ضربوني و حبسوني في الغرفة ، بقيد أقسى من الحديد و ألهب من الجمر . قيدوني بغلال من نار جهنم ، لأنهم شموا رائحتك في الرسالة... منذ ما يقارب السنتين ، زوجوني ، بعد أن اغتالوا ذاكرتي ، و أمموا نسياني . و لأني لم أنجب ، طلقني بعلي العقيم . انتقاماً لرجولته . لم يكن سيشكل السبب فرقاً ، على أية حال . فقد كانت جاهليته كالجاهلية المفروضة عندنا في المنزل . تجول و تعبث بالإنسانية المضطربة في أوطاننا..... ومنذ أن تلفظ بتلك الكلمة السحرية ، الخانقة ((أنت طالق)). زج بي أهلي في منزل الزوجية . حتى تبرأ نفسي و تتطهر عفتي. قالوا لي: إنه لا يجوز أن أرى رجلاً . و لا أن أكلم حتى ولداً بالغاً . و لا حتى في التلفاز . و لا عبر أثير المذياع ، أو عن طريق الاستماع للاغاني ... قلت لهم : ماذا لو سمعت صوت الآذان ؟ أم أن المؤذن ليس رجلاً ؟ صمتوا . قلت لهم : إني سمعت أن عدة الطلاق ، ليست كعدة الوفاة . لكنهم لم يجيبوا . إنما فتحوا تحقيقاً معي ليعرفوا ممن سمعت ذلك ..... إحدى جاراتي ، التي زارتني ، و قد كنّ يتوافدن إلي لمواساتي ، على موتي و حدادي . أخبرنني أنهم يقولون : لا يجوز حتى لعصفور ، أن يرى الزوجة في عدة الوفاة. قلت لها : لم لا يدفنونها مع زوجها ، أليس أرحم؟ قلت لهم : ماذا لو تخيلت رجلاً أو حلمت به ، بدون قصد ء حاشا لله ء ؟ قالوا : أعوذ بالله أنت امرأة ، شيطانك قوي . عليك بالصلاة و الدعاء و التلاوة ، عل الله يرحمك و يبعد عنك الشيطان. لا أعرف بماذا أخبرك ؟ في غيابك حدثت أمور كثيرة ، عصية عن التحمل . لكن هذه الواقعة، كانت أشد. ربما لأني يأست ، وأنا أتعلل برجوعك . تحملت كل شيء ، إلا أن يحاسبوني على أحلامي . لن أسمح لهم بأن يغتالوها أيضاً . إنها الوحيدة الباقية من أثرك . نعم اليوم ، سأواجههم . سأقول لهم : أنك تغتسل في كل لحظة في أحداقي . و أني أهيم بك ، مع كل نفس استنشقه . ماذا سيفعلون ، لو علموا أن صوتك الرجولي يوقظني في كل ليلة ، و يناديني نحو أعماقي ؟ ماذا يفعلون ، لو دروا أني أقبلك ، و أتقلب في أحضانك ، حتى أرتعش ؟ ماذا يفعلون ، لو عرفوا أني ما نمت يوما ، إلا و حضنتك بجسدي ، حتى الثمالة . فيستيقظ الفجر على صرخاتي؟ عندما استلمت رسالتك ، قبلتها ألف مرة . أحسست بروحي ترتد إلي ، مع كل حرف من حروفها ، بكيت فرحاً .لأنك تذكرتني . ضممتها إلى صدري و غفوت . كنت تسبح عبر أحلامي . عندما أمسك بي أخي ، ضربني و ذهب يسأل الشيخ عن الحكم الشرعي ، الذي يناسب جريمتي . قالوا : إنهم شموا رائحة رجل في الرسالة. لم يعلموا أن رائحتك ، تعبث في داخلي ، منذ سنوات منذ ولدت أو قبل . ما عدت أطيق الانتظار ، قرأت لمحمود درويش قوله: بين حلمي و بين اسمك ، كان موتي بطيئا بطيئا أموت – أحبك إن ثلاثة أشياء لا تنتهي . أنت و الحب و الموت . قررت ، أن أحقق هذا الثالوث الخالد . انتهيت منك . و انتهت رحلة الحب . لتبدأ مراسم الموت . الليلة سأمارس الموت بشهية. كتبت هذه الرسالة ، رغم الجدران، و رغم الأغلال ، و رغم الأحقاد . و أعرف أنها ستصلك . كيف لا ؟ و قد كتبتها بدموعي ، و بعثرتها برائحتي ، عبر الأثير ، و أنا أعرف أنها ستهتدي إليك ، و لن تخطئ طريقاً لقلبك . أما هذا الجسد الفاني ، بدونك . فقد آن لها أن تعود وترحل. حطمت النافذة، ثم تنفست الحرية . حتى مرت خلالي. ومارستها بكل شفافية ، و أطلقت لجسدي العنان ، وأنا أطير، من شرفتنا نحو الشارع . كانت غرفتك ، و التي قابلت غرفتي ، و التي شهدت ميلادنا ء يا حبيبي ء آخر مشهد رأيته ، و أنا أهوي لأعماقك . و أنا ابعث بسلامي إليك . لتكون روحي . لتكون الختام . وها أنا قد فرغت، من رسالتي اليتيمة .لم أجد حبراً ، فكتبتها بدمي . لا تؤاخذني حبيبي ، إنْ وقعتها لك بجثتي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق