سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

الاثنين، 1 يوليو 2013

قصص قصيرة: ايام مناسبة للملل ! " من حكايات عاطف العشرة" بقلم/ مروان محمد



(1)

- ما رأيك فى هذه الفتاة الألمانية؟

- فتاة!

زفر زميل عاطف فى ضيق و لوح كفه الأيمن مردفا:

- أقصد هذه المرأة الألمانية.

- لدينا فى مصر نساء أجمل.

- ليس هذا هو المهم.

نفث عطاف دخان سيجارته الكليوباترا فى وجه زميله يسأل دون اكتراث:

- و ما هو المهم؟

- الخير الذى ستجنيه من ورائها.

- هل ترى فى ما يدل على البلاهة؟

- لماذا تقول ذلك؟

- واضح أنها إمرأة مستهلكة ألف مرة, لا تنسى أنها أوربية.

- أنت عبيط, ثق بقى, أنها فى مصر تعتبر على الزيرو!

- حقا.

- بالتأكيد فالنسوة الأجنبيات مثل أى شىء آخر, استعمال نظيف و المقاييس المصرية تعتبر على الزيرو!

ألقى عاطف عقب السيجارة على الرصيف ذو البلاط اللامع يسحقها دون أن يرفع عينيه عن زميله ثم قال:

- أبحث عن عبيط غيرى.

غادره زميله فى حنق إلى طاولة المرأة الألمانية يبادلها الحديث كلمات متلعثمة و تساءل عاطف كثيرا عن أسعار المشروات فى فندق سيسل.

(2)

- ألم يأتيك إلى الأن رد من صديقك الذى يعمل فى البحرين؟

- كلا.

أغلق عاطف باب حجرته خلفه, تطلع إلى المرآة يتمعن فى ملامحه المرهقة التى تخللها آيات الملل ثم إلى عينيه المجهدتين, كانت عينيه حمراوتين جدا.

بالتأكيد هو أحمق كبير لأنه أضاع من يده فرصة ذهبية كهذه و لكن كان مفروضا عليه أن يضيعها لأنه يرى نفسه أحمق كبير!

" ولد يا عاطف"

صاح من مكانه:

- ماذا تريدين؟

- يوجد شخص يريدك يا ولد.

غادر حجرته فى يجامته الكاستور ذات الكاروهات كبيرة الحجم, متجها إلى الباب فى حين جدته تعود إلى مكانها المعتاد على الكنبة متكومة, تحدق بفضول إلى عاطف, حاجبيه يلتقيان فى حيرة عندما وقعت عينيه على هذا الشخص, ذاكرته الخاملة بدأت تنشط لتتعرف عليه, أن ضعة الأشهر التى غاب فيها هذا الوجه عنه كادت أن تنسى عاطف تماما.

- تفضل يا عبد الرحمن.

- الحمد لله أنك تذكرتنى.

أدخله عاطف إلى الصالون و طل من جدته كوبين من الشاى.

" سيساعدك على العمل كنجار يا ولد"

- هشششش

أغلق باب الصالون ليقطع سبيلها فى الاستمرار بهذا اللغو الفارغ.

- سأدخل فى الموضوع مباشرة.

- ..............

- تعرف دكان عم سيد.

- آه.

- أريد أن أشتريه.

- و ما المطلوب منى؟

- هم سيد يريد أن يبيع الدكان بخمسة ألاف جنيه.

- رجل مسكين لا يدرى أن الزمان يمر, ما هى المشكلة أذن؟

- أبنه الكبير سعيد يخفى أوراق ملكية الدكان و بذلك هو يوقف البيعة, و يرى أن البيع بهذه الطريقة منتهى الاستغلال و الظلم.

كان الرجل يقولها فى استنكار و لم يفصح عاطف عن نيته فى التضامن مع أبن عم سيد و لزم الصمت مستمعا فى ملل إلى الرجل.

- أخبرنى أننى لو أردت شراء الدكان فليس أقل من 35 ألف جنيه و أنا قبلت بهذا, أنا لا أقبل الحرام على نفسى يا أستاذ عاطف.

- ما دورى أنا فى هذا الموضوع و لا أستطيع أن أدرك بعد ما هى المشكلة ؟

أرتفع صوت الرجل فى غير قصد نتيجة لانفعاله مضيفا فى أحباط:

- عم سيد يرفض بيع الدكان بهذا السعر مرددا أنه بذلك سيأخذ أكثر مما يستحق, و يرفض أن يستمع لأى شخص.

ران الصمت للحظات و راود عاطف شعور بالرغبة فى الضحك, و لكنه كبت شعوره هذا حى لا يثير حفيظة الرجل أكثر من ذلك و قال:

- و أنا الذى سأنجح فى إقناعه دونا عن باقى الناس.

- بالتأكيد, انسيت أنك أقنعته من قبل بأن رغيف العيش لم يعد بصاغ!

ضحك عاطف قائلا:

- و لكنك كما قلت أقنعته برغيف عيش ليس أكثر.

- لك ورقتان بمئة لو نجحت فى إقناعه.

(3)

كانت القهوة تقترب منه فى سرعة و هو يقطع المسافة إليها فى خطوات واسعة, هيكلها المتراخى يبعث على الخوف من احتمال أنهيارها فى أى لحظة.

ألقى السلام على أصدقائه و اتخذ مجلسه إلى جوارهم, أثنان منهم يلعبان فى حماس المحبوسة, بادره أحد الجالسين قائلا:

- حاول أن تخمن ماذا حدث لى أول أمس.

- عقلى أخذ أجازة.

- ليلة أول أمس صادفنى خميس عند سيسل!

أنتبه عاطف إلى حديث صديقه و قال فى بط:

- هل عرض عليك المرأة الإلمانية؟

فاضت الدهشة من ملامح صديقه ثم ضحكا و هو يضيف:

- يبدو أنه يحاول أن يروج لبضاعته الراكدة بيننا جميعا.

- إلمانية كبيرة و يبدو أنها مستهلكة تماما.

- هذا صحيح.

- لكن المستقبل يقف بين يديها.

- و ما الذى منعك من الموافقة؟

- شكلها غير مطمئن كما لو أنها تعمل قوادة للرجال!

ضحكا فى صوت عالى ثم تابعا لعب الأثنين فى صمت.

(4)

جر عاطف مقعده الخشبى إلى شرفة الحجرة الواسعة بالطابق الثالث عشر بمصلحة البريد و جلس عليه فى استرخاء يشرب كوب الشاى الساخن جدا, يتأمل فى هذا الوقت من الظهيرة ميدان محطة مصر أسفله.

بدت الشوارع بأبنيتها و بيوتها الصغيرة كأنهم أطفال قد اغتسلوا للتو جيدا, فلمعوا أسفل أشعة الشمس القوية كأباريق نحاسية, البيوت أحيانا تتساند إلى بعضها البعض فى وهن و أحيانا أخرى كأنها تتشاجر فى عبث طفولى.

الناس و المركبات تدور فى الشوارع كخلية نحل نشطية لا تهدأ.

المشاهد تتداعى أمامه كشريط سينمائى سريع الحركة فى صمت لذيذ.

- تجلس سلطان زمانك.

- ................

- كم بلغت من العمر يا عاطف.

- خمسة و ثلاثون.

- يكاد يفوتك قطار الزواج.

- عندك عروس.

- كلا.

- أذن فلتزم الصمت الكريم بجزمة أكبر مقاس.

تتسرب إلى أذنيه ضحكة زميلة المشبعة بمشاتة غريبة و بلاهة أعتادها فيه.

(5)

- أبن عمك وائل سيتزج الاسبوع المقبل يا ولد يا عاطف.

- هذا التافه.

- هذا التافه سيتزوج الأسبوع المقبل, مؤكد فهمت!

ألقى فى فمه قطعة الهريسة, التى ابتلعها برشفتين من كوب الشاى و هو يتابع المسلسل العربى بينما ظلت تراقبه و هى تهتز فى مكانها فى حركات منتظمة و قد ران الصمت عليهما تماما.

تذكر أن الورقتين بمئة لم يعد يتبقى منهما ألا ورقة بخمسين و عندما حاول أن يبحث فى تلافيف مخه عن نواحى الصرف, فشل فى التقصى, فعاد ينشغل بمتابعة المسلسل و هو يلوك قطعة أخرى من الهريسة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق