سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

السبت، 24 أغسطس 2013

مقالات سياسية: لماذا ثورتنا دائمة؟ بقلم/ مختار الأحولى

إن محاولات تحويل شعبنا من الدكتاتوريّة الغاشمة إلى دكتاتوريّة ناعمة هي العنصر الرئيسي في المهام المحرّكة للعدوّ الخارجي. ولأن ارتكازه دوما وتعويله على شريحة رأس المال الذي يغذّي وجوده بكلّ السبل ليكون هو الرمز في القيادة الحقيقيّة للبلاد العربيّة عامة والتونسية كجزء. وإن كان إعجابه شديد بمن ينعتون جزافا بالإصلاحيين هؤلاء الإسقاطين الذين يحاولون إقناع الجماهير بأن تطوّرنا رهينة تقليد الغرب واستنساخ عقيم في أسسه للنموذج الذي يتصوّرونه راقي وحداثيّ. جاهلين أصلا أن معطيات الشعب في أرضيتها هي هشّة وغير متجانسة ليس على صعيد الوعي بضرورات المرحلة ولكن بما يجب أن يكون عليه دوره في بناء هذه الديمقراطيات على أنقاض صراع كانوا فيه حطبا ليكون هذا الغرب الذي نحاول الآن تقليده والمشي على هديه. ولن تكون هذه الاتباعيّة سوى تكملة(إن لم أقل فاتحة صراع جديد نكون فيه كالعادة حطب ناره. وجنود الصفّ الأمام الذي يدافع عن الامبرياليّة والصهيونيّة العالميّة).
ولقد كان آخر عناقيدهم(بورقيبة) الذي كان يتشدق ويسند خطبه بشاهده(لا يغيّر الله ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم) وهو الذي لم يترك مجالا للشعب ليغيّر ما بنفسه من خلال محاصرة وضرب وقمع كلّ المحاولات الوطنيّة لبناء رؤية وبذرة تغيير في هذا القوم الذي ينشد التغير. وما نحن عليه اليوم من انحدار كبير في مستوى الوعي الجماهيري المبني على عقلانيّة وفكر حرّ ومسئول إلاّ ثمرة ما أسس له بورقيبة وأكمل السيناريو ابن علي.
وكذلك الحال في كلّ الوطن العربي مع فارق الاقتراب من خطّ النار وأيضا الاقتراب الجغرافي من معسكر قوّة. وليس التقارب الفكري الإنساني المبني أساسا على الجدل الذي يفرز تعاطي مع الخصوصيات لكلّ قطر ولكلّ وطن ولكلّ أمة حسب موقعها التاريخي والجغرافي وخصوصيات التطوّر العلمي والفكري فيها.
أو أنهم كما الحالة التي تعيشها أهم رقاع الثورة. من تكريس لسلطة تخريب مغلّفة بالذين. هذا الذي يتبناه برجوازيي المرحلة المتعاونون حتى الآن بقصد تثبيت وجودهم على رأس السلطة وتشريع وجودهم لمراحل قادمة وبأي طريقة تصل حدّ التكفير وبثّ الفرقة بين شرائح شعب فرّقه قبلها الدكتاتور ليعيش آمنا حتى قيام الثورة. وهاهم يعيدون سيناريو المنّ والسلوى والزكاة التي يجمّعوها في صناديق تحيل ذاكرتنا على صناديق خيريّة تضامنيّة كانت مصدر رزق الناهبين الحاكمين إذ لم يكفيهم سرقة رأس مال الدولة بل بلغ بهم الجشع واللهفة والجبن حدّ سرقة ما هو موجّه للفقراء ساعة أزمة والذي موّلهم مفقّرين آخرين من ذات الشعب. وهاهم يبرّرون تكديسهم للمال وحبّهم له حبّا جمّا ولمّا. بغلاف اقتطعوه من دستور الدين ليشرّعوا سرقاتهم القادمة(وجعلناكم طبقات) وعوض تعليم الفقير كيف يصنع خبزه بعرق جبينه وبكرامته. هاهم يبنون حكمهم على قاعدة النهب الرئيسيّة منّ عليهم بالزكاة ليبقوا دائما محتاجين لوجودك. وكن سخيّا بعض الشيء في زكاتك ليعيدوا دائما انتخابك حتى تولّى عليهم إلى أبد. لكن وجب على الثورة وثورييها أن يعوا هذا الخطر ولا يقعوا في انحرافات من قبيل الاستكانة لهذا النمط من السياسة التي لا تتغير في جوهرها عن الدكتاتورية السابقة. وأن يدوم شعار شغل حرّية،هما كرامتنا الوطنيّة. 
أيضا لا يجب أن نغفل على الدور الحقيقيّ لمن نسمّيهم شركائنا المستثمرين الأجانب فوجودهم بيننا قائم على معطيين. الأول هو ما توفّره السلطة من تشريعات وضرائب رخيصة(مقارنة ببلادهم والبلدان التي ننظر لها على أنها قاطرة التطوّر. والثاني،ليس رخص اليد العاملة فقط وإنما ما يجب أن يحميها مثل الضمان الاجتماعي وغيره من وسائل ضمان حقّ الكادحين. ولأنّ الأنظمة الاستعماريّة هي التي تتحكّم في مثل هذه الشركات حسب أولويات أجندتها فها نحن نرى كيف يعاقب الشعب التونسي حين طالب بحقوقه(بعد أن اكتشف القيمة الحقيقيّة لجهده وكدحه وعرقه)بإغلاق هذه المصانع وهروبها. والإشكال هنا أن السلطة التي تتعلل بقلّة الموارد الطبيعيّة(نذكّرها أنها هي ذاتها من كانت تتحدّث عن سرقة أموال الشعب فهل مصدر هذه الأموال هي هذه الشركات وهذه القروض فقط)و عوض أن تعاقبهم على عدم وفائهم بتعهّداتهم تجاه عقودهم وتجاه عمّالهم هي تتمسكن حدّ التسوّل والتذلل للدول المانحة من شرق وغرب ومغاربة.وأيضا هذه الشركات الفارة إلى جنان مفتوحة من الوطن العربي وعوض مطالبتها بحقوق الكادحين والفصول الجزائيّة لفسخ عقود وجودهم على أرضنا هي تكثّف حملتها لتشويه مطالب الكادحين وتحمّلهم مسؤولية هرب هذه الشركات لجنان أخرى موجود فيها الشروط التي سبق وأن ذكرت. 
وما يزيد الحال تعكّرا وغرق في حيرة كبيرة على مستقبل هذه الثورة هو هرولة من في السلطة إلى الخارج طلبا للمال والحال أن إرادة الشعب كانت تكفي لبقائه خارج دوائر العقاب المفروض عليه من خلال الحلّ(مثالا وليس حصرا) الذي سبق وأن تحدثت عنه في هذا البحث(بنك الثورة). 
إن عمليّة التخويف الكبيرة التي يحاصرون بها الرأسمالي الوطني(حتى لا أقول برجوازيّة وطنيّة)تجعله مربك وقلق إلى درجة التعاون خوفا على مصير ثروته التي هي في الأصل(والمثال هنا تونسيا) ثمرة جهد الشعب التي نهبوها طيلة عقود من زمن الحكم(منذ بورقيبة) وحتى ما هم مطالبون بدفعه حماية للدولة التي تؤويهم وحقّها الطبيعي في الضرائب التي هي أساس ميزانيتها فهم يتعللون ويجدون مليون عذر لكي لا يدفعوا ويفقّروا هذه الدولة حتى تنتهج التخصيص والخوصصة وتبيع لهم ثروات وجهد الشعب وثروته بأبخس الأثمان وحتى لو كان وحافظوا عليها واستثمروها وإنما باعوها للأعداء بأسعار تصوّروها رابحة والحال أنهم أول الخاسرين لقيمتها بعد استصلاحها وهيكلتها و وضع برامج علميّة وبشرية لاستثمار خيراتها وجني ربح دائم وتوفير فرص الشغل لكلّ شرائح المجتمع من متعلّمين(كالمهندسين والخبراء وحتى اليد العاملة والكادحة) لكن عمليّة التخويف والرعب التي يعيشونها نتيجة حده الصراع مع افتقار غالبيتهم العظمى للوعي والعقل المفكّر جعل منهم أولا ومن الشعب لقمة سائغة. وبذلك يكونوا قد نجحوا في إدخال المستعمر إلى عمق البلاد.
أيضا و حتى نكون واقعيين لا يمكن أن نهدم الصورة بتوقيع نخاله ثوريّ من خلال التهديد بالتأميم والحال أن تراكما تاريخيّا أفرز هذه الشريحة وجذّر وجودها في المجتمع بتفاصيله. والتعاطي معها يكون على قاعدة الوطنيّة.
فإن شرط الوطنيّة ينطلق من توعيتهم وإدراكهم بأن العدوّ دخل ليقصيهم ويجعل منهم جندا لبرامجه وليس كما يتصوّرون سيزيد في ثرائهم ويدعم وجودهم فمصلحته وما يحصل عليه من ثروة لا يمكن أن يهديها لأي كائن وهذا شريعة الامبرياليّة. لكن بالاستناد إلى الشعب الكادح يمكن أن تكون لهم شرعيّة الوجود وديمومته حرّا. ومستقلّ الإرادة والمصير. ولا يتمّ ذلك إلاّ في إطار شرعيّة الوجود كمكوّن من مكوّنات المجتمع. 
إذا فالوعي جماعيّ ومهمّ إلى درجة تكاد تكون أكثر الضروريّات التي تحمي الجميع من الانحراف. فعمليّة دعم فريق أو آخر في انتخابات مثلا(مثلما أوضحته الحالة في تونس عند انتخاب المجلس التأسيسي) لا تتم على قاعدة من يخدم مصالحي فقط ويحميني من الشعب(كما كان الحال عند تمسّكهم بحكم بن علي وعصابته حتى النخاع ولمّا وصل الأمر إلى إفقارهم صمتوا عند غليان الشعب واختاروا الحياد خوفا أيضا. بل وجب أ يعوا أولا أن الشعب لا يطالب سوى أن يكونوا وطنيين وليبرهنوا على ذلك بالتحرّك واستثمار أموالهم في مشاريع تدعم البنية الأساسيّة للاقتصاد وتشغّل اليد العاملة وتدرّ عليهم أرباح معقولة ومنطقيّة. وليس دعم الأحزاب التي تحميهم كما أسلفت من غضب الشعب بقوّة البرامج الأمنيّة لذلك فإن كلّ المعطيات تشير أننا لم ننطلق بعد في الثورة الحقيقيّة ثورة البناء لوطن حرّ مستقلّ الإرادة وديمقراطيّ واع بطاقاته الكامنة فيه. وهذه الحقيقة تتواصل منذ ميلاد الثورة العربيّة وهي دائمة. إذ لن تنتهي بتركيز حكم الشعب بجميع أطيافه بل تمتدّ في كلّ الأزمنة القادمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق