إن قانون الخدمة المدنية الذي أصدره رئيس الجمهورية مهم جدًا لمكافحة كل أشكال البيروقراطية والفساد الإداري داخل الدولة، لان هذا القانون سيغير شكل الجهاز الإداري للدولة، لاسيما أنه سيتم التوسع بشكل كبير في تقديم الخدمات للمواطنين عبر الإنترنت في المرحلة المقبلة
وقد تعددت محاولات الإصلاح الإداري بعد ذلك؛ ففي ديسمبر عام 1907 وافق مجلس النظار على إنشاء نظام للدرجات المالية لوظائف القسم الإداري، وكان ذلك بداية للتحول إلى نظام الدرجات والذي لا يزال معمولاً به. وخلال فترة الحماية (1914- 1922)، وتحديداً فى عام 1915، كانت هناك محاولة لإنشاء مجلس أعلى للموظفين. وتوالت المحاولات التي تهدف إلى تنظيم الجهاز الإداري فى مصر فى أعوام 1920، 1931، 1939، 1948، والذي استمر حتى قيام ثورة يوليو 1952، حيث تم تأسيس أول جهاز خدمة مدنية في مصر، شمل: الإدارة العامة للاختيار والتمرين، الإدارة العامة للميزانية، الإدارة العامة لشؤون الموظفين، والإدارة العامة للتشريع والبحوث
وتجدر الإشارة إلى أنه رغم تنامي حجم الجهاز الإداري منذ عام 1936، إلا أن هذا الجهاز ظل نموذجاً سيئاً للإدارة العامة، بل أضحى أداة سلطة الاحتلال آنذاك، حيث تميز التنظيم الإداري للوزارات بتركيب مركزي شديد مع نفوذ كبير لوظائف الاستشاريين الأجانب واحتفاظهم بالمراكز الإدارية العليا.
وقد ترتب على ذلك انخفاض كفاءة الإداريين المصريين فضلاً عن تضائل السلطات المفوضة لمجالس المديريات، يقابله نفوذ كبير لمنصب العمدة ومعاونيه بالريف، فأضحوا ممثلين لتلك السلطة المركزية أكثر من تمثيلهم لمواطنيهم. كما جاء التعيين فى الوظيفة العامة على أساس ربط التعيين بالمؤهل، هذا إلى جانب تميز العمل الحكومي بالرسمية المبالغ فيها، والتمسك بحرفية القوانين والروتين الشديد، وتعقد الإجراءات.
كانت هناك محاولات مهمة للإصلاح الإداري بعد ثورة يوليو 1952، ركز معظمها على الجانبين التشريعي - القانوني، والمؤسسي من خلال استحداث كيانات مؤسسية جديدة تعنى بالإشراف على تطوير مستوى الخدمة المدنية ورفع الكفاية الإنتاجية، مثل إنشاء الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة في سنة 1964، وتشكيل اللجنة العليا للإصلاح الإداري سنة 1966، ومجلس التنمية الإدارية في سنة 1970، بالإضافة إلى إنشاء مديريات التنظيم والإدارة بالمحافظات في سنة 1974 لتكون امتدادا للجهاز المركزي للتنظيم والإدارة على المستوى المحلى أكدت تجارب إصلاح الجهاز الإداري والحكومي في الدول التي حققت قفزة تنموية كبرى ولتجارب الإصلاح الأخرى التي لم تحقق نتائجها المرجوة
أن إصلاح الجهاز الحكومي لكي ينجح ينبغي ألا يتحرك في فلك منفصل أو مستقل عن السياسات والبرامج التنموية، وإلا فلن يكون لهذا الإصلاح توجهاً استراتيجياً. فغاية إصلاح الجهاز الحكومي ورسالته ينبغي أن تشتق من أولويات وبرامج الإستراتيجية التنموية. وهذه الأولويات والبرامج هي التي تحدد قطاعات الجهاز الحكومي الأجدر بالتطوير، وهي التي تحدد النواتج المستهدفة من هذا التطوير.
ويكتسب إصلاح الجهاز الحكومي توجهاً استراتيجياً أهمية أكبر في ظل التركيز على الأهداف والسياسات التنموية. وحينئذ، يؤدي إصلاح الجهاز الحكومي دوراً هاماً في دعم التحول في السياسات الاقتصادية والتنموية، وفي تعزيز قدرة الجهاز الحكومي على إدارة هذه السياسات إدارة فعالة تقود إلى تحقيق غاياتها. ولضمان نجاح خطط الإصلاح الإداري في الدول العربية، فإنه يتعين أن ترتكز تلك الخطط على مجموعة متكاملة من المنطلقات تتركز في الإصلاح التشريعي والإصلاح المؤسسي بما يتضمنه من إصلاح وتطوير للهياكل التنظيمية وهياكل الأجور وتنمية الموارد البشرية.
كذلك، فإن ربط إصلاح الجهاز الحكومي بالسياسات التنموية الرئيسية ينقل تركيز جهود التطوير والإصلاح إلى الآليات والهياكل العليا التي تمثل إدارة السياسات التنموية الاختصاص الرئيسي لها (مثل مجلس الوزراء، والكيانات الوزارية، والأجهزة العليا المرتبطة بها) بدلاً من تركيز هذه الجهود على نظم وممارسات، عمل المستويات الأدنى.
فلا شك أن جهود إصلاح وتطوير آليات عمل أجهزة ومؤسسات القمة الإستراتيجية للجهاز الحكومي تعتبر ذات جدوى أعلى بكثير من جدوى إصلاح آليات عمل المستويات الدنيا. بل إن إصلاح الآليات الأخيرة لكي يثمر إثماراً حقيقياً، لا بد وأن يسبقه إصلاح هيكل القمة المحركة للسياسات والبرامج التي تعتبر المستويات الدنيا أدوات وأجهزة تنفيذية لها.
ان أبرز ملاح مشروع قانون الخدمة المدنية تغيير مسمى قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة إلى قانون الخدمة المدنية والذي يعكس فلسفة القانون بتنظيم أوضاع العاملين بالدولة إلى قانون الخدمة المدنية الجديد باعتبار الخدمة المدنية للشعب هي الهدف من هذا القانون وليس مجرد تنظيم أحوال العاملين.
وتضمن مشروع القانون التأكيد أن وظائف الخدمة المدنية حق للمواطنين على أساس الكفاءة ودون محاباة أو وساطة وتكليف للقائمين بها لخدمة الشعب وتكفل الدولة حقوقهم وحمايتهم وقيامهم بأداء واجباتهم فى رعاية مصالح الشعب لمواكبة مكتسبات الثورة.
أن نطاق تطبيق القانون يسرى على الوظائف فى الوزارات والمصالح والأجهزة الحكومية ووحدات الإدارة المحلية والهيئات العامة مع فتح الباب للهيئات العامة لوضع نظام الخدمة الخاص بها، وذلك عند النص فى قوانين أو قرارات إنشاء هذه الهيئات.
أن المشروع الجديد يتضمن إعادة تعريف وظائف الإدارة العليا وهى الوظائف التي تخول شاغليها جانبا من وضع السياسيات واتخاذ القرارات الإستراتيجية من المستويين التاليين للسلطة المختصة وظائف الدرجة الممتازة والعالية حاليا)، ويكون شغلها بمسابقة ولمدة ثلاث سنوات. أنه يتضمن أيضا استحداث وظائف الإدارة التنفيذية وهى الوظائف التي تلي الوظائف القيادية (مدير عام - مدير إدارة حاليا) وتخول شاغليها جانبا من الإدارة الوسطى بأنشطة الإنتاج والخدمات أو تصريف شئون الجهات التي يعملون بها أو إدارة فرق عمل أو مجموعات من الموظفين لأداء مهمات متجانسة تهدف لتحقيق أعمال الوحدة ويكون شغلها بمسابقة ولمدة ثلاث سنوات. أنه تم استحداث مجلس للخدمة المدنية بدلا من لجنة الخدمة المدنية يختص المجلس بوضع السياسة العامة للهياكل التنظيمية ووضع المعايير التي تلتزم بها الوحدة عند إعدادها لجدول الوظائف وكيفية إعداد بطاقات وصفها وطرق شغلها وفقا لمعيار موضوعي.
أن المجلس سيكون برئاسة رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة وتتضمن ممثلين من مجلس الدولة ووزارة المالية وخبراء فى الإدارة والقانون، كما سيتم استحداث لجان للموارد البشرية بدلا من لجان شئون العاملين، وتتضمن تطوير إدارات شئون العاملين إلى إدارات الموارد البشرية بالمفهوم الجديد، وتعنى بتخطيط وتنظيم وتنمية الموارد البشرية ومتابعتها لتحقيق أهداف كل من المنظمة والعاملين فى ضوء الظروف البيئية المحيطة ولتحقيق أهداف إدارة الموارد البشرية.
أن شغل الوظائف يكون على أساس الكفاءة بمسابقة مركزية يعلنها وينفذها الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة ويشرف عليه الوزير المختص بالإصلاح الإداري، ويتم المفاضلة بحسب الأسبقية فى الترتيب النهائي لنتيجة الامتحان وعند التساوي يقدم الأكبر فى مرتبة الحصول على المؤهل المطلوب لشغل الوظيفية ثم الدرجة الأعلى فى ذات المرتبة ثم الأعلى مؤهلا.
أن كل موظف مدني وعام يؤدى قبل أن يباشر عمله اليمين "أقسم بالله العظيم أن احترم الدستور والقانون وأن أخدم الدولة المصرية وأن أحافظ على المال العام وأن أودى واجباتي الوظيفية بنزاهة وعلى الوجه الأكمل لخدمة الشعب". أن "المشروع الجديد يشمل زيادة مدة الإجازة الاعتيادية لذوى الاحتياجات الخاصة 15 يوما بالإضافة إلى رصيد الأجازات الاعتيادية الحالية تقديرا من الدولة لهذه الفئة من متحدى الإعاقة"، وتم زيادة مدة إجازة الوضع للموظفة أربعة أشهر بدلا من ثلاثة بأجر كامل بحد أقصى ثلاث مرات طوال عملها بالخدمة المدنية تنفيذا للتكليف الدستوري بمراعاة المرأة العاملة، وإضافة مصابي العمليات الإرهابية للوظائف التي تحجز لمصابي العمليات الحربية تقديرا من الدولة لتضحياتهم ويحدد بقرار من رئيس مجلس الوزراء عدد الوظائف التي تحجز لمصابي العمليات الحربية والإرهابية وتسمح حالتهم بالقيام بأعمالها.
سيتم فتح المجال لترقية الكفاءات بالاختيار فى وظائف الخدمة المدنية دون التقيد بالأقدميات فى الوظائف قبل الإدارة التنفيذية بنسب من 20 % المستوى التاسع ثم 25 % من المستوى الثامن ثم 30 % من المستوى السابع ثم 50 % من المستوى السادس ثم 100 % لباقي المستويات. أنه سيتم تخفيض المدد البينية للترقية ثلاث سنوات بدلا من ثمانية سنوات للترقية من الدرجة الثالثة إلى الثانية، وبدلا من ست سنوات للترقية من الدرجة الثانية إلى الأولى وهو ما يضاعف عدد مرات علاوات الترقية للموظفين.
أن المشروع الجديد يشمل إنشاء وظيفة واحدة لوكيل دائم للوزارة بالدرجة الممتازة بما يكفل تحقيق الاستقرار المؤسسي ورفع مستوى الكفاءة فى تنفيذ سياستها لمعاونة الوزير فى مباشرة اختصاصاته ويختار الوكيل الدائم وفقا لأحكام القانون لمدة ثلاث سنوات. وشدد القانون فى الشروط التي يجب توافرها فيمن يتقدم لشغل الوظيفة ألا يكون قد سبق الحكم عليه بعقوبة جنائية أو عقوبة مقيدة للحرية فى جريمة مخلة بالشرف والأمانة دون تضمن جواز تعين من يحكم عليه بحكم مشمول بوقف التنفيذ حتى لا يضم الجهاز الإداري من هو ليس أهلا لتحمل المسئوليات بما يضمن ابتداء تحقيق الانضباط اللازم داخل الجهاز الإداري للدولة.
أنه سيتم تطوير جدول أجور العاملين المدنين بالدولة من خلال منظومة جديدة للأجور تتضمن عمودين فقط للأجور، أساسي ومتغير، يكون الأساسي نحو60 % من إجمالي الأجر، كما سيتضمن صياغة جديدة للأجور المتغيرة وهى حوافز الأداء ومقابل أعباء الوظيفة ومقابل وظائف الإدارة ومقابل ساعات العمل الإضافية ومقابل التشجيع على العمل بوظائف أو مناطق معينة والنفقات التي يتحملها الموظف فى سبيل أداء أعمال وظيفته والمزايا النقدية والعينية وبدلات الموظفين ويصدر بها قرار من رئيس مجلس الوزراء بمراعاة طبيعة عمل الوحدة ونوعية الوظائف وطبيعة اختصاصاتها.
أنه سيتم رفع العلاوات الدورية تتراوح من 1.5 جنيه شهريا للدرجات السادسة والخامسة و2جنيه للدرجة الرابعة و3 جنيهات للدرجة الثالثة و4 جنيهات للدرجة الثانية و5 جنيهات للدرجة الأولى و6 جنيهات لدرجة مدير عام 6.25 جنيه للدرجة العالية ويستبدل بعلاوة جديدة تتناسب مع معدل التضخم يحددها سنويا مجلس الوزراء بحد أدنى 5 % من الأجر الأساسي الجديد و "سيتم دعم سلطات وصلاحيات القيادات الإدارية بوحدات الجهاز الإداري واستحداث نظام جديد لتقويم أداء العاملين المدنيين بالدولة وتفعيل نظم التدريب وتطويرها والتأكيد على اللامركزية وحظر تلقى أو قبول الهدايا أو أي أشكال المجاملة من أية جهة سواء كانت عامة أو خاصة باستثناء الهدايا الرمزية التي يجرى العرف على تقديمها فى الأعياد والمناسبات والتي لا تجاوز قيمتها 300 جنيه والهدايا التي تقدم من زائرين أو مسئولين مصريين أو أجانب فى مناسبات رسمية وفقا للأعراف الجارية واعتبارات المجاملة على أن يتم تسليمها إلى جهة العمل وتسجيل ذلك بسجلات تلك الجهة والتأكيد على الشفافية والتركيز على القواعد العامة وترك التفصيلات للائحة التنفيذية تماشيا مع التشريعات الحديثة للمحافظة على استقرار القانون.
وهكذا يتضح لنا أن مشروع القانون يهدف إلى تحسين مستوى الأداء الحكومي وتنمية أداء الموظف العام والارتقاء بمستوى الخدمات العامة، جنبا إلى جنب مع مواكبة تغييرات العصر والقضاء على السلبيات الموجودة وسد ثغرات الفساد، والعمل على تفعيل قدرات وطاقات العنصر البشرى وإعادة تأهيل وتدريب هذه الفئات بما يساعد على الحد من ظاهرة البطالة المقنعة من ناحية ويساعد على رفع كفاءة الأداء فى دولاب العمل الحكومي من ناحية أخرى،وذلك بالعمل على وضع أطر جديدة ونظم مختلفة تساعد على تطوير العمل ، وهى كلها أمور كانت ومازالت مطلبا أساسيا لكافة القوى السياسية والشرائح الاجتماعية.
كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
وقد تعددت محاولات الإصلاح الإداري بعد ذلك؛ ففي ديسمبر عام 1907 وافق مجلس النظار على إنشاء نظام للدرجات المالية لوظائف القسم الإداري، وكان ذلك بداية للتحول إلى نظام الدرجات والذي لا يزال معمولاً به. وخلال فترة الحماية (1914- 1922)، وتحديداً فى عام 1915، كانت هناك محاولة لإنشاء مجلس أعلى للموظفين. وتوالت المحاولات التي تهدف إلى تنظيم الجهاز الإداري فى مصر فى أعوام 1920، 1931، 1939، 1948، والذي استمر حتى قيام ثورة يوليو 1952، حيث تم تأسيس أول جهاز خدمة مدنية في مصر، شمل: الإدارة العامة للاختيار والتمرين، الإدارة العامة للميزانية، الإدارة العامة لشؤون الموظفين، والإدارة العامة للتشريع والبحوث
وتجدر الإشارة إلى أنه رغم تنامي حجم الجهاز الإداري منذ عام 1936، إلا أن هذا الجهاز ظل نموذجاً سيئاً للإدارة العامة، بل أضحى أداة سلطة الاحتلال آنذاك، حيث تميز التنظيم الإداري للوزارات بتركيب مركزي شديد مع نفوذ كبير لوظائف الاستشاريين الأجانب واحتفاظهم بالمراكز الإدارية العليا.
وقد ترتب على ذلك انخفاض كفاءة الإداريين المصريين فضلاً عن تضائل السلطات المفوضة لمجالس المديريات، يقابله نفوذ كبير لمنصب العمدة ومعاونيه بالريف، فأضحوا ممثلين لتلك السلطة المركزية أكثر من تمثيلهم لمواطنيهم. كما جاء التعيين فى الوظيفة العامة على أساس ربط التعيين بالمؤهل، هذا إلى جانب تميز العمل الحكومي بالرسمية المبالغ فيها، والتمسك بحرفية القوانين والروتين الشديد، وتعقد الإجراءات.
كانت هناك محاولات مهمة للإصلاح الإداري بعد ثورة يوليو 1952، ركز معظمها على الجانبين التشريعي - القانوني، والمؤسسي من خلال استحداث كيانات مؤسسية جديدة تعنى بالإشراف على تطوير مستوى الخدمة المدنية ورفع الكفاية الإنتاجية، مثل إنشاء الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة في سنة 1964، وتشكيل اللجنة العليا للإصلاح الإداري سنة 1966، ومجلس التنمية الإدارية في سنة 1970، بالإضافة إلى إنشاء مديريات التنظيم والإدارة بالمحافظات في سنة 1974 لتكون امتدادا للجهاز المركزي للتنظيم والإدارة على المستوى المحلى أكدت تجارب إصلاح الجهاز الإداري والحكومي في الدول التي حققت قفزة تنموية كبرى ولتجارب الإصلاح الأخرى التي لم تحقق نتائجها المرجوة
أن إصلاح الجهاز الحكومي لكي ينجح ينبغي ألا يتحرك في فلك منفصل أو مستقل عن السياسات والبرامج التنموية، وإلا فلن يكون لهذا الإصلاح توجهاً استراتيجياً. فغاية إصلاح الجهاز الحكومي ورسالته ينبغي أن تشتق من أولويات وبرامج الإستراتيجية التنموية. وهذه الأولويات والبرامج هي التي تحدد قطاعات الجهاز الحكومي الأجدر بالتطوير، وهي التي تحدد النواتج المستهدفة من هذا التطوير.
ويكتسب إصلاح الجهاز الحكومي توجهاً استراتيجياً أهمية أكبر في ظل التركيز على الأهداف والسياسات التنموية. وحينئذ، يؤدي إصلاح الجهاز الحكومي دوراً هاماً في دعم التحول في السياسات الاقتصادية والتنموية، وفي تعزيز قدرة الجهاز الحكومي على إدارة هذه السياسات إدارة فعالة تقود إلى تحقيق غاياتها. ولضمان نجاح خطط الإصلاح الإداري في الدول العربية، فإنه يتعين أن ترتكز تلك الخطط على مجموعة متكاملة من المنطلقات تتركز في الإصلاح التشريعي والإصلاح المؤسسي بما يتضمنه من إصلاح وتطوير للهياكل التنظيمية وهياكل الأجور وتنمية الموارد البشرية.
كذلك، فإن ربط إصلاح الجهاز الحكومي بالسياسات التنموية الرئيسية ينقل تركيز جهود التطوير والإصلاح إلى الآليات والهياكل العليا التي تمثل إدارة السياسات التنموية الاختصاص الرئيسي لها (مثل مجلس الوزراء، والكيانات الوزارية، والأجهزة العليا المرتبطة بها) بدلاً من تركيز هذه الجهود على نظم وممارسات، عمل المستويات الأدنى.
فلا شك أن جهود إصلاح وتطوير آليات عمل أجهزة ومؤسسات القمة الإستراتيجية للجهاز الحكومي تعتبر ذات جدوى أعلى بكثير من جدوى إصلاح آليات عمل المستويات الدنيا. بل إن إصلاح الآليات الأخيرة لكي يثمر إثماراً حقيقياً، لا بد وأن يسبقه إصلاح هيكل القمة المحركة للسياسات والبرامج التي تعتبر المستويات الدنيا أدوات وأجهزة تنفيذية لها.
ان أبرز ملاح مشروع قانون الخدمة المدنية تغيير مسمى قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة إلى قانون الخدمة المدنية والذي يعكس فلسفة القانون بتنظيم أوضاع العاملين بالدولة إلى قانون الخدمة المدنية الجديد باعتبار الخدمة المدنية للشعب هي الهدف من هذا القانون وليس مجرد تنظيم أحوال العاملين.
وتضمن مشروع القانون التأكيد أن وظائف الخدمة المدنية حق للمواطنين على أساس الكفاءة ودون محاباة أو وساطة وتكليف للقائمين بها لخدمة الشعب وتكفل الدولة حقوقهم وحمايتهم وقيامهم بأداء واجباتهم فى رعاية مصالح الشعب لمواكبة مكتسبات الثورة.
أن نطاق تطبيق القانون يسرى على الوظائف فى الوزارات والمصالح والأجهزة الحكومية ووحدات الإدارة المحلية والهيئات العامة مع فتح الباب للهيئات العامة لوضع نظام الخدمة الخاص بها، وذلك عند النص فى قوانين أو قرارات إنشاء هذه الهيئات.
أن المشروع الجديد يتضمن إعادة تعريف وظائف الإدارة العليا وهى الوظائف التي تخول شاغليها جانبا من وضع السياسيات واتخاذ القرارات الإستراتيجية من المستويين التاليين للسلطة المختصة وظائف الدرجة الممتازة والعالية حاليا)، ويكون شغلها بمسابقة ولمدة ثلاث سنوات. أنه يتضمن أيضا استحداث وظائف الإدارة التنفيذية وهى الوظائف التي تلي الوظائف القيادية (مدير عام - مدير إدارة حاليا) وتخول شاغليها جانبا من الإدارة الوسطى بأنشطة الإنتاج والخدمات أو تصريف شئون الجهات التي يعملون بها أو إدارة فرق عمل أو مجموعات من الموظفين لأداء مهمات متجانسة تهدف لتحقيق أعمال الوحدة ويكون شغلها بمسابقة ولمدة ثلاث سنوات. أنه تم استحداث مجلس للخدمة المدنية بدلا من لجنة الخدمة المدنية يختص المجلس بوضع السياسة العامة للهياكل التنظيمية ووضع المعايير التي تلتزم بها الوحدة عند إعدادها لجدول الوظائف وكيفية إعداد بطاقات وصفها وطرق شغلها وفقا لمعيار موضوعي.
أن المجلس سيكون برئاسة رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة وتتضمن ممثلين من مجلس الدولة ووزارة المالية وخبراء فى الإدارة والقانون، كما سيتم استحداث لجان للموارد البشرية بدلا من لجان شئون العاملين، وتتضمن تطوير إدارات شئون العاملين إلى إدارات الموارد البشرية بالمفهوم الجديد، وتعنى بتخطيط وتنظيم وتنمية الموارد البشرية ومتابعتها لتحقيق أهداف كل من المنظمة والعاملين فى ضوء الظروف البيئية المحيطة ولتحقيق أهداف إدارة الموارد البشرية.
أن شغل الوظائف يكون على أساس الكفاءة بمسابقة مركزية يعلنها وينفذها الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة ويشرف عليه الوزير المختص بالإصلاح الإداري، ويتم المفاضلة بحسب الأسبقية فى الترتيب النهائي لنتيجة الامتحان وعند التساوي يقدم الأكبر فى مرتبة الحصول على المؤهل المطلوب لشغل الوظيفية ثم الدرجة الأعلى فى ذات المرتبة ثم الأعلى مؤهلا.
أن كل موظف مدني وعام يؤدى قبل أن يباشر عمله اليمين "أقسم بالله العظيم أن احترم الدستور والقانون وأن أخدم الدولة المصرية وأن أحافظ على المال العام وأن أودى واجباتي الوظيفية بنزاهة وعلى الوجه الأكمل لخدمة الشعب". أن "المشروع الجديد يشمل زيادة مدة الإجازة الاعتيادية لذوى الاحتياجات الخاصة 15 يوما بالإضافة إلى رصيد الأجازات الاعتيادية الحالية تقديرا من الدولة لهذه الفئة من متحدى الإعاقة"، وتم زيادة مدة إجازة الوضع للموظفة أربعة أشهر بدلا من ثلاثة بأجر كامل بحد أقصى ثلاث مرات طوال عملها بالخدمة المدنية تنفيذا للتكليف الدستوري بمراعاة المرأة العاملة، وإضافة مصابي العمليات الإرهابية للوظائف التي تحجز لمصابي العمليات الحربية تقديرا من الدولة لتضحياتهم ويحدد بقرار من رئيس مجلس الوزراء عدد الوظائف التي تحجز لمصابي العمليات الحربية والإرهابية وتسمح حالتهم بالقيام بأعمالها.
سيتم فتح المجال لترقية الكفاءات بالاختيار فى وظائف الخدمة المدنية دون التقيد بالأقدميات فى الوظائف قبل الإدارة التنفيذية بنسب من 20 % المستوى التاسع ثم 25 % من المستوى الثامن ثم 30 % من المستوى السابع ثم 50 % من المستوى السادس ثم 100 % لباقي المستويات. أنه سيتم تخفيض المدد البينية للترقية ثلاث سنوات بدلا من ثمانية سنوات للترقية من الدرجة الثالثة إلى الثانية، وبدلا من ست سنوات للترقية من الدرجة الثانية إلى الأولى وهو ما يضاعف عدد مرات علاوات الترقية للموظفين.
أن المشروع الجديد يشمل إنشاء وظيفة واحدة لوكيل دائم للوزارة بالدرجة الممتازة بما يكفل تحقيق الاستقرار المؤسسي ورفع مستوى الكفاءة فى تنفيذ سياستها لمعاونة الوزير فى مباشرة اختصاصاته ويختار الوكيل الدائم وفقا لأحكام القانون لمدة ثلاث سنوات. وشدد القانون فى الشروط التي يجب توافرها فيمن يتقدم لشغل الوظيفة ألا يكون قد سبق الحكم عليه بعقوبة جنائية أو عقوبة مقيدة للحرية فى جريمة مخلة بالشرف والأمانة دون تضمن جواز تعين من يحكم عليه بحكم مشمول بوقف التنفيذ حتى لا يضم الجهاز الإداري من هو ليس أهلا لتحمل المسئوليات بما يضمن ابتداء تحقيق الانضباط اللازم داخل الجهاز الإداري للدولة.
أنه سيتم تطوير جدول أجور العاملين المدنين بالدولة من خلال منظومة جديدة للأجور تتضمن عمودين فقط للأجور، أساسي ومتغير، يكون الأساسي نحو60 % من إجمالي الأجر، كما سيتضمن صياغة جديدة للأجور المتغيرة وهى حوافز الأداء ومقابل أعباء الوظيفة ومقابل وظائف الإدارة ومقابل ساعات العمل الإضافية ومقابل التشجيع على العمل بوظائف أو مناطق معينة والنفقات التي يتحملها الموظف فى سبيل أداء أعمال وظيفته والمزايا النقدية والعينية وبدلات الموظفين ويصدر بها قرار من رئيس مجلس الوزراء بمراعاة طبيعة عمل الوحدة ونوعية الوظائف وطبيعة اختصاصاتها.
أنه سيتم رفع العلاوات الدورية تتراوح من 1.5 جنيه شهريا للدرجات السادسة والخامسة و2جنيه للدرجة الرابعة و3 جنيهات للدرجة الثالثة و4 جنيهات للدرجة الثانية و5 جنيهات للدرجة الأولى و6 جنيهات لدرجة مدير عام 6.25 جنيه للدرجة العالية ويستبدل بعلاوة جديدة تتناسب مع معدل التضخم يحددها سنويا مجلس الوزراء بحد أدنى 5 % من الأجر الأساسي الجديد و "سيتم دعم سلطات وصلاحيات القيادات الإدارية بوحدات الجهاز الإداري واستحداث نظام جديد لتقويم أداء العاملين المدنيين بالدولة وتفعيل نظم التدريب وتطويرها والتأكيد على اللامركزية وحظر تلقى أو قبول الهدايا أو أي أشكال المجاملة من أية جهة سواء كانت عامة أو خاصة باستثناء الهدايا الرمزية التي يجرى العرف على تقديمها فى الأعياد والمناسبات والتي لا تجاوز قيمتها 300 جنيه والهدايا التي تقدم من زائرين أو مسئولين مصريين أو أجانب فى مناسبات رسمية وفقا للأعراف الجارية واعتبارات المجاملة على أن يتم تسليمها إلى جهة العمل وتسجيل ذلك بسجلات تلك الجهة والتأكيد على الشفافية والتركيز على القواعد العامة وترك التفصيلات للائحة التنفيذية تماشيا مع التشريعات الحديثة للمحافظة على استقرار القانون.
وهكذا يتضح لنا أن مشروع القانون يهدف إلى تحسين مستوى الأداء الحكومي وتنمية أداء الموظف العام والارتقاء بمستوى الخدمات العامة، جنبا إلى جنب مع مواكبة تغييرات العصر والقضاء على السلبيات الموجودة وسد ثغرات الفساد، والعمل على تفعيل قدرات وطاقات العنصر البشرى وإعادة تأهيل وتدريب هذه الفئات بما يساعد على الحد من ظاهرة البطالة المقنعة من ناحية ويساعد على رفع كفاءة الأداء فى دولاب العمل الحكومي من ناحية أخرى،وذلك بالعمل على وضع أطر جديدة ونظم مختلفة تساعد على تطوير العمل ، وهى كلها أمور كانت ومازالت مطلبا أساسيا لكافة القوى السياسية والشرائح الاجتماعية.
كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
مشكور ع مشاركتك الموضوع....
ردحذف