سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

السبت، 26 يوليو 2014

قصة قصيرة: حالة طوارئ بقلم/ مى طارق

ليتني أعطتها " رئتاي "
هكذا خرجت الكلمات مني , مخاطبة صورة أمي المعلقة في غرفتي , عندما تذكرت ذلك اليوم الذي توقفت به أنفاسها .
كانت أمي تعد العشاء ,بينما كنت جالساً في غرفتي , أصارع النوم , أقوم بالبحث على المواقع الإلكترونيه عن وظيفه .. .
جائتني صرخة أمي المكتومة , فقفزت من مكاني مهرولاً تجاه المطبخ , حتى كدت أن أسقط على وجهي .
وجدت أمي ملقاة على الأرض , تصارع رئتيها محاولة إلتقاط أنفاسها , وكان وجهها شاحباً يحمل كلمة واحده " الموت "
صرخت كثيراً , طلبت المساعدة , ولكن لم يجيبني أحد .
حملتها على كتفي وأخذت أركض سريعا , ركضت كثيراً باحثا عن أي مشفى ليسعفها , حتى وصلت لأقرب مشفى حكومى بعد أن دلني على طريقه الناس السائره في الشوارع قائلين ..
" مستشفى ال .... يا بني , " لا حول ولا قوة ألا بالله " "
دخلنا من أحدى بوابات المشفى التي تحمل عنوان " أستقبال الطوارئ "
ممر طوويل , مليئا بالناس , منهم من يصرخ ومن يبكي , ومنهم من ملقى على الأرض وتنزف دماؤه , ومنضدة بجانب الباب يجلس عليها سيدات يقال أنهم " ممرضات " , تَدوي ضحكاتهن مختلطة ببكاء المرضى وعويل مصطحبيهم .
أستقبلتنا أحداهن قائلة : أيوه يا كابتن , أى خدمة ؟
خرجت الكلمات مني ممتزجه بملوحة عرقي المتصبب :
" أأه , أمي مش قادرة تاخد نفسها , حد يلحقها , هاتموت "
فأجابتني " طب أهدى كده , وخش حطها على أى سرير , فى أوضه أستقبال الحريم , ودلوقتي الدكتور يجى يبص عليها "
دخلت , ووضعت أمي على أحدى السرر , كانت السرر ممتلئة , تلطخها دماء هذه , وقئ تلك , يصرخون جميعاً ويئنون ألماً .
عشرون دقيقة مرت , أختنقت فيها أمي عشرون مرة , وأختنقت بها عشرون ألف مرة , ولم يأتي أحد !
ذهبت إليهم , أستسمحهم جميعاً , وكنت على أستعداد أن أقبل أقدامهم , مقابل أن يُسعف أحدهم أمي .
فأجابتني أحدى الممرضات :
" أنت شايفنا بنلعب يعني , الدكتور في أيده حالة في أوضه الرجاله , هايخلصها وجاى "
سألتها " هو مافيش غير دكتور واحد بس ؟! "
فآجابتنى " أيوه , هو ده الموجود دلوقتي , مش عاجبك خدها مستشفى خاصة "
أنتظرت , فلم يكن بوسعي سوا الإنتظار , الإنتظار حتى الموت ..
حتى أتى الدكتور , كشف على أمي , ثم أمرهم مسرعاً , أن يضعو لها جهاز التنفس الصناعي , وأن يعلقو لها المحاليل .
حملتها وذهبنا , دخلنا غرفة أخرى , غرفه واسعة , تحوي كثيراً من المرضى , بين أطفالاً ومسنين , وصراخ الأطفال يملؤ الغرفة , وضعت أمي على السرير الوحيد الفارغ قائلاً لها " متخافيش يا أمي , هاتبقي كويسة , أنا مش هاسيبك " فتنظر إلي تلك النظرة التي تقول
" أثق بك يا ولدي " وتشد بكفها على يدي , عندما جائت الممرضه منحية أياي جانباً قائلة
" أوعى كده يا كابتن , خلينا نشوف شغلنا , وأنشف شويه , دلوقتى تخف وتاخدها وتمشى وتفضولنا السرير "
نظرت لقسوة كلماتها ولم أستطع الرد عليها .
أخذت جهاز التنفس من أحدى الأطفال قائلة لأمها
" هانحطة بس للست الكبيرة دى شويه عقبال ما ترضعيها "
نظرت إليها متسائلاً " هو مافيش غير جهاز تنفس واحد في المستشفى كلها ؟! "
فأجابتني متأففة " بقولك أية يا أستاذ , هو ده اللى موجود , أنتو هاتعرفونا شغلنا ولا أيه ؟! "
ثم تركتني وذهبت , جلست بجانب أمي أطمئنها , حتى عادت تلك الممرضة , تحمل زجاجه المحلول في يد , وفي اليد الأخرى الـ "كانيولا "

ثم جذبت يد أمي بعنف , وأخذت تبحث عن وريد لتضع به ال " كالونه " , وبعد بحث طويل وتجارب عديدة , أستطاعت تركيبها , محدثة زميلتها " فين البلاستر يا سعاد ؟ "
فأجابتها " أسألى هشام , أخر مره البكره كانت معاه فى أستقبال الرجاله "
فقالت لي " أمسك يا كابتن أيدها كده , أوعى تفلت منك , عقبال ما أجيب البلاستر " وتركت لي يد أمي وذهبت .
شردت متسائلا في تعجب " المستشفى دى كلها , مافيهاش غير بكره بلاستر واحده ؟! "
حتى جائت وفي يدها قطعة بلاستر صغيرة , ثبتت بها الـ " كالونة " في يد أمي , و أوصلتها بخرطوم زجاجة المحلول , ثم أخذت جهاز التنفس من أمي قائلة
" معلش يا كابتن , هانحطه بس للعيلة الصغيرة دى , عقبال ما الحاجة تخلص المحلول ونركبهولها تاني " , لم أستطع منعها !.
خمسة دقائق , كانت كافية لتحتضر فيهم أمي , تلفظ أنفاسها الأخيرة , وتتراجع دماؤها في خرطوم المحلول و تتدلى يدها على جانب السرير , لتعلن روحها موعد المغادرة .
صرخت فيهم جميعاً " الحقوووها , حد يلحقهااا , أمي بتمووووت يا ناااااس "
, هززتها كثيراً مناديا " أمي .. أمي "
ولكنها لم تجيبُني , لم تتحرك , ولم تنظر لي نظرة الوداع الأخيرة ,
أذهبتِ وأنت غاضبة مني يا أمي لأني لم أف بوعدي ؟! وتركتِك تغادرين مختنقة !
تجمعت الممرضات , ومعهم أحد الأطباء , الذي تفحصها وأعلن موتها قائلاً ,
" البقية في حياتك "ليتني أعطتها " رئتاي "
هكذا أختلطت الكلمات بدموعي , عندما رأيت صورتك يا أمي ...

هناك تعليق واحد:

  1. قصة واقعية تماما ً قرأتها و كأنـّي راوي القصة لأنـّي - مثل كلّ من يتعامل مع المستشفيات الحكومية - ألاقي مثل هذه الأحداث بمجرد تفكيري في الذهاب لبابهم.بالنسبة لاستخدام الألفاظ فإنّ رحابة اللغة يفترض أن تعطيك ِ مساحة كافية لبلوغ ما تريدين من معانيها ،و لكني وجدت الفعل(أصارع)النوم و بعدها (تصارع)رئتيها،فأتتني بشكل مثير للدهشة .تجربة جيدة و أتمنى أن أقرأ أفضل منها للأستاذة / مي،و في انتظار الجديد دائما ً على صفحتي المفضلة حروف منثورة

    ردحذف