19/10/2011
عبد الناصر : الأكثر توزانا فى سلمية العلاقات بين المسلمين و المسيحين:
لا يذكر فى عهد جمال عبد الناصر حدوث أى فتن طائفية ، و لكن على الرغم من ذلك اللافت للنظر أن حركة الضباط الأحرار و التى استمدت أسمها من تنظيم خاص إنشىء داخل جماعة الأخوان المسلمين و الذى أعطاها ذلك الأسم هو محمود لبيب الأخوانى تتكون من مجموعة من الضباط المسلمين ولم يكن ضمن هذا التنظيم أي قبطي ينتمي إلي الصف الأول ولقد رحب الأقباط شأنهم شأن بقية أبناء الشعب بقيام الثورة. و لكن مع مرور الأيام غلب علي الأقباط الشعور بالقلق وبشكل خاص بعد أن استبعدت الثورة قادة الرأي من الصفوة القبطية سواء بفعل قانون الإصلاح الزراعي أو بالتأميم.
و كان هناك عدد كبير من الضباط الأحرار منتمين بالأساس إلى الأخوان المسلمين و العلاقة الوطيدة بين جمال عبد الناصر و الأخوان المسلمون قبل الثورة و فى العامين التاليين بعد الثورة أيضا حتى أن هناك أعضاء من جماعة الأخوان المسلمون سعى جمال عبد الناصر لضمهم لحكومة محمد نجيب و وصل حد تشابك العلاقات بين المرشد حسن الهضيبى و جمال عبد الناصر أنه طالب عبد الناصر بان يتم تمرير كل القوانين و التشريعات على لجنة من الأخوان للتصديق عليها و لكن عبد الناصر رفض ذلك بزعم أنه لا وصاية للشعب من قبل أى طرف من الأطراف و كانت الضربة التالية الموجهة للاقباط فى عصر جمال عبد الناصر هى حل الأحزاب السياسية و لقد كان للاقباط قبل الثورة دور سياسى بارز فى الحياة الحزبية و أيضا قرارت التأميم للشركات و المصانع نال منها الأقباط القسط الاكبر باعتبار ان الكثير من الاقباط كانوا يمثلون الطبقة الثرية و تم تنصيب بدلاء لهم على روؤس هذه الشركات و المصانع من المسلمين و أيضا مع قوانين الاصلاح الزراعى و إعادة توزيع الأراضى الزراعية على الفلاحين كانت تذهب فى معظم الحالات إلى المسلمين و يستثنى منها الأقباط و لكن بشكل عام كانت تلك جملة تلك القرارات التى أتخذها جمال عبد الناصر لم تكن موجهة للاقباط بشكل شخصى بقدر ما هى موجهة إلى طبقة الاقطاعين كما كان يحلو لمجلس قيادة الثورة إيبان ذلك وصفهم و هى كانت تشمل المسلمين و المسيحين الاقطاعين على السواء و أيضا تضرر منها الأجانب الذين كانوا يعيشون فى مصر.
فضلا عن ألغاء عبد الناصر للاحزاب السياسية و حلها حرم القبطى من فرصة الترشح لانتخابات مجلس الشعب و الذى سماه عبد الناصر لاحقا مجلس الأمة فابتكر عبد الناصر لأول مرة فى تاريخ الحياة النيابية فى مصر تعيين عدد معين من الاقباط فى مجلس الشعب أو الأمة, فقرر إداريا حجز عشر دوائر اختيرت بدقة حيث الوجود القبطي فيها ملحوظ، وذلك بأن قصر الترشيح علي الأقباط وحدهم.
أيضا كل الوزارات التي تولاها الأقباط طوال عهد عبد الناصر كانت من الوزارات الهامشية. وحينما تم الصدام بين جماعة الإخوان المسلمين مع عبد الناصر بسبب التنافس علي السلطة، أراد عبدالناصر أن يزايد علي جماعة الإخوان بإضفاء مسحة دينية على الدولة ليكسب التأييد الشعبى ولهذا يري الباحث الراحل غالي شكري أن بذور الفتنة الطائفية وضعت في عهد عبد الناصر ولأن الدين كان حاضراً لأداء وظيفته في عهد عبد الناصر ففي أثناء صراعه مع الإخوان المسلمين راح يزايد عليهم تكتيكيا وذلك بإصدار عدة قرارات مثل «جعل الدين مادة أساسية في مختلف مراحل التعليم تؤدي إلي النجاح والرسوب، إنشاء جامعة الأزهر علي غرار الجامعات العصرية مقصورة علي الطلبة المسلمين فقط وذلك لدراسة جميع فروع العلم، كذلك إنشاء دار القرآن في 14مارس 1964 لنشر التراث القرآني وإنشاء إذاعة القرآن الكريم».
ويري الكاتب القبطي جمال أسعد أن ثورة يوليو كانت وحدها قادرة علي إنهاء المشكلة الطائفية شكلاًوموضوعاً لكنها تراجعت أمام معركة أهم، هي: «معركة التنمية الشاملة» والثورة لم تأت بالأحسن لكنها أوقفت الأسوأ، حيث استفاد مجموع الأقباط منها بشكل لم يسبق له مثيل منذ استفادتهم بدخول العرب مصر، فكان العهد الذهبي للأقباط هو «عهد الثورة
و يقول الدكتور رفيق حبيب المفكر القبطي: لقد شهدت العلاقة بين عبد الناصر والكنيسة ممثلة في البابا كيرلس تطوراً كبيراً مما أثر إيجاباً في الكنيسة و زاد من استقرار الوطن، ونزع فتيلا لتوترات الطائفية، وهو ما لم يستمر في السبعينيات إذ كان التوتر جزءاً من ظاهرة عامة في المجتمع وليس نتاجاً لسياسة أشخاص بعينهم.
يقول القمص صليب متي ساويرس وكيل المجلس الملي وكاهن كنيسة الجيوشي بشبرا كانت تلك الحقبة أفضل بكثير مما تلاها، فبالرغم من النظام الشمولي الذي انتهجه جمال عبدالناصر فإنه كان رجلاً عادلاً يتميز بسرعة الحسم والقرارات الصائبة ويكفيه أن شارك بـ150 ألف جنيه من ماله الخاص تبرعاً لبناء الكاتدرائية، كما أنه جعل دخول الجامعات «لأي مصري» طبقاً للدرجات دون تمييز، فضلاً عن تعيين كل الخريجين.
و يصف أيضا محمد حسنين هيكل العلاقة بين عبد الناصر و البابا كيرلس فيقول: «كانت العلاقات بين جمال عبد الناصر وكيرلس السادس علاقات ممتازة، وكان بينهما إعجاب متبادل، وكان معروفاً أن البطريرك يستطيع مقابلةعبد الناصر في أي وقت يشاء، وكان كيرلس حريصاً علي تجنب المشاكل، وقد استفاد كثيراً من علاقته الخاصة بعبد الناصر في حل مشاكل عديدة.
و نلفت الانظار هنا أيضا إلى أن منهج البابا كيرلس هو توظيف الكنيسة كدور للعبادة و الوعظ الدينى فقط و قصره فى حدود هذا المشهد فقط دون محاولة التطرق إلى الأمور السياسية للبلاد التى لا يقبل فيها عبد الناصر أن يتدخل فيها أيا كان و لقد حافظ البابا كيرلس على هذا الدور بشكل متوازن و احترم الخطوط التى فرضها عليه النظام إينذاك على عكس البابا شنودة فى عهدى السادات و مبارك.
يقول الكاتب الصحفي صلاح عيسي رئيس تحرير جريدة «القاهرة» إن العلاقة الطيبة التي ربطت بين الرئيس عبدالناصر والبابا كيرلس كان لها مفعول السحر في حل المشكلات القبطية آنذاك، وكان عبدالناصر يحرص علي تأمين التناقضات والصراعات السياسية التي خلفها النظام الملكي قبل الثورة حتي إن جميع التناقضات انتهت في عهده، ويكفي أن مشكلة بناء الكنائس الجديدةلم تعد مذكورة، حتي إن عبد الناصر افتتح الكاتدرائية المرقسية الكبري بنفسه، وكانت هناك ثمة شكاوي بعد الثورة نتيجة إلغاء الأحزاب وحدث تهميش للأقباط في الحياةالسياسية ولم ينجح منهم أحد في انتخابات مجلس الأمة. وكان الأقباط آنذاك يعبرون عن أنفسهم عبر الصحافة مثل جريدة مصر وبعدها جريدة وطني.
و لذلك يمكن القول أن العصر الناصرى لم يشهد أى بروز لصراع طائفى بين المسلمين و المسيحين نتيجة للعلاقات المتوازنة التى رسمها عبد الناصر مع الكنيسة و حافظ عليها البابا كيرلس و أيضا نتيجة لللتوجه اليسارى الذى انتهجه عبد الناصر فى محاولة فصل الدين عن الدولة و تغليب الطابع العلمانى للدولة المغلف بالتوجه اليسارى.
السادات: بداية للصراع الطائفى و اصطدام الكنيسة مع النظام بقيادة البابا شنودة الثالث:
تنوعت الأراء التى فندت الحقبة الساداتية و التى ذهبت فى معظمها إلى استقواء السادات بالتيارات الإسلامية المتشددة لكسر شوكة الاتجاه اليسارى و الاشتراكى و تم تحميل سياسات السادات كل تبعيات الفتن الطائفية التى ظهرت فى مصر بعد ذلك و ذلك بطرح تصور على أن الرئيس السادات تبنى مفهوم الرئيس المؤمن و أن رئيس مسلم لدولة إسلامية كنوع لمغازلة الاتجاه الدينى فى مصر الذى أتاح له السادات فرصة الظهور و ممارسة نشاطاته مرة أخرى بعد أن حل جمال عبد الناصر جماعة الأخوان المسلمين و وصمت بعد ذلك بلقب الجماعة المحظورة فأعادها السادات إلى الحياة مرة أخرى لتمارس نشاطاتها فى ظل إعادة الحياة الحزبية مرة أخرى إلى الحياة.
الانفتاح السياسى المحدود الذى سمح به السادات ساعد بشكل ما على أن تغير الكنيسة منهجها الذى كان يتبناه البابا كيرلس السادس و تغيير ذلك الخط الذى التزمت به الكنيسة طوال عصر عبد الناصر و نود هنا قبل كل شىء أن نعرض للمنهج الفكرى للبابا شنودة الذى قام على الخلط بين الدين و السياسة و تحميل الكنيسة أعباء مهام أخرى لا تنتمى إلى العبادات أو الوعظ الدينى و تنوعت بين السياسى و الدينى و محاولة تبوء البابا شنودة ليس فقط للكرسى البابوى و لكن أيضا لكرسى الزعامة السياسية على مستوى الاقباط .
كتب الصحفى المصرى عبد الله الطحاوى مقال عن الأب متى المسكين و الفقرة المهمة فى هذا المقال هى كالتالى:
وعندما نفرق بين الأب متى والأنبا شنودة فنحن نفرق إذن بين تيارين:
الأول: يرى أن التربية الروحية هي الدور الرئيسي والوحيد للكنيسة، وأن أي أنشطة أخرى اجتماعية أو سياسية هي خروج على تقاليدها، ويرى أن الرهبنة هي طريق إصلاح الكنيسة، وألا تكون الكنيسة سببا في انعزال المواطن عمليا أو روحيا، فالكنيسة لا تعادي نظاما سياسيا ولا تمالئه، وهو ما يمثله الأب متى.
والثاني: يرى أن الإصلاح يبدأ بالإحياء الاجتماعي والثقافي للجماعة القبطية، وأن العلاقة بين الكنيسة والدولة تتشكل على أرضية الندية والضغط والطلبات، أو بمعنى آخر أن تكون الكنيسة وسيطا بين الدولة والمواطن القبطي، وهو ما يمثله التيار المهيمن على الكنيسة الآن.
و يقول أيضا: وحذر متى المسكين من خروج الكنيسة عن هذا الاختصاص والنزوع للسلطان الزمني، وتجييش العواطف والمشاعر باسم الصليب، أو أن تسعى الكنيسة وراء أموال الأغنياء أو أن ترتمي في أحضان أصحاب النفوذ؛ لأنها إذا حاولت الجمع بين السلطان الديني والزمني، ودأبت على المطالبة بحقوق طائفية وعنصرية فشلت المسيحية أن تؤدي رسالتها.
و فى فقرة أخرى يقول: وقد خشي الأب متى المسكين من عودة الفكر القسطنيطيني (نسبة إلى الإمبراطور الروماني قسطنطين) تحت أي ثوب جديد، لا سيما إذا عجزت الكنيسة عن ضبط الإيمان بالإقناع والمحبة، وهرعت إلى الملوك والرؤساء لتصدر منشورا ملكيا بالإيمان، عندها تكون الكنيسة قد أخطأت الطريق؛ لأن الإيمان لا يحميه السيف والقانون.
و هذا يلقى الضوء على طبيعة العلاقة بين السادات و الاقباط التى بدات بشكل سلمى و أيضا بدت للوهلة الأولى أنها امتداد لسنوات العسل بين الكنيسة و النظام كما كان الحال فى عهد عبد الناصر, و فى عهد السادات أفرج عن جميع المعتقلين الإسلاميين وشجع بل مول إنشاء تنظيمات للجماعات الإسلامية للوقوف ضد التيارات اليسارية والناصرية في اجتماع عقده مع عديله المهندس عثمان أحمد عثمان ومع محمدعثمان إسماعيل وكان محافظا لأسيوط و بدأت بعض هذه التنظيمات الإسلامية تنشر ثقافة التعصب والكراهية والتكفير فكان عهده مفتتحا لتوالي الأحداث الطائفية بين المسلمين والأقباط.
و يذكر أن موقف السادات وصف وفق البعض بأنه كان متشددا في عملية بناء وترميم الكنائس وتطبيق الشروط العشرة والخط الهمايوني أدت إلي حدوث عنف طائفي أوله حادث حرق الكنيسة في الخانكة 1972. وتشكلت لجنة برلمانيةبرئاسة المرحوم د. جمال العطيفي. وأصدر العطيفي تقريره كان ضمن توصياته إصدار قانون موحد لبناء دور العبادة. وللعلم فإن هذا التقرير الذي صدر عام 1972 مازال حبيس الأدراج إلي يومنا هذا.
وشهد عهد السادات اندلاع فتن طائفية عنيفة بدءا بأحداث حرق كنيسة الخانكة في 8 سبتمبر 1972 ومرورا باغتيال القس غبريال عبد المتجلي كاهن كنيسة التوفيقية (سمالوط - المنيا). ووقعت اصطدامات عنيفة بين المسلمين والأقباط استخدمت فيها الأسلحة النارية وكان ذلك يوم 2 سبتمبر 1978،وطوال عامي 1978و 1979 زادت حدة التوتر وتزايدت أعمال العنف وصدرت منشورات عديدةتكفر «النصاري» وتجيز قتلهم والاستيلاء علي أموالهم، وفي أوائل عام 1979 أحرقت كنيسة قصرية الريحان الأثرية بمصر القديمة.
وفي 18مارس 1980 اعتدت بعض الجماعات الإسلامية علي الطلاب المسيحيين المقيمين بالمدينة الجامعية بالإسكندرية. وفي 17 يونيو 1981 نشب عنف طائفي عنيف بين الأقباط والمسلمين في حي الزاوية الحمراءلمدة ثلاثة أيام متتالية ووصل عدد القتلي طبقا للتقرير الحكومي إلي 17 قتيلا و112جريحاً. بعد أعتداء بالاسلحة الاتوماتيكية علي مصلين مسلمين قام به قبطيات بسبب تنازع الاقباط والمسلمين علي قطعة أرض.
كما قتل 3 وأصيب 59 في حادثةالاعتداء علي كنيسة مسرة بشبرا بسبب إلقاء قنبلة من الخارج علي الكنيسة.
وفي آخر عهد السادات في 4سبتمبر 1981، عزل السادات البابا شنودة وحدد إقامته بدير الأنبا بيشوي ، كما قبض السادات علي 1536 من مختلف التيارات والاتجاهات السياسية والدينية. ولم يمر شهر و يومان إلا وقتل السادات .
فى بدايات حكم السادات اختلفت كلية عن نهايته حيث بدأ عهده بعلاقة تواؤم غير مسبوقة مع البطريرك «الشاب» شنودة الثالث، إذ كان السادات يقيم في شارع الهرم بعد الثورة وكان صديقاً للأنبا يؤانس مطران الجيزة، وكان له صديق آخر هو القمص غبريال، وكان أولاده يلعبون في فناء مطرانية الأقباط بالجيزة، وهو الذي سعي لتعيين القمص غبريال بولس كاهنا ًفيها - وهو أول كاهن يتقاضي راتباً من الدولة وقدره 75 جنيها، وكان له منزل ملحق بالكنيسة، وهذا المنزل أقام به عدد كبير من المهاجرين خلال حربي 56 و 1967.
كما تتردد بعض الروايات عن أن هناك رجلاً قبطيا قد ساعد السادات عندما كان هارباً من السلطات قبل الثورة وكان متهما في جريمة قتل وكان اسمه عطية صليب، وكان يرسل له في مخبئه الطعام والملابس،وعند تولي السادات الحكم بحث عنه، وعندما علم بموته طلب أن يري أحد أبنائه وخاصةالابن الصغير «جبرا» فاهتم به كثيراً.
وظلت العلاقة طيبة بين السادات والبابا حتي لاحظت الحكومة أن هناك تحركات عكسية تماماً عندما بدأ البابا شنودةتكوين مراكز قبطية معارضة للحكومة في الخارج خاصة في أمريكا وكندا، وظلت المجلات الرسمية والنشرات التي تصدرها هذه المراكز علي مدي عشر سنين تهاجم رئيس الدولةو رئيس الحكومة شخصياً . . حتي وصل الأمر إلي صدور قرار رئاسي بتحديد إقامة البابا،وهو ما يعني إبطال صلاحية إمضاء الأنبا شنودة وأختامه في جميع السجلات الرسميةللدولة، فضلاً عن عدم شرعية وجوده في القاهرة أو الإسكندرية ويمكنه الإقامة في ديره بوادي النطرون.
أيضا جاء فى حيثيات حكم محكمة القضاء الإداري بتاريخ 3 يناير 1982 ، في التظلم المقدم من شنودة ضد قرار رئيس الجمهورية بعزله عن منصبه
"إن البابا شنودة خيب الآمال ، وتنكب الطريق المستقيم الذي تمليه عليه قوانين البلاد ، واتخذ من الدين ستارًا يخفي أطماعًا سياسية ،كل أقباط مصر براء منها وإذا به يجاهر بتلك الأطماع واضعًا بديلاً لها على حد تعبيره بحرًا من الدماء تغرق فيه البلاد من أقصاها إلى أقصاها ، باذلاً قصارى جهده في دفع عجلة الفتنة بأقصى سرعة ، وعلى غير هدى ، في كل أرجاء البلاد ، غير عابئ بوطن يأويه ، ودولة تحميه وبذلك يكون قد خرج عن ردائه الذي خلعه عليه أقباط مصر"
و أيضا الغريب أن التمثيل البرلماني للأقباط في عهد السادات شهد انتخاب ثلاثة في أول برلمان في عهد السادات وهو برلمان 1971م وتم تعيين تسعة، وفي آخر برلمان عام 1979م تم انتخاب أربعة وتعيين عشرة.
لذا فلا يمكن تحميل عهد السادات و بعض الجماعات الإسلامية المتطرفة عبء بزوغ أول بذور للفتنة الطائفية بدون النظر إلى تغير دور الكنيسة و منهجها فى عهد السادات أيضا لأن كل تلك العوامل تضافرت لتشكل نواة الفتنة الطائفية التى توالت على مصر فى العقود الثلاثة التى تلت فى عهد مبارك و لكن هناك اتجاه آخر يحمل عهد السادات ظهور فكرة الصراع الطائفى على المشهد السياسى المصرى و نعرض هنا لراى مفكريين قبطيين:
يقول الدكتور رفيق حبيب ذلك إلي هزيمة يونيو و انهيار المشروع الناصري مما جعلها مرحلة توتر علي جميع الأصعدة وانعكس ذلك علي علاقة الكنيسة بالدولة سلباً واشتملت التوترات علي أماكن بناء الكنائس - وحتي الآن - وكذلك أحداث العنف الطائفي التي هي مستمرة ولم تنته بعد، وساهم في ذلك تقليص دور الأثرياء الأقباط في عهد السادات وكذلك غياب القيادات القبطية الدينية كصوت للأقباط عن الساحة.
و يقول الكاتب القبطي جمال أسعد أن السادات استغل الدين وأسمي نفسه «الرئيس المؤمن الذي يحكم دولة العلم والإيمان» لأنه لم يجد ما يقدمه أمام «الكاريزما الناصرية» مما صبغ المجتمع بصبغةإسلامية أثرت سلباً في العلاقة بين الأقباط وبينه مقارنة بالعلاقة الحميمة مع عبدالناصر
مبارك: مزيد من الحريات و الحقوق و احتقان طائفى غير مسبوق:
كانت بداية العلاقة بين البابا شنودة والرئيس مبارك ودية مثلما حاول مبارك ظان يعلب هذا الدور مع أغلب تيارات المعارضة في بدايات حكمه، و لا ننسى تلك الصورة الشهيرة التي تجمع الرئيس مبارك بكل المعارضين الذين اعتقلهم الرئيس السادات في سبتمبر 1981، وقتها كان البابا شنودة هو القطب الأبرز فى ذلك المشهد، و قد أوحى هذا المشهد بأن العلاقة التي اتخذت الشكل الصدامي بين النظام والكنيسة في عهدالسادات ستتخذ شكلا مغايرا في عهد مبارك.
ورغم أن عهد مبارك هو كان الأبرز فى الاحتقانات الطائفية نظراً لعدم اتخاذ عقوبات رادعة في الفتن الطائفية و تغليب فكرة يد القسيس فى يد الشيخ و جلسات العرب الإجبارية للصلح اللااختيارى و فض النزاع بدون حله، على الرغم من ذلك حرص البابا دوما طوال سنوات الثمانينيات والتسعينيات التي شهدت ذروة التطرف الإسلامي، علي ألا يمارس أي سلوك يزيد الأعباء علي مبارك، ويمكن القول بأن الأقباط في هذه السنوات التزموا الصمت الذي تحول فيما بعد إلي العزلة، ولم تشهد تلك الفترة أي صعود للأقباط باستثناء المجال الاقتصادي الذي برز فيه عدد من رجال الأعمال الأقباط بدعم واضح من الدولة كنوع من الصفقة المبرمة ضمنيا بين مبارك و الكنيسة.
لكن مع أحداث الكشح الأولي والثانية بدأت المؤسسة الكنسية تتجه للعلن للمطالبة الصريحة والاحتجاج و ظهر للعلن لأول مرة الاتجاه السياسى للكنيسة و الذى سعى شنودة من قبل فى عهد السادات لبروزة هذا الدور سياسيا فقوبل بالاصطدام ألا أن أجواء الانفتاح التى وفرها مبارك للكنيسة ساعدت على تكوين هذا الدور سريعا فزادت التحركات القبطية في الداخل والخارج من أجل تنفيذ فكرة الحريات الدينية حتي لو عبرالتدخل الأجنبي ، و من ثم تجددت الاحتقانات الطائفية بأحداث جريدة النبأ عندما نشرت صورا جنسية لراهب مشلوح وأزمة وفاء قسطنطين والتي جددت مناخ السبعينيات مرة أخري .
ويمكن القول بأن أزمتي الكشح ووفاء قسطنطين تحديدا هما نقطة التحول الرئيسية في المنهج الذي يتبعه البابا شنودةفي التعامل مع نظام مبارك، إذ تغيرت بعدهما نبرة الصوت، وبدا الحديث يتردد مجددا عن احتمالية ذهاب البابا إلي الدير و الاعتصام هناك تعبيرا عن الغضب والحزن مما يحدث، وعلت الأصوات القبطية المنتقدة لما يتعرضون له من اضطهاد،و برزت إلى السطح العديد من المصطلحات السلبية نادى بها بعض المسيحيون المتطرفون فكريا مثل أن مصر بلدنا و المسلمين ضيوف على الاقباط, الاضطهاد, الاستقواء بالخارج ثم دخل علي الخط أقباط المهجر بما يتمتعون به من حرية انتقاد أعلي يكفلها لهم تواجد غالبيتهم في الولايات المتحدةو امتلاكهم هامش مناورة، بما يتيح لهم الحديث بعنف دون أن يعني ذلك أنهم يعبرون عن رأي البابا حتي لو كان هناك تنسيق خفي بينهم وبين الكنيسة القبطية في مصر, كل تلك العوامل أدت إلى زيادة الاحتقان الطائفى بين المسلمين و الاقباط.
ثم كان الحديث المتصاعد دوليا عن احترام حقوق الأقليات، وتحديداً في الدول الإسلامية، وما صاحبه من صدور أكثر من تقرير من عدة جهات دولية ومؤسسات شبه رسمية في الولايات المتحدة، تشير إلي تعرض الأقباط في مصر إلي مظاهر من الاضطهاد. كل هذا قدم فرص ذهبية للبابا شنودة في أن يعلي من سقف مطالبه ومطالب الأقباط، وإن صاحب ذلك شكلا من أشكال المواءمةالسياسية التي تظهر في تأييد البابا شنودة للرئيس مبارك رئيسا لمصر في الانتخابات الرئاسية السابقة أو عن رأيه في جمال مبارك باعتباره أفضل من يكون رئيسا لمصر وفقا لخطة التوريث التى كان ماضيا فيها آل مبارك قبل قيام ثورة يناير المباركةو التى قضت على حلم التوريث و وضعت البابا و الكنيسة بشكل عام فى موضع القلق و الارتباك و رسم كثير من علامات الاستفهام على شكل الدولة القادم الذى بالتأكيد سيحدد طبيعة و دور الكنيسة فى مرحلة مابعد مبارك و هو بالتأكيد ما يقلق الكنيسة بعد النفوذ السياسى الواسع الذى اكتسبته فى عهد المخلوع مبارك.
علاقةالبابا شنودة بالرئيس مبارك يمكن تصويرها فى أطار المنفعة المتبادلةو الصفقة السرية التى تعطى للباباالحق فى أن هو المعبرالوحيد عن الأقباط مقابل أن يستخدم هذه المكانة في تأييد الرئيس والنظام الحاكم ،وفي المقابل هناك توافق علي المستوي السياسي بين الطرفين ظهر منذ اغتيال السادات و معه الأنبا صمائويل فى حادث المنصة الشهير و الذى عينه السادات ضمن المجلس الكنسى لإدارة الكرسى البابوى بعد قرار عزل البابا شنودة عن الكرسى البابوى عام 1981!!
و على الرغم من ذلك فان تلك العلاقة ظهرت في بعض الأوقات في منتهي التناقض الظاهرى فالبابا الذي سارع بالرجوع من رحلته العلاجية في 2005ليعلن تأييده لترشيح مبارك رئيساً للجمهورية، ، هو البابا نفسه الذي قال لأحد الأشخاص يسأله إمكانية الاعتراف للكاهن تليفونيا لا لا وبطلوا بقي رغي في التليفونات عموما علشان أمن الدولة بيسجلكوا! كما أنه قام بإرسال رسالة بعد أحداث بمها بالعياط إلي الرئيس مبارك يطالبه فيها بالكف عما وصفه بـاضطهاد الأقباط في مصر، وهو ما سبب إزعاجاً شديداً في مؤسسة الرئاسة.
و هو البابا الذى شن هجوماً قاسيا علي أقباط المهجر بعد مطالبهم بعمل علم قبطي وإنشاء جامعة قبطية، لدرجة أنه وصفهم بالقلة المارقة، ونوه إلي إمكانية مقاضاتهم لأنهم لا حق لهم في التعبير عن أقباط مصر.. ثم عودته ليؤكد مراراً علي وطنيتهم وحبهم للكنيسة المصرية الأم ويبدو أن هذا التصريح جاء بهدف حرصه علي عدم خسارة ورقة ضغط اكن يستخدمها للضغط على مبارك، و ياتى هذا فى إطار محاولته لإمساك العصا من المنتصف بحيث لا يفقد زعامته الدينية أمام الأقباط خاصة مع وجود تيار علمانى مسيحى ينازعه الزعامة على الأقباط و أيضا على علاقة متوازنة مع مبارك و كل هذا جعل منه رجل سياسة أكثر من كونه رجل دين .
و لعل هذا أيضا الذى يبين حجم اختلاف المنهج الفكرى لكل من البابا شنودة الثالث و البابا كيرلس السادس, فالأخير كان ينظر إلى الكنيسة باعتبارها مكان للعبادة و للوعظ الدينى فقط دون التدخل فى الشئون السياسية للدولة و باعتبار أن الأقباط جزء لا يتجزأ من الشعب المصرى الجهة الوحيدة التى ترعى مصالحه كسائر المصريين هو نظام الدولة و هو الضامن و الحامى لذلك لم تظهر على السطح أى توترات طائفية فى عهد عبد الناصر و أما مع مجىء البابا شنودة تغيرت هذه السياس تماما و أصبح الخط الواضح للكنيسة فى عهد البابا شنودة هو العمل السياسى و محاولة أقتطاع الأقباط من نسيج المجتمع المصرى و خلق زعامة كنسية له يترأسها البابا شنودة و يلعب هو دور الوسيط بين الدولة و الشعب القبطى متخليا ذلك عن دوره الدينى لصالح دوره السياسى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق