سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

السبت، 30 أغسطس 2014

قصة قصيرة: تموز ( قصة مسلسلة ) ج1 بقلم/ منال عبد الحميد

هبط الجبل بحذر وترقب شديد لما حوله .. لم يكن خائفا أبدا فهو لا يعرف الخوف .. لم يجرب الخوف أبدا لكنه جرب الحذر والاستعداد للأسوأ القادم .. كل قادم بالنسبة له أسوأ .. فقد عاش قرونا تحت التراب !
فرد جسمه الرياضي الممشوق وعب من الهواء المحيط نفسا رطيبا عميقا .. كان الهواء حوله في غاية النظافة والبرودة !
إنه الشتاء .. موسم الموت !
لقد ضُحي به ذات شتاء وها هو الآن يعود ذات شتاء آخر .. لكن ما أبعد الشتاءين !
سمع ضجة معدنية غريبة بالقرب منه فأضطرب باطنه .. إنه يسمع ضجة غريبة ذات رنين كريه منذ أن عاد إلي الوعي !
ولسوء الحظ فإنها مشابهة وبدرجة عظيمة لتلك الضجة التي لا زال يذكرها حين حدث هذا الأمر الفظيع .. حين هوي النصل المسنون فاصلا رأسه الجميل عن جسده !
...
أيقظوه ذات صباح في المعبد .. منذ متى حدث هذا ؟!
قرن .. قرنين .. ألف عام ربما .. إنه لا يتذكر تحديدا لكنه يذكر جيدا كم كان خائفا ومرعوبا !
أوقفوه وسط الأزهار البديعة وحمموه بعبيرها المذاب في الزيت .. صبوا الزيت فوق رأسه بغزارة ثم مسحوا جسده المفتول به .. قالت له " فينوس " وهي ترمقه بولع وهيام :
" من أجلي يا عشيقي المحبب .. من أجل حياة طويلة وعمر مديد لي ! "
الخائنة الغادرة الكاذبة .. فور موته عرفت رجلا آخر وما لبثت أن جمعت العشاق حولها !
" فينوس " .. " أفروديت " .. " عشتار " عليك اللعنة أي كان الاسم الذي تختارينه لنفسك كل مرة !
أخذ نفسا عميقا .. لقد عاد إليهم علي كل حال وسيفه في يده فقد دفنوه معه !
إنه نفس السيف الذي جزوا به رقبته لكنهم كانوا كرماء فتركوه له ليظهر الأمر أنه تضحية بنفسه لا تضحية منهم هم به ..
كم هم مخادعين !
مرت بقربه قطعة معدنية لها عجلات أسفلها تجري بسرعة هائلة فأجفل ودق قلبه مسرعا .. يا مجمع الآلهة الثمانية والستون !
أي أله شر يسير علي عجلات هذا ؟!
وجف قلبه واضطربت دقاته فتوقف قليلا ليلتقط أنفاسه الهاربة .. لحقت به برودة مميتة فشعر بالصقيع يلفه !
أي زمان جدب بارد هذا الذي بُعث فيه .. لكنه نفذ من سلطان الموت أيخيفه سلطان البرد بعد كل هذا !
وقف مكانه متشمما الهواء ثم لم يلبث أن شعر بالأمن .. لم يمر إله حرب صاخب آخر يسير علي عجلات والمكان من حوله هادئ وخاو تماما .. توقف ليفرد جسده .. أخيرا سيستنشق نفسه بعمق !
توقف وغرس قدميه في التربة الصخرية أسفله .. ضرب الحصى أعقاب قدميه البارزين لكنه لم يشعر بأي ألم ثانية .. مد ذراعيه وفردهما علي جانبي جذعه .. أخذ نفسا عميقا وفرد جسده أكثر .. دخل الهواء إلي رئتيه فانتفختا ثم بدأ صدره يتمدد !
سالت ضلوعه سائبة إلي جانبيه وتمدد حجم جذعه وبدأ يتضاعف .. استطالت ساقيه وتضخم حجم عضلاته وتضاعف سمك ذراعيه .. نما طولا وعرضا وارتفاعا .. سحب المزيد من الهواء وجره إلي داخل صدره حيث استحوذت عليه رئتاه اللتين صارتا في حجم صخرة كبيرة .. نفذ الهواء وتخلل عظامه !
انتهي من نموه وصار الآن حرا طليقا متحررا من قيود التضحية والموت .. لن يجزون رقبته بالسكين مرة أخري !
صرخ أخيرا مناديا :
" حدد* .. حدد .. إني عدت إليك ! "
ترددت صرخته المرعبة في جوف الليل .. لم يسمع الناس صوته مناديا بل سمعوا قصف هائل وعواء ريح مخيف .. صفرت الرياح الهائلة وضربت الجدران والنوافذ والأبواب وحطمت الجدران .. لم يميز الناس في الرياح العاتية سوي صوت عواء مخيف لكن هناك وعلي بعد فراسخ كثيرة .. مسافة لا تعد خطيها ولا تحصي ، صحت حسناء جميلة في فراشها وفتحت عيناها بغتة .. سمرها الذعر في فراشها بينما كان شعرها الطويل الذي يحاكي لونه لون شعاع الشمس في جبروته وعنفوانه مفروش كثوب من ورود حولها .. تسمعت للريح الضاربة الآتية من بعيد للحظة ثم تنهدت بحرقة .. تقلب رجل مفتول العضلات إلي جوارها في الفراش ورقد علي جنبه مواجها لها .. سألها برقة والنعاس لا زال يطغي علي أحاسيسه :
" ما الذي أيقظك يا عزيزتي ؟! "
تنهدت ثانية وهتفت من صدر مكلوم غاضب حاقد :
" إنه هو .. "
رفع جسده وجلس نصف جلسة إلي جوارها وحدق فيها بذعر .. سألها أخيرا متمنيا أن يكون قد أخطأ السمع أو أخطأ الفهم :
" من ؟! "
أغمضت عيناها وداست علي جفونها بقوة وردت أخيرا :
" لقد عاد هو .. " تموز " غادر جدثه ! "
وضع كفيه ليمنع نفسه من الصراخ بينما اشتدت قوة الريح وعواءها في الخارج !
*حدد : إله العواصف والأمطار في سوريا القديمة

أنتظرونا كل خميس في العاشرة مساء

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق