يتجه صوبها دون أن يعلم أنها ليست مثله ﻻ تعرف السكن، يوم أن ضاقت به السبل في العاصمة أثينا، حيث هناك بساحة أمونيا يرسم الوداع من جديد. و كعادته يكتب في ركن ما، قبل أن يهاجر المكان، هنا وطأت قدمي ذات يوم.. في العاصمة تستعبد اﻷجانب ذو اﻷصول المسلمة. يخاف على نفسه أن يلقى مصير بني ملته اللذين اغتيلوا بدون أي سبب، ليس إﻻ لأنهم أجانب مثله.
صوب الشمال الجنوبي لتركيا يفر إليها وهي تسطع بأضوائها الملتهبة ليﻻ بين قبرص و بقية جزر البلدة. إنها جزيرة رودس اليونانية. فور وصوله بالباخرة أدرك أن أحلامه ليست بالصورة التي يراها أمامه اﻵن. الناس هنا عراة سكارى كما لو كان يوم البعث في أحد اﻷماسي في شهر أغسطس. و ضجيج قد احتوى المكان منبعث من المراقص التي بدورها غصت المكان. وحيد الشاب ذو العقد الثاني إﻻ بضع شهور، حلمه كان كمعظم أقرانه من المغاربة الشباب في أن يهاجر من أجل مستقبل أفضل. إﻻ أن الدراسة كانت أمله فضﻻ عن وضع أخواته اليتيمات الخمسة و اللاتي كن هوسه الكبير. الوقت ﻻ يسعفه في أن يسلك طريق العربدة. هو يعلم جيدا أن وضعه يختلف عن هؤﻻء السعداء، ربما..
لم يكن اﻷمر هينا على الشاب اﻷسمر اﻷمازيغي من اﻷصول الصحراوية ذا ملامح المسلم بهذه الجزيرة من سنة تسع مائة وألف و سبعة و ثمانين. الجزيرة التي عرف أهلها حربا في القرون الماضية مع جيرانهم المسلمين من اﻷتراك الذين استعمروهم من قبل تحت حكم اﻹمبراطورية العثمانية. هنا ﻻ حياة للمسلم قطعا و يكاد يكون اﻷمازيغي أو العربي الوحيد بالمكان. أما أهل الجزيرة من اﻷصول المسلمة فقد ذابوا من زمن بعيد في تصفيات أخذت أكثر من قرن من الزمن، على إثرها أنسوا من يكونوا في صمت كذاك الذي يحمله هو، و الذي سيعلم كنهه ﻻحقا..
جزيرة جعلت للسياحة و توفير الراحة لشباب كهؤﻻء. أما هو و أمثاله من العالم الثالث و اللذين يحملون نفس علامته المسجلة سواء أكانوا أمازيغيين أم عربا فقد خلقوا ليكدحوا مثل آبائهم. فهم يرثون الكدح أبا عن جد، فهم حمله إبن تافيلالت حتى عندما كان يعيش في بلاده.
اﻷخوين كوسطا و سفاس.
إسرع يا هذا..! زبائننا من الفنادق و المطاعم ينتظرون.. إسرع يا..هكذا كان حال اﻷخوين كوسطا و سافاس معه، صاحبي المصبنة الوحيدة بالجزيرة خﻻل الأربعة عشر ساعة بالعمل يوميا طيلة اﻷسبوع كله. كأنه يحتضر و هو ينتظر مصيره.. هم كذلك ينادونه بالخنزير اﻷسود كما كان يفعل معلمه قسمان بالقسم الرابع ابتدائي، آه.
الشقراء الحالمة.
لم يعد يحمل قلمه كما اعتاد صبيا. زحمة الوقت و جسمه المنهك يقتﻻن خياله الواسع الذي طالما كان وقوده اليومي حتى و إن كانت سطوره تلك تلقى مصيرها بالقمامة. كما لو كانت هي تلك التي رسمها في خياله.. بشعر أشقر طويل، عينان زرقوتان و كواعب كأنهما أترابا كانت تحتسي شيئا بجنب شرفة مقهى المدينة و هي تجلس أمامه. يجلس هو اﻵخر بالزاوية المقابلة يحمل شيئا يشبه ورقة ذابلة مثله و هو يبحث عن الكلمات كما كان يبحث عن يومه هذا دون أن يثيرها اهتماما بالغا.
بسب التهميش الذي عاشه منذ طفولته اعتاد أن ﻻ يبدي اهتمامه الزائد للغريزة. أورثه ذلك أن صار محافظا في طبعه. يخاف من الحرج من أي شيء يرى فيه نفسه صغيرا، حيث تعود السير بجنب الحائط من أمد بعيد، فتراه ﻻ يكترث بحق له هذا الفتى القاهر لنفسه.
تسأله ذات الشفتين الحمراوتين و الجسم الناعم فجأة ماذا تصنع؟ يبدو عليك رسام يوناني.. كﻻ سيدتي! مازلت ﻻ أعرف من و إلى أين أنا قادم، لكني! اﻵن أحاول أن أصنع الكلمات في ابتسامة يجيبها. إذن أنت موسيقي أو كاتب كلمات تسأله في إنجليزية مرنة يتضح في لكنتها أنها من أهل شمال أروبا. يسترسل اﻹجابة في خجل لست كذلك، إنما اعتبريني شاعر اللحظة إن سمحت لي سيدتي. كارولين ذات الثامنة عشر من عمرها من بﻻد السويد و التي رافقت أهلها إلى الجزيرة في عطلة الصيف تكاد هي اﻷخرى تحس باﻻختناق. لم تتعود حرارة مناطق البحر المتوسط تخبر الصحراوي. و في عفوية يحكي الشاب وحيد قصة رحلته و عن آماله الضائعة و هو يحتسي كوبه من القهوة. أما هي فمازالت مندهشة في ما يقول هذا العابث بالكلمات، الغريب القصص.. لم أتحدث يوما إلى امرأة حسناء مثلك يعترف لها في عفويته تلك، صدقيني أيتها الحورية الشمالية!!.. تضحك في قهقهة و كأنها تريد مزيدا من الغزل.. أنت شاب وسيم كذلك، وسعيدة للتحدث إليك يا..
إسمي وحيد من المغرب يستدرك كلماتها و هو في ذهول هو اﻵخر. وحيد المغربي إذا أيها البارع..أنت بارع حقا مازالت تبتسم في حديثها إليه..
و في همس بإحدى أذنيه تعيد العبارة و هي تودعه على أمل اللقاء في نفس المكان و الساعة الغذ في قبلة بأنفاس دافئة على إحدى خذيه أذابت كل ما يحمله من آهات في هيجان يقحمه في هوس العشق.. لكن! سيدتي أنا.. و يتابع الحديث ﻻ تكترثي لن أذهب إلى الأخوين كوسطا وسفاس غدا، يبتسم وهو يؤكد الموعد دون شك يعلم أنه سيطرد من العمل...
مازال ينظر إلى نفسه في المرآة كعروس في ليلة دخلتها و هو يردد كلماتها على إحدى اﻹيقاعات لأغنية كان يحبها، أنت شاب وسيم.. أيها البارع، ههههه... يصرخ إذا أنا لست خنزيرا أسودا كم أوهموني.. لماذا لم أدرك من قبل أني كما قالت الحورية؟؟!!..و في مزيج من الحزن و الفرحة معا مازال على حاله ذاك ينتظر اللقاء في شغف.
ساعة الرحيل.
كما لو كانت هنيهة فترة العطلة هذه تقول الفتاة في حزن مؤكدة أنها ﻻ تستطيع أن تفارقه و هي تمسك بإحدى يديه. أما هو فتلك كانت لحظاته الجميلة. تعتريه السعادة و هو يعلم اﻵن أنه إنسان مهم في حياة امرأة حسناء من عالم متطور كهذه التي اﻵن تداوي جروحه كأي إنسان عاش حرمان اﻷبوين و تسلط المجتمع.
يركبان الطائرة إلى عاصمة السويد استكهولم بعدما كانا قد سبقهما الرحلة من أسبوعين أبوا الفتاة. يعلم اﻵن أنه سيودع سﻻلته الخنزيرية و أنه لن يطرد من جديد كما فعل معه كوسطا و أخوه. قد تتهيأ الظروف له لإسعاد أخواته البنات يحلم و هو يستكين في نوم عميق ﻷول مرة منذ أن هجرته أمه طفلا مستلق بين ذراعي الشقراء الحسناء اليافع
صوب الشمال الجنوبي لتركيا يفر إليها وهي تسطع بأضوائها الملتهبة ليﻻ بين قبرص و بقية جزر البلدة. إنها جزيرة رودس اليونانية. فور وصوله بالباخرة أدرك أن أحلامه ليست بالصورة التي يراها أمامه اﻵن. الناس هنا عراة سكارى كما لو كان يوم البعث في أحد اﻷماسي في شهر أغسطس. و ضجيج قد احتوى المكان منبعث من المراقص التي بدورها غصت المكان. وحيد الشاب ذو العقد الثاني إﻻ بضع شهور، حلمه كان كمعظم أقرانه من المغاربة الشباب في أن يهاجر من أجل مستقبل أفضل. إﻻ أن الدراسة كانت أمله فضﻻ عن وضع أخواته اليتيمات الخمسة و اللاتي كن هوسه الكبير. الوقت ﻻ يسعفه في أن يسلك طريق العربدة. هو يعلم جيدا أن وضعه يختلف عن هؤﻻء السعداء، ربما..
لم يكن اﻷمر هينا على الشاب اﻷسمر اﻷمازيغي من اﻷصول الصحراوية ذا ملامح المسلم بهذه الجزيرة من سنة تسع مائة وألف و سبعة و ثمانين. الجزيرة التي عرف أهلها حربا في القرون الماضية مع جيرانهم المسلمين من اﻷتراك الذين استعمروهم من قبل تحت حكم اﻹمبراطورية العثمانية. هنا ﻻ حياة للمسلم قطعا و يكاد يكون اﻷمازيغي أو العربي الوحيد بالمكان. أما أهل الجزيرة من اﻷصول المسلمة فقد ذابوا من زمن بعيد في تصفيات أخذت أكثر من قرن من الزمن، على إثرها أنسوا من يكونوا في صمت كذاك الذي يحمله هو، و الذي سيعلم كنهه ﻻحقا..
جزيرة جعلت للسياحة و توفير الراحة لشباب كهؤﻻء. أما هو و أمثاله من العالم الثالث و اللذين يحملون نفس علامته المسجلة سواء أكانوا أمازيغيين أم عربا فقد خلقوا ليكدحوا مثل آبائهم. فهم يرثون الكدح أبا عن جد، فهم حمله إبن تافيلالت حتى عندما كان يعيش في بلاده.
اﻷخوين كوسطا و سفاس.
إسرع يا هذا..! زبائننا من الفنادق و المطاعم ينتظرون.. إسرع يا..هكذا كان حال اﻷخوين كوسطا و سافاس معه، صاحبي المصبنة الوحيدة بالجزيرة خﻻل الأربعة عشر ساعة بالعمل يوميا طيلة اﻷسبوع كله. كأنه يحتضر و هو ينتظر مصيره.. هم كذلك ينادونه بالخنزير اﻷسود كما كان يفعل معلمه قسمان بالقسم الرابع ابتدائي، آه.
الشقراء الحالمة.
لم يعد يحمل قلمه كما اعتاد صبيا. زحمة الوقت و جسمه المنهك يقتﻻن خياله الواسع الذي طالما كان وقوده اليومي حتى و إن كانت سطوره تلك تلقى مصيرها بالقمامة. كما لو كانت هي تلك التي رسمها في خياله.. بشعر أشقر طويل، عينان زرقوتان و كواعب كأنهما أترابا كانت تحتسي شيئا بجنب شرفة مقهى المدينة و هي تجلس أمامه. يجلس هو اﻵخر بالزاوية المقابلة يحمل شيئا يشبه ورقة ذابلة مثله و هو يبحث عن الكلمات كما كان يبحث عن يومه هذا دون أن يثيرها اهتماما بالغا.
بسب التهميش الذي عاشه منذ طفولته اعتاد أن ﻻ يبدي اهتمامه الزائد للغريزة. أورثه ذلك أن صار محافظا في طبعه. يخاف من الحرج من أي شيء يرى فيه نفسه صغيرا، حيث تعود السير بجنب الحائط من أمد بعيد، فتراه ﻻ يكترث بحق له هذا الفتى القاهر لنفسه.
تسأله ذات الشفتين الحمراوتين و الجسم الناعم فجأة ماذا تصنع؟ يبدو عليك رسام يوناني.. كﻻ سيدتي! مازلت ﻻ أعرف من و إلى أين أنا قادم، لكني! اﻵن أحاول أن أصنع الكلمات في ابتسامة يجيبها. إذن أنت موسيقي أو كاتب كلمات تسأله في إنجليزية مرنة يتضح في لكنتها أنها من أهل شمال أروبا. يسترسل اﻹجابة في خجل لست كذلك، إنما اعتبريني شاعر اللحظة إن سمحت لي سيدتي. كارولين ذات الثامنة عشر من عمرها من بﻻد السويد و التي رافقت أهلها إلى الجزيرة في عطلة الصيف تكاد هي اﻷخرى تحس باﻻختناق. لم تتعود حرارة مناطق البحر المتوسط تخبر الصحراوي. و في عفوية يحكي الشاب وحيد قصة رحلته و عن آماله الضائعة و هو يحتسي كوبه من القهوة. أما هي فمازالت مندهشة في ما يقول هذا العابث بالكلمات، الغريب القصص.. لم أتحدث يوما إلى امرأة حسناء مثلك يعترف لها في عفويته تلك، صدقيني أيتها الحورية الشمالية!!.. تضحك في قهقهة و كأنها تريد مزيدا من الغزل.. أنت شاب وسيم كذلك، وسعيدة للتحدث إليك يا..
إسمي وحيد من المغرب يستدرك كلماتها و هو في ذهول هو اﻵخر. وحيد المغربي إذا أيها البارع..أنت بارع حقا مازالت تبتسم في حديثها إليه..
و في همس بإحدى أذنيه تعيد العبارة و هي تودعه على أمل اللقاء في نفس المكان و الساعة الغذ في قبلة بأنفاس دافئة على إحدى خذيه أذابت كل ما يحمله من آهات في هيجان يقحمه في هوس العشق.. لكن! سيدتي أنا.. و يتابع الحديث ﻻ تكترثي لن أذهب إلى الأخوين كوسطا وسفاس غدا، يبتسم وهو يؤكد الموعد دون شك يعلم أنه سيطرد من العمل...
مازال ينظر إلى نفسه في المرآة كعروس في ليلة دخلتها و هو يردد كلماتها على إحدى اﻹيقاعات لأغنية كان يحبها، أنت شاب وسيم.. أيها البارع، ههههه... يصرخ إذا أنا لست خنزيرا أسودا كم أوهموني.. لماذا لم أدرك من قبل أني كما قالت الحورية؟؟!!..و في مزيج من الحزن و الفرحة معا مازال على حاله ذاك ينتظر اللقاء في شغف.
ساعة الرحيل.
كما لو كانت هنيهة فترة العطلة هذه تقول الفتاة في حزن مؤكدة أنها ﻻ تستطيع أن تفارقه و هي تمسك بإحدى يديه. أما هو فتلك كانت لحظاته الجميلة. تعتريه السعادة و هو يعلم اﻵن أنه إنسان مهم في حياة امرأة حسناء من عالم متطور كهذه التي اﻵن تداوي جروحه كأي إنسان عاش حرمان اﻷبوين و تسلط المجتمع.
يركبان الطائرة إلى عاصمة السويد استكهولم بعدما كانا قد سبقهما الرحلة من أسبوعين أبوا الفتاة. يعلم اﻵن أنه سيودع سﻻلته الخنزيرية و أنه لن يطرد من جديد كما فعل معه كوسطا و أخوه. قد تتهيأ الظروف له لإسعاد أخواته البنات يحلم و هو يستكين في نوم عميق ﻷول مرة منذ أن هجرته أمه طفلا مستلق بين ذراعي الشقراء الحسناء اليافع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق