سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

الاثنين، 15 يوليو 2013

مقالات سياسية: الثورة العربيّة الدّائمة بقلم/ المختار الأحولي

" من تونس"

من هم؟

أوباما والتغير الذي جاء من أجله: 

كان صعود نجم أوباما سياسيا مرفقا بهالة. تغذّي رؤية شعبيّة أمريكيّة جديدة تماما. على شخصية من يحكم قوّة عالميّة. ليس على مستوى الأصل العرقي واللوني فحسب. حتى أنه عدّ نصرا للأقليات المضطهدة تاريخيّا، واقتصاديّا، وحتى تعليميّا، وحياتيا عامة(ومنهم المسلمين بما أنه يحمل من الأب الإفريقي دما مسلما"باراك حسين أوباما") وابتعادا عن حماقات وغباء حكم عائلات الثراء. اللذين ابسط ما يقنعهم وهم في الحكم، هو مراكمة الثروة على حساب الشعب(المموّل الرئيسي للحكم عن طريق الضرائب التي يدفعها وكدحه الدائم). وعلى حساب مصالحه ومصالح شعوب العالم. من خلال تكتّل الحاكم ومن كان خلف صعوده، في عصابة تستنفر كلّ طاقاتها وجهدها للفوز بأكبر قدر ممكن من العقود والاستثمارات. وربط علاقات قذرة مع حكّام مهزومين أصلا(عربا وغيرهم). وبأسلوب استخباراتي من خلال جمع ملفّات مخزية تكون ورقة ضغط دائمة . وليس بنسب الولاء لأمريكا شعبا. بقدر خدمة المصالح ألأمريكيّة(المتمثّلة في مصالح النخبة الرأسمالية والشركات(وعلى رأسها شركات السلاح والصناعات الثقيلة العابرة للقارات) المتحكّمة في كلّ أمريكا(إرادة الحاكم طبعا) وتوابعها في العالم). وكان أوباما حلم الأمريكان شعبا(خصوصا الفئات الضعيفة والأقليات ذات الأصل الغير أوروبي. والدين المغاير لدين الطبقة الحاكمة. وتحالفاتها التي أسسها المال ليقوّيها ويغذيها العامل الديني. وفكرة الاضطهاد التاريخي. لكن العوامل الجديدة خصوصا بعد تطوّر أسعار النفط التي تراكمت ثروات خياليّة بيد فئة من حكّام هزمتهم أهوائهم. وجينات الجريمة التي تجمعهم وهؤلاء. الذين برعوا في اصطياد مثل هذه الفئة لتقوية حضورها في محيطها. وزرعها حتى تكون الجندي الأمامي لحماية حديقة أمريكا الخلفيّة.لكن أوباما جاء ليجدّد هذه الآلية ويحدّثها بعد أن أصبحت كلّ تفاصيلها مكشوفة لدى الخاص والعام وبالية في بلدان هؤلاء العصابات الحاكمة. وعوض تدمير معارضي هذا الجندي الأمامي. وقع ومنذ البدء انتقاء لمن يمكن أن يكون خلفا صالحا للسلف الذي يكون من مهامه تدمير اللذين بقوا خارج ما تنتقيه أمريكا. وتخرجه إلى ظلّ يترعرع فيه إلى حين. ثمّ يستخدم ورقة ضغط على هذه الجندي ساعة يجب. وكانت أرض أوروبا هي الوسّادة لهؤلاء. حيث راكموا الذلّة.والأموال القذرة. لطول ما تاجروا في المواقف حسب قواعد الربح والنفع الذي نشؤ عليه. من أجهزة تسهر على حماية وجودهم. وتوفّر لهم وبتخطيط مدروس. ساعات الظهور والاختفاء وما يجب أن يقال وما لا يقال في ذلك الظهور.
أوباما وفي سرعة منقطعة. ومن خلال الهالة وبفضلها فقط. يحرز على جائزة لم يظهر بعد استحقاقه لها ولم يظهر حتى القدرة على تنفيذ البرامج التي فكرتها كانت سبب لهذا الدعم المعنوي الكبير والتاريخي لمن ينالها(قبل أن يكتشف العالم مؤخّرا أن نوبل جائزة سياسية بامتياز وليست إنسانية تنال بالجدارة وحتى أصبحت محفلا من محافل تأطير. ما يخالف المبدأ الذي أقدم نوبل ذاته على تأسيس هذه الجائزة من ماله الخاص).
ولأن إرادة كاملة هي التي وقفت خلف أوباما(سياسية واقتصادية وعسكريّة وحتى مخابراتي عالميّ).جرّبوا وسائل غير تقليدية فاجأت النخبة السياسية التقليدية في أمريكا. وعلى رأسها سلاح اجتماعي يمس القاعدة الشعبيّة من أقرب مجالاتها الحيويّة(المواقع الالكترونيّة ومنها الفايسبوك والتويتر واليتوب وغيرها) وكان الفوز ليس لأوباما فقط بل لنجاح المرحلة الأولى من مختطه الحربي الجديد البسيط والمعقّد في آن. وكانت الآلية المتفوّقة على الميدان بدرجة أكبر لسهولتها ورواجها في غالبيّة الشرائح الاجتماعيّة بفروقها الطبقيّة.(الفايسبوك) الذي ربط بين بقيّة الفروع القتاليّة بضغطة زرّ. وتسريبا للمعلومات في طرق الاستخدام على ذات المواقع.
هذا السلاح الذي أصبح أكبر سلاح للدمار الشامل فهو أقوى فعليا، وزمنيا، من حرب تقليديّة. وأكثر شراسة وضراوة من آليات عسكريّة. تتحرّك بأموال طائلة وربّما تنتهي في رمية مقاتل جيّد على الطرف الآخر فتكون خسارة في المال والأرواح.وتمّ تأجيل اللجوء إلى السلاح إلى حين"وتوفّرت فرصته في حرب ليبيا من خلال الناتوا". وهنا سيكون ردّة فعل دافع الضرائب. الحامي الوحيد لديمومة مصانع الآلة العسكريّة هذه قويّة. ربّما تكون استفاقتها أقوى من تلك التي عاشتها أمريكا على إثر خسارة مخزية في فيتنام. لذلك كان يجب الترتيب المحكم لهذه الحرب(ومن خلال المقولة العلميّة التجربة والخطأ هي مقوّم النجاح) يمكن أن نستقصي مراحل التنفيذ الفعلي لهذا المقاتل وقفزاته على الخارطة المعقّدة أصلا. والأخذ من ملفّ الصقور المهزومين ما يفيد للخطّة الجديدة.والعودة إلى دور المخابر(التي تحدّثنا عنها في أول البحث أي البلدان المخابر. التي أعدت سلفا لتكون مخبر إنتاج الحلول والبدائل).ولاختصار المسافة والمساحة نورد المعطيات في شكل نقاط أسئلة:
- أين الآن موقع ويكيليكس ومالكه. وكلّ الهالة التي أحيطت بهذا الملف. والتسريبات التي تخصّ الشعوب. بقصد تنويرها وتشكيل غضب شعبيّ. سترتفع درجاته. بردّة فعل المكشوفين للحفاظ على مواقعهم؟ وقام الطرف الأمريكي بمسرحيّة محاكمة صاحب الموقع من جهة. لتبرئة ساحتهم قدّام حكام لم يرحلوا بعد إلى مثواهم. وشنّوا حملة إعلاميّة موازية لدعم مسألة الحرّيات وخصوصا حرّية التعاطي مع المعلومة وحرّية شخصيّة للمساهمين في بثّها للرأي العام. وهذا مبدأ متنازع عليه إنسانيا. ولم ينتهي ملفّه لما يشوبه من اختراقات.وهنا حرّك ضمير الشعوب لحماية مناصريها.
- المحاولات الأولى لاستخدام حرب الفايسبوك وجّهت إلى إيران بقصد إضعاف وإرباك جبهتها الداخليّة وكلنا يذكر محاكمة المتهمة بالزنا وأوّل ما جرّب فيها. التصوير الهاتفي للأحداث الميدانيّة. وهنا يبرز التويتر وعالمه الموازي والخادم للفايسبوك في عمليّة الحرب التي فاقت الإعلام الذي حاول مسايرة الحدث بتخصيص عناوين استقبال لهذه التسجيلات الهاوية ثمّ تطويعها واستخدامها في شكل دعاية موجّهة حسب طلب الخدمة(وللتذكير نذكّر بدور محطّة الجزيرة لتعويض النقص في كمّية المستخدمين العرب للفايسبوك).
- وبعد توفّر الغضب الشعبي العام وترعرع وتغذية نار الحقد على الطبقة الحاكمة وأهل بلاطها المنتفع بدم الشعوب كانت مرحلة التحريض المبطّن من خلال تكثيف وإطناب بلغ حدّ الفبركة لزيادة مساحة الزمن الملهب للجماهير الناريّة وقتها. والتي لا تنتظر سوى القادح الفعلي أو المبرّر(على هشاشته). للخروج إلى الشارع والمواجهة الرهيبة.
- قبل ذلك بقليل تواترت التقارير التي تفيد بأن تونس على حافة الهاوية.وهي الفاتحة الأولى. خصوصا بعد تطعيم المشهد المتوتّر أصلا بإطناب الجزيرة في التعاطي مع ملفّ الساحة التونسيّة(المختبر)ومنذ أحداث الرديف 2008. 
- الجميع يجمعون أن لا دور للسياسيين في الثورة وهذا خطأ تاريخيّ فكلّ المحطات التلفزيّة وعلى رأسها(بنسب المشاهدة في تونس) فرنسا24 والجزيرة على وجه الخصوص ومحطات فرنسيّة وعربيّة(بدرجة مشاهدة أقل)استنجدت بتحليلات السياسيين التونسيين من أقصى اليسار واليمين وحسب برامج وأجندات معدةّ سلفا في دوائر مختصّة. لكن تأكدهم من معطى عربي قائم لا يخصّ تونس وحدها. أن العرب شعب نسّأ بقدر كبير من السرعة. وبفعل التوجيه لأسباب كثيرة أهمها نقص كبير وفادح في درجة الوعي الجماعيّ. الفكريّ والتنظيميّ وخصوصا التعليميّ. الذي ضربت قواعده منذ زمن بعيد فأصبح انتقائيا وحتى نخبويّا(لكن زمن المعارك تسارع حيث أن وجود أطراف فكريّة من عائلات فكريّة متعدّدة في تونس وفي الوطن العربي ولو بشكل محصور في نخب متنافرة كان لها ومازال حضور. يمكن وأكيد أنه سيكون فاعلا. إذ لا مجال بعد الآن لتحريك الشعب بوجهة واحدة وتحت شعار واحد حتى وإن كان ذلك بالعودة إلى فعل السلاح.)
- وهنا كان(البوعزيزي ليقوم بدور أسست ناره أحداث قفصه 2008 وبن قردان ومساكن وغيرها في إعطاء الضوء الأخضر. لمن يحمي النار ويوجهها إلى برّ آمن. كوجهة أولى."الجيش وجزء من الأمن "الآمن جانبه" بحكم سيطرة بن علي المباشرة على الجهاز الأمني ودرايته الشخصيّة بمفاصله ومكاتبه). فكانت وقفة الكونغرس المشهودة تحيّة لنجاح مبدأ أول ومفصل أول من آليات الحرب. وخصوصا شجاعة وإقدام وقوّة إرادة الثائر التونسي. الذي حوّل أحلام عديدة وعلى رأسها حلمه هو أصلا إلى حقيقة ميدانيّة في مهدها الأول ليلة 14-01-2011 الإنقلابيّة.
وكان انتصار ثنائيّ ففي ذات الليلة احتفل وبحذر شديد كلّ من الإدارة الأوباميّة والشعب التونسي. الأول بفعاليّة طرحه الحربي. والثاني بقوّته وإرادته. وهزمه لطاغيّة يعتبر من أقوى طغاة العصر الذي نعيش. رغم تأكده الضمني من معونة ما قدّمت له في اللحظات الحاسمة والدليل"شكوكه في عمليّة تهريب الزين"وغيرها من الأحداث المرافقة الغامضة حتى الآن رغم محاولات التبرير المبرمج على خلفيّة الوطنيّة. 
وهنا جاء دور مخبر آخر وجب التضحية به فقد انتهى دوره عمليا واحترقت ورقت توته بحيث أصبح عبأ على مخططات أمريكا والصهيونيّة في المنطقة رغم المحبّة الخاصة التي يحظى بها في دوائر التنفيذ العربي للمخطط الأمريكي للخدمات التاريخيّة التي قدّمها لهم. ولحمايتهم وتثبيت رؤيا التعامل مع أمريكا كقوّة عالميّة قادرة على حماية وجودهم. لكنّها وكما سنرى هي ليست مستعدّة لحمايته هو أصلا من غضب شعبه المبرمج وأعني تحديدا مبارك مصر. 
فلكلّ دوره حسب قائمة المصالح وأزمنتها التي تحدّدها الصراعات الأممية. وفي مصر لم يشذّوا عن القاعدة التاريخيّة التي بحكم واقع مصر كعدوّ للكيان ظاهريّا. رغم معاهدة كامب ديفيد المهينة.(ورغم كلّ البيانات الثوريّة قبل الثورة بزمن وحتى مستهلّها بالعداوة التاريخيّة. واللا الغليظة. لوجود الكيان والمعاهدة وما انجرّ عنها من اتفاقات. على سبيل المثال بيع الغاز المصري ببخس الأثمان للكيان. وسنرى أن بعد الوصول إلى الحكم أصبح الخطاب في تونس"دولة الاحتلال"وكلمة دولة دليل على الاعتراف الضمني بوجود دولة إسرائيل بحدود لن تكون في كلّ الأحوال حدود 1967 أمّا في مصر فالموافقة كلّية على المعاهدة وما تبعها).وهكذا فإن الجيش أيضا يعتبر المحرّك الرئيسي لإنتاج القيادة منذ جمال عبد الناصر ولا يريد فقد مكانته. هذا رغم سيطرة المعارضة على الشارع المصري التي أصبحت تاريخيّة على الساحة أيام مبارك خصوصا. والتي غذتها بالإشعاع الإعلامي والهالة الشعبيّة المفترضة(كحركة كفاية لعبد النور مثلا والتي كنّا نتصوّر من كثرة ما تواترت أخبار نضالها على الساحة المصريّة والتي استدعت في بعض الأحيان القصوى خلال محاكمات عبد النور تدخّل أمريكيا رسميا)ولا أتحدث عن القتل المنظّم على الشاكلة التونسية والعربيّة عموما للخطر اليساري عموما وتجفيف منابع انتشار أفكاره وحصر رقعة حضوره في من لم يحملهم بعد الزمن إلى مثواهم الأخير والذين يحاولون جاهدين ترك أثر لهم وخلف يمنع اندثارهم مخطئين لأن تاريخ الأفكار له حتميات حتى في الوجود العفوي وحتى الغريزي.الذي ينضج وينتشر بفعل التواصل مع الإنسانيّة وحراكها المسترسل.
وكانت مصر بميدان التحرير وكان الشعب المصري مدفوعا بانتصار مستحقّ. على شاكلة ثورة شقيقه التونسي. في طريقه لصنع الحدث لكن فشل هذه المرّة ذراع الحرب في تأمين مصير مبارك بعد الضغط الجماهيري الكبير. الذي تعداده هو يفوق جماهير تونس الصغيرة. لذلك فإن التعاطي معه كان يحتكم إلى السرعة. حتى لا تنفلت الأمور نحو ما لا ترغبه إدارة المعركة. بحيث تخرج الأحداث عن السيطرة. وتشبث مبارك بالسلطة غير مقتنع بنهايته الحتميّة كانا سلاحا أفشل(حتى بعد فهمه لحتميّة رحيله المتأخر جدا) تهريبه على شاكلة بن علي تونس. لكن المحاولة متواصلة لضمان الحدّ الأدنى من سلامته مقابل سكوته وصمته عن التاريخ(وهذا ما كان غير متوفّر كما سنرى في الملفّ الليبي فالقذافي يمثّل خطرا فهو ذاكرة تاريخيّة ليس للعرب وقياداتها فحسب وإنما للصراع العالمي فهو من الحكّام الذين عمّروا منذ ما فاق ال40 سنة من الحكم الفعلي فكانت فتوى إسلاميّة بقتله. وكما رأينا كم شنّع به. والتاريخ هنا يذكّرنا بفتاوى قتل صدام يوم عيد إسلامي. (وهذا نموذج آخر على قوّة حضور المتأسلمين وليس المسلمين في مخطّط العدوّ والإسلام براء من هذه الملّة.وخصوصا تعويله عليهم لقيادة العوام الغفّل)
ويذكّرنا أيضا بما درسنا في التاريخ العربي خصوصا من مجازر تغطّى بالدين وتغلّف بما يجتزئ من كتاب الله عمدا وقصدا لتبرير وتشريع ما لا يشرّع أو يبرّر.لا دينيّا ولا أخلاقيا ولا إنسانيا حتى.والذي بلغ حدّ ضرب الكعبة بالمنجنيق بقصد الهدم على رؤوس معارضيّ الحكم الذي يتمثّل في شخص الحاكم وسلالته المالكة لرقاب الأمّة.
وللحفاظ على الحدّ الأدنى من سلامة إسرائيل. والعمل على ديمومة هذه السلامة من غضب شعبيّ جارف أبرزته الأحداث خصوصا في قضيّة سفارة إسرائيل. التي كانت بمثابة مقياس للتعاطي الشعبي الدافع لأي قيادة في اتجاه حرب مع إسرائيل. ليكون الشرط المباشر لاستلام السلطة ولو وقتيا في مصر هو الالتزام بعاهدة كامب ديفيد. وكما سبق وأن أشرت أن الاسلامويين من معتدلة إلى غلاتهم.بلغوا مرحلة من خيانة الثورة بالقبول بشرط الحفاظ على سلامة إسرائيل مقابل الوصول إلى السلطة. وحتى الجناح العقلاني المكفّر لليساريين في بلده هو مكفّر لا يقوى على الالتحام والشعب نتاج لما أسلفنا من تحليل لعمليّة القتل المنظّم لهذا الفكر بينما لا يقوى الاسلامويين على تكفير الكافر أصلا بل يمدّ له يد السلام فقط ليحكم. (وهذا ما سنمرّ عليه ذاكرين في مرحلة أخرى من هذه الدراسة).
لم يتجاوز الزمن شهرين ليحتفل العالم وخصوصا فقرائه وكادحيه بانتصار ثاني مدوّي. لكن ليسوا لوحدهم. فإدارة المعركة الامبرياليّة الصهيونيّة. التي لا تزال تحافظ حتى الآن على الحدّ الأدنى من الظهور على السطح. مخافة تحوّل الغضب الشعبيّ على وجودها هي أيضا. الغير مرغوب فيه أصلا. وتاريخيّا. في أوساط الشعوب المضطهدة عموما والعربيّة على وجه التخصيص. للتاريخ الأسود لأمريكا في المنطقة. وهذا ما وعته جيدا إدارة المعركة. لذلك هذه المرّة وكسابقتها في المخبر الأول أعادت لعب ذات الورقة(الجيش. والموالي الثابت ولائه من الأمن ومن العناصر النوعيّة) لكن اختلف الدور الطبيعي للجيش بين تونس، التي تكتسب مقوّمات الدولة المدنيّة تاريخيّا(في جزئها العام على الأقل أي الإدارة المسيطرة على دواليب الدولة لذلك من يتحكم في الإدارة له الحكم في تونس. بينما وبحكم عوامل تاريخيّة فإن الحضور العسكري في آليات الحكم في مصر وخصوصا المخابرات العسكريّة يصبح شرط ومفتاح الحكم منذ ثورة الضباط الأحرار وحتى اليوم. هو إما التحالف معها. أو التحالف مع من بيده مفاتيح تحييدها جزئيا على الأقل وضمان بقائها في ثكناتها أكبر زمن ممكن. من العناصر السياسية التي تحظى بقبول الجيش).
وهذا الفارق هو الذي كان عاملا حاسما في عمليّة التأسيس لما بعد الثورة في كلا الساحتين فبين إعادة كتابة الدستور وبين تغيير مفاصل منه"ونعرف كلّنا قيمة الدستور في الاحتكام إليه بحثا عن الشرعيّة(الديمقراطيّة)للحكم.ولو لفترة زمنيّة تمتدّ حتما إلى زمن مؤسس حتما لمسار تاريخ جديد لمصر. إذ لا يمكن كتابة دستور كلّ سنة أو تنقيحه كلّ أربع سنوات بصعود نجم لاعب جديد على سدّة الحكم. إلاّ في حالات جنوح السفينة أو الاتفاق العام على الجدوى والحاجة لذلك
وكان 25 فيفري(فيبراير) إيذانا صريحا وقويّا وفاعلا في جدّية سلاح التغيير وفعاليته في نمطين(الدولة الأمنية والدولة العسكريّة أين يكون الحزب على وهن عقيدته تابعا لا متبوع وسنرى كيف تتولّد مشاكل تضطر الامبرياليّة للنزول بثقلها في ظلّ الدولة الحزبيّة أو العقائدية الحزبيّة مع التفاصيل المغايرة للحالة في ليبيا رغم أن العنوان واحد) . ونجاح التعبئة المنشودة من خلال الأسلحة الفاعلة التي سبق ذكرها. وكان هذا التاريخ مستهلا فعليّا بحكم ارتباط مصر التاريخيّ بالخليج(أو بالجزء الشرقيّ من الخارطة العربيّة أكثر من تفاعلها مع الجزء ألمغاربي)لذلك سنلحظ شبه حذر شديد رغم خصوصية العلاقة بين ليبيا ومصر تاريخيّا وشعبيّا كدولة جارة غنيّة. رغم قيادتها التي عادت طويلا مصر حتى وهي في حاجة لدعمها قبل أن يتحوّل العقيد إلى مساندا لمبارك سياسة وقيادة بعد فتح علاقاته مع أمريكا(التي نجح نجاحا باهرا في تنفيذها وتنفيذ شروطها زين العرب على رأي ياسر عرفات). لكنه لغرور تاريخيّ بحكم أقدميّته في الحكم(التي تخللها نضال بجملة كبيرة جدا من الأخطاء في داخل ليبيا وفي خارجها بحكم ما يطرح على نفسه"وأعني العقيد القذّافي"من أدوار رياديّة وقياديّة عالميّة. التي لم يغفرها اليهود والامبرياليّة الصهيونيّة لمثل هذه القيادات التي تنعت بالثوريّة العالميّة.وما جناه شعبه وقاساه من تهميش لدوره في الداخل بلغ حدّ قتل التفكير وليس بلوغ الفكر إلى غالبيّة شباب ومثقفي الشعب بدعوى نظريته العالميّة الثالثة العظيمة التي تكفي ليكون كتابه الأخضر لليبيا دستورا إن لم أقل قرآن وجود).
لذلك كان هذا التاريخ على الأرض الليبيّة نهاية تخفّي القيادة الحارسة(الملاك الحارس)لهذه الثورات بحكم تسارع الأحداث فيها أكثر من اليمن الذي يحظى قائده بحظوة خاصة بعد توحيد اليمن ومحو الشطر الكافر منها بقوّة الدعم الخليجي الموجّهة دفّته من أمريكا.وغيره من الملفات التي كان صالح يتبناها. لكن وقوفه مع صدّام في محفل خاله محفل المنتصر كان بداية نهايته. فصدام منتصر في حربه ضدّ إيران وهو منتصر في حربه على اليمن الاشتراكي ونسي في لحظة فرح ونشوة أن من انتصر فعلا هو من رعى الحرب وموّلها وهو ليس سوى مجرّد جندي مطيع نفّذ ميدانيا. ولا يحقّ له أن يتصوّر أنه بطلا تاريخيّا حتى لو كان الأمر يتعلّق بيمن هو واحد أصلا.
فحاولت أولا أمريكا أن لا تظهر في الصورة مباشرة وتركت لقطر دور البروز مضحّية بحليفها فهي تعلم حتما حجم الغضب الشعبيّ الذي ستجنيه بعد انكشاف دوره لكنها وللحاجة الأكيدة هي قادرة على حمايته ودعمه مرحليّا ليكون جنديها على الساحة. لذلك حمته بأن جعلته قبلة من يرغب في الحكم(أي بتكريس إرادة قوّة مفترضة)ثم عدّلت هذه الخطّة بأن جعلته محطّة لبلوغ البيت الأبيض أو مفتاح الجنّة. لطرح البرامج التي ترغب في الحكم وإظهار كمّ القدرة على الولاء للبرامج الجديدة للقوّة المحتفلة بانتصار رؤيتها وأسلحتها(السلميّة لحدّ ما) للتغيير والحرب.حتى أن قيادات حماس العدوّ الأصلي للكيان الصهيوني والذي كان قبل تحوّل قياداته الشرعيّة إلى ضفّة التحالفات السوريّة. تنكرت بذلك لباعثها والدور الذي كلّفت به عند ولادتها من قسم ظهر المقاومة التي ومن خلال الدعم السوري أصبحت ورقة من ورقات توت الأنظمة العربيّة قبل التخلّي عليها لدعم برنامج الديمقراطيات العربيّة بدبابات أمريكا. والعوزي الصهيوني.وبعد التمكن من ابتلاع قيادة فتح منذ ياسر عرفات و"أسلوا" وحتى أوان إلغائه عن الوجود. ها هي هذه القيادات تتجزأ بين مناصر لقطر ومشروعها وتمويلها وبين عناصر قياديّة تاريخيّة لم تجد حتى الآن وطنا تتشرّد فيه لحين ميسرة قطريّة أمريكيّة.
إذا ومن خلال هذه العناصر العامة يمكن أن نفكّك أحد أبرز التجارب وأوّل منبت للثورة وأكثر الساحات صراعا على ثوريّة الثورة وشرعيتها الشعبيّة التاريخيّة. تونس التي لا تزال تكتب وبمراحل حسّاسة تاريخ الصراع بين الشعب ذي غالبيّة قادرة على برمجتها وأقول لثقلها في الشارع السياسي التونسي غالبيّة أخرى بين "متفرّجة صامتة"كما سمّاها رئيس الوزراء الغنوشي. وبين متحرّكة صلب المعركة وبأدوات تخلق من ضعف قوّة.
وحتى أكون أكثر وضوحا فإن ما أحرزته ترويكا الحكم المؤقّت في تونس في ظلّ الانتخابات الديمقراطيّة الأولى وعلى رأسها حزب النهضة. هو لا يمثّل إطلاقا غالبيّة الشارع الذي شهدنها ونشهده بعد خروج العديد من صمتهم عند احتداد العناصر المحرّكة هي ذات العناصر التي ستبني قاعدة الحكم ومشروع تونس ما بعد انتفاضة و(إنقلاب) 14/01/2011. لكن سنضطر للمرور بتحليلنا على أهم مراحل التاريخ التي خزّنت وشحنت ما كان من ثورة لنعي أهمّية نضال كلّ طرف في تاريخ الحركة الثوريّة في تونس وعلى الأخص دور الشعب في هذه المراحل.

شعر: عامية - فصحى: الحركات الأربعة بقلم/ مختار الأحولى

شاعر من تونس


الإهداء :إلى روح أمي حبيبتي...
 
إلى روح الصديق والرفيق فقيد الشعر والساحة الشعرية في تونس
 
الشاعر : رضا الجلاّلي


  
         الحركة الأولى

مملكة لنزوات الروح
حبّ في مهب الريح
يوقد الليل كلّه لضريح الأغنيات
لآلهة الخوابي الرّخامية
الهائمة في خراب بحر مهزوم
قلبي ...
قبلة اللعنات الباطلة
غريب هدّه الزمن الرهيب
أجمع صوتي ... من دوالي العمر
هي لي ...
وأنا الحبيب
الغارق في شقاوات النهار
في مخاض الصمت الذي ...
يحزّ بهمس الوجد
شجن الأغنيات
ويهدد العمر التّعب ...بالوجود
وبالوجود
وبالوجود...
هي لي
محراب أوتاري
وضوح الحزن المندسّ في المعنى الذي
يلبس شكل القادح "القرمطي"
ونسبته ...وسنّته فينا
وهي ... جنون اليومي
وارتباك العادي في الذّاكرة
وهي ... سكينة الذي...
يهفو من كلّ ليل خاسر
ومن كلّ"همزة لمزه"
وهي ... وريثة الظلّ الفارغ من ظلّه
شريعة جثث مهجورة
بللّها الموت البطيء بالهزأ
وبالهزأ
وبالسخرية...
وهي ... سليلة الراّحلين في خيالاتهم
المبثوثة عبثا على الإسفلت الرّمادي المشوش
أو سحابات علّقها وهن الروح
على كتف "جبل التوبة"
أو في تناهيد متعرّقة في صوتها
في عزّموتها
في تقاعس شطحات الفقاقيع في أرحامها
في رحيقها
في العيون التي يمسح الصدر حريقها
في أباريقها ...
المكسّرة فوق طاولة الأمس الأخرس
تهمس في سرّ الخوابي الزّرق
خيالاتهم ... خيالاتهم
هي لي ...
كالرغبات تتوافد
ـ كالحشّاشين ـ
على حصن القوافي
منادية
يا ملك الريح ..........يا مكسور الجناح
ها نحن مواليك
تركنا الدّنيا وأهلها
وجئنا إليك
يا ملك الريح
لبيك .......................لبيك
فلا تحنّط الحبّ بحدّ ـ القلم وما يسطرون ـ
فتورق أرواحنا في ماء الهمّ
حتى لا يلهيها تكاثر ... قيل في الكتب
كان الهدهد المارد
سدّ في وجهي أضابير الغبطة غدرا
وما عاد ينغلق ما فتح من ثغور
في جيد " حمّالة الحطب "
هي الفتنة صحت
فاستنشقت الأسماء الصغيرة أسرار الشوق
والكون قاطبة رجع صدى
تبارك...............تبارك
مولاي تبارك
هل يصل 'إسرافيل '
مملكة الله إستان
قبل أن يدركها أيلول الحالك
هل يمنح مدن الصفيح الصدئ الزمان
أفلس.....الطين
أفلس.................الطين
وما عاد لمعنى البيت خدر
نلاعب في خلوته قوّة السنين
أفلس....الطين
وما بقي من حنين الوعد
سوى ما يصنع ثمالة القلب
وبكلّ حبّ يفضح ألوان الذلّ
ويركب على عجل دنياه
"
ولا تأخذ إلاّ غلابا"
قيل في الأمثال
أو يروّي من ـ سطنة ـ  تعب الياسمين
لتكون للأحاجي مدادا
كن بدد...يا هذا الليل المبهر
كن بددا
كن للذي يرسم ظلّ قلبي على حبّات المطر
بما يكفي لسرد الحكاية ولو نتفا
فإسرافيل... ما عاد من غلس الخوابي
ومن رميم الراحلين في حزنهم يعمهون
وهذا القلب من ألق ... حرّ
حرّ ولو على قلق
يرتمس في الهمّ
ويسعى لاكتشاف موطن اللون الحقيقي لوجهي
فأسبح له بالحبّ
وبالحبّ............وبالكلمات
حرّ ولو على قلق
أنزل من غرغرة الحبر العتيق
لأعانق رضابها
أطرق باب الهرب إلى بابها
فيمتصني خيط القول شططا... أهيج
يوزّعني الماء على مباهج... عذراء الدّهر
وأدبّج بأنامل الرّعب زغب الشهوة
فيعبق من بين فخذيها أريج الموت
أحكّ جلدي بعين الشمس منيفا
وأسكب سكيب الوجد
على بيوت الله الجنوبية
حتى لا يساورني الشكّ في الصخر
فآلهة الليل من خوابيها
تغربل جسد الحزن الرّحب
والعمر بلا قصة حب
عمر مهزوم...مهزوم...مهزوم
أبلا سبب هذا لأبجر الرّكض في واحة الموت
أراه كظيم...
يسابق فحيح الأزمنة ...أراه عظيم
يحشر خلق الحكايات البسيطة
في لغة ضريرة
أتراه وحده عليم ...؟
يرسم بطبشور الكيد على شروح ـ التهافت ـ
عطش النديم ؟
يفسّر شكل الختام بخبر السؤال
أما كان كرب الجوع أهون يا كليمي ؟
مادام لي أيلول أزوج فيه الأيام
وقميص المشقّة في المراثي
لألا تضحك آلهة الخوابي الزّرق
من شرّ العصب
أو من واضح تعبي
وهي التي عمّدت 'إسرافيل'
ملك الريح
"
ونفّاثات العقد"
وابتعدت في ناقلات الرّسل
داست على بطون صهاريج الخوف
فتضارتط آياتنا عجاف
عجاف.....والجفاف فخّ الحبّ الذي
خان الثدي
وتعكّز على خفاف الرّيش مفاخرة
حتى لا يشاركه الخريف التغوّط على أغصان سدرة الوحي
والجدول المسخ ينوح
فيلوح توق
هو الحبّ سيدتي
هو الحبّ توق ....فشوق
والعمر قطوف
أي إسرافيل لا تخشى ذهابي بعيدا في الوصف
رأيتك مع كلّ ريح تنحني لرسمي
وقد كنت بك عطوفا
صالحت لأجلك حتى البغاث المستنسرة وكنت
كنت ... كنت بك شغوفا
مددت يداي إلى كلّ جهات الأرض لأمنحك
حبّا حليما رءوفا...
وأنت كم كنت دائما ............سخيفا
وأنت أيتها الخوابي الحيض غربلينا
هل فينا .... ما يحمل للعمر سكينة ؟
هل فينا ما يغرينا بالحبّ؟
أو حتى بالغضب؟
أترانا نقوى على حمل الضغينة؟
أيتها السنين الحيض أرسلينا إلى خاتمة أخرى ... غربلينا
لا شيء يمكن أن ينسينا ...
بأن ّ زهر اللوز نرجسي
يعشق المرايا ... ومراقصة الهوس
يا هذي الحزينة ...
البحر حين لعق دمعتك ... غرق في بحره
وحين دقّ القيض بابه
أهمل عمره رهينة للذي بالغربة يسلّينا
سيدتي ... لم يبق فينا ...
ما يجعل يدينا معبر فرح متغنّج
أو يرمينا...
إلى غربة ترجئ موتنا الموقوف
يقتلنا حبّا...يقتلنا
ثمّ بصحوة الختام يحينا
فمن الذي تكفيه هذي اللغة ليقول
الحبّ كلّه ... ليقول
ما ليس له صدى في الخوابي ؟
من ذا الذي يتمرّن على الموت في جسد حيّ
سوى "الملك الظليل"
من البارع في التواري بوضوح في الغياب
وسبك العجب من ماء أملس وحنين يابس ؟
أو متفحّم سيان؟
من سواه؟
يذيف الطّيب في عرق نهديها اليائستين من الصرف
ويصلّي ... يتهجّد ... يتسر مد
سيّدتي .. سقط النهار ولا مجير لحيرتي
من ملاحقة السؤال .. والشكّ في المطلق
وأن نشيد 'سليمان' لا تتعرّى كنوزه
إلاّ 'لشو لميت' فقط
وأنّ غموض القلب هو عزّ الوضوح
فكن إسرافيل الآن ... كن
ما يحملنا من ظلّ نخلة
إلى خطيئة الرّجوع إلى زمان..بلا مكان
ولا أمان
وهذا أيلول العائد ... نصب خيمة الميعاد
تحت القدم الشرقية
فاخرج من خوابي الظنّ اسمان فقط
أفلس...الطين أي إسرافيل
أفلس ...الطين
أي شعب فلسطين
فكن الآن ...كن الآن
كن الآن لوح الوصايا
قبل أن يقطف عمرك النسيان...هللويا
مالضير في أن نرقص الليل كلّه على دفئ شمعة
أو دمعة يارفاقي
ثمّ ننتهي رميم أرض يرقص فوقها العابرون الجدد؟
هل سيوجعنا دوس النعل أو الدّبك
يا هذي الخوابي سلّمينا للرّوح التي فينا
تتقمّص روحها على مضض
حتى تغرينا بالخلود...
فالموجود أنا...وأنا الوجود
هللويا
لاشيء بعد الآن يمكن أن يصدم ضدّه
والحدّ حدّه وحده
ولحده...
لا شيء يمكن أن يفتتنا على الساعات
ويفاجئنا بالغياب سوى الحبّ
كيف لي أن أقيس هامة الصّوت المارق
وليس لي حتى ما يشبه العينين يا رفيقي؟
كم تلقفنا الخطى
وكم من كمّ
كأنه العدم
وكم أسكرنا قطر الندى
وكم حلم أسرنا
فبدّدنا كمّ الذكريات على السأم
وكم جاوزنا مقيت النّدم
حتى فقع مرارتنا النّدم
وهذا إسرافيل المتلألئ فيما طمثته السماء
يرتاح الليل وحيدا
في شوارع المنّ والسلوى
وفي كلّ نهار يطلّ
يلفّ أجسادنا المضمخة بريح السموم
يعصرها شبقا
يرسم وحشته في الصدر تكتّما
ويكنّس حكايات البحر العارية
بجنون الواله
حتى تراه الخوابي حزينا ...
سيدتي ودّعينا لأجله ... ودّعينا
أخرجي من مسامات الرّوح الأزلية التي فينا
تعشش كاليأس الضالع في المسخ
دعي الكأس المقدّسة تتجلّى
دعينا ... دعينا
لا شيء يمكن أن يحكم الموت سيدتي
سوى القصيدة التي لا تخفينا
فتمّمي إعداد قلبي ماء وهجين وقت
حتى أبلل عاهات التأويل..بهزال اللغة التي...
من سفر طويل ترسينا
أزوجني والختام... طاب المقام قلتي ؟
ما طاب أبدا لنا مقام
لكن علينا السلام...وعليهم سلام
والسّلام

         الحركة الثانية

سيدتي هذي السّماء أفترت
وقائد الشعراء يمشي إلى النار الهوينة
بين الحشد.....
يخمّر حزنه المكلوم
في ماسورة القلب الدّنس
ويمزّق الصمت المتكدّس على جبّة ـ ذي الشرى ـ
يصدى
دمعة مسحوقة
يغترف من تقاسيم اللحظات الجذلة
ما يسكر الخلق...
قلت في خشوع:
يا قائدنا أغترب الكون أغترب
وها نحن جاورنا مدن الظلّ
ولم يبق لوصولنا ملكوت ألله إستان
سوى بعض قدح
يا قائدنا .. وقد أوغرت النّفس
فتزاحم البلاء والعزاء ومن بغت من الصّدف
البائسة لتطوينا طيا...
وها أني أعترف بأني وما علمت
فإني في هذي الدنيا لا أعلم شيا
فلا فرق عندي بين التحطم على صدر أنثى
أو نكاح النطيحة والعرجاء
أو كلمة مضمّخة بغبطة غبية
يا قائدنا إلى النار
أغترب الكون أغترب
هرب
ممّا ليس له صدى في الخوابي
فأنقذنا من ـ عدن ـ ومن عدم
أي قائدنا
يا منجدنا
يا مرشدنا
يا مولانا
يا سيدنا
يا مهدينا
يا حامينا
يا منجينا من شرب كأس الحياة بذلّة
ها أني قلت
وإن لم أكتفي بعد
فسأوهمني بأني اكتفيت
وسأضع وجهي على الخرقة
وأطفئ مع التبغ كلّ الذكريات البسيطة
عسا الجوع يكشفني للرجوع إلى
جريمة الخلق الأولى
الكلمة
يامولانا الكلمة
فأسري بنا إلى حيث عطارد والزّهراء اختصما
فاقتسما الطبع والطابع سنن الحيوية الأولى
ونشاء الرمز
من إجتراحات العناصر الموبوءة
فتكسّر الجانرك الحامض
صار سربا من عطور الثلج
سرابا
ما كان سرابا
جرينا
بكينا
ضحكنا
ضحكنا
حتى نكون برغم الحزن الطاعن فينا
نحن من ضحك في الآخر
يا قائد لواء الشعراء إلى النار
هاك القلم
علّم من لا يعلم الأسماء
وأكتب ما يصلح للتشيىء ... فالظلال إزدهتنا
وأوغلت في القول لوهلة
ومضت سنابك الكلمات
تدكّ حصون الخيالات البرّية
تركض
تركض
تركض
خلف حطام القلب عبثا
"
ولا تزر وازرة وزر أخرى"
قيل في الكتب
وهذي أم الليل تخون في العتمة سوادها المنكود
وتلبس ثوب الخذلان باكرا
لكني أهوى قلبها المفقود
يا قائدنا إلى النار
أما تصغي للأشكال المروّضة تضبح
تتأرجح على كفّ عفريت
لكأنّها الوشق
فتمسي وتصبح على قلق
وكذالك تمسي وتصبح
تقسو على نفسها وتسأل
أما في القسوة بعض جمال ؟
حتى يهدهدنا الفرح؟
نفرح
نمرح
نتقرّح
يا قائدنا يا مرشدنا
يا سيدنا
يا منجدنا
يا حامينا
يا منجينا من شرب كأس الحياة بذلّة
أين العزوة والعزّ؟
ها أنيّ هيئت ـ كأس الحنظل ـ
والشكّ سيد السؤال
يا مولانا أغبطك
أغبطك كم لم أغبط في الكون إنسانا
فالنار بك تعتزّ
وعرش القول سيهتزّ
والزبانية وقوفا يبكون رحيلك
وقروحك فينا تنزّ
ستندمل ويعزّ عزّك
عزّ ما بعده عزّ
فأخطو خطوك في العالم السفلي بترنّح
عاشق ثمل
إنّ ما تحت الشمس مولاي يقزّز
أي منقذي من أسر اللحظات المعتوهة
يا ناموس الروح
أخبرني عن الفاني
حين يجزع من شدّ الوتر المهجور
أينقر بمنقار غربته سحنة الأيام العمياء؟
ويتجرّع ملح صوته في السرّ
حتى لا يكشفه الحبّ؟
فتخضّل عيناه . ويتنهد من سقم الرّؤيا
ويكون من فرط ناموس الشيب
في حبّه مغدور
مغرور...
مغرور مولاي نطفة الطين هذا
وسيبق أبدا مغرور
ينجب الترياق من رحم الموت
وينحني لجدار صامت شكور
وعمره يا مولانا مهدور
مهدور

 الحركة الثالثة
أي قائدنا هل هو الغيب الذي يقطّع
جثث الأزمنة الرخوة؟
ويحرّك دفّة القلب مخنّسا؟
نحو جهات الوسواس الملتهب
 
هل هو الحب سبب السبب؟
مولاي أجبني؟
هل من أنا ترحل من هنا ؟
ومن أنا الآن؟
تترجّل رحيلها فيما ليس يثريه سوى الحزن
المقدّد على أقساط مؤهلة للسداد
عند أول أيلول المتردّد
ترحل في ألتوق
ترحل في ضريح مسيح مجزئ في الشوق
أي قائدنا إلى النار
يزمجر فينا الرحيل
فننتهي في الحلول
ندرّب الكلمات على ما لا يخدعها انعطافا
ونعدّل سرعة المطر
فإن هذي الأرض أبدا فينا انحرافا
أو انجرافا نحو الجوّافة
ما الدّعي إذا لمسخ الصوت بالأفيون؟
وهذا الجنون كاف لنكاح العور والبرص
لماذا ننقش فواتير الرّوح في اتجاه السهم؟
ونحن نعرف مسبقا أن ـ إسطرلابنا ـ صدئ؟
فكن بددا يا قلب
كن بددا
كن بددا

 الحركة الرابعة
أي مولاي ...
آن أوان الفروغ من قدّاس الرّوح
وقوّة التخمين
لأزيح من على خدّ الجهات لضى القلب
في قبلة الصفح ثم أندثر
فما كان القلب ليبرع في البكاء
لولا انحسار المدى
        
سيدي...
فكن بددا اقلب ...كن بددا
مولاي...
هوذا ـ نيسان ـ اقترب
من الصوت الممدّد
على وتد النسيان
ويل للهرب...
أتراه ابتعد أم تراه اغترب
أم تراه يحقن الساعات حين يقترب؟
بما يذوب في الكأس المسكوبة على جلد المغني؟
يفتح نافذة الخلد مصححا ما أغفله التجنّي
ويغنّي
يغنّي
يغنّي...
نضوب الشوق من دنان التمنّي
أم تراه مولاي
لرجسه صروف
ولحبّه حروف
ولقدحه يتم مذروف
على عبرات التاريخ المحتلم على بزّة الصّلف
هو ذا ـ نيسان ـ الأرض
يسلك وهن الخواطر
ظمآن على طريق اليراع
يؤمن مثلي ومثل كلّ الجياع
بأن الحبّ ضياع
فأعدّي لي حضنا لتأصيل اليتم أيتها المقبرة
و استخرج عقار الخروج مولاي
من حقائب الشتات
إذ ما برع بارع إلا وفي قلبه حبّ خانق يعرّيه
وخفقة فوضى تعتريه
في كلّ ـ نيسان ـ الناس
مولاي...
ها أنا أغسل أوجاع الكون قاطبة
بدمي الخرافي
وأعقد لواء الشعر لمن في كلّ "وادي يهيمون"
مولاي...
سمعتك في وثبة روح تأمرني بأن :
تزهّد مريدي تزهّد
...
تزهّدت مولاي تزهّدت...
فماذا جنيت؟
ألعنة الأيام والدنيا ؟
أم لعبي بجمر الأحلام الحقودة؟
على باب المدن الحاوية؟
أسمعك ترتعد في جثّة جبّتك صارخا:
تعدّد مريدي تعدّد
...
تعدّدت مولاي تعدّدت...
وفقدت
فقدت
مشيت على ظلّي في عزّ القيظ ... مشيت
وحدي مشيت
مشيت
ارتديت حجم المفردات
وما دريت بأنّي
حين رجعت إلى وطني كنت...
كنت...
كنت قد متت...
مولاي...
أخبرني عن مريديك قبلي
أكانوا في الهوى غفل؟
أم أن مساحيق شهوة النضج عبثت بشمس
النفس الآبقة؟
فغيرت كوابت المطلق فينا
ثوابت المطلق فيك؟
مولاي...
أخبرني عن مريديك ؟
هل شكّ الفوري برمح الخارق ما اكتمل من تعاليك؟
هل تلطّخت يوما بالحبّ؟
وبإكليل الرّميم الواقفة عليه رجليك؟
فجاهرك الحجر بحقيقة تواريك؟
ورسوت على غيبوبة ناسفة تشفيك؟
أخبرني عن مريديك؟
ثم تمرّغ على الحصى كم تشاء
علّ السماء تكشف ليك الحجب
أما أنا
فدعني أمانع البكاء
حياء ليس إلاّ
تلحّف يا أنت
بكلّ الحيل الكفيلة بتهشيم النمط
وحصر السلالة
فيما تراه عينيك فقط
والآن ... وما بقي من الله إستان سواي
أردّ وهج الأغلس عن برق الشكل
حتى لا تلتهم الغربة حقوق الاستدراك
وتدرك معبودتي
كيف يمكن أن ندافع عن عرس متخيّل
في الجحيم
ومفتاح الإيقاع ينام مطمئنا
في رحم الزمن
لتشحن أرزئك بالحظّ
وتتأبّط العلل المدنسة
وتسابيح المعلوم في الأرصاد للنحس
مولاي...
كذا قصيدتي مريمية تلوح
وبعشقها لمعبوداتي تفوح
يرعن سحرها فتسيح
كم نخلة الله وسقياها
فندمدم ... الله
الله
هي آه مني
آه ليك
ولا آه تمور فيّ
ولا تخلد آهتك
لو كان قدري هو قدرك
أترك المرايا تكشفنا لنا
لو عمري هو رهينة عمرك
أترك...
الوصايا تجمعنا
لو كان اسمي هو اسمك
أخرج من قارعة الرّوح
إلى الانصياع
واصدمنا
اصدمنا ... نحن نحبّ الصدم
أشتمنا
أشتمنا ... نحن نشتهي حدّ الوله الشتم
حطّمنا... نحن ـ نموت في ـ الهدم
لكن لا تتركنا
فنحن بلا بركات ما ...
همّ ووهم
وهم
مولاي...
مولاي هل انهار البحر على جفني مبصر؟
حتّى ندّعي بأن علامات القيامة ظهرت؟
ونقيّد رائحة الرحيل في طعم الخلّ؟
في ليل مكفّن بتقاسيم النبيذ؟
في الصبر المتضخّم
في الوجه المتفحّم
في الصبّار الموحش
في صمت المتردّم
وما من نديم يردّ عليّ السؤال بسؤال على عادتنا في الحوار
مولاي...
مولاي يا قائدنا
يا مرشدنا
يا سيدنا
يا منجدنا
يا حامينا
يا منجينا من شرب كأس الحياة بذلّة
مرّ لساني
وعاشق على البرّ احترق
ما الذي يترف اللّغة على أيامي؟
والقلب يموت كمدا
كن بددا
مولاي كن بددا
فالماء حتى الماء داسه المهرّجون تفاخرا
وصرع المجرى من وطأ الظنون
ملعون أبو القدر ـ أي اله إستان ـ
ملعون
ملعون هذا القلب المتفحّم
الملول
المنعقد
يرطن لغة تغرّم السكون
ويشفق على قينه من يتم ـ زقّ زامله ـ
وهواجسه لا تريم
يسكب صوته ماء أبكم
ليمتحن حمقه زمن التوتر
علّه يسهوا
ويموج في عينيه ضباب الأقاليم
مولاي أفق هذي الطرق
أنظر إليّ كيف أشرق
ها هو الحبّ العظيم ينطق
فأشفق...
على الأعذاق
والأعناق
من لسع شمس الديجور
كنت أرتدي الدّاجي... وأسعى في الكون
هزّني هتاف هاتف
سجدت
في مقبرة الأمس الجنوبية
عند أقدام امرأة جنونية الحبّ
أشكوها غربتين
ويتم يومي
عسى تصفح عن شطحاتي...وتمنحني حلما
حتى بلغة الموتى الأبدية
كان الهاتف يأمرني :
..."
يا كاتب الكتبة ...إن كتبت لغيري محوتك
من كتابي ' وإن عبّرت بغير عباراتي أخرجتك
من خطابي..."...1...
مولاي
لحظتها صار الدمع شرابي
وشواهد صوتي لها روح بدوية
هاجت أشباح أحبابي الموتى كلّهم
من حولي تعانقني
تباركني
تحرّكني
تدثّرني
تغرقني حبّا
تكثرني
تكثرني
تكثرني
كان عرقي مدرار التفصّد
والحمى تقاسمني الهموم
هل أغار من الحمام؟
حين أهمّ بتمزيق غلالة السكون؟
وأجرّد المستحيل من انبهارنا بال"خيام"؟
صدحت من كوّات الأيام الخؤونة هسهسة ذليلة
تمهل الشاجي بندم
 
حتى ـ ضرب القداح ـ
فأشار قدح الألم
بأن نعم
إنه العدم
العدم................
"
مسخرة"
مولاي ...
حرثنا الموج وكان لنا نثره
وملحه العقوق
رتّلنا للغوب الوهم
فركبنا الشجن
ورواحل الضيق
فهل نأتمر بأمر الظعن
وننضو إلى غياض السطور؟
هل فيك من الحبور ما يجعلك سعيدا
إلى هذا الحدّ بأوزاري؟
أراك تغذّ السير في هزيعي
وتضخّ أصوات ضريمة الغلّة
يتكسّر صوتك من مرار
لكأنّه من فخّار
على دفئ الجبّة العتيدة
ولئن أمسيت على شوق
فإني يا أنت
أصبحت على أغنية سعيدة
وها هوذا أيلول يزيحك من ألله إستان
ريح لأيلول
مطر تغسل وجه الأيام يا أنت
روح لأيلول
حتى وإن خلأت لبرهة
لن تبكي عيون العوذ المطافيل
ستهبهم مواويل الشتاء والصيف
وتهبهم روح القصيدة
كوني سعيدة معبودتي
كوني سعيدة أي ألله إستان
كوني سعيدة يا أم
كوني سعيدة
وأنت أيها المولى
هيّئ نهارك لصلاتك المتوجّسة
ومزّق الليل كم تشاء
وزّعه على الحزن
أطرد قنوطك الهجوع من مزامير الأمس
واختفي...
لهفي على الموت بدونك
على من بعدك يسند جوعه؟
ويحطّ حمله؟
ويشتكي لمن أوجاع نهاره؟
أيّها المولى بلا نصير ليك
أراك الانهيار ذاته
فدعني أفتي في خلقي الجميل
وأذهب
كم نهبت من روحي مما إعتلج فيها
من هبّات  فرح بخيل
اذهب ليس بعيدا عنك
عليّ أن أتحمل معبوداتي لباقي الوقت
وأتأمّل الصمت الكافر ثم أمضي
قبل أن تكنسني الوصايا
ويقتلني النسّيان
قبل أن أتوضّئ بندى ليل المرافئ ا لبعيدة
كوني سعيدة سيدتي
كوني في كلّ ليل جديدة
فإني كرهت ترتيق الذي لا يرقأ
كرهت غسيل انهيارات النّساء               
في ابتسامة متطفّلة
على ما يرشح من عزلتي
ومن الأسئلة
بدون أن أستريح من وعثاء الطرق
ولا قليل عندي حتى
أنعش بهي أحلامي الطريدة
كوني سعيدة
معبودتي كوني سعيدة
كوني القصيدة
كوني تغريده عمري الأبله
كوني الذي يحمي الأيام من التآكل في أزمنة بليدة
كوني سعيدة كوني
سعيدة
......................................
"
شطحات "
ورع ...
ورع أبارز الذي يراني
ولا أراه
وأسكب
سكيب الرّوح
في خلا الكلمات
أعوذ بالكأس المقدّسة
لأكتشف الخيانات المدسوسة
في جيوب اللغة
وسحر البيان
في الأحكام الخفية
ورع ...
ورع أبصر الجنوب
فلا غروب لشمسه بعد اليوم
رميت بخور لساني على الرميم
فجاء النهر وبايعني
وجاء الجبل وبايعني
وجاء الليل وبايعني
ـ والتين والزيتون ـ
جاء النخل
وجاء البحر
كنت أعرف أنّه يخدعني
راقصته شطحة وجد
تألب على الصمت
وبايعني مغتبطا
أرسل إلى جهات الكون موجاته العقوق
مبشرة بالحرية
وبالحرية
وبالحرية
رمتني روح الفيض إلى جنوبي
وكنت كذا
في أعينهم حواريا
كائنا خرافيا
كائنا أثيريا