الشيخ محمد بن عبد الوهاب
إشكالية التناقض
بداية ضرورية لفهم مجموعة متناقضات
الحقيقة أنى أجد صعوبة بالغة فى تناول ترجمة شخصية مثل شخصية الشيخ محمد عبد الوهاب لأن الجدل الفكرى المثار حول هذه الشخصية للأسف أحاطتها بحالة من الغموض تارة و الارتباك تارة أخرى, فيما تعلق بتقيمها فى ميزان الفكر الاسلامى, أضف إلى ذلك تلك النظرة السلبية التى أحيطت بها الشخصية من خلال تنظير و كتابات الليبراليين و العلمانيين و اليسارين أيضا و لم يقتصر الأمر عند هذا الحد و لكن أمتد إلى أن هاجمه بعض علماء الأزهر الشريف الذين يعرف عن بعضهم الاعتدال و البعض الآخر التصوف, فتحولت القضية من خلاف فكرى إلى صراع مذهبى بين تيارين أبعد ما يكونا على أن يلتقيا, التيار السلفى فى مواجهة التيار الصوفى المتوغل داخل مؤسسة الأزهر الشريف.
لذلك بالغ بعض المنتسبين إلى الفكر السلفى فى الإعلاء من شأن الشيخ محمد عبد الوهاب و بالغ الطرف الآخر فى التقليل من شأن الشيخ محمد عبد الوهاب و الغرابة من خلال قراءاتى السريعة لمختلف تراجم الشيخ محمد عبد الوهاب أن حتى أخاه و أباه وفق بعض المراجع وقفا ضده و ضد فكره و دعواه و على الأخص أخاه سليمان و فى مرجع آخر تجد أن الأب يثنى أشد الثناء على أبنه محمد!!, و كأن المصادر تتعارض و تضطرب و تختل و يوصف أن تحالفه مع آل سعود الهدف منه تحقيق النفع الدنيوى و فى مصادر أخرى تظهر قصة موقف الشيخ من الدنيا موقف الزاهد فيها و المستغنى عنها بالدين و التقرب إلى الله حيث يعترض الشيخ محمد عبد الوهاب على شرط الامير محمد بن سعود الثانى فى التحالف بينهما و هو أن لا يمنع الأمير من الخراج الذي ضربه على أهل الدرعية وقت الثمار فيرد عليه الشيخ برسالة جاء فيها: وأما الثاني: فلعل الله يفتح عليك الفتوحات، وتنال من الغنائم ما يغنيك عن الخراج
أذن نحن امام تاريخ إلى حد ما مرتبك بشأن تحديد ماهية الشيخ و شخصيته و سيرته لأن الجدل الذى أثير حوله للأسف الشديد لحق بتاريخه و سيرته و جعلها سيرة فى بعض أجزائها متضطربة متعارضة و متناقضة و كأنها تعرض لشخصيتين الأولى تريد جمع العباد على كلمة التوحيد و نبذ أشكال الشرك التى انتشرت فى بلاد الحجاز إينذاك مستعينة بقوة محمد بن سعود و الثانية رجل نفعى يريد تحقيق مصلحته الدنيوية باستخدام أى وسيلة للوصول إلى هذا الهدف !!
فهذا التاريخ المضطرب أدى إلى إفراز سيرة غير موضوعية و أصبح ما يعرض أمامنا اليوم من سيرة هذا الرجل هى وجهين متناقضين وجه مدافع و وجه مهاجم و لكل وجهة هو موليها, و قبل الخوض فى سيرة هذا الشيخ بما له و ما عليه و الأمير محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الأولى أيضا بما له و بما عليه؟, هل من باحث تاريخ منصف لا ينحاز لأى من الطرفين و أن يخلى بينه و بين أهوائه الشخصية و التجاذبات التى تشكل بحثه و أن ينأى بنفسه عن أن ينحاز إلى أى فكرة تخصم من رصيد هذا الشخص أو تضيف إليه و أن ينقب فى التاريخ عن كل ما هو موضوعى و حيادى فقط و الحق عندما حاولت أن أقدم قراءة مبسطة عن هذا الشيخ واجهنى هذا الكم الهائل من التناقضات و التاريخ المبنى على تأييد و دعم الشيخ و تاريخ آخر مبنى على نبذ الشيخ و الهجوم عليه , فمن أين أبدأ؟ و إلى أين انتهى ؟ و كيف أنتهج الموضوعية و أدعى الحيادية, هى فى الحقيقة مهمة صعبة و أعترف أننى ورط نفسى بها و أمام قراءاتى السريعة لتاريخ الدولة السعودية الأولى, فتح هذا عينى العديد من الاسئلة منها, ما قام به الامير محمد بن سعود, هل يعد استيلاء على السلطة و ادخال مختلف الامارات فى طاعته هل هو إجبار أم ضرورة؟ هل هو مشروع أم تعدى و تجبر؟ هل فكرته عن بناء دولة موحدة كانت فكرة ذات قيمة و مشروعية أم ينضم إلى ركام الفكر الاستبدادى؟, هل فكرة القومية و المواطنة و الحدود الرسمية كانت مطروحة فى تلك الاوقات فى ذهن الأمير محمد بن سعود و أتباعه, بيد أنها كلها مفاهيم و مصطلحات وليدة الثورة الفرنسية فقط التى وقعت فى أواخر القرن الثامن عشر و حتى مطلع القرن التاسع عشر حيث بدأت النهضة الاوربية الصناعية المذهلة.
هل وصلته هذه الافكار و استعان بها فى إنشاء دولة السعودية الاولى أم أن مصطلح دولة السعودية الأولى من المصطلحات التى تم اصباغها لاحقا على تاريخ ذلك الامير و ألصاق أهداف قومية و حدود وطنية به و هو لم يقل بذلك و لم يفكر فى ذلك او خطر له على بال انما اضاف من صنع من كتبوا تاريخ الدولة السعودية لاحقا؟!!, المعروف فى ذلك الوقت أن الأفكار المتعلقة بالقومية و الوطنية و حدود الدولة و حتى تقسيم الدول العربية على نحو ما هو مطروح حاليا لما يكن موجودا فى ذلك الوقت و لم يكن الشعورد بالافكار الوطنية و القومية يجول ببال كل عربى أو حتى تربى عليه أو مما أنشىء عليه, كان الرعايا فى الوطن العربى ينظرون إلى أن كل الاقطار العربية على أنها بلاد المسلمين يجوز لأى مسلم أن يتنقل بينها و أن كل أرض و كل بقعة منها هى تعتبر أرضه و لم تكن هناك جوازت سفر تحمل الجنسية المصرية أو السورية أو غيرها, أذن فذلك الفكر الوطنى و فكرة ترسيم حدود سياسية لم تكن موجودة و أعتقد أنها لم تكن موجودة أيضا فى عقلية الامير محمد بن سعود أو أعوانه ,أذن فأن خروجه لتوحيد عدد من الأمارات المنتشرة ببلاد الحجاز بهدف جمع الغنائم من جراء الفتوحات و أيضا بهدف فرض الخراج على مزارعى الأمارات المختلفة, فلنا أن نتخيل حجم المكاسب المادية التى ستعود عليه عندما تدخل كل هذه الاقطار فى طاعته و أنها من الممكن أن تعينه على بناء جيش قوى قادر فى مرحلة متقدمة على الهجوم على حدود الدولة العثمانية و تهديد أمنها و ضم سورية إلى بلاد الحجاز, ربما !!
فهل يجوز أن تحالف الأمير محمد بن سعود مع دعوى الشيخ محمد عبد الوهاب مبنى على المصلحة, ربما من الطرفين و من طرف واحد, الاستفادة التى تعود على الشيخ محمد عبد الوهاب هو نشر دعوته باستخدام القوة لمن آبى أن يسمعها أو يتبعها فاستخدام القوة هنا هو للتخلية بين اتباع الشيخ و الناس فى هذه المناطق لتحقيق الدعوة و بالنسبة للامير محمد بن سعود هو غطاء شرعى لفتوحاته لأن البلاد التى كان يفتحها الأمير محمد بن سعود كانت تأتمر بأمير لها يدور فى فلكه بضعة شيوخ قادرين على أن يصيغوا له ما شاء من فتاوى فى تكفير أو الصاق أى تهمة دينية مسيسة بحق الامير محمد بن سعود تثبط الناس و تخوفهم من مساعدته فكان لزاما على الأمير محد بن سعود أن يستفيد بدعوى الشيخ محمد عبد الوهاب التى لاقت الترحاب و القبول ليبسط هو الآخر بساط من الشرعية يبرر لاهالى تلك الامارات فتوحاته و أنه على حق و يحظى بالدعم الدينى و يصرف الاذهان عن الأهداف الآخرى لفتوحاته أيضا, أذن لاقى مذهب او دعوى الشيخ محمد عبد الوهاب ترحاب الناس و لاقى القبول و التأييد ألا يعد هذا شرعية من الشعب تعطى لمثل هذا الرجل, أنا فى حل من أنصافه أو حتى الاختصام معه و لكنه تساؤل أطرحه لعل من مجيب, إليس لأن دعواه فعلا تتفق مع الفطرة السليمة للدين الاسلامى و بالتالى تحطم كل اشكال العبودية لغير الله و الشرك به نظرا لانتشار مذاهب فاسدة فى الجزيرة العربية من التبرك بالاضرحة و طلب الشفاعة و سؤال الاولياء المدفونين فى تلك الاضرحة و انتشار السحر و الدجل و الشعوذة فكان لابد من دعوة لتصحيح المسار و لأن تصحيح المسار عن تلك الضلالات هى الفطرة السليمة لأى إنسان مسلم فالطبيعى أن تلقى القبول لدى الناس لأنها الفطرة التى فطر الله عليها عباده و لكنه سؤال أثيره لعلنا نفكر فيه سويا حتى نصل الى إجابة لتقييم تلك الدعوة على ما علق بها من تأييد مطلق وصل إلى حد المبالغة و رفض مطلق وصل إلى حد التسفيه و التحقير.
التعريف بالشيخ محمد بن عبد الوهاب
ولد محمد بن عبد الوهاب سنة 1115 هـ (الموافق من 1703م)، وذلك في مدينة العيينة قرب الرياض[ رحل محمد بن عبد الوهاب إلى مكة والمدينة والبصرة أكثر من مرة طلباً للعلم ولم يتمكن من الرحلة إلى الشام، ثم عاد إلى نجد يدعو الناس إلى التوحيد .
والراجح أن محمد بن عبد الوهاب لم يتجاوزالحجاز والعراق والأحساء في طلب العلم. فتفقه على المذهب الحنبلي وتلقاه على يد والده بإسناد متصل ينتهي إلى الإمام أحمد بن حنبل. كما تلقى علم الحديث النبوي ومروياته وكتب اللغة والتوحيد وغيرها من العلوم عن شيخيه: العلامة عبد الله الفرضي الحنبلي والمحدث محمد حياة السندي.
و لقد أرتأيت أن ألقى الضوء و لو بالنذر اليسير على حياة أحد شيخى الشيخ محمد بن عبد الوهاب, فتعددت المصارد و تنوعت فى المحدث محمد السندى و لم أجد مصدر واحد من الممكن أن يسلط الاضواء على العلامة عبد الله الفرضى الحنبلى و لذلك قررت أن ألقى الضوء على المحدث محمد السندى لعله يضىء ركن جديد فى السيرة الذاتية للشيخ محمد بن عبد الوهاب, هو محمَّد حياة بن ابراهيم السِّندي الأصْلُ والمَوْلِد، المدني الإقامة والوفاة، ولد بمدينة (جاجر) من إقليم السند، ونشأ بها، ولم يذكر مترجموه تاريخ ولادته، ثمَّ انتقل إلى مدينة (تته) ـ قاعدة بلاد السند ـ بدأ هناك ينكب على طلب العلم، ويأخذ عن علمائها ومشايخها، فأخذ العلم على يد العلاَّمة الهند الشيخ وليّ الله الدَّهلوي، ولازم الشيخ العلاَّمة محمَّد معين بن محمَّد أمين التتوي السندي وهو من مشاهير البلدة ثم رحل إلى الحرمين الشَّريفين، فحجَّ، وتوطَّن المدينة، وأخذ عن علامائها، ولازم الشيخ أبا الحسن بن عبد الهادي السندي المدني، وجلس مجلسه بعد وفاته أربعًا وعشرين سنة.
و بالعودة مرة أخرى إلى محمد بن عبد الوهاب فكان يدعو الناس إلى عقيدة التوحيد، ولذلك سمى أتباعه هذه الدعوة بالدعوة السلفية نسبة إلى السلف الصالح. وكانت جل دعوته إعادة الناس إلى تحقيق التوحيد ونبذ الشرك الذي كثر آن ذاك مثل التعبد بالقبور والتقرب بالأصنام والأشخاص والبناء على القبور والتعامل بالسحر
يروي ابن بشر في تاريخه أن الشيخ أخرج من العيينة طريداً، وكان سبب إخراجه من العيينة هو أن ابن معمر أمير العيينة خاف من حاكم الإحساء من أن يقطع عنه المعونة، فأخرج الشيخ من العيينة. فتوجه إلى الدرعية, انتقل الشيخ إلى دار تلميذ الشيخ محمد بن سويلم العريني، وهناك بدأ التزاور بين خصائص أهل العلم من الدرعية، ولما اطلعوا على دعوة الشيخ أرادوا أن يشيروا على ابن سعود بنصرته، فهابوه، فأتوا إلى زوجته موضي بنت محمد بن عبد الله بن سويلم العريني وأخيه ثنيان، فأخبروها عن الشيخ و مكانه ، فاتبعا دعوة الشيخ وقررا نصرته
و هنا تذكر قصة قد يصح ما جاء فيها و قد يختلف و لو بدرجة ما لانى اقيسها وفق المنطق و العقل و لا اقيسها وفق المعطيات و الأدلة و لربما هذا يضعف من فرضيتى و لكنه يبقى مجرد راى قابل للاخذ و الرد, فكما ورد فى قصة تعارف الامير محمد بن سعود على الشيخ بن عبد الوهاب أن دخل محمد بن سعود على زوجته فأخبرته بمكان الشيخ وقالت له: هذا الرجل ساقه الله إليك وهو غنيمة فاغتنم ما خصك الله به
فقبل قولها ثم دخل على أخوه ثنيان وأخوه مشاري، فأشارا عليه بمساعدته ونصرته. أراد أن يرسل إليه، فقالوا: سر إليه برجلك في مكانه وأظهر تعظيمه والاحتفال به، لعل الناس أن يكرموه ويعظموه، فذهب محمد بن سعود إلى مكان الشيخ ورحب به وأبدى غاية الإكرام والتبجيل وأخبره أنه يمنعه بما يمنع به نساءه وأولاده. وقال له: أبشر ببلاد خير من بلادك وأبشر بالعزة والمنعة، فقال الشيخ: وأنا أبشرك بالعزة والتمكين وهذه كلمة لا إله إلا الله من تمسك بها وعمل بها ونصرها؛ ملك بها البلاد والعباد، وهي كلمة التوحيد وأول ما دعت إليه الرسل من أولهم إلى آخرهم وأنت ترى نجداً وأقطارها أطبقت على الشرك والجهل والفرقة وقتال بعضهم بعض؛ فأرجو أن تكون إماماً يجتمع عليه المسلمون وذريتك من بعدك
الملحوظة التى أعلق بها على هذه القصة أنه ليس مقبولا عندى أن يدخل الشيخ إلى الدرعية التى هى فى أمرة الامير محمد بن سعود و لا يعلم الأخر به أو يسمع عنه ألا من زوجته و أخويه, و قد زاره أهل العلم من الدرعية و أعجبوا بدعوته و لكن الأجدى أن الامير محمد بن سعود يعلم و ملم بأمر الشيخ و لكنه أخذ الرأى و المشورة من زوجته و أخويه, هى ملحوظة قد لا تشكل فارق جوهرى فى القصة أو تخل بها و لكنى وجدت من الضرورى أن أضعها بين يدى القارىء الكريم.
و ثانيا هناك نقطة هامة فى الحوار الذى دار بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب و الأمير محمد بن سعود أن هناك صفقة متبادلة بين الطرفين لنصرة كلا منهما الأخر و يجب ألا نأخذ الصفقة هنا على المحمل السلبى للكلمة فالامير يضمن للشيخ العزة و المنعة و يمنيه ببلاد خير من بلاده التى حاربته و طردته و الشيخ يبشره بالتمكين و أيضا يسوق له ما يروق لنفس الأمير و هو ان يكون إماما يجتمع عليه المسلمون و أيضا ذريته من بعده و هنا يمكن بيت القصيد, هو قبول الشيخ لفكرة توريث الحكم و فى ذلك مخالفة صريحة لدعوة هادى البشرية الذى جاء ليحرر الناس من أن يورث الحاكم ذريته حكم البلاد و العباد و أن يكون الأمر شورى بين المسلمين و كان هذا هو أيضا هدى الصحابة من بعده و لكن مع ذلك غض الشيخ الطرف عن هذه الجزئية و وعد الامير بان يقوم بدوره الاعلامى لأن المؤسسة الدينية فى ذلك الوقت كانت تقوم بالدور الاعلامى للأمير أو الخليفة الحاكم و هى التى تعطيه الشرعية بين العوام و تنزع منه الشرعية لأن الناس يحتكمون إلى الدين فإذا كان الدين يصوغ لشرعية الحاكم فعلى الرعية الطاع ة و أيضا تسويغ فكرة أن يرث أبناء الأمير الحكم من بعده, فكان من الضرورى أن يقدم الشيخ هذا العرض المغرى للامير لانه يتفق مع أطماع و طموح الأمير بن سعود فى ذلك الوقت فى أن يكون إماما يجتمع عليه المسلمون و الأهم أن تكون فى ذريته من بعده.
و ثالثا: كان من الذكاء و الدهاء السياسى أن أشار شقيقى الامير بن سعود عليه بأن يذهب الأمير بنفسه إلى الشيخ لما فى ذلك من وقع كبير و عميق فى نفوس العامة و تعطى الشيخ شرعية سلطوية لأن يتقلد منصب المرجعية الدينية فى المرحلة المقبلة لتأسيس مملكة أو إمارة كبرى للأمير بن سعود فالطرفين يضفيان شرعية على بعضهما البعض و زيارة الأمير للشيخ هى رسالة للناس أن أحكام الشيخ الدينية بمثابة حكم قادر على تنفيذه القانون بالقوة المتمثل فى سيف الأمير بن سعود و هى رسالة للاقطار المحيطة أن فتح الامير بن سعود لهذه الاقطار ما هو ألا تنفيذا لأحكام الدين, اختلفنا او اتفقنا على هذه القراءة و لكن هناك جانب يجب التنويه عنه و هو أن تنفيذ أحكام الشرع تستلزم فى بعض الأحيان سلطة تنفيذية قادرة على تفعيل هذه الاحكام و هو متوفر بالضرورة فى جيش الامير محمد بن سعود و لا يخفى علينا أن الاقطار المحيطة بالدرعية كانت تعج بمظاهر شركية و تبتعد إلى حد كبير عن روح الاسلام و فطرته السليمة و أحيانا تحتاج إعادة الناس إلى الفطرة السليمة لاستخدام شىء من القوة من أجل التمكين من الدعوة للانطلاق بحرية بين العوام أما الحديث عن إساءة استخدام هذه القوة أو استغلال الشيخ لهذه القوة لتصفية بعض الخصوم على حسب ما ورد فى بعض المصارد المخالفة للشيخ بن عبد الوهاب فهى محل نظر
أراء المخالفين للشيخ عبد الوهاب فيه
قال مفتي الحنابلة بمكة المتوفى سنة ١٢٩٥ هـ الشيخ محمد بن عبد الله النجدي الحنبلي في كتابه "السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة" فإنه كان إذا باينه أحد ورد عليه ولم يقدر على قتله مجاهرة يرسل إليه من يغتاله في فراشه أو في السوق ليلا لقوله بتكفير من خالفه واستحلاله قتله، وقيل إن مجنونًا كان في بلدة ومن عادته أن يضرب من واجهه ولو بالسلاح، فأمر محمدٌ أن يعطى سيفًا ويدخل على أخيه الشيخ سليمان وهو في المسجد وحده، فأدخل عليه فلما رءاه الشيخ سليمان خاف منه فرمى المجنون السيف من يده وصار يقول: يا سليمان لا تخف إنك من الآمنين ويكررها مرارا، ولا شك أن هذه من الكرامات ". ا.هـ
الحق أننى لا أعلم مدى مصداقية هذه القصة من عدمها و لكنها لكاتبها الشيخ محمد بن عبد الله النجدى الحنبلى مفتى الحنابلة بمكة كما ورد فى صدر الفقرة:" و لكن الثابت أن الشيخ سليمان بن عبد الوهاب من المخالفين للشيخ محمد عبد الوهاب و رد عليه سليمان اخاه فى كتابين الأول : " الصواعق الالهية فى الرد على الوهابية " و الثانى : " فصل الخطاب في الرد على محمد بن عبد الوهاب" و هناك رد من جانب الدكتور محمد بن سعد الشويعر على ما ورد بشأن هذين الكتابين و نسبتهما إلى الشيخ سليمان بن عبد الوهاب و يقول فيه: " والشيخ سليمان بن عبد الوهاب، أراد أهل الباطل أن يتسلقوا على كتفه بالكذب عليه، وجعله مطية تدافع عن أهوائهم وباطلهم، فنسبوا إليه كتابين هو منهما براء وهما: ((صواعق الألهية في الرد على الوهابية))، و((فصل الخطاب في الرد على محمد بن عبد الوهاب))، هذا ما وصل إلينا علمه، وقد تكون رغبات أهل الأهواء زادت بمؤلفات أخرى كما يحلو لهم"و لكن الكاتب لم يقم الدليل على فرضيته و لكنه كما قال هذا ما وصل إلينا علمه و لم يقدم أى دليل على مصداقيته و بالعودة مرة أخرى لمعارضى عبد الوهاب هناك أيضا أحد علماء الحنابلة بمكة المسمى محمد بن حميد لم يذكر محمد بن عبد الوهاب فى عداد أهل العلم من الحنابلة و قد ذكر نحو ثمانمائة عالم و عالمة فى المذهب الحنبلى حتى أنه ذكر أباه عبد الوهاب و أثنى عليه بالعلم و ألمح إلى أن أباه كان غضبان عليه و حذر منه و كان يقول : يا ما ترون من محمد من الشر!! و أن والده أخذ على أبنه محمد فى فهمه للدين ما نصه :ولا يلتفت إلى كلام عالم متقدمًا أو متأخرا كائنا من كان غير الشيخ تقي الدين بن تيمية وتلميذه ابن القيم فإنه يرى كلامهما نصّا لا يقبل التأويل ويصول به على الناس وإن كان كلامهما على غير ما يفهم،و لكن فى موضع آخر و من مصدر آخر يذكر أن أباه كان يتعجب من فهمه ويقول: لقد استفدت من ولدي محمد فوائد من الأحكام !!, بسبب هذه الاخبار اصبانى الارتباك و الحيرة , لكثرة التضارب و التخبط و الاضطراب فى الحكى عن سيرة الشيخ محمد عبد الوهاب ففى أحدى التراجم نفس الشخص الذى يذم فيه و يقدح فى علمه و يحذر الناس من شره هو الذى يمتدحه و يثنى على علمه فى مصدر آخر و كأن تاريخ ذلك الشيخ يكتبه كل فريق وفق ما يرى و يهوى !!
و فى مصدر آخر شهد له أبرز علماء الشيعة بالاجتهاد: إنه "آية الله العظمى" البرقعي، حيث يقول عن حكومة الخميني:
ليعلم القارئ أن هذه الدولة جعلت الناس أعداءً لنا، فإن كل من جرى على لسان كلمة لبيان العقائد الموافقة للقرآن، فإن نظام الخميني يتهمه بأنه "وهابي" مع أنه لا يوجد في الدنيا مذهب اسمه "الوهابية"، وإنما هم لغرض استعداء الناس وتنفيرهم. نعم! من حيث العقيدة هم يسيرون على عقائد محمد بن عبد الوهاب، ولكنه لم يأت بمذهب جديد، وإنما هي آراء ابن تيمية وابن القيم، وهذان أيضا لم يفعلا شيئاً سوى محاربة الخرافات والبدع، ودعوة الناس إلى الرجوع إلى القرآن.
اكتفى بهذا القدر بشأن من خالف الشيخ فقدح فيه و ذم و من وافقه فأثنى عليه و بالغ و لكن يمكن دائما الوصول إلى منطقة وسطى بين هذا و ذاك للوقوف على الحقيقة و يجعلنا ذلك قادرين على أن نتبين من هو الشيخ من خلال المقارنة و المقابلة بين رأى كلا الفريقين و اختلاف المصادر المؤيدة و المعارضة
مؤلفاته
أحاديث في الفتن والحوادث
- أحكام الصلاة
- آداب المشي إلى الصلاة
- أربع قواعد تدور الأحكام عليها
- أصول الإيمان
- منسك الحج
- الجواهر المضية
- الخطب المنبرية
- الرسائل الشخصية
- الرسالة المفيدة
- الطهارة
- القواعد الأربعة
- الكبائر
- مسائل الجاهلية
- بعض فوائد صلح الحديبية
- تفسير آيات من القرآن الكريم
- ثلاثة أصول
- مجموعة الحديث على أبواب الفقه
- رسالة في الرد على الرافضة
- شروط الصلاة وأركانها وواجباتها
- فتاوى ومسائل
- فضائل القرآن
- فضل الإسلام
- كتاب التوحيد
- كشف الشبهات
- مبحث الاجتهاد والخلاف
- مجموعة رسائل في التوحيد والإيمان
- مختصر الإنصاف والشرح الكبير
- مختصر تفسير سورة الأنفال
- مختصر زاد المعاد لابن قيم الجوزية
- مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم
- مسائل لخصها الشيخ محمد بن عبد الوهاب من كلام ابن تيمية
- مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد
ابن تيمية و محمد بن عبد الوهاب
اعتناق الشبخ محمد بن عبد الوهاب لافكار الشيخ ابن تيمية لا يبدو غريبا و حتى كل الذين اتبعوه من بعده لفكر ابن تيمية على وجه الخصوص و ذلك إذا طابقنا أوجه الشبة بين الظروف التى عاش فيها شيخ الاسلام ابن تيمية و بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب, فكلاهما عاش ظروف النفى و الاستبعاد و الهجوم الشرس على ما كان يدعوان إليه و أيضا ابن تيمية تصدر لمكافحة الصوفية بشكل خاص و اشكال البدعة و الشرك بشكل عام فى دمشق و مصر أيضا و كان على عداوة شديدة مع الصوفيين و فى ذلك يقول د. عبد الله بن صالح بن عبد العزيز الغصن :" امتحن الشيخ ( ابن تيمية) مرات عدة بسبب نكاية الأقران وحسدهم، ولما كانت منزلة شيخ الإسلام في الشام عالية عند الولاة وعند الرعية وشى به ضعاف النفوس عند الولاة في مصر، ولم يجدوا غير القدح في عقيدته، فطلب إلى مصر، وتوجه إليها سنة 705هـ. بعدما عقدت له مجالس في دمشق لم يكن للمخالف فيها حجة ، وبعد أن وصل إلى مصر بيوم عقدوا له محاكمة كان يظن شيخ الإسلام رحمه الله أنها مناظرة، فامتنع عن الإجابة حين علم أن الخصم والحكم واحد واستمر في السجن إلى شهر صفر سنة 707هـ، حيث طلب منه وفد من الشام بأن يخرج من السجن، فخرج وآثر البقاء في مصر على رغبتهم الذهاب معهم إلى دمشقوفي آخر السنة التي أخرج فيها من السجن تعالت صيحات الصوفية في مصر، ومطالباتهم في إسكات صوت شيخ الإسلام رحمه الله فكان أن خُير شيخ الإسلام بين أن يذهب إلى دمشق أو إلى الإسكندرية أو أن يختار الحبس، فاختار الحبس، إلا أن طلابه ومحبيه أصروا عليه أن يقبل الذهاب إلى دمشق، ففعل نزولاً عند رغبتهم وإلحاحهم."
لذا رأى محمد بن عبد الوهاب فى ابن تيمية النموذج و المثل و أعجب به و أخذ عنه نتيجة للتشابه الكبير جدا بين الظروف التى نشأ فيها عبد الوهاب و مدى تقاربها أيضا مع الظروف التى عاش فيها ابن تيمية و سار على نهجه فى مكافحة كل أشكال الشرك و البدع فابن تيمية كان يواجه و يقارع المبتدعين و كذلك محمد بن عبد الوهاب كان يواجه أمثال هؤلاء فى بلاد الحجاز فلما اتفقت الظروف اتفقت الغاية و اتفق المنهج و الطريقة أيضا و هذا يدعو إلى لفت الانظار إلى أن محمد عبد الوهاب لم يأتى بجديد و لكنه عاد ليردد ما كان يطرح من قبل و نتيجة لتطابق الظروف بينه و بين ابن تيمية فكان هو مصدره فى الحكم على المبتدعة بينما هناك علماء دين آخرين لم يأخذ عنهم أو يلتفت إليهم كثيرا لأنهم لم يعايشوا مثل ما عايش هو و وجد ذلك فى ابن تيمية فقلت فتواهم و أرائهم فى باب المبتدعة و كيفية مكافحتهم و نصح الناس لتوخى الحذر منهم و ما إلى هذا.
إمارة الدرعية
وجدت أنه من اللائق أن أذكر ولو نبذة مختصرة عن إمارة الدرعية التى احتضنت دعوى الشيخ محمد بن عبد الوهاب و انطلقت منها إلى كافة أقطار بلاد الحجاز ثم إلى كافة الأقطار الاسلامية فى العصر الحديث فبلدة الدرعية أسسها مانع بن ربيعة المريدي الدرعي سماها بالدرعية نسبة إلى بلدته التي قدم منها وهي الدروع (بلدة أو قرية صغيرة كانت قديما بالقرب من القطيف)، وهي نسبة إلى جده درع أيضاً، وقد قدم مانع المريدي بعد أن دعاه ابن عمه ابن درع من حجر اليمامة لأخذ منطقة بالقرب من وادي حنيفة ولما توفى مانع خلفه ابنه ربيعة بن مانع فترأس أهل البلد، وتكاثر سكان الدرعية، فأراد ربيعة توسعة رقعتها بالاستحواذ على جانب من أراضي آل يزيد وكانت لهم قريتا النُعْمية والوصيل المجاورتان للدرعية، فدفعوه عنهم، فقاتلهم، وقوى ابن لربيعة، اسمه موسى فأصبح على الامارة في أيام أبيه، واستقر في الحكم وقضى على شوكة جيرانه آل يزيد، ودمر منازلهم وأجلاهم عن قريتيهم وألحقهما بأراضي الدرعية، وحكم بعده ابنه إبراهيم بن موسى ثم ولده مرخان بن إبراهيم، وبعد وفاة مرخان، تأمر ابناه ربيعة ومقرن مشتركين معا، وتداول الإمارة بعدهما، ابناهما وطبان بن ربيعة بن مرخان، ومرخان بن مقرن بن مرخان. ثم ناصر بن محمد بن وطبان، فمحمد بن مقرن، فإبراهيم بن وطبان، فأدريس بن وطبان، إلى أن كانت أيام موسى بن ربيعة بن وطبان سنة 1131هـ، فخلعه أهل الدرعية سنة 1132 هـ الموافق 1720م فتولاها سعود الأول بن محمد بن مقرن وتوفى سنة 1137 هـ الموافق 1725م وبعد وفاته، خلفه أكبر رجال الأسرة سناً، زيد بن مرخان بن وطبان وقتل سنة 1139 هـ الموافق 1726م وتولى محمد بن سعود بن محمد بن مقرن إمارة الدرعية الذي أصبح فيما بعد أول أئمة الدولة السعودية الأولى.
وفاته
في عام 1206 هجريا, توفي الشيخ محمد بن عبد الوهاب في العينية بقرب من الرياض ، قال ابن غنام في الروضة (2/154 ) : كان ابتداء المرض به في شوال ، ثم كان وفاته في يوم الاثنين من آخر الشهر . وكذا قال عبد الرحمن بن قاسم في الدرر السنية (12/20 ) ، أما ابن بشر فيقول : كانت وفاته آخر ذي القعدة من السنة المذكورة . عنوان المجد (1/95 ) . وقول ابن غنام أرجح ؛ لتقدمه في الزمن على ابن بشر ومعاصرته للشيخ وشهوده زمن وفاته وتدوينه لتاريخه . وكان عمر الشيخ محمد بن عبد الوهاب 92 عام ، وتوفي وقد قيل أنه لم يخلف ديناراً ولا درهماً ،و يمكن الرجوع إلى: روضة ابن غنام (2/155) .
خاتمة
بالتأكيد هذه دراسة قصيرة جدا لا تفى الموضوع حقه و إن كان يطول شرحه لبيان التناقضات التى احيطت به و اصبغت حالة من الغموض على سيرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب كما سبق و اسلفنا و الحق أن الظاهرة السلفية فى العصر الحديث قد الصقت بها الكثير من التهم و الافتراءات و أديرت حولها الكثير من جلسات النقاش ما بين مؤيد و معارض و كان لابد الرجوع فى بادىء الأمر إلى أول مؤسس للدعوة السلفية على الرغم من كراهية أو رفض الكثير من السلفيين و خاصة العلماء منهم نسبة التيار السلفى أو الدعوة السلفية إلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب و اعتبارها دعوة قديمة ممتدة من عصر الصحابة إلى يومنا هذا و هى ليست بالجديدة و ليست بالفرقة أو الجماعة و لكنه منهج إسلامى يندرج تحته كل مسلم قرر أن يتبع المنهج السلفى و يرفضوا أن يطلق عليهم اسم تنظيم على حد ما يرون و يعتقدون فى ذلك و لكن أيضا انتشار هذه الدعوة و خروجها إلى النور فى كل الاحوال ارتبطت بالشيخ محمد بن عبد الوهاب و محاولة إقصاء هذه الحقيقة أو نفيها لن تجدى لأنها ارتبطت به ليس كأمير جماعة و لكن فى أطار الدعوة و حركة تصحيح أطلق عليها السلفية على اعتبار أنها تتبع سلف الأمة و على الرغم من بعض المآخذ التى من الممكن أن يأخذها المرء على الفكر السلفى ألا أنه استطاع أن يجلى غشاوات كثيرة كانت تسيطر على العوام من المسلمين و يصحح مسار الكثير من الافكار المغلوطة التى تسللت إلى مجتمعنا الاسلامى و حرفت البعض عن مساره بعض الشىء و لكل تيار و فكر سلبيات و ايجابيات و لكن يمكن قياس تميز تيار أو صلاح تيار أو فكر عند مقارنته بالآخر لبيان سلبياته و ايجابياته فإذا غلبت كفة الايجابيات فمن الانصاف أن نعطى هذا الفكر حقه و أنا أرى من وجهة نظرى المتواضعة أن هذا التيار تيار اصلاحى و ليس تيار الجمود و التحجر و الرجوع ألف عام إلى الوراء كما يشاع عنه من قبل البعض و على المرء أن يحكم عقله فيما يسمع و يقرأ حتى يحكم بموضوعية و أتمنى أن أكون موضوعى فى مقالى هذا و لم أخل بشروط الموضوعية متحيزا لطرف على حساب طرف أو أكون متحاملا على الشيخ أو حتى مجاملا له فمحاولة التجرد من هذه الاهواء هو أول الطريق للنظر بموضوعية و الوصول إلى جزء كبير من الحقيقة فى نهاية الطريق و الله الموفق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق