إشكالية النقد الأدبي الحديث وتقصيره بمناهجه ومدارسه في قراءة النصوص وتحليلها بلهاجاتها المحلية :
من فترة لم تكن بالقليلة وأنا مهموم بقضية خاصة في النقد الأدبي المحلي ، وأنا مازلت أراه ناقصا لم يرتق على مستوى الإبداع في النصوص الحديثة وما آلت إليه من ابتكار وتكنيك جيد من حيث الشكل والإسلوب واللغة ، وكم من نص جيد طرده ولعنه النقد الأدبي الغير متطوّر .. ناسيا أنه يتعلم من المبدع الأول ويضع نصوصه وقوانينه من خلال الإبداع الجيد الحديث ، فالقضية التي شغلتني هي هويّة النص والكاتب (بيئة النص وكاتبه)
ومن خلال هذا المنهج أحاول قراءة النص وتفكيكه وتحليله .
أحب أن أنوّه أولا على مفهوم لشرح الهويّة وقومية النص والكاتب ..
هوية النص والكاتب ( محليته ) :
أود أن أنقل لكم مفهومي بأبسط شيء يتعرّض له كثير من النقاد ويكونوا أمام بعض النصوص مكتوفي الأيدي إذا خرجت هذه النصوص عن موروثهم الثقافي ومحليتهم الخاصة ..
كيف لي كناقد عربي أنقد وأحلل قصيدة للشاعر الألماني جوتة ؟
أأقوم بتحليلها من خلال مادرست في مدرسة الشعر العربي من بحور الخليل بن أحمد وعلم العروض وتفعيلاتنا العربية من خلال الشعر الحر الحديث ولا ماذا ؟ ..
كيف أن أفهم شيء بيئي محلي محض يتناوله في قصيدته وأنا لا أعرف عنه شيئا ، ولا أنا قرأت عن ألمانيا ولا عرفت ولاياتها وثقافة الناس ومعتقداتهم وعاداتهم من خلال كل ولاية ؟ ..
كيف لي أن أحلّل القصيدة وأنا ناقص كل هذا ؟
كيف لي أن أقوم بتحليل نص قصصي لقاص عربي مثلي (مغربي مثلا) كتبه بلهجته المحلية ؟ ..
كيف أتكلم عن عامل اللغة وهو يسمي مثلا نصه ( ود حبشية ) وأنا لا أعرف ما معنى ( ود حبشية ) ؟
وكذلك باقي الحوار العامي الذي خرج على لسان شخوصه المحليين ، كيف أضبط لغته من الناحية الإملائية مثلا وأنا لا أعرف نطق اللفظ الصحيح ؟
كيف لي أن أعرف معنى شجرة التين في أرض الزيتون في فلسطين ؟
وكيف يعرف الشاب الفلسطيني الصغير معنى شجرة التين في أراضي فلسطين ؟
إلآ من خلال ثقافتي وهمّي وبحثي الدائم أن أعرف خريطتي العربية ودراسة معتقدات الناس هناك ومعرفة عادت كل عرق وفئة في كل بقعة أرض ، أتشمم أسرار كل تراب قطعة أرض خاصة لأعرف من هو مبدعها هناك وكيف يكتب وينفعل ؟
وكيف أقوم بإرشاده والتعليق عليه وأقوّم مفاهيمه ونصه من خلال علمي في نموذج أدبي مكتوب بين يدي ؟ .
ولهذا وجدت لزاما على النقد أن يتطوّر على مستوى النصوص الحديثة ودراسة مدى محليتها وفهم كاتب النص وبيئته وسلوكياته ومعتقداته الخاصة ، وكثيرا ما يعجبني نص أدير حوارا مع كاتبه قبل أن أتناول الحديث عنه وأدخله في دائرة النص وأتشمم إنفعلاته ساعة كتابة النص وما كان يشغله ، وهذا مايزعج بعض النقاد والكتاب المحدثين وهم يشهرون في وجهي لافتة بالية قديمة ليس لها معنى الآن وهي : أن الكاتب انفصل عن نصه بعد كتابته وخروجه للمتلقي .. أي كاتب الذي كتب وأبدع وألقى نصه في رأس المتلقي ؟
هل كل كاتب يجوز له هذا في كل صفوف مدارس تعليم الكتابة ؟
والأخير ممكن أتحاور معه أراه أنه كان يقصد في رأسه معنى معيّن وفكرة بعينها وخرج نصه بعيدا تماما عنها ولا يعرف ولا أعرف أنا كيف أضع يدي على مواطن النقص في نصه وسبب هروب الفكرة من تحت بنات أفكاره المتعددة المتداخلة الغير مرتبة عن الشكل المهني المحترف .
فهويّة النص وبيئة الكاتب لزاما معرفي ككقوانين النقد وأصوله ومدارسه المختلفة ، وأن النقد العربي بشكلٍ خاص ومحلي يجب أن يكون له شكله الخاص ومعايير خاصة به على الأقل إن لم يكتب للناقد أن يكون ناقدا عالميا شاملا يستطيع تحليل أي نص مهما كانت بقعته الجغرافية وبيئة كاتبه .. أن تكون في جعبة النقد أدوات متعددة ومتطوّرة ممطوطة في معاييرها ومدارسها لتستوعب كل النصوص ولا تظلمها ..
إن النقاد العرب قادرون على نقد أي نص أوربي مهما كان شكله ، لأنهم ينقدوه من خلال ما درسوه من مدارس النقد في أوربا الحديثة .. يضعون بطاقات صماء لا تسمع حس النصوص الحديثة في بنود نقدية واحدة ثابتة ..
لذا يعوَج ويخور قطار النقد الأدبي الحديث ويتخاذل أمام الإبداع الحديث ، وإن من العجب أن هناك نقاد عرب ساهموا اسهاما جيدا في حركة النقد الحديث ، ودرّست نظرياتهم في الجامعات ورغم كل هذا لايجرأ الناقد الحديث أن يتناول هذه النظريات في شغله الحديث ( عقدة الخواجة ) ..
هويّة النص وبيئة الكاتب :
يجب أن تكون بندا مهما في معايير النقد الحديث ، هويّة النص تستلزم لغة النص ، ولهجته المحلية ، وبيئة المكان المحكي عنه أو ترمي إليه في مخيلة الفكرة والموضوع .
أما من ناحية الشكل : كما ذهب الشعر الحديث ونحى منحى جديدا متطورا في الشكل وجدد وأجاد من خلال اللغة وتوظيف الألفاظ وتأويلها بشكلٍ متسعٍ ممطوط يجيد الوصول لزوايا وأحرف اللفظ العربي المبدع المتقن كما علمنا القرآن ، كما أنه جدد في الصورة البلاغية الشعرية حتى جعل العقل يفكر فيها ويتخيلها بشكلها المكتوب ، وما أضافته من جمال أدبي يرقق النفوس ويجليها ويشعر المتلقي بمدى الإبداع وخصوصية الشاعر وما يكتبه ..
عندما تصف شاعرة صورة في مقطع يقول : ( منيُّ فكرك يشدني إليك دوما ) هنا نراها قد باحت بكل مكنون نفسها الواعي والباطني ، وأجبرتنا أن نأوّل اللفظ على كل درجاته فنراه مجيبا محكما متطوّرا .. عصيرك الخارج منك على كل شيء فيّ ، وخرج على كل قطعة من بدني وحسي ساعة أن أكون معك وبين أحضانك ألهو فيك كالطفلة .. كيف أتوب عنه ؟
عصيرك الخارج من حكاياتك لي وطوّرني وعلّمني كيف أشفى منه ؟
فلفظ ( مني ) وقذفه نحو الفكر حوى الكل ، وكان اللفظ يدل دلالة كبرى وجديدة متطوّرة حقا .. بأنه عصيرك الجمعي الذي خرج علىْ مرارا وتكررا وتركته فيّ ولم يبرحني .. بات يحركني ، ويقذفني نحوك
ماذا أفعل وأجنّاتك في احشائي تطالبني بأبوّتها ؟ ..
خلاصة القول إن كتب كاتب مصري من ضواحي أحياء القاهرة الفقيرة التي تتمسك بعادات معينة تميّزها ، ودراسة بيئة المكان وناسه ومدى الجهل والمعتقد ، وكتب عن فتاة فاتها سن الزواج وأصبحت عانس من خلال هذا الجهل والعادات وفقدت غشاء بكارتها بيدها ، ومفاهيم وتعاليم قد لصقوها لصقا الآباء دون وعيٍّ للغريزة الجنسية ومدى المثيرات لها من خلال الفطرية والبيئة ، ومات الأب والأم وليس لدى هذه الفتاة من معين ولا رقيب وهي بأفكارها الساذجة ، وتأتي إليها داعرة حاذقة تلقي إليها مفاهيم جديدة وتتناول جسدها بالحك والدعك والقرص على شكل هزار وآلاف من حكايات المتعة الجنسية فماذا تفعل هذه الفتاة ؟ هل عندما يتناول الكاتب قصتها ويكتبها على لسان الراوي ، والبطلة هي الراوي تتكلّم بلهجتها وبثقافتها يكون هذا النص نص غير أدبي عامي فقير ؟ وكيف يبني الصورة البلاغية من خلال عينها هي .. بفكرها هي .. وثقافتها هي لتكوّن في النهاية صورة أدبية ممتعة ؟ .. ( قصة قصيرة بعنوان "تقاليد" مكتوبة باللهجة العامية المصرية ـ مختار أمين) .
إن اللغة ولهجاتها محورا مهما في الأعمال الأدبية وعلى الناقد أن يستوعب ذلك استيعابا جيدا ، ويكون ملما به ، مع دراسة بيئة النص ، والكاتب ومزاجه ، وثقافته الخاصة لكي يكون كل هذا في صف الكاتب وفي ميزانه الطابب ولا يؤخذ عليه ويعد نقيصة في فنه ..
إن اللغة ولهجاتها محورا مهما في الأعمال الأدبية وعلى الناقد أن يستوعب ذلك استيعابا جيدا ، ويكون ملما به ، مع دراسة بيئة النص ، والكاتب ومزاجه ، وثقافته الخاصة لكي يكون كل هذا في صف الكاتب وفي ميزانه الطابب ولا يؤخذ عليه ويعد نقيصة في فنه .. www.ektab.com
ردحذف