سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

الثلاثاء، 6 أغسطس 2013

مقالات سياسية: الاستعمار ألفلاحي وتحطيم البنية الجسديّة للآلة بقلم/ مختار الأحولى

 " صحفى من تونس"

لا ننكر ما للعلوم من فوائد على حياة الإنسان عموما وما له من تطويرات مسّت أهم نواحيه وعلى رأسها الطب وغيره مما أكسب الإنسان قدرة على العيش أطول زمن ممكن مقارنة بما كان عليه الإنسان قبلها.لكن ما تفطّننا إليه أن ما يصلنا منه ليس سوى ذرّة في بحر وبالتالي هو متجاوز الصلاحية وفيه من النقائص ما أضر بنواحي أخرى ولعصر الصراع بين القطبين(أعني الرأسمالي والاشتراكي) والمزاحمة في إقناع محيطاتها بقربها واهتمامها به وبصحّته لما بلغنا ما بلغنا.ولن أتحدث عن ماضي هو مضى من أيام أنتجنا فيها المادة الأولية للعلم أيام كانوا في عصر الظلمات ولم نكن حسبما بلغني من التاريخ نبخل عليهم بجديده رغم الاختلافات الدينيّة التي كانت تمييز حتى العرقي.لكن وبعد تفوّقهم وفي زمن قياسي نتيجة اهتمامهم الكبير بالعلم ومنتجاته واهتمامنا نحن بالمقابل بترهات وهرطقيات مغلّفة بالدين من أجل اعتلاء الكراسي وصراعات العائلات المتهافتة على الحكم بأي شكل وتحت أي ذريعة وعلى حساب دم الشعب المفقّر الكادح. وبعد أن اكتشفت الرأسماليّة الجدوى من تصنيع وتسليع العلم في كلّ مجلاته (حتى أننا نعيش عصر صناعة وتجارة الأدوية)وغيرها من ضروريات ديمومة الآلة التي هي جسد الكادح أطول فترة من الزمن ممكنة وليستثمر جهده وعرقه أطول فترة ممكنة(خصوصا بعد تراجع نسب الولادات مقارنة بالوافيات خصوصا في محيطات جغرافيّة حاسمة وأعني أوروبا وأمريكا خصوصا).
ومن أهم العناصر الحيويّة لديمومة الآلة(الجسم الإنساني الكادح)هي التغذية وأساسها الفلاحة.هذا الميدان الذي كان يميّز تونس حتى نعتت(بالخضراء)ولم يكن الناس وقتها لا يعرفون لاأمونيتر ولا أزوت ولا غيره بل سماد و فلاحة بعليّة وأخرى سقويّة. وكان من تحوّلات البلاد أن أدخلت على الفلاحة برامج قتلت الأساس الطبيعي الصحّي لمنتجنا وقتلت استقلالية الفلاّح الذي حتى وقت متأخر كان يرمز به للثراء والبساطة. وبعد أن كان الفلاح لا يشتكي سوى من الأثر الطبيعي(الأمطار والمياه عموما)وكانت بذرته تنتج من ذات غلّته.أدخل عليه المواد الكيميائيّة مبشريه بزيادة الإنتاج وبالبذر الهجينة الوافدة من مخابر الغرب والتي أصبحنا لا يمكن أن تكون لدينا فلاحة ولا محاصيل بدون أن نشتريها من المصدر أو من المصانع التي ركّزت على عين المكان والتي نشتري في كلّ الحالات موادها الأوليّة.هذه الوفرة في الإنتاج المأمولة ظنّوا أنها ستزيد في تصدير موادنا الفلاحة والحال أنّنا نسينا أنّ صاحب الشأن هو من يملك أيضا أراضي وفلاحة ولولا شكّه الكبير في صلاحية مواده الكيميائيّة ومخابر التهجين العلميّة لما كان يشتري منّا فلاحتنا الطبيعيّة(التي مؤخّرا عادوا بعد أن عدّلوا في برامجهم إلى المنتج الطبيعي ويوفّرونه على قلّته إلى الخاص القادر على شراءه)وفي لفتة بسيطة بخصوص المواد الفلاحيّة التي يشتروها منّا سنجد على رأس القائمة وفي ذيلها موادنا التي بقيت على طبيعتها(زيت الزيتون القوارص الغلال).أمّا الباقي فهو يروّج في السوق الداخليّة بما يحتويه من أمراض وتأثيرات باتت كارثيّة على صحّة الإنسان وحتى تواصل سلالته فالتغذية السويّة هي أحد العوامل الرئيسيّة في إنتاج السلالة.ففي زمن قصير تراجع مستوى الإنجاب إلى حدود قالوا لنا أنها معقولة والحال أنّ الآلة(الجسم الكادح)لا يقوى على المزيد لما يحتويه من نقص في مواد رئيسيّة نتيجة التغذية وعوامل أخرى كالضغط النفسي الناتج عن ضعف البنية الجسديّة عن تحمّل الضغط العالي لدكتاتورياتنا.وليس هذا وحسب وإنما ولغياب هذا المعطى ألفلاحي المهم نتجت أمراض ومنها المزمنة التي لم نكن نسمع بها في السابق إلاّ حين تصلنا أخبار العالم.زد على ذلك ما يحرمونا منه من وسائل وأدوية استنبطوها حلولا لهذه المشاكل والأمراض في بلدانهم(وإن وصل فهو متأخّر عن
ظهور العلل)ويبيعوننا إياه بأسعار تترجم على أرض واقعنا بما برز من تجارة الدواء(أو تقسيمه إلى ضروريّ ويكون شبه في المتناول(المدعوم) وغيره تجاريّ ويباع حسب السوق)مع قلّة موارد البلاد التي تعجز من خلال عوامل عدّةعن التفاعل والمستحدثات الطبيّة الجديدة الابتكار والضروريّة للنسب المرتفعة من المرضى. نكون قد خلقنا بمسارنا هذا مجتمعا وشعبا أسير آلة لا تتم إدامتها بغير الأدوية.زد على ذلك أن هذا المشروع هو أساس تورّط الفلاح الذي وجد نفسه بين حلّين إمّا الاقتراض من البنوك ليواصل وجوده في ملكه أو بيعه والنزوح إلى ما يتخيّلها الجنّة.تلك التي كان ينزل إليها عند كلّ بيع )لصابة( ليترفّه ففضائه لا يحتوي على ما يمكن أن يؤسس له حياة متكاملة بين العمل والترفيه ومع ما ندّعيه منذ زمن بورقيبة من لا مركزيّة الإدارة نجد الحالة أن بلا عاصمة لا وجود لاستمرارية العمل الفعلي للإدارة في النسبة الأعظم من خدماتها. والرابح الأكبر هو من كان مدعوما من جهة ما ليواصل عمله وشراء ما يبيعه غيره(حتى أن مافيا الحكم أصبحوا يفقهون في الفلاحة ويفتكون الأراضي ويشترونها ببخس الأثمان.والفقراء الكادحين هم حطب نار تلك الأرض وعمّالها الذين زاد فقرهم فقرا حين حوصرت قراهم وأريافهم حتى لا يعرف القاصي والداني من خلف فقرهم ونزوح العدد الأكبر منهم إلى عاصمة لم يكن يمتدّ شعاعها إلى أكثر من 30كلم وأصبح الآن يبعد عن60كلم بقليل ومازال التمدّد متواصلا فالفقر لا ينتج سوى فقرا مزمنا. وحين يدمن الناس الفقر تكون النتيجة نار موقدة في صدور تمّ توجيهها بطرق شتّى تهيأت أخيرا لتكون ثورة.ولكن هل تنجح في تأسيس ما يرغبه هؤلاء من مستقبل حرّ كريم مستقلّ وفاعل وسط الضغوط ومؤامرات المستعمر؟ثمّ كان دور التعليم كسلاح من أسلحة الشعوب المستعمرة للتنوير والتطوير والتقدّم.ولأنّ الحركة التعليميّة نجحت في تونس بفضل تعطّش أبناء الشعب للعلم واحتداد صراع القوّتين من خلال عوامل الوعي عند فريق والتبعيّة الفكريّة عند الآخر.مما فتح المجال لظهور طاقات وطنيّة هي كانت مفخرة بارزنا بها الأمم وأسسنا من خلالها ما هو اليوم سلاحنا الوحيد تجاه التآمر رغم قوّة الصراع وكان هذا العقاب السريع مدمّرا للخلف وإليكم وسائله ونتائجه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق