الصﻻة معراج الواعين ومأوى الثائرين
.
أركان الإسلام بين الكهانة والديانة _ الحلقة الحادية والمئة
.
كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ في العيدين وفي الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية" [صحيح مسلم ومستدرك الوسائل للطبرسي]، فلماذا هاتان السورتان؟ إنك تسبح الله الأعلى والأكبر، ((سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى)) تسبحه بصفة الربوبية ((اسم ربك)) وقد بينّا أنّ التشريع من أخص خصائص الربوبية، حيث بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمن سأله عن قوله تعالى: ((اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله)) فقال: "ألم يحلوا لكم الحرام ويحرموا عليكم الحلال فاتبعتموهم؟ " قال: بلى. قال: "فتلك عبادتهم" فأنت تخرج من رمضان لتعلن التسبيح باسم ربك الأعلى، أي إنك رفضت كل ربوبية سوى ربوبية الله، بمعنى أنك ترفض أن تحكم حياة الإنسان بغير شرع الله ((الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى)) إنّ من قدّر كل شيء في الوجود وهداه إلى ما به قيامه هو وحده من يجب أن يكون له حق التشريع في حياة الإنسان ((ألا له الخلق والأمر))..
((سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (7) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى)) في ختام صومك يجب ألا تنسى ما أقرأك الله في كتابه، فما قرأت القرآن في رمضان من أجل أن تنساه وتتركه وراء ظهرك بعد رمضان، بل قرأته من أجل أن تحمل دعوته ورسالته ومشروعه:
((فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (10) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (11) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (12) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى)) إنك تخرج من رمضان لتتغير نظرتك للسعادة والشقاء، فليس الشقي من حُرم المال أو حُرم الصحة أو حرم الولد... بل أشقى الأشقياء من يتجنب حمل مشروع الرسالة.
لقد جاء رمضان ليزكي الإنسان ويربطه بالله سبحانه ((قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى))، جاء رمضان ليحرر الإنسان من النظرة الضيقة إلى الحياة والوجود، ليعلم أنه كائن مكتوب له الخلود، ولكن ليس في عالم الفناء المحدود، بل في عالم الحقيقة الخالد الباقي ((بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى)) جاء رمضان ليقول لك: أنت لست كائناً بلا قيمة، بل أنت امتداد لخط عظماء التاريخ إبراهيم وموسى وسائر أنبياء الله ((إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى)).
في الركعة الثانية تقرأ سورة الغاشية: ((هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ)) الغاشية آتية لا محالة، سميت غاشية لأنها تغشى الجميع، فلا مهرب منها أبداً، هناك ترى الطغاة والظلمة والعصاة خاشعين رغماً عنهم، ترفعوا عن الخشوع هنا فخشعوا هناك، هناك ترى أقواماً تعمل وتتعب، ولكن عملها بلا جدوى ((عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3) تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً (4) تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آَنِيَةٍ (5) لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6) لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ)) وكم من صائم وقائم ولكن صيامه وقيامه لم ينهه عن زور مشاريع الكفر والاستعمار ((عاملة ناصبة))، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، ورب قائم حظه من قيامه السهر" [مسند أحمد وأمالي المفيد ووسائل الشيعة. قال شعيب الأرنؤوط: إسناده جيد] ..
والصورة المقابلة لهؤلاء: ((وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (8) لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (9) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (10) لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً (11) فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ (12) فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13) وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ (14) وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ)) هذا هو المجد وهذه هي السعادة، فلتنظر أيها الإنسان في كل ما حولك، من فوقك ومن تحتك ومن بين يديك ((أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ)) كل ما حولك يقول لك الله هو ربك الأكبر والأعلى، فاحمل رسالته ولا تبالي بمشروع الكفر وتهديداته واضهاده، فهو لا يملك العذاب الأكبر، العذاب الأكبر الذي ينبغي على الإنسان أن يفرّ منه هو عذاب الله الأكبر ((فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (22) إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ (24) إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ)) احمل رسالة الله وامض بها، غير مبال بحسابات الربح والخسارة في الدنيا، فالحسابات الحقيقية هي عند الإياب إلى الله ..
هذه بعض المعاني التي يقدمها العيد، والتي من استطاع أن يحققها في نفسه ويعيشها في حياته يستحق فعلاً أن يعيش فرحة العيد ((قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)) [يونس58]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق