سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

الخميس، 22 مارس 2012

مقالات سياسية: أحنا بتوع القرار بقلم/ مروان محمد



كتبت فى عام 2006

لكل جماعات ( احنا بتوع القرار ) أهدى هذه الرسالة إليهم ..!!

من منا لا يحب كرسى الرياسة و بريقه الخاطف للأبصار, من منا لا تستهويه نفسه لأن يتخذ قرارا سياديا أو مصيريا , من منا فى أعماق نفسه لا يتمنى السلطة المقدسة و الكلاب التى تتبعها و الساجدين لها.

و لكن تختلف الطبائع , فمنا من يكبت تلك الرغبة الخبيثة و منا من يتوق لأظهارها و يتحين الفرص لأظهارها , كلنا ننظر بإجلال شديد إلى أصحاب القرار و نتمنى أن نضيف أيضا إلى قرارتهم قرار آخر حتى لو كان قرارا هزليا أو كرتونيا أو ورقيا , أنه يا سادة حب القرار و عشقه حتى الجنون فهو كالوباءات التى نسمع عنها و تطل علينا بين الفينة و الأخرى كوباء "جنون البقر و أنفلونزا الطيور و الأيدز و ...."

عقدة نفسية يجب أن يوليها علماء النفس الدراسة و العناية التامة عقدة تسمى ( أحنا بتوع القرار) , مرض له أنتشار ملحوظ فى بلادنا العربية , كلنا نريد أن نتخذ قرارات هامة , بصرف النظر عن امكانيات الشخص المتخذ للقرار و مكانته العلمية و خبرته العملية فالذى يهم معظمنا فى الأمر هو البريق الذى يتخلف عن اتخاذ القرار و عشق السيادة و الاستبدادية و فرض الأراء المتسلطة و رسم الخطط العشوائية لحياة البشر !!

و عشق تسليط الاضواء و أن تكون هذه القرارات محور أحاديث الصباح و المساء و لا يقنع أيا منا أن يمارس دوره الطبيعى , فحب أخذ القرار لدينا كحب آبائنا أو أشد حبا و هو أشهى لدينا من اللحم الضانى و الفراخ المشوى و هو يمثل للكثير منا هواجس الليل و أضغاث أحلام و للمرتعشين عفاريت الخرابة و أصبح لدى شعوبنا العربية مرض نفسى أسمه (أحنا بتوع القرار) و كما هو معروف أن القراءة للجميع و التعليم حق للجميع و المأكل و المشرب و المسكن و الملبس مطالب أساسية لأى حياة آدمية فأن أخذ القرار يعلو كل هذه المطالب و كل الحقوق عند شعوبنا العربية , القرار لعبة نستهواها جميعا و نحب أن نلعبها جميعا بلا استثناء و ذلك يذكرنى بقول توفيق الدقن فى فيلم الحرافيش و هو يتساءل فى استنكار أذا تحول الجميع إلى بلطجية فمن الذى سنمارس عليه البلطجة ؟!!, سؤال فى محله و هذا ما أطرحة أنا أيضا إذا تحولنا جميعا إلى صناع قرار فمن أذن الذى سينفذ القرار أم أننا سنجلس جميعا فى انتظار شخص يتقبل أن يقوم بدور تنفيذى و ليس سلطوى بحت.

جميع المؤسسات المدنية و الاقتصادية و الحكومية الكبرى فى بلداننا العربية عندما تتضخم و تقوى شوكتها تبدأ على الفور فى تفريخ عشرات الانقسامات و الجماعات الصغيرة الهشة التى لا كيان لها و لا قوة و من ثم ينهار الكيان الأصل و يشيخ مبكرا و ذلك بفضل ظهور جماعات ( أحنا بتوع القرار) و تبدأ هذه الجماعات الخائبة فى أصدار قرارات كرتونية و التى هى سبب نشأتها و تكوينها فتحترق هذه القرارات الكرتونية بسرعة صدورها فتجلس جماعة ( أحنا بتوع القرار) تجهز لقرار كرتونى آخر يحترق أثناء ولادته.

و لأن جماعة ( أحنا بتوع القرار) انتقلت من مربع تنفيذ القرار لمربع اتخاذ القرار اختل دورها الطبيعى و ذلك لأن مكوناتها الشخصية و خبرتها العملية و درجتها العلمية لا تؤهل لها أكثر من دور المربع الأول , لماذا لا نسلم بأدوارنا فى سلم تدرج و توزيع الأدوار بما يتفق مع مؤهلات كل شخص و لماذا لا يكون هناك انسجام و موائمة بين مختلف الأدوار فى تدرجها بين مستوياتها المختلفة , هذه ظاهرة تنفرد بها مجتمعاتنا العربية , كراهية العمل الجماعى و حب الفردية و تقديس الذاتية و عبادة القرار و كرسى السيادة .
تتفتت المؤسسات الكبرى إلى عدد من الجماعات الصغيرة الورقية لأن كل جماعة اجتمعت على هدف واحد و هو ( أحنا بتوع القرار) و ليس لأى هدف آخر و لكنه جنون اتخاذ القرار و ليس أدل على ذلك أكثر من تفشى المنظمات بمختلف أشكالها فى بلداننا العربية .

فتجد لدى فلسطين عشرات من منظمات المقاومة مثل فتح و حماس و جهاد و حركة المقاومة الشعبية و ما لا تسعه الذاكرة و تجد فى العراق عشرات السرايا و كتائب المقاومة للاحتلال الاجنبى و كل تنظيم يخرج عنه عشرات التنظيمات هشة التكوين لأن كل طموحات أصحابها الاجتماع فى غرفة و اتخاذ القرار و ذلك يؤدى إلى تشتت الجهود و ضياع الفرص الحقيقية للتطوير فلا تتجاوز نباح الكلاب و نقيق الضفادع و لسعات نحل و.... !!

حزب الغد على سبيل المثال خرج منه منشقين على الدكتور أيمن نور بعد الانتخابات الرئاسية ليكونوا شىء أشبة بنسخة رديئة من الحزب الأصلى أطلقوا عليه هو الآخر حزب الغد و كل ذلك طمعا فى اتخاذ القرار , ليس أكثر و ليس أقل فموسى مصطفى موسى عز عليه أن يجد الأضواء مسلطة على أيمن نور و أحاديث الصباح و المساء تدور حوله فأنشق عليه هو و من اتبعه ليكونوا هم أيضا أصحاب قرارت و محط للأنظار و لو بالذكر السىء و السمعة الملوثة فأخرجوا جريدة مطابقة لجريدة الغد الأصلية و أنبرى فيها موسى مصطفى موسى يتخذ على صفحاتها القرارات و يذكرنا أكثر من ألف مرة أنه ليس مهمش و لن يكون فى الظل أبدا و أنه رئيس الغد الشرعى و ما إلى ذلك من هواجس كل جماعات ( أحنا بتوع القرار) لذلك فأن كل قرارته هو و من تبعه قرارت كرتونية و تصريحاتهم تصريحات ورقية و كراسيهم الوهمية كراسى من قش, أنشق عن الحزب ليس لهدف أكثر من كونه يطمع فى أن يتخذ قرار و أن يكون له نفس عامود أيمن نور و نفس اللقب و نفس القدر من تسليط الأضواء و لأن حركة انشقاقه لم تثمر عن جديد غير أنها تحولت إلى بوق دعاية للسلطة فهو رغم كل ذلك غير قادر على لعب دور صناعة القرار.

و الوفديون الذين انشقوا على د. نعمان جمعة و عزلوه من رئاسة الحزب بتصويت أغلب أعضاء الهيئة العليا للحزب و طرده من مقر الحزب بزعامة محمود أباظة لضيقهم ذرعا بانفراد د.نعمان جمعة بأخذ القرار و هى النفوس التواقة إلى اتخاذ القرار بدورها و لا يرضون بدور منفذ القرار و ربما لأنه استبد بالقرار فعلا و لكن لا نغفل أن الحركة ورائها دافع ( أحنا بتوع القرار) !!

و بذلك تحولت فكرة ( أحنا بتوع القرار) إلى لعنة تطارد المصريين فى كل مكان حتى فى أحلامهم كأنها نار تأكل كل ما هو قابل للاشتعال و عقول أغلب المصرين للأسف الشديد قابلة للاشتعال فتجد وليد جنبلاط اللبنانى يتحول بعد صداقته مع حزب الله فى بادىء الأمر لموقف المناوىء لها المهاجم لها على طول الخط هذه الأيام و ذلك لأحساسه أن تعاونه الذى أبداه فى الأول معها قد ينطوى على سحب سجادة القرار من تحت قدميه بفعل سحر حزب الله فى قلوب اللبنانين و خاصة أهل الجنوب فتذكر مبدأ ( أحنا بتوع القرار) فقرر الابتعاد عن هذا التحالف الذى كان سيرميه فى الظل و لم ينفك عن أن يهاجم حزب الله فى كل مبنر يعتليه و أمام كل ميكرفون و يزيده حماسة فلاشات الكاميرا و صوره المتحركة على نشرات الأخبار و هو يتهمها بالموالاة و التواطىء مع النظام السورى .
و بذلك أتبع جنبلاط اللبنانى مبدأ خالف تعرف على طول الخط فمرة يصب غضبه على حزب الله لتلتفت إليه الأضواء و مرة أخرى باتجاه النظام السوري لأنها موضوع الساعة و ذلك بعد أن يشعر بانحصار الأضواء من حوله و مرة ثالثة يصب انتقاداته لنظام الحكم فى اللبنان و ذلك ليتذكر اللبنانين بأنه موجود على الساحة بقدر تواجد حسن نصر الله على الساحة السياسية و الشعبية و أنه لديه منابر و حنجرة تعوى و أن فلاشات الكاميرات تحاصره مثل حسن نصر الله و كلها مزايدات سياسية من أجل الفرقعة الأعلامية و حب أخذ القرار .

و كما ظهرت فى مصر حركة كفاية و حازت على تأييد شعبى و كونت قواعد جماهيرية واسعة فما المانع أيضا من تكوين حركة "أحنا شايفنكم" و "شباب من أجل التغيير" لتلعب نفس الدور فى حب الظهور و اتخاذ القرار و الكل يسعى وراء ذلك الجوهر النفيس ( أحنا بتوع القرار)

نشاط حركة الأخوان المسلمين و تكوينها لقواعد جماهيرية عريضة و منتشرة فى كل أرجاء مصر و انتشار شرعيتها الشعبية بين أغلب قطاعات الشعب المصرى اتبعه ظهور حركة إسلامية جديدة و هى الحركة السلفية المتبعة لفكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب فأطلق عليهم أسم الوهابية و هى حركة تتفق فى ايديولجيتها الدينية مع الأخوان المسلمين و لكنها تختلف معها فى منهج التطبيق و وصمهم للأخوان المسلمين باللعب بالشعارات الدينية لصالح الطمع فى كرسى الحكم, فالتيار السلفى يطرح نفسه كبديل لتيار الأخوان و لكن تنحصر عنه الأضواء إلى حد ما لرفضه الأنخراط فى الحياة السياسية و اتخاذه خط الحياد مع السلطة و قناعته التامة بقول ( أترك ما لقيصر للقيصر و ما لله لله) و رغم تكوينه لقواعد جماهيرية ملحوظة هو الآخر ألا أنه ليس بحجم نشاط و فاعلية حركة الأخوان المسلمين و لكنها الرغبة الملحة فى أخذ القرار و حب صناعة القرار و حب القيادة و عشق الكرسى و تجد أن للتيار السلفى شيوخ مستقلين عن شيوخ التيار الأخوانى و كتب الاخوان فى الغالب لا تباع فى مكتبات السلف و كذلك كتب السلف فى الغالب لا تباع فى مكتبات الأخوان بالإضافة إلى ظهور جيل جديد من الدعاة الدينين الذين لا ينتموا إلى أى من التيارين و لكنهم أشبه بالاعضاء المستقلين فى مجلس الشعب و هم الذين رأوا أن ذواتهم الشخصية مؤهلة للعب دور( أحنا بتوع القرار) و لله الأمر من قبل و من بعد.

فلا تجد أكثر من بلادنا العربية كما أسلفت الذكر فى تعدد الجماعات و التنظيمات والمؤسسات و الحركات والتيارات والأحزاب التى تتوالد و تنشأ أكثر من عدد المواليد السنوى فى مصر! , فتضيع الجهود و تذهب ريحهم لأنهم لم يعتصموا بحبل الله جميعا و لكن ظنت كل جماعة أنها الوحيدة التى تمتلك حبل الله و أنها الوحيدة اتى تعتصم به و تبدأ فى دعوة الجماعات الأخرى للاعتصام به !!

لذا فأننى أعجز حقيقة عن معرفة من هم أصحاب القرار و من الذين ينفذون القرار و لا يخفى علينا الحال فى الجامعات المصرية و خاصة الشق النظرى منها و لو أخذنا على سبيل المثال كلية الآداب و تعدد أقسامها على نحو مبالغ فيه و لا معنى له ألا انتشار جماعات (أحنا بتوع القرار) و هى تمثل لدى حركات انشقاقية فى المضمار العلمى فكلية الآداب قديما لم تكن تعرف قسم لعلم الاجتماع مستقلا و لا قسم لعلم النفس مستقلا و لكنهما كانا قسم واحد فكثر عدد الاساتذة داخل القسم حتى ضاق بهم القسم ذرعا فخرجت جماعة ( أحنا بتوع القرار) لتحدث الانشقاق العلمى و تخرج عن طوع قسم علم النفس و الاجتماع مكونة قسم مستقل لعلم النفس و تحول القسم الأول لقسم علم الاجتماع, كل ذلك بدعوى النمو المعرفى الفائق لكلا العلمين تولد عنه عدم ملائمة مساحة القسم لنموهما المتزايد و وجوب إنشاء قسمين جديدين لاستعاب هذا النمو الهستيرى ليس فى العلم و لكن فى عدد الاساتذة و لم يقف الأمر عند هذا الحد و لكن خرج من تحت عباءة قسم علم الاجتماع قسم الأنثربولوجى و التى كانت أحدى فروع علم الاجتماع بدعوى أن هذا العلم أصبح راشد و لا يحتاج إلى الوصاية الأسرية من علم الاجتماع و آن له أن يتخذ قرارته بنفسه و ما إلى ذلك من هلوسة ( أحنا بتوع القرار).
هذا هو يا رفاقى الأعزاء هوس السلطة و جنون اتخاذ القرار و قد تجاوز قيمة حب اتخاذ القرار قيمة الذهب , كل ذلك أدى إلى تنامى مخيف فى أعداد الدول العربية فبعد زوال الدولة العثمانية تفرخ عنها عشرات الدويلات التى لا تمتلك من رباط الخيل و لا القوة ما ترهب به عدو الله و لا ترهب به أخيلتها و رأس كل دولة منها محبى القرار و السلطة و الكرسى الذهبى فانقسمت بلاد الشام إلى أربع دول هى سوريا و لبنان و فلسطين و الأردن و بفضل العروبة و الفروسية العربية و قصائد العرب خرجت من تحت عباءة فلسطين دولة أسرائيل ذلك السرطان الخبيث فى جسد أمتنا العربية و خرج عن العراق "الكويت" لأن آل الصباح شق عليهم أن يمنعوا من حق اتخاذ القرار و خرجت عن بلاد الحجاز بلاد لا طعم لها و لا رائحة و لا فضيلة تخصها ألا أن فضائلها و خصائصها جميعا هى قواسم مشتركة و موحدة بين جميع دول الخليج فتجد دولة قطر و الأمارات العربية المتحدة و سلطنة عمان و السعودية و تنقسم دول المغرب وفق لرغبات جماعات ( أحنا بتوع القرار) إلى دولة تونس و الجزائر و المغرب و يخرج عن طوع الجزائر و المغرب الصحراء الغربية و مهازل عربية لا حصر لها و لا عزاء لنا فى كل ذلك و لا نملك ألا البكاء و السخرية من جماعات ( أحنا بتوع القرار) فضلا عن انتشار روح القومية و الوطنية فى ظل غياب الوحدة العربية و جسد الأمة الواحد حتى يتسنى لجماعات ( أحنا بتوع القرار) أن تتخذ القرار و التمتع باميتازات السلطة التى أرسوها لأنفسهم و ما أنزل الله بها من سلطان و حسبنا الله و نعم الوكيل.

للأسف تتكرر هذه الصورة المريرة كل يوم و من حولنا فى كل مكان و فى كل وقت و هى ليست سمة الانظمة العربية فقط و لكنها أصبحت سمة الشعوب نفسها و الأفراد فتجد أن المؤسسة الخيرية الواحدة التى قامت على اكتاف الجهود الأهلية بعيدا عن التدخل الحكومى قد تفرخ عنها عشرات المؤسسات الخيرية الصغرى و تعجب من هؤلاء الذين ينشئون جمعيات جديدة لماذا لم يفكروا فى الانضمام إلى المؤسسة الأصل و إضافة ثمرة جهودهم إلى هذه المؤسسة لتقدم ما هو أفضل و أكثر فاعلية فتجد أن السبب يكمن فى تخوف هؤلاء من حرمانهم من المقدرة على اتخاذ القرار و حبهم للسيادة و اطلاق القرارات السطحية الورقية الكرتونية , فتكثر الجمعيات فى انتظار من ينفذ فيها برامج الخير التى تتهترأ فيها أوراق القرارت و تصفر حتى تذهبها ريح النسيان.

(أحنا بتوع القرار) فكرة غريبة أفرزها الواقع الاستبدادى فى بلادنا العربية و أصبح داء مزمن قضى على الوحدة الإسلامية و العربية و تحولت إلى فتات و شزرات تزروها الريح و نبذنا لفكرة روح الفريق و العمل الجماعى و النزوع إلى تقديس الفردية و الظهور الشخصى على حساب أنكار الذات و الاتباع فى مقابل حب أخذ القرار و الكرسى الذهبى و تسليط الأضواء و سماع آيات الشكر و العرفان و النفاق الرخيص.

و لكن هل نعتبر من تاريخنا الطويل, أو لم يأن لنا أن ننظر كم أهلكت قبلنا من القرون أم أنهم إليهم لا يرجعون و أنى لعلى يقين أننا لا نعتبر ممن كانوا قبلنا .

فى نهايات العصر العباسى الثانى تكونت عشرات الدويلات الصغيرة كما هو وضع الدول العربية حاليا و التى تخضع صوريا للخلافة العباسية و لكنها فى حقيقة الأمر يذهب فيها كل أمرىء بما هوى و أرتأى كما هو حال جامعة الدول العربية التى لا تفلح فى أكثر من الشجب و التنديد و ملو أوراق الجلسات بالاحبار و الكلمات المفرغة من المضمون و الموضوعات الإنشائية التى بال عليها الزمن.

لو أننا عددنا أسماء الدول التى تعاقبت فى تلك الفترة قد يدهش المرء من عدد الاسماء و من عدد الدول التى نشأت و ذهب ريحها و نشأت من ركامها دول أخرى , كل ذلك فى وقت قياسى كما هو الحال الآن و كل أمير انفرد بضيعته عن الخلافة العباسية و جعلها دولة مستقلة يحمل العاملين عليها أسم عائلته المبجلة و كذلك الأرض و يتحول العاملين عليها إلى عبيد يدينون بالولاء الأبدى إلى هذا الأمير و أبنه و حفيده و ذريته من بعده و هم حملة أرث هذه العائلة و تاريخها و مآثرها و مجدها و إلى ما غير ذلك من تفاهات و ربنا يعوض علينا فتجد هذا المثال ينطبق على الكثير من دولنا العربية فالسعودية و مواطنيها على أسم أسرة آل سعود التى تحكم بلاد الحجاز فاستعبد أهل الحجاز بأن سماهم بأسمه و جعل جوازات سفرهم و بطاقاتهم الشخصية تحمل أسم آل سعود بعد تحريفها إلى مواطن سعودى و لله الأمر من قبل و من بعد !!مأساة تاريخية عاشها الناس فى ظل الخلافة العباسية فى أواخر أيامها و لازال الناس يعيشونها إلى اليوم و لا نعلم متى يخلصنا الله من هذا الداء , ألا أن موعد زوال تلك الجماعات قريب؟! , أو ليس الصبح بقريب أم يطول بهم العهد و بنا و يظلوا جاثمين على أنفاسنا يفرخون لنا كل يوم فى كل مكان و زمان جماعات ( أحنا بتوع القرار) لتكثر القرارت و لا تجد من يسمعها أو يعيها أو يحفل بتطبيقها و الله المعوض على عباده .

و أنك لتجد أكثر الأمثلة المعاصرة تطابقا مع فكرة ( أحنا بتوع القرار ) من تاريخ أمة الإسلام هو محمد على جناح الذى كان متزعما لبعض من الوقت الحركة المناهضة للاحتلال الانجليزى فى الهند و لكن بظهور الزعيم الراحل غاندى على ساحة الأحداث تحولت الأمور 180 درجة كاملة لتخلف كل توقعات محمد على جناح و طموحه للزعامة و حب أخذ القرار لأن ظهور شخصية كارزمية كغاندى أكلت من نجوميته و ظهوره و التفاف فلاشات الكاميرا من حوله و انصراف انتباه الانجليز عنه باتجاه الزعيم الجديد غاندى, كل ذلك كان كفيل بأن يحرق أعصاب محمد على جناح و يجعله يتمرد على الزعامة الجديدة و أن يتحول من دور التابع و المنفذ للقرارت بعد أن استلذ دور أصدار القرارت و ممارسة الرياسة , بيد أن الزعيم الهندى لم يتجاهل طموحات محمد على جناح و قدم له إغراءات سلطوية بعد جلاء الاحتلال الانجليزى عن الهند و رجوع الهند لأيدى أبنائها حتى أن تقسيم السلطات التى رسم ملامحها الزعيم غاندى أثار حفيظة اتباعه و لكنهم تقبلوا الأمر على مضض نزولا لرغبة زعيمهم و لكن لم يقبل محمد على جناح بعرض الزعيم غاندى, كل ذلك لم يكن يعنى لمحمد على جناح شيئا , لماذا لم يقبل محمد على جناح بكل ذلك لأن ذلك العرض لم يكن نابعا من قرار أصدره هو أو لخطة رسم هو ملامحها و لكنها أتت من مصدر آخر و قبوله بذلك العرض يعنى اتباعه لقرارات الغير و هذا ما لا يمكن أن يقبله محمد على جناح أبدا !!

ماذا كان سيحدث لو كان قبل محمد على جناح بعرض الزعيم غاندى , كانت ستكون أعظم خدمة  قدمها جناح للإسلام و لكن ذلك أن حسنت النوايا و كان الهدف الأول و الأخير هو خدمة الإسلام و تحبيز العمل الجماعى و ليس تقديس الذاتية و تحقيق رغباتنا و أطماعنا الشخصية , لو أننا تخيلنا أن محمد على جناح قبل بذلك لتوفر للإسلام فرصة عظيمة لأن ينتشر على أيدى القيادات المسلمة المشاركة فى حكومة غاندى و لا حاجة لنا بالقول أن الإسلام قادر على ترويج نفسه بنفسه بدون مجهود حقيقى فى الاقناع و لا إغراءات مادية ضخمة كما تفعل الحملات التبشيرية فى دول العالم الثالث و لكنه يحتاج إلى قنوات تتوفر له و ضمائر مخلصة تخدم الدعوة و لا تخدم نفسها و لا تحفظ حق ساذج فى أصدار القرارات , لو كان قبل محمد على جناح بذلك لكانت الهند أغلبية مسلمة , تخيلوا القارة شبه الهندية دولة إسلامية عظمى تحكمها حكومة إسلامية و شريعتها الإسلام , هذا لو كانت صلحت نوايا السابقون لفلح اللاحقون و لكن نتذكر أن ( لو ) تفتح عمل الشيطان و لا عزاء لنا .

فمحمدعلى جناح كان قد رتب أوراقه و قرر متابعة حبه لاتخاذ القرارات و عشق الزعامة و تسليط الأضواء كما أسلفنا مرارا و ركز ناظريه على قطعة أرض تسد عين الشمس و هى باكستان ليتخذها مقرا لطموحه و أحلام زعامته الورقية و من باكستان خرجت دولة بنجلاديش و غدا نسمع عن دولة كشمير العظمى لأنك ستجد من يريد أن يلعب دور ( أحنا بتوع القرار) و ربنا يكون فى عوننا على ما بلينا به.

و أخيرا أدعو الله فأقول حسبنا الله و نعم الوكيل فينا و اللهم لا ترحم( أحنا بتوع القرار) و سامحنا يا رحيم على داء استشرى فى أنفسنا ندعى عصمتنا منه و هو يجرى فى عروقنا مجرى الدم و عليه العوض و منه العوض !!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق