سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

السبت، 24 أغسطس 2013

مقالات دينية: الماء.. مادّة الوجود الأولى.. عود إلى الفطرة الصافية بقلم الشيخ/ محمد الزغبى


أركان الإسلام بين الكهانة والديانة- الحلقة التاسعة

والتطهّر إنّما يكون بالماء، والماء له رمزيّة كبرى في الحياة والوجود، إنّه المادّة الأولى السابقة على وجود السموات والأرض (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)[هود7] وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَىْءٌ غَيْرُهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ» [صحيح البخاري] وفي الكافي والبحار عن أبي جعفر الباقر عليه السلام: «كان كلّ شيء ماء وكان عرشه على الماء» فالماء إذاً يذكِّرك أيها الإنسان بمبدأ الوجود حيث الصفاء المطلق «كان كلّ شيء ماء وكان عرشه على الماء»، ولذلك اشترط الشرع في الماء أن يبقى على صفائه دون أن يتغيّر طعمه أو لونه أو ريحه بقذر النجاسة، ولذلك تبدأ وضوءك بقولك «باسم الله» لتتذكّر مبدأ الوجود، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه، ولا يؤمن بالله عزّ وجلّ من لا يؤمن بي، ولا يؤمن بي من لا يحبّ الأنصار»!! [الطبراني والترمذي وابن ماجه ومسند أحمد بن حنبل والسنن الكبرى للبيهقي].. إنّك عندما تتطهّر بالماء تحاول أن تستعيد صفاء فطرتك قبل أن تدنّسها الرغبات المزيَّفة، وقبل أن تمازجها انحرافات الإنسان. ولذلك أيضاً إذا فَقَدْتَ الماء يجب عليك أن تتيمّم من تراب الأرض (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ)[النساء] لأنّ التراب هو عَوْدٌ على البدء، حيث بدأ خلق الإنسان من تراب، هو رجوع إلى الفطرة الأولى قبل أن يفسدها الفاسدون والظالمون والذين أوتوا نصيباً من الكتاب، فاشتروا الضلال والانحراف، وأرادوا للإنسانيّة أن تضلّ سبيل فطرتِها، وأن تغترب عن ذاتِها وحقيقتها، وإلا فما معنى الحديث عن إضلال الذين أوتوا نصيباً من الكتاب بعد الحديث عن الطهارة بالماء والتراب ؟! ولعلّ النصّ الآخر في سورة المائدة يؤكّد هذا المعنى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6) وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)[المائدة] فالله سبحانه لا يريد إحراجكم بفرضه الطهارةَ عليكم، وإنّما يريد أن يطهّر ذاتكم وفطرتكم من كلّ انحراف، إنّه يريد أن يذكّركم من خلال الطهارة بميثاق الأنبياء (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا)[الأحزاب7] بل بميثاق الذريّة والكينونة الإنسانيّة الذي أخذه الله سبحانه وأَشْهَدَ عليه فطرة الذات الإنسانيّة والطبيعة البشريّة التي خُلِقَتْ صافيةً بصفاء الوجود (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ)[الأعراف] إذاً فالطهارة بالماء أو بالتراب تَهدف ضمن ما تَهدف إلى تذكير الإنسان بعهد الفطرة، وإلى ردِّه إلى ذاته وحقيقته الإنسانيّة (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ)، وإلى تخليصه من كلّ أعبائه وأثقاله التي تراكمت فوق ظهره في وعيه وفي لاوعيه عبر الموروثات التاريخيّة والقوميّة والنفسيّة (أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ). 
الماء.. رمز الحياة والنماء:
والماء هو رمز الحياة وسببها، وهو رمز التجدّد والنماء (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ)[الأنبياء30] (وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ)[الحج5] فالمسلم دائم التطهّر بالماء لأنّه يحبّ الحياة ويطلبها، بل ويسعى لأن يقودها، فالإسلام يسعى لأن يعيش الإنسان الحياة بكامل أبعادها، وأن يمتلئ الإنسان بِها ويملأها، لا أن يعيش حبيس شهوة أو نزوة أو حتّى هواية تَخْتَصِرُ له حياته وتمنعه أن يتملَّى بسائر جوانب الحياة، ففي سورة الأنفال التي تطرح مشروع الجهاد والقتال وبعض أحكامه نجد القرآن يدعو الإنسان إلى الحياة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)[الأنفال24] لأن الإسلام أراد للحياة الإنسانيّة أن تعيش السلام والأمن والطمأنينة، فهو عندما جاهد وحمل السيف إنّما فعل ذلك دفاعاً عن الحياة، التي يجب أن تتطهّر من البغي والعدوان والظلم والطغيان، لقد قدّم الإسلام شهداء قُتِلوا في سبيل أن يمنحوا الآخرين حياة تليق بكرامة الإنسان (ويحضرني هنا شعار رفعه بعض الخانعين أو العملاء في لبنان بعد أن نَصَرَ اللهُ المقاومةَ الإسلاميّة في حرب تَمّوز 2006، لقد رفع أولئك الخونة شعار "نحبُّ الحياة"(!!) في وجه المقاومة، وما علموا أنّ العيش بلا كرامة هو الموت الحقيقيّ، وأنّ الموت في سبيل الله الذي هو سبيل الكرامة الإنسانيّة هو الحياة الحقيقيّة الطيّبة (وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ)[البقرة154]. إذاً فأنت تتطهّر بالماء لتُجَدِّدَ حياتك، ولتُحْيِيَ ما مات في داخلك من مشاعر الإنسان، ولتغسل ما علق في نفسيّتك من آفات الماضي وأخطاء التربية، ولتتخلّص من دوافع الخطايا وتَحَكُّمِها في سلوكك، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ألا أدلكم على ما يكفر الذنوب والخطايا؟ إسباغُ الوضوء عند المكاره، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلك الرباط» [مسند أحمد وبحار الأنوار للمجلسي]. إنّه الماء الذي قد يشقّ صخور القلوب، ليتفجّر منها نابضاً بالحياة، فيما بعض القلوب التي طال عليها الأمد وعاشت جمود التقليد والموروث والمصلحة قد جفَّ فيها ماء الحياة فأصبحت أشدَّ قسوة من الحجارة (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)[البقرة74] إنّه الماء الذي يعيد برمجة ذاتك، يبرمجك عضواً عضواً، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: « إذا توضّأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرجت من وجهه كلُّ خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرج من يديه كلُّ خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كلُّ خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، حتّى يخرج نقياً من الذنوب» [صحيح مسلم وصحيح ابن خزيمة] وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «ليبالغْ أحدكم في المضمضة والاستنشاق فإنّه غفران لما تكلّم به العبد ومنفرة للشيطان» [الجعفريات ومستدرك الوسائل]. وقال أيضاً صلى الله عليه وآله وسلّم: «إذا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فتوضأ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثلاث مرات فإن الشَّيْطَانَ يَبِيتُ على خَيَاشِيمِهِ» [البخارى ومسلم والنسائي وابن خزيمة] (فليستنثر أي فليبالغ في الاستنشاق).
ولذلك كان الوضوء علامة رقيّ الأمّة الإسلاميّة، فلو كان مجرّد غسلٍ للأعضاء لما استحقّ أن يكون علامةً فارقة في جبين الأمّة يوم القيامة، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يحشر الله عزّ وجلّ أمّتي يوم القيامة بين الأمم غرّاً محجّلين من آثار الوضوء» [صحيح البخاري وصحيح مسلم وبحار الأنوار ومستدرك الوسائل] في مختار الصحاح: «غُرَّةُ كُلِّ شَيْءٍ أوّلُه وأَكْرَمُه» وفي لسان العرب: «في الحديث المؤمِنُ غِرٌّ كريم... يريد أَنَّ المؤمن المحمودَ مَنْ طَبْعُه الغَرارةُ وقلّةُ الفطنة للشرّ وتركُ البحث عنه، وليس ذلك منه جهلاً، ولكنّه كَرَمٌ وحسن خُلُق» ويرى ابن فارس في معجم المقاييس أنَّ الغرّة تجمع العتق والبياض والكرم، والمحجّلون إما المُتَوَّجون أو المُحاطون بالنور كما يُستنبط من شرح ابن فارس في المقاييس، فالغُرُّ هم الذين يعودون إلى أوّل نشأتِهم المُكَرَّمة (غُرَّةُ كُلِّ شَيْء أوّلُه وأَكْرَمُه) وهم الذين تطهّروا من أن يُفسد الشرّ فطرتَهم (المؤمِنُ غِرٌّ كريم)، فعندما يكون الوضوء عودة إلى بياض وصفاء الفطرة الإنسانيّة، ويعتقه من أسر المسخ وتَشَوُّهِ الفطرة، ويُطَهِّر داخله من رواسب وأدران الشرّ، عند ذلك يَنْتُجُ عنه تتويجُ المُتَوَضِّئ بتاج «غرّ محجّلين». 
ويثبِّت به الأقدام:
وكذلك تتذكّر عند التطهّر بالماء -رمزِ الحياة- واجبَك في حماية الحياة وصيانتها لك وللآخرين من إفساد الطغاة والمسرفين والمترفين، من هنا نجد القرآن قد ربط بين الماء وبين ثبات المجاهدين الذين نذروا أنفسهم لإنقاذ الحياة والإنسان من استعباد الطغاة (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ)[الأنفال11] قال البقاعي في نظم الدرر: «ولما كان النعاس آية الموت، ذكر بعده آية الحياة فقال: (وينزل عليكم) وحقّق كونه مطراً بقوله: (من السماء ماء)»، فالطهارة في هذه الآية طهارة من كل انحراف متمثّل برجز الشيطان، وطهارة من اضطراب القلوب وقلقها وخوفها، وطهارة من التردّد أو التلكُّؤِ أو التراجع في ميدان الجهاد لنصرة الحقّ وتحقيق كرامة الإنسان. ولذلك ورد في الحديث النبويّ: «إِنَّ الْغَضَبَ مِنْ الشَّيْطَانِ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنْ النَّارِ، وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ» [سنن أبي داود ومسند أحمد وبحار الأنوار ومستدرك الوسائل]، فالشيطان يمثّل الانحراف في الوجود، ويقابله الماء الذي يمثّل الاستقامة، والذي هو الوسيلة لإطفاء نار التأثير الشيطانيّ. وفي سورة السجدة يأتي الحديث عن الفتح والانتصار بعد الحديث عن الحياة والنماء الذي يمنحه الماء (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ (27) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (28) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (29) فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ)[السجدة] لنلاحظ كيف أن الماء يساق إلى الأرض الجرز التي لا حياة فيها، فإذا بِها تنبض بالحياة، ليحيي الماء نباتَها وحيوانَها وبشرها، ثمّ يعقب ذلك مباشرة الحديث عن الفتح، لأن الفتح الإسلاميّ للمجتمعات البشريّة هو بمثابة الماء الذي يجعل هذه المجتمعات المدفونة في ظلماتِها وفي خوفها وفي خضوعها، يجعلها تنتفض على موتِها مُمَزِّقَةً أكفانَها، ومُقْبِلَةً لِتَعُبَّ من ماء الحياة، ليفيض عليها الإسلام روحاً جديدة تملأ وجودها خيراً ونماءً وتجدّداً.. وهذا المعنى نجده في الحديث النبويّ الذي أوردناه سابقاً «لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه، ولا يؤمن بالله عزّ وجلّ من لا يؤمن بي، ولا يؤمن بي من لا يحبّ الأنصار» فما معنى أن يقرن حبّ الأنصار مع الوضوء؟ إنَّهم القوم الذين ناصروا الرسالة، ونذروا أنفسهم للحفاظ على كرامة الإنسان وعلى نقاء ذاته وصيانة فطرته من تحريف الطغاة وأصحاب المصالح.
في الحلقة القادمة: اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين: اللهمَّ اجْعلنِي مِن التوابين واجْعلنِي مِن المتطهرِين- أذكار الوضوء.. إعادة برمجة للأعضاء، وصياغة جديدة للإنسان


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق