سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

الجمعة، 27 ديسمبر 2013

المقالات الاجتماعية: محو الأمية و دورها فى نمو الحريات بقلم/ مروان محمد

فى كل البلدان التى تحكمها أنظمة شمولية استبدادية تجد أن نسبة الأمية مرتفعة فيها, لأن أى نظام استبدادى يحرص تمام الحرص على أن يبقى قطاع كبير من الشعب لا يعرف القراءة و الكتابة, لأن القراءة و الكتابة مفتاح الأمم نحو حريتها, و معرفة حقوقها و المسارعة إلى المطالبة بها كما تحدث عنها عبد الرحمن الكواكبى فى كتابه طبائع الاستبداد.

ليست فقط العوامل السياسية و الاقتصادية هى التى تعوق التنمية فى بلدان العالم الثالث و لكن يتدخل عامل الأمية كعامل حاسم فى تأخر نمو هذه الأمم و إنطلاقها نحو الديموقراطية و أى حكام مستبد يخشى من الأمة المتعلمة لأنها ستكون واعية بحقوقها و تستطيع أن تصل إلى المعرفة من مصادر متعددة بدون الحاجة لأن تتجرعها من خلال قنوات النظام التى تحدد النسق المعرفى الواجب على المواطن تلقيه.

محو الأمية يحد من قدرة الحاكم المستبد على الاستبداد بشعبه و من الممكن أن تسقط ذلك الحاكم المستبد فأى حاكم مستبد يتحكم فى شعبه عن طريق الجهل المعرفى و هذا ما نعانى منه فى مصر خاصة و فى العالم العربى عامة و هو أرتفاع نسب الأمية إلى حدود قياسية مفزعة, ففى مصر ما يقرب من نصف السكان أميين أو تسربوا من التعليم فى مراحل التعليم الأبتدائى.

من خلال انتشار الأمية تستطيع أى جماعة سياسية سواء كانت فى الحكم أو فى جناح المعارضة أن تحرك ذلك القطاع الأمى و تبث فيه أنساق معرفية معينة تخدم على مصالحها و لكن القضاء على الأمية يحد من سيطرة أو تحكم هذه الجماعات السياسية الحاكمة أو المعارضة على شعوبها.

نحن أمام تحدى عظيم و هو القضاء على الأمية و لأننا نحيا فى ظل أنظمة استبدادية فلا يمكن أن نعول على هذه الأنظمة فى إرساء مشروع قومى للقضاء على الأمية لأن ذلك يعد سلاح خطير موجه إلى وجه و صدر هذه الأنظمة و يجب أن نضطلع نحن أفراد الشعب بهذه المهمة, فشل الثورة المصرية جانب كبير منه بسبب نسبة الأمية المرتفعة.

حتى الأنظمة الديموقراطية أو التى تنتهج الآليات الديموقراطية من إجراء انتخابات و استفتاءات لو وجدت فى مجتمع نسبة الأمية فيه أعلى من نسبة المتعلمين أو حتى نسبة الأمية فيها مرتفعة فهى بالتالى تتحول تدريجيا إلى أنظمة استبدادية تلبس ثوب الديموقراطية الشكلية دون ممارسة جوهر العملية الديموقراطية لأن من السهل السيطرة على مجتمع أمى بالآليات الديموقراطية و تسيره فى المخطط التى تتخذه هذه الجماعات السياسية فيتحول الأمر من ممارسة الديموقراطية إلى ممارسة ديكتاتورية تم تزينها بملامح ديموقراطية هشة.

من السهل وقتها التأثير على مجتمع تتفشى فيه الأمية و قيادته لاختيار اختيارات تفرضها عليه تلك الجماعات السياسية من خلال الآليات الانتخابية و ذلك لأن مصدر المعلومات الوحيد سيكون وقتها النظام القائم المتحكم فى العملية الديموقراطية و لن يكون أمام هذه المجتمع المتفشية فيه الأمية مصادر أخرى حرة ينتقيها بنفسه للبحث عن المعرفة بطريق غير طريق النظام.

فبالتالى للوصول إلى عصر الحرية و ممارسة ديموقراطية شكلاً و جوهراً, يجب أن نتخلص من الأمية و هذا كما أسلفت لن يتحقق من خلال تلك الأنظمة و لكن من الممكن أن يتحقق من خلال المبادرات الفردية و الجماعية على مستوى مصر كلها.

يجب أن يقوم كل فرد متعلم بمحو أمية عشر أشخاص على الأقل كل عام, من خلال الجمعيات الأهلية أو المساجد, يجب أن نفرغ جزء من وقتنا لإداء هذا المشروع القومى الهام, لأن ذلك سيساعدنا مستقبلاً فى الوصول إلى الحرية و لا يتوقف الأمر عند حد الوصول إلى الحرية و لكن أيضاً المحافظة عليها من الضياع أو من تأثير النظام الحاكم أو جماعات الضغط من محاولات التضليل و الخداع المعرفى التى ستقدمها إلى جمهور ترتفع فيه نسبة الأمية وقتها و من السهل التأثير عليهم, و لكن مع محو الأمية سيجدون أنفسهم وقتها أمام شعب تنخفض فيه معدلات الأمية إلى أدنى مستوياتها فلن يسهل خداعهم عن طريق نسقهم المعرفى المضلل الذى يهدف إلى إحكام السيطرة على هذا الشعب, لا يمكن القول أن هذا الشعب سيتخلص بشكل كامل من مظاهر السيطرة و الاستبداد و لكن سيحد منها إلى حد كبير.

لذا من المهم جداً أن تكون هذه مهمة الأجيال الحالية فى محو أمية المجتمع و أن طال أمد هذا المشروع لمدة عشر سنوات فلا بأس من أن يكون مشروع تطويل الأمد و لكن ستتغير الخريطة الاجتماعية للشعب المصرى وقتها بعد عشر سنوات من الأن, لقد أصرفنا الكثير من الطاقات فى صراعات ثانوية استنزفت أغلب جهودنا و خرجنا من معركة الثورة خاسرين و حتى تنجح الثورة مرة أخرى و تحقيق حلم الديموقراطية و الحرية علينا أن نمحو أمية هذا الشعب بقدر المستطاع من خلال المبادرات الفردية و الجماعية فيمكنك أن تتخيل إذا قام كل شخص بمحو أمية عشرة أشخاص كل عام لمدة عشرة أعوام و لك أن تتخيل أن من انخرط فى هذا المشروع القومى ربع مليون شخص متعلم قام بمحو أمية عشرة أشخاص كل عام لمدة عشرة أعوام فأننا سنكون وضعنا الأمية فى أدنى مستوياتها خلال عشر سنوات فقط. 

نتكلم بعد عشر سنوات من الأن عن محو أمية 25 مليون شخص, هذا رقم خيالى و لكن ممكن الاقتراب منه أو تحقيقه, يمكنك أن تشاهد هذا المجتمع بعد عشر سنوات من الأن كيف سيكون حاله و وعيه المعرفى , سيكون متقدم جداًً لأن كل شخص سيتم محو أميته سيدرك الفارق الهائل بين أميته سابقا و بين محو أميته لاحقاً و سيكون حريص أشد الحرص على أن ينال أولاده قسط من التعليم يفوقه بمراحل.

سنتخلص من الأمية بشكل حاسم بعد عشر سنوات فقط من الأن, ما أقوله ليس ضرب من الخيال أو الأحلام و لكنه السبيل الأنجح و الأكثر تأثيرا فى التخلص من الأنظمة الاستبدادية لأن وقتها سيكون كل إنسان على أرض مصر قادراً على انتقاء مصادر معرفية مختلفة وفق ما يروق له و يطمئن له و لن يضطر إلى أن يتلقى النسق المعرفى من مصدر واحد فقط و هو السلطة الحاكمة و لكن ستتنوع وقتها مصادره مما يعنى اتساع أفقه المعرفى مما يعنى نضوج وعيه السياسى و المجتمعى و تشبعه لقيم الحرية و الممارسات الديموقراطية و سيتعرف وقتها على حقوقه كمواطن عصرى و سيخرج للمطالبة بها بكل قوة لأن نور المعرفة قادر على أن يحرك كل هذه الكتل الكسولة التى ارتكنت إلى كسلها لجهلها المعرفى, إذن العوامل الاقتصادية و السياسية قد تكون مؤثرة فى تأخر التنمية التى نطمح إليها و لكن هناك من وجهة نظرى عامل أجتماعى آخر أشد خطورة و أكثر أهمية و هو الأمية.

سأكرر ما قلته فى صدر المقال و هو أن أى نظام استبدادى يحرص تمام الحرص على أن تبقى نسبة الأمية مرتفعة فى الشعب الذى يحكمه لأنه سيسهل من قيادة هذا الشعب لأن النظام الحاكم سيكون المصدر الوحيد للمعرفة أما بمحو الأمية فسنفتح أبواب المعرفة و ستتنوع مصادرها أمام هذا الشعب فيستطيع أن يميز و يقيم و يحلل و يفكر و من ثم يبادر بأخذ الخطوات و يبنى الأراء التى تتوافق أو تختلف و يقف بالمرصاد وقتئذٍ للنظام الحاكم و لا يترك له المجال بعد ذلك لأن يتلاعب به و يضلل تفكيره.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق