حركة عبد الناصر كان محمود لبيب , و هو كان عبارة عن قسم تابع للإخوان داخل الجيش.!
بذور الانفصال الفكرى بين عبد الناصر و الأخوان:
ولكن ما لبث حماس الضباط للإخوان أن فتر سنة 1946 فقرروا البعد بحركتهم عن أية صلة بالإخوان وأن تقتصر على الجيش وتولدت لديهم الرغبة في التحرر من ارتباطهم بالإخوان وبدأ عبد الناصر في تحويل ولاء الضباط له دون علم الصاغ محمود لبيب ٍخاصة بعدما ضاق الضباط حين وجدوا أنفسهم وقد سجلت أسماؤهم في فصول لتعليمهم –بواسطة مدنيين- كيفية استخدام البندقية وفكها ،مع أنهم كانوا يتوقعون أن يستعان بهم في التدريب العسكري لأعضاء الجماعة ، كما وجد هؤلاء الضباط مشاكل تنظيمية داخل الجماعة يستحيل معها اختراق حاجز التدرج الهرمي للمراتب و هذا من وجهة نظرى ما كان ليرضى عبد الناصر الذى كان يراوده دائما حلم الزعامة و القيادة و قد وجد أن هذا لا يمكن أن يتحقق بالشكل الذى يرجوه فى أطار سيطرة قيادات مدنية على مقاليد الأمور, فدفع باتجاه انفصال حركة الضباط الأحرار عن الأخوان المسلمين.
وفي عام 1945 بدا أن لجمال عبد الناصر اعتراضات جوهرية على أسلوب الإخوان ومنهجهم في نشر الفكر الإسلامي عن طريق التربية والتعليم حتى تصبح له أغلبية شعبية تضغط على الحكومة لتنفيذ أهدافهم وإلا قاموا بالمظاهرات والإضرابات والعصيان المدني، ورأى عبد الناصر" أن هذا الأسلوب سيطول جدا وربما يتعذر تنفيذه ولا يجعل لهم كضباط الجيش دورا ملموسا وسيكنون تابعين لا متبوعين"., , و هذا يحيلنا مرة أخرى إلى طموحات عبد الناصر فى أن يلعب دور محورى فى أطار هذه الاهداف التى حددتها الجماعة و لكن التسلسل الهرمى للقيادة كان يقف عائقا أمام طموحاته و بموت حسن البنا انقطعت صلة الإخوان بضباط الجيش وبدأ عبد الناصر يستقل بالتنظيم, وقد حدث خلاف بين عبد المنعم عبد الرءوف وجمال عبد الناصر حول تبعية تنظيم الضباط الأحرار للإخوان المسلمين .. وقد بدأ ذلك منذ عام 1943 .. وتدريجيا رفض عبد الناصر وبقية الضباط هذه التبعية فانسحب عبد المنعم عبد الرءوف من لجنة قيادة الضباط الأحرار وحل محله عبد الحكيم عامر عن سلاح المشاة ،وكان لهذا الخلاف جذور ،ومن مظاهره ما حدث عندما قام جمال عبد الناصر وعبد المنعم عبد الرءوف وأبو المكارم عبد الحي وكمال حسين بزيارة السندي بمستشفى قصر العيني – وكان محبوسا في قضية السيارة الجيب - وكان بين الزائرين خلاف كبير في الرأي .. فجمال عبد الناصر يقول إن منهج الإخوان طويل ولا يوصل إلى شيء ،فما جدوى أن تجمع الضباط في مجموعات لحفظ القرآن والحديث ودراسة السيرة ..إلخ ،وما ضرنا لو انضم إلينا ضابط وطني من غير دين الإسلام؟ وهكذا تدرجت الخلافات و تعمقت إلى أن أصبح جمال عبد الناصر هو الشخص الوحيد القائم على تنظيم الضباط الأحرار بعد حرب فلسطين عام 1948 وكان يعرف الضباط كلهم وفي يده كل خيوط التنظيم وابتداء من عام 1950 بدأ عبد الناصر في إعادة التنظيم السري لضباط الجيش والذي توقف عام 1948 وبدأ يضم عناصر أخرى من غير الضباط الإخوان واستطاع ابتداء من هذا التاريخ إقناع الضباط المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين بعدم الاتصال بالإخوان خشية اكتشاف الحركة السرية ضد الملك.
من أجل إنجاح الانقلاب على الملك: عبد الناصر يوطد علاقته مرة أخرى بالأخوان:
و لكنه فى اللحظات الأخيرة استعان أيضا بالاخوان من أجل إنجاح انقلابه العسكرى على الملك و ذمك ليستفيد من شعبية الأخوان لدى العامة و ضمان تأييد العامة لانقلابه على الملك بالإضاف لإضفاء صبغة شرعية على انقلابه بكسب تأييد تيار دينى مثل الأخوان المسلمين و لذلك أبلغ حسن العشماوى وصالح أبو رقيق (مكتب الارشاد) بموعد الانقلاب, وفى صباح 23 يوليو طلب من حسن العشماوى أن يصدر المرشد العام بيانا بتأييد الثورة لكن المرشد بقى بالاسكندرية فى مصيفه ولم يحضر للقاهرة إلا بعد مغادرة الملك البلاد وقابل عبد الناصر فى منزل صالح أبو رقيق، وطالبه بتطبيق أحكام القرآن فقال ناصر إن الثورة قامت حربا على الظلم الاجتماعى والاستبداد السياسى وهى بذلك ليست إلا تطبيقا لتعاليم القرآن، فطلب المرشد أن يعرض الضباط على الجماعة أى قرار قبل إصداره، فقال ناصر إن الثورة قامت دون وصاية ولا تقبل بحال أن توضع تحت وصاية أحد. ومع هذا رأى إعطائهم ثلاث وزارات في وزارة محمد نجيب فى 7 سبتمبر 1952 و كانت هذه أحدى أساليب المكر التى اشتهر بها عبد الناصر فى تصفية خصومه أن يخدرهم ببعض العروض المغرية ثم يبدأ لاحقا متبعا سياسة النفس الطويل فى التخلص من خصومه بدون أن يشعر الأخرون ، فرشحت الجماعة أحمد حسنى وكيل وزارة العدل ومحمد كمال الديب محافظ الاسكندرية، ومنير الدله وحسن العشماوى، لكن عبد الناصر اختار الشيخ الباقورى ففصله المرشد العام من الجماعة.
عبد الناصر ينقلب مرة ثانية و أخيرة على الأخوان:
و يقول الكاتب أحمد الحبيشى فى مقاله "لماذا يكره الأخوان المسلمون عبد الناصر؟" : (كان الإخوان المسلمون حريصين منذ اليوم الأول لقيام الثورة على تحريض مجلس قيادة الثورة ضد الأحزاب وتكوين قناعة بضرورة حلها. وعندما اقتنع قادة الثورة بعدم قدرة الأحزاب على تحقيق التغيير الذي يحتاجه الشعب بسبب فسادها وترهلها طلبت وزارة الداخلية من الأحزاب أن تقدم إخطارات عن تكوينها).
بالتأكيد هناك شىء يستوقفنى لدى قراءة هذه الفقرة و منها تحريض الأخوان المسلمون لمجلس قيادة الثورة على حل الاحزاب, لأن هذه قراءة من وراء الكواليس و لكن المعروف أن القرار خرج به منفردا مجلس قيادة الثورة بإيعاذ من عبد الناصر حتى يتم إخلاء الساحة من أى منافسين سياسين أقوياء ينازعوا عبد الناصر حكم مصر, خاصة مع وجود قطب سياسى كبير كمصطفى باشا النحاس رئيس حزب الوفد وقتها و ما له من شعبية وقتها بين الطبقة المتوسطة و طبقة الأعيان.
ولما ألغيت الأحزاب السياسية في 17 يناير 1953 استثنيت جماعة الاخوان المسلمين لما طلبت وزارة الداخلية من الأحزاب أن تقدم إخطارات عن تكوينها فقدم المرشد العام شخصياً أثناء زيارته لمكتب سليمان حافظ وزير الداخلية وقتها إخطارا رسمياً بأن الاخوان جمعية دينية دعوية، وإن أعضاءها وتكويناتها وأنصارها لا يعملون في المجال السياسي، وأيضا لا يسعون لتحقيق أهدافهم عن طريق خوض أى انتخابات مزمعة، ونفى أن يكون ذلك من بين أهداف جماعة الإخوان المسلمين، الأمر الذي جعل قانون حل الاحزاب الذي أصدره مجلس قيادة الثورة لا ينطبق على الأخوان المسلمين ولما علم المرشد العام بالاتجاه نحو تكوين هيئة التحرير لملء الفراغ السياسى الناجم عن حل الأحزاب حاول إثناء ناصر على أساس أن الجماعة كفيلة بملء الفراغ، فرفض جمال عبد الناصر.
وفى أوائل يونية 1953 عمل الأخوان على تشكيل تنظيم سرى أخوانى بين ضباط الجيش والبوليس فأتصل عبد الناصر بالمرشد العام معاتبا له لكنه لم يتراجع. ولما أصبح محمد نجيب رئيسا للجمهورية (28 يونية 1953) أتصل بالأخوان المسلمين للتخلص من ناصر و ذلك لأنه استشعر اطماع ناصر فى التخلص منه و الأنفراد بالحكم و قد كانت تخمينات محمد نجيب فى محلها، وكان وسيطه فى هذا الاتصال اليوزباشى محمد رياض الذى قابل حسن العشماوى ومنير الدله عدة مرات فى ديسمبر 1953 فاشترطا تشكيل حكومة ترضى جماعة الأخوان المسلمون و هذا ما جعل عبد الناصر يسرع فى خطة الإطاحة بمحمد نجيب بعد أن أعاد ترتيب الأوراق مع رفاقه من الضباط الأحرار الذين كانوا تقريبا من جيل واحد و بينهم و بين محمد نجيب فارق سنى يجعل التواصل معه أضعف و أقل.
و أنتهت العلاقة الوطيدة بين عبد الناصر و الأخوان المسلمين بحادث المنشية التى تعرض فيها البكباشى عبد الناصر وقتها إلى محاولة أغتيال من أعيرة نارية أصابت المنصة التى كانت يخطب منها بالمنشية بمحافظة الإسكندرية و تروى بعد الأخبار عن فبركة عبد الناصر لهذا الحادث من أجل حشد الرأى العام ضد الأخوان و إكسابه فى نفس الوقت شعبية لدى العامة و هذا ما يؤكده المرشد السابق مهدى عاكف فى تصريح له سابق و أيضا التناقض و التضارب الواضح فى تحقيقات حادث المنشية.
بواكيرتخلية الساحة السياسية للانقلاب العسكرى على الملك: حريق القاهرة:
الحكومة الوفدية الأخيرة التى نالت شعبية كبيرة بعد أن أعلن مصطفى النحاس باشا، في مساء 8 أكتوبر 1951، رئيس الوزراء، إلغاء معاهدة 1936 بين مصر وبريطانيا، ووضعت حكومته قرارها موضع التنفيذ، فألغت جميع الإعفاءات التي كانت ممنوحة للسلطات العسكرية البريطانية بمقتضى المعاهدة، والتي تشمل الرسوم الجمركية على المهمات والأسلحة والعتاد ومواد التموين والرسوم المستحقة على مرور سفن القوات البريطانية بقناة السويس. كما شجعت حكومة الوفد الحركات الشعبية في تنظيم المقاومة ضد القوات البريطانية الموجودة بمنطقة القناة.
وفي يناير 1952، كانت عمليات المجموعات الفدائية ضد القوات البريطانية قد ازدادت، فقامت القوات البريطانية بمحاصرة قسم البوليس الموجود بمدينة الإسماعيلية، وطلبت من قوات البوليس تسليم سلاحهم والانسحاب من المنطقة إلى مدينة القاهرة. لكن وزير الداخلية المصري - فؤاد سراج الدين - أصدر أوامره بعدم قبول الإنذار والمقاومة حتى آخر طلقة، فقاوم رجال البوليس هجمات الجيش البريطاني، وسقط منهم خمسون قتيلا وما يزيد على سبعين جريحا, و لكن سرعان ما انهارت الآمال المنعقدة حول تلك الحكومة المنتخبة بعد حريق القاهرة الشديد و الذى تشير الكثير من الأدلة لضلوع عبد الناصر و رفاقه فيه لأن الضباط الأحرار هم أول من استفادوا من حريق القاهرة و الدلائل التى تشير بأصابع الاتهام إلى جمال عبد الناصر كالأتى:
أول ما يلفت النظر في هذه القضية هو طلب عبد الناصر- وهو في حالة فزع وخوف- من أصدقائه صلاح شادي وحسن العشماوي وعبد القادر حلمي، نجدته ومساعدته في نقل أسلحة وذخائر ومتفجرات إلى مكان أمين؛ خوفًا من التفتيش:
يقول اللواء صلاح شادي: "في ظهر هذا اليوم 26 يناير سنة 1952 م اتصل بي عبد الناصر تليفونيًا كي أذهب إليه في منزله فوجدته في حالة من الاضطراب لم أعهده عليها من قبل! وطلب مني الإسراع في نقل أسلحة وذخائر موجودة لدى مجدي حسنين في مدرسة الأسلحة الصغيرة لخوفه من تفتيش المكان بمناسبة الحريق! واتفقنا على موعد ذهابي إلى هناك، واتصل هو بمجدي حسنين وأبلغه الموعد.. ولكن استلفت نظري سؤاله المتكرر لي: "هم صح الإخوان ما اشتركوش في الحريق ده؟".. فأجبته بالقطع في عدم اشتراكهم طبعًا، فهذا لا يتسق مع ديننا ولا نظرتنا للمصلحة، فكرر سؤاله جملة مرات مما استوقف خاطري.. ولكن الوقت لم يسمح لنا بطرح هذا الموضوع معه للمناقشة من جانب الحل والحرمة".
وتوجهت إلى مدرسة الأسلحة الصغيرة ومعي الإخوة منير دله وعبد القادر حلمي بسياراتهم والتقينا هناك بمجدي حسنين، ونقلنا هذه الأسلحة والذخائر برمتها إلى منزل الأخ حسن العشماوى تمهيدًا لنقلها بعد ذلك إلى عزبة والده المرحوم محمد العشماوى بالشرقية، وهي نفس الأسلحة التي ضبطها عبد الناصر وقدَّم فيها حسن العشماوى للمحاكمة لإحرازه أسلحة وذخائر بقصد قلب نظام الحكم في يناير سنة 1954 م".
ويعلق صلاح شادي على هذه الواقعة بقوله: "لا أستطيع أن أتجاهل ما تُشير إليه هذه الواقعة التي رويتها عن مخافة عبد الناصر من ضبط الأسلحة بمدرسة الأسلحة الصغيرة في هذا الوقت بالذات، فما دام الأمر بعيدًا عنه فماذا يريبه ويدعوه إلى هذا الاضطراب؟".
ويعلق أيضا حسن العشماوى، وقد نقل أسلحة ومتفجرات من منازل عبد الناصر وزملائه الضباط: "لم أسأل نفسي وقتذاك عن سبب وجود تلك المواد في بيوت عبد الناصر وزملائه، فقد حرصنا منذ بداية تعاوننا في القتال أن نجنبهم الشبهات، وأن نتسلم أولاً بأول ومن محطة القاهرة أو طريق السويس ما يصل من ذخيرة لنخرجه فورًا من العاصمة إلى مواقع استعماله.
لم أسأل نفسي ولم أسأل عبد الناصر سبب وجود تلك الأشياء عندهم، فقد كان كل ما يعنيني أن أنقذ رقابهم في ذلك الوقت العصيب".
عبد الناصر يتهم تارة الأخوان المسلمين فى حريق القاهرة و تارة أخرى الشيوعين:
و يذكر إبراهيم طلعت المحامي الوفدي فى مذكرات "أيام الوفد الأخيرة"
يتحدث عن زيارته لعبد الناصر في مجلس قيادة الثورة بتاريخ 11/10//1953م، وبحضور جمال سالم وننقل منه هذا الحوار:
"وصمت لحظات ثم قال: أنت ما تعرفش أن الإخوان همه اللي حرقوا القاهرة.
ووقع عليَّ القول وقع الصاعقة، وفغرت فمي من الدهشة، ووقفت مذهولاً مما سمعتُ، وقلت له: مش ممكن.. قول كلام تاني.. مش معقول الكلام ده.
وهنا سمعت جمال سالم يضحك بشدة.. ونظر إلى عبد الناصر، وقال بلهجة شبه عسكرية: اقعد.
وجلست مأخوذًا، ودار بيننا هذا الحديث المقتضب:
- أنت مش كنت محامي أحمد حسين في قضية حريق القاهرة؟
- أيوه
- قرأت القضية؟
- طبعًا
- طيب مش عيب وأنت محامي جهبذ ما تلاحظشي الحكاية دي.. دول يا أستاذ حرقوا القاهرة علشان يحكموا، ولما ما قدروش دبوا الراجل الطيب اللي كان زعيمي وزعيمك في يوم من الأيام علشان يتشنق بدلهم، وعلشان كده إحنا أفرجنا عنه وحفظنا القضية.
ولكني بالرغم من هذه المفاجأة التي لم أكن أتوقعها قط قلتُ له بإصرار: - برضه لأ.. مش ممكن.. أنا قرأت القضية، وماشفتش فيها حاجة من دي".
و أيضا إبراهيم طلعت- أيام الوفد الأخيرة- ص 246-257.
21/8/1954 م اتهام الشيوعيين بحرق القاهرة:
في 21/8/1954 م في اجتماع أقيم بالمقر الرئيسي لهيئة التحرير قال عبد الناصر: "إن الشيوعيين الذين ينادون اليوم بالكفاح المسلح، هم الذين انتهزوا فرصة ذهاب المواطنين الأحرار إلى القنال، وحرقوا القاهرة لبث الفوضى وهم مستعدون لذلك دائمًا من أجل سادتهم الذين يمدونهم بالمال".
3- يروي حسن عشماوي في كتابه "حصاد الأيام" ما دار بينه وبين عبد الناصر فيقول:
"وبدأت أناقش في هدوء- ودون دفاع عن وجهة نظر معينة- مدى مناسبة الظروف محليًا ودوليًا للقيام بثورة عسكرية تكون تمهيدًا لثورة شعب.. فلم يستطع عبد الناصر أن يضبط نفسه وقاطعني قائلاً:
لماذا إذن تكبدنا المتاعب والأخطار في سبيل إنزال قوات الجيش إلى شوارع القاهرة، لقد كاد الأمر يفلت من أيدينا، ويأتي حريق القاهرة بأخطر النتائج، ولكننا كسبنا نزول الجيش إلى الشوارع.. وهو يستطيع اليوم أن يستولى على الحكم في ساعة واحدة من ساعات الليل".
و يعضد كلام حسن عشماوى لقاء مع اللواء جمال حماد، الذي كان أحد كبار الضباط الأحرار، أذاعته قناة «الجزيرة» في 17 نوفمبر 2008، وسأله منصور عن العلاقة بين حريق القاهرة وقرار الضباط الأحرار بالإسراع في تنفيذ خطة الانقلاب الذي كانوا يعدون له، فرد جمال حماد قائلا: «يوم 26 يناير ده، يعني (هو) اللي أيقظنا انه لازم نعجل بالثورة.. كان أول تحديد أن الثورة تقوم في 1955.. (لكن) بعد حريق القاهرة، بعدين، حددناه في 1952».
و قد يبدو غريبا لقارىء هذه السطور لماذا يتخبط عبد الناصر فى توزيع الاتهامات أنما لو نظرنا للتكوين الشخصى لعبد الناصر نجد أن توزيع الاتهامات يتلائم مع شخصه الذى يسعى بكل الطرق إلى تصفية المعارضة بشتى الوسائل و كان أكبر جبهتين للمعارضة بعد حل الأحزاب هما الأخوان المسلمين و الجبهة الشيوعية التى تتبنى نفس الأفكار التى قام من أجلها عبد الناصر و رفاقه بالانقلاب على الملك.
قد لا يحلو للبعض أن يتم الزج باسم جمال عبد الناصر فى أحداث حريق القاهرة, قد لا يرضى عن ذلك الناصريون أو من يحب عبد الناصر و يتغنى بأيامه رغم أن الرواية الأكثر شهرة فيمن كان السبب وراء حريق القاهرة هو الملك و أعوانه و قد يجد كل فريق من الأدلة ما يقوده إلى فرضيته و التى يعضد بها كلامه و يؤطر فرضيته بججح منطقية و لطيفة و لكن يبقى السؤال الحاسم للفصل فى المتهم الحقيقى وراء اشعال حرائق القاهرة: من الطرف الوحيد الذى استفاد من حادثة حرائق القاهرة؟, هل هو الملك؟!, لم تعد عليه بأى فائدة, هل هم الأخوان المسلمون؟, لم يحصدوا أى شىء من وراء ذلك و لو كانوا تورطوا فيها بالفعل لفضحهم الوفد و قدمهم إلى المحاكمات و أما الشيوعين فلم يستفيدوا أى شىء بالطبع, أذن بقى المستفيد الوحيد و هو الضباط الأحرار و زعيمهم جمال عبد الناصر لأن ذلك كما قال اللواء جمال حماد سرع بخطة الانقلاب و هو الذى وضع الضباط الأحرار على سدة الحكم و هى خطة تبدو مدروسة و تليق تماما بالضباط الأحرار لقلب الرأى العام ضد الملك و شحن نفوس العامة ضد القصر من خلال تسريب إشاعات أن رجال القصر هم من افتعلوا حريق القاهرة خدمة للاستعمار الانجليزى مما يوفر أرضية خصبة لأى انقلاب مقبل ليلقى قبول و صدى واسع من الشارع المصرى و أيضا تنفيذ أهم مرحلة فى هذه الخطة الجهنمية و هو أن يستدعى الملك الجيش و ينزل به إلى الشوارع و هذا ما كان يتمناه عبد الناصر كما شهد بذلك اللواء جمال حماد.
قد يبدو للبعض إن صوت نظرية المؤامرة عالى فى هذه الجزئية و لكن دعنا نضع كل الافتراضات الموجودة أمامنا على الطاولة و نفندها بكل دقة و موضوعية لأننا نعتمد فى فرضيتنا أيضا على قصاصات من الحقائق و ليس كل الحقيقة لأننا عشنا فى عهود لم تعرف الشفافية و اشتهرت بقلب الحقائق و تزويرها و ألباس الباطل ثوب الحق, إذن لم يبقى لنا سوى التخمين و الافتراض للوصول إلى معلومة قد تكون هى الأقرب إلى الحقيقة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق