سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

الثلاثاء، 6 أغسطس 2013

القصة القصيرة: وردى ... أسود ... كل الألوان بقلم/ مروان محمد



(1)

- الشهر القادم سأقبض الجمعية و سيكون معى ألفين و بذلك سيكون معنا نصف ثمن مقدم الشقة.

لم يدغدغ هذا الخبر حواسه الخاملة بل ألفته باردا و هو يقول:

- جميل.

أحبطها أن يستقبل خبر كهذا بفتور, توقف عندما توقفت و رأسها تتجه إلى الرصيف المقابل, تتطلع إلى سينما أمير, هتفت فى حماس طفولى:

- أريد أن أدخل السينما.

للمرة الثانية لم تستقبل منه ردا فأدارت له رأسا محتقنا فوجدته يهرب بنظراته بعيدا و قد أحمرت وجنتيه بعض الشىء.. تمتم:

- للأسف النقود التى معى لا تكفى ثمنا لتذكرتين.

ربتت على يده فى إشفاق قبل أن تقول فى صوت رقيق:

- لا بأس فليكن تعاملنا أنجليزى, ما رأيك؟

تدفق بعض الحماس إلى خلجات وجهه المضطربة و قال:

- أى فيلم سنشاهده؟

- هانيبال.

- من هذا الهنيـ .....؟

رفع عينيه إلى البوستر الضخم الذى يحمل على جانب منه وجه أنتونى هوبكينز و قد أحمرت عينيه فسرت ثمة برودة فى جسده حاول أن يواريها و لكن ملامحه تقلصت فى ضيق و هو يقول ببطء:

- لماذا هذا الفيلم الدموى؟, دعينا نضحك قليلا مع فيلم صعيدى رايح جاى.

- أرجوك هذه الأفلام تصيبنى بالغثيان.

مدت يدها اليمنى له و هى تردف لتحول دون استطراده:

- ثمن التذكرة لو سمحت.

نقدها ثمن التذكرة متأففا و هتفت به و هى تعبر الشارع كفراشة تتفجر بالحيوية:

- أشترى لى سندوتشين فول و فلافل, سأكون دفعت ثمن التذاكر.

لاحظ لأول مرة أن هذا الفستان ... أسود و أيضا قطعة واحدة لا تغيره كثيرا!

كما لاحظ نحولة ردفيها و تخاذلهما عن البروز و بطنها المتكورة, بالتأكيد لم يستطع أن يتجاهل نهديها الصغيرين كأن بهما كسوف من إبراز الذات.

ربما ما تبقى منها ليعده جميلا هو عينيها العسليتين.

(2)

رفع عاطف كوب الشاى الأسود أعلى من مستوى نظره يتأمله ثم أرتشف منه فى تلذذ, أغمض عينيه و جلس القرفصاء على الكنبة.

- الشاى يا شكرى.

ظهر شكرى من ممر ضيق يلف عنقه بفوطة طويلة, مبلل الشعر, غمغم:

- - شكرا يا عاطف.

التقط كوب الشاى و ذهب من حيث أتى, نشر الصمت شياطينه و عاد ليلملمهم بعد حين حينما عاد شكرى من الحجرة المطلة على صالة الشقة وهو:

- هل حددت ميعاد للفرح يا عاطف؟

- كلا, لقد أجلنا الأمر لحين أكتمال مقدم الشقة.

- ماذا كان سيضيرك لو كنت قبلت فرصة العمل التى وفرتها لك كنجار فى البحرين؟

- هذه المهنة كانت لتغطية مصاريفى الجامعية فقط و هى مرحلة ذهبت بكل ما حملت من قرف.

انتهى شكرى من شرب الشاى ثم قال و هو يتذوق البقية الباقية من الشاى العالقة بلسانه:

- على العموم الشاى طعمه سىء للغاية.

(3)

نظر عاطف إلى ساعته فوجدها الثانية و النصف ظهرا, بدت الشمس حانية و هى تتوسط السماء, هناك سعادة روتينية تسرى فى عروقه إذ أن يوم العمل أوشك على الانتهاء, وجد قدماه رغما عنه تقوده إلى شارع النبى دانيال و هو يسير على مهل يتأمل البضاعة المصفوفة على جانبى الشارع من كتب و شرائط كاسيت و فيديو و ساعات و سجائر.

تحسس النقود فى جيبه فأطمئن إلى أن المرتب لازال دافئا فى جيبه, بعض المارين يتوقفون للمشاهدة التى لا طائل من ورائها.

آخرون يماطلون البائع فى سعر البضاعة و من ثم لا يشترون !!

بعض الشباب يترددوا بين أن يتركوا البائع و بين أن يشتروا المجلة التى تتصدر غلافها صورة إمرأة شبه عارية !

" يالا الكتاب بربع جنيه... يالا أتعلم... بربع جنيه عشان ماما سوزان تفرح!"

تجاوز تقاطع شارع فؤاد مع شارع النبى دانيال و سار يتأمل الفاترين المعبئة بالأجهزة و الملابس و مول زنقة الستات, حاول أن يتوقف أمام محل عصير القصب و لكن قدماه أبت أن تنصاع له للمرة الثانية, أكمل سيره باتجاه البن البرازيلى.

عند هذا الحد ترددت قدماه بين الدخول و بين متابعة السير بلا هدف كما تعود عقب قبضه لمرتب كل شهر.

" أريد واحد كابتشينو"

تبسم له العامل من خلف ماكينة القهوة الأكسبريسو ثم شرع فى أعداد الكوب له, حاول أن يتغاضى عن سعر الكوب, تفتحت كل حواسه الخاملة عندما وضع العامل أمامه الفنجان و رسمت شفتيه ابتسامة واسعة.

(4)

دفع عاطف البوابة الحديدية الصغيرة و خطى فوق الممر الحجرى متجها إلى باب الفيلا الصغير المكون من طابق واحد.

لا يضىء الحديقة الصغيرة سوى ضوء القمر و ثمة بصيص من الضوء يتسرب خارج باب الفيلا, ضوء أبيض, سحب عاطف نفس عميق من سيجارته و ألقاها على أرض الممر, توقف عند الباب الموارب ليرى صالة صغيرة مؤثثة بأثاث قديم بعض الشىء, قليل العدد, يتدلى من سقف الصالة الواسعة نجفتان خشبيتان.

دق باب الفيلا الداخلى ثلاث مرات و أنتظر, حوائط الصالة قد طليت بطلاء أبيض و لكن تناثر هنا و هناك بعض التشققات.

"أدخل"

تقدم عاطف خطوتان يشوبهما حذر, لمح فى ركن الصالة الأيمن رجل عجوز يجلس على فوتيه واسع يكاد يبتلعه, تقدم منه يصافحه بيد باردة و هى باردة ليست لفتور اللقاء و لكن لأن الجو الصحراوى بارد فى الليل!

- أجلس يا عاطف.

دارت عينى عاطف فى المكان فوجد كرسى بلاستيك, التقطه و جره حتى جلس قبالة الرجل العجوز الذى يتابعه فى صمت, فبادره عاطف قائلا:

- كيف حالك؟

- بخير و أنت.

- الحمد لله ... سأتزوج قريبا.

- جميل.

كان لابد من الصمت أن يتسلل لأن كليهما لا يجد ما يقوله, سأله عاطف بعد فترة من الصمت:

- لماذا أرسلت تطلبنى؟

- أريد أن أشرب شاى.. هل تريد أنت؟!

نهض عاطف و هو يقول:

- أين المطبخ؟

- السبرتاية خلفى... يتبقى أن تغسل الكوبين و البراد.

نفذ عاطف ما طلبه العجوز و جلس قبالته يتابع السبرتاية و قد أعاد علبة الكبريت إلى جيبه يسأل:

- هل هذا البيت حصيلة اشتغالك بالفن؟

كان يبدو فى رنة صوته الاستهزاء و لكن الرجل العجوز تجاهل هذا و هو يجيب:

- كلا, لقد عملت لسنوات طويلة فى الكويت مدرس تربية فنية.

- لماذا لم تتزوج أذن؟

- سؤال سخيف يا عاطف.

تصاعد البخار من فوهة البراد الصغير, فكشف عاطف عن غطاءه و هو يلقى إلى الماء المغلى بثلاث ملاعق شاى, رفع البراد عن النار و أطفىء السبرتاية.

- أنا سمعت أن جدتك ماتت, الباقية فى حياتك.

ناوله عاطف كوب الشاى قائلا:

- لا أحب كلمات العزاء.

رشف العجوز من الكوب ثم قال:

- مزاجك فى الشاى سىء مثل أبوك رحمه الله, الشاى مر.

تمعن عاطف فى اللوحات المركونة إلى الحائط و ذلك الحامل الصغير المثبت إليه لوحة لم تكتمل بعد.

- عاطف.

أدار عاطف رأسه له فأردف العجوز:

- أنا محتاج إليك فى هذه الفترة بالذات, و لا تفعلها من باب أن ترث عمك بعد موته لأننى سأعيش طويلا و ربما أرسلك إلى القبر أولا!

لم يجد عاطف ما يقوله و شرب الشاى الساخن ليغالب به على تلك البرودة الصحراوية.

(5)

كان يجلسان على حافة سور الكورنيش,, ينظران إلى ذلك البحر المظلم .... المظلم تماما.

- تعرف ديستوفيسكى.

هم بأن يرد و لكنه أطبق شفتيه يحاول أن ينبش فى عقله عن أى خلفية لصاحب هذا الأسم, فهو واثق من أنه سمع هذا الأسم مرارا فى برنامج " العالم فى مئة عام!"

- أليس هو أحد الحكام الشيوعين مثل لينين؟!

شعر بفرحة, فعلى الأقل وجود أسم هذان الشخصان فى رأسه أنما يعنى أنه كان يوما ما جامعى!

عادت تتأمل البحر و هى تهمس:

- ديستوفيسكى مثل لينين ... هييييه!!

شعر بأن هناك خطأ ما قد ارتكبه بشأن معلوماته عن ديستوفيسكى و لكن ما شغل تفكيره فى فترة الصمت التى سادت بينهما هو هل ستوافق الإدارة على طلب نقله إلى مصلحة بريد العامرية أم لا؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق