سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

الجمعة، 27 ديسمبر 2013

تاريخ: محمد الفاتح و ملحمة فتح القسطنطينية بقلم/ مروان محمد

السلطان محمد الفاتح الذى ظلمه التاريخ الإسلامى و لم يقدم لهذه الشخصية الإسلامية العظيمة كما ينبغى و لا أبالغ بالنسبة لنفسى على الأقل إذا قلت أنه أكثر أهمية من صلاح الدين, فصلاح الدين كان مشغولا باستعادة القدس من الصليبين الذين احتلوها من المسلمين و لكن محمد الفاتح أنشغل بفتح القسطنطينة.

و كم بذل من الوقت و الجهد و المال و التخطيط و الإرادة و العزيمة و الإصرار و التحدى حتى أستطاع أن يجتاز أقوى الأسوار فى التاريخ وقتها و يسقط هذه المدينة العظيمة فى يده.

للأسف الكثير من الأجيال الحالية لا تعرف من هو محمد الفاتح, أنا نفسى لم أعرف الكثير عن محمد الفاتح ألا منذ سنوات معدودة و توثقت معرفتى به أكثر من خلال الفيلم التركى التاريخى عن محمد الفاتح و قررت أن أقرأ ما تيسر عن هذا الرجل لأقترب منه أكثر بصورة أوضح و أتعرف على شخصيات عظيمة فى تاريخنا الإسلامى خاضوا حروبا لا أبالغ مرة أخرى أن قلت أنها أعظم من الحروب الرومانية فى نواحى كثيرة و لا أقول ذلك لأن هويتى الإسلامية هى التى تملى على ذلك و تجعلنى أضخم من شأن هذا الحدث التاريخى الهام فلو كنت مبالغا لن يقف ذلك حائلا أمام أى باحث تاريخى أن يعرف أن كنت أبالغ أو فعلا أقول الحقيقة بدون أى تضخيم أو تعظيم كما أعتاد عدد من مؤرخينا لا سماحهم الله, أن يضخموا من أحداث لا تستحق فى مقابل إسقاط تاريخ كامل من الأمجاد يستحق أن تعرفه الأجيال القادمة, فمن يطلع على تفاصيل الحروب التى خاضها محمد الفاتح من أجل فتح القسطنطينة سيقدر جيدا ما أقول.

السلطان محمد الفاتح هو السلطان السابع من سلاطين الدولة العثمانية و هو من سلالة آل عثمان و يلقب بجانب لقب الفاتح بالقيصر و هو اللقب الذى توارثه من خلفه فى الحكم بعده و حكم ما يقرب من الثلاثين عاماً توسعت فيه رقعة الخلافة الإسلامية توسعاً كبيراً.

وحد السلطان محمد الفاتح ممالك الأناضول و توغل فى أوروبا حتى وصل إلى بلغراد و المثير فى شخصية محمد الفاتح أنه لم يكن فقط قائد عسكرى عظيم و لكنه كان صاحب فكر مميز فى الجانب الإدارى للدولة حيث أنه قام بدمج الإدارات البيزنطية القديمة فى جسم الدولة العثمانية المتوسعة فى ذلك الوقت.

من المعلومات المثيرة التى تعرفت عليها من خلال إطلاعى على بعض المعلومات من سيرة هذا الرجل, أن أحد أباطرة روما السابقين المسمى ليون الرابع لديه أصول خزرية و الخزر قوم من الترك أشبه بالبدو الرحل كانوا يقطنون سهول شمال القوقاز.

بالعودة مرة أخرى إلى محمد الفاتح يمكنى أن أضيف إلى الجانب الإدارى و العسكرى المتميز لمحمد الفاتح أنه كان شغوفاً بالعلم و العلماء و يتكلم العديد من اللغات مثل الفرنسية و اللاتينية و الصربية و الفارسية و العبرية و العربية, إذا كانت هذه المعلومات دقيقة فأننا أمام رجل فذ لن نجد مثيل له فى تاريخنا الإسلامى بشكل عام.

عمل السلطان محمد الفاتح بعد وفاة والده على أن يتمم الفتوحات التى قام بها والده من قبل فى بلاد البلقان و أن يفتح مدينة القسطنطينية فيضمن اتصال جميع ممالكه فلا يتسلل إليها أى عدو و لذلك أهتم بتقوية الجيش العثمانى من حيث القوة البشرية حتى وصل تعداده إلى قرابة المليون جندى و بالمناسبة هذا هو التعداد البشرى للجيش الصينى حالياً و هذا العدد من القوة البشرية فى جيشه مقارنة بجيوش الأمم فى عصره هو عدد قد يكون فيه قدر من المبالغة إلى حد ما و لكنه يلقى الضوء على أن جيشه كان أقوى الجيوش قاطبة فى ذلك العصر.

قرر السلطان محمد الفاتح أن يحصن مضيق البوسفور قبل أن يحاصر مدينة القسطنطينية حتى لا يأتى لها أى مدد عسكرى من قبل مملكة طرابزون و لذلك أقام قلعة على شاطىء المضيق فى أضيق نقطة من الجانب الأوربى, فضلا عن قلعة أخرى أسست على الجانب الأسيوى فى عهد السلطان بايزيد و لما بلغ أمبراطور الروم هذا الأمر أرسل إلى السلطان سفيراً يعرض عليه دفع الجزية التى يقررها فرفض الفاتح طلبه و أصر على البناء لما يعلمه من الأهمية العسكرية لهذا الموقع حتى أكتمل بناء القلعة و التى كانت عالية و مصحنة فوصل ارتفاعها إلى 82 متراً و أطلق عليها أسم قلعة روملى حصار و بالتالى أصبحت القلعتين متقابلتين و المسافة الفاصلة بينهما 660 متراً و هاتين القلعتين تتحكمان فى عبور السفن من شرقى البوسفور إلى غربه و تستطيع نيران مدافع القلعتين منع أى سفنية حربية معادية للأمبراطورية العثمانية من الوصول إلى القسطنطينية.

أعتنى الفاتح بجمع الأسلحة اللازمة لفتح القسطنطينية و من أهمها المدافع التى أخذت منه اهتماماً خاصاً حيث أحضر مهندساً مجرياً أسمه أوريان أحد أبرع مهندسى المدفعية فى ذلك العصر, فأحسن استقباله و وفر له جميع الإمكانيات المادية و البشرية و تمكن هذا المهندس من تصميم و تصنيع العديد من المدافع الضخمة كان أهمها على الأطلاق المدفع السلطانى و الذى يذكر أن وزنه كان يصل إلى مئات الأطنان و أنه يحتاج إلى مئات الثيران القوية لتحريكه و قد أشرف السلطان بنفسه على صناعة المدافع و تجريبها و ذلك لأن أسوار القسطنطينية كانت منيعة للغاية و لا تستطيع المدافع العادية بمقاييس ذلك العصر هدم تلك الأسوار العملاقة .

و يضاف إلى ذلك الاستعداد ما قام به محمد الفاتح من عناية خاصة أيضاً بالأسطول العثمانى حيث عمل على تقويته من خلال تزويده بالسفن المختلفة لتكون جميعها مؤهلة للقيام بأدوارها المطلوبة فى ميدان المعركة لأن القسطنطينية مدينة بحرية و لا يمكن أن يكتمل حصارها دون أسطول قوي و قد ذكر أن السفن التى أعدت لهذا الأمر بلغت أكثر من أربعمائة سفينة بينما هناك روايات أخرى عن أرقام مبالغ فيها و أنا أحاول فى هذا المقال أن أأخذ بأكثر الأرقام موضوعية.

أما من الناحية السياسية فلقد عمل قبل هجومه على السقطنطينية على عقد عدد من المعاهدات مع أعدائه المختلفين ليتفرغ لعدو واحد فعقد معاهدة مع إمارة غلطة المجاورة للقسطنطينية من الشرق و يفصل بينهما مضيق القرن الذهبى كما عقد معاهدات مع جنوة و البندقية و هما من الإمارات الأوربية و لكن هذه المعاهدات لم تصمد حينما بدأ هجومه على القطسنطينية و أنبرت جميعها و غيرها للمشاركة فى الدفاع عن المدينة. 

فى هذه الأثناء كان السلطان يعد جيوشه لفتح القسطنطينية و استمات الأمبراطور البيزنطى فى محاولاته لثني محمد الفاتح عن الهجوم بتقديم الأموال و الهدايا و محاولة رشوة بعض مستشاريه ليؤثروا على قراره و لكنه كان عازماً على فتح المدينة بأى ثمن و لما رأى الأمبراطور البيزنطى إصرار السلطان على فتح المدينة عمد إلى طلب المساعدات من مختلف الدول و المدن الأوربية و على رأسها البابا زعيم المذهب الكاثوليكى , فى الوقت الذى كانت فيه كنائس الدولة البيزنطية و على رأسها القسطنطينية تابعة للكنيسة الأرثوذكسية, و كان بين الكنيستين الكاثولوكية و الأرثوذكسية عداء دينى شديد.

اضطر الأمبراطور البيزنطى إلى التقرب إلى بابا الكاثوليك من أجل المدد العسكرى فوعده بأن يعمل على توحيد الكنيستين الشرقية و الغربية, على غير رغبة من الأرثوذكس و قام البابا وقتها بإرسال مندوب منه إلى القسطنطينية ليخطب فى كنيسة آية صوفيا و دعا للبابا و أعلن توحيد الكنيستين, مما أغضب الجمهور الأرثوذكسى و قامت حركات أرثوذكسية مناهضة لهذا العمل الأمبراطورى الكاثوليكى المشترك حتى قال بعض زعماء الأرثوذكس: "إننى أفضل أن أشاهد فى ديار البيزنط عمائم الترك على أن أشاهد القبعة اللاتينية"

عمل السلطان على تمهيد الطريق بين أدرنة و القسطنطينية لكى تكون ملائمة لجر المدافع العملاقة حتى المدينة و قد تحركت المدافع من أدرنة إلى قرب القسطنطينية فى مدة شهرين و قد وصل إلى القسطنطينية و قد جمع قرابة مائتين و خمسين ألف جندى و خطب فيهم محمد الفاتح خطبة قوية يحثهم فيها على الجهاد و طلب النصر أو الشهادة و ضرب السلطان الحصار على المدينة بجنوده من ناحية البر لمدة 53 يوماً و بأسطوله من ناحية البحر و أقام حول المدينة أربعة عشر بطارية مدفعية وضع بها المدافع التى صنعها أوريان و قد قيل أنها تقذف كرات من الحجارة وزن الواحدة منها 1716 كيلو جرام تقريباً و يصل مدى القذف إلى ميل و لكن هذا الوزن يقر بعض المؤرخون أنه مبالغ فيه للغاية لأن القنطار يساوى 143 كيلو جراماً و لكن ربما كان المقصود 12 رطلاً و الرطل يساوى 406 جرام فبالتالى فأن وزن الحجارة الواحدة هو أربعة كيلو جرام و نصف و هذا هو الأقرب إلى الحقيقة.

فى هذا التوقيت كان البيزنطيين قد قاموا بسد مداخل ميناء القسطنطينية بسلاسل حديدية غليظة حالت بين السفن العثمانية و الوصول إلى القرن الذهبى و الأكثر أنها أستطاعت أن تدمر الكثير من السفن التى حاولت الاقتراب من ميناء المدينة ألا أن الأسطول العثمانى أخيراً نجح على الرغم من ذلك فى الاستيلاء على جزر الأمراء فى بحر مرمرة, و استنجد الامبراطور قسطنطين آخر ملوك الروم وقتها بأوروبا فاستجاب له أهالى جنوة و أرسلوا له إمدادت مكونة من خمس سفن و كان يقودها القائد الجنوى جوستنيانى يرافقه سبعمائة مقاتل متطوع من دول أوربية متعددة فأتى هذا القائد بسفنه و أراد الدخول إلى ميناء القسطنطينية فاعترضته السفن العثمانية و نشبت بينهما معركة بحرية و انتهت بفوز جوستنيانى و دخوله الميناء بعد أن رفع أهل القسطنطينية المحاصرون السلاسل الحديدية ثم أعادوها بعد مرور سفنه , حاولت القوات العثمانية تخطى السلاسل الحديدية التى تتحكم فى مدخل القرن الذهبى و أطلقوا سهامهم على السفن الأوربية و البيزنطية و لكنهم فشلوا فى تحقيق النصر فارتفعت بذلك الروح المعنوية للمدافعين عن المدينة.

أخذ السلطان يفكر فى طريقة لدخول مراكبه إلى الميناء لإتمام الحصار براً و بحراً فكانت هذه الفكرة أحدى الأفكار العبقرية فى الحروب العسكرية على مر التاريخ الإنسانى و هو أن ينقل السفن على البر ليتجاوزوا السلاسل الموضوعة و تم هذا الأمر بأن مهدت الأرض و سويت فى ساعات قليلة و أتى بألواح خشبية دهنت بالزيت و الشحم ثم وضعت فى الطريق الممهد بطريقة يسهل بها أنزلاج السفن عليها و جرها, و بهذه الطريقة تمكن من نقل نحو سبعين سفينة و إنزالها فى القرن الذهبى على حين غفلة من البيزنطيين. 

استيقظ أهل المدينة فى الصباح و فوجئوا بالسفن العثمانية و هى تسيطر على ذلك الممر المائى و لم يعد هناك حاجز مائى بين المدافعين عن القسطنطينية و بين الجنود العثمانيين و لقد عبر أحد المؤرخين البيزنطيين عن إعجابهم بهذه الفكرة العبقرية فقال «ما رأينا ولا سمعنا من قبل بمثل هذا الشيء الخارق، محمد الفاتح يحول الأرض إلى بحار وتعبر سفنه فوق قمم الجبال بدلاً من الأمواج، لقد فاق محمد الثاني بهذا العمل الأسكندر الأكبر».

و لكن الشىء الذى يحسب للبيزنطيين أن ذلك لم يفت فى عضدهم أو فى عزيمتهم فى الدفاع عن مدينتهم بأى ثمن و أزدادوا إصراراً على محاربة القوى العثمانية المحاصرة للمدينة, أرسل السلطان محمد الفاتح إلى الأمبراطور قسطنطين رسالة دعاه فيها إلى تسليم المدينة و وقف إراقة الدماء و تأمين خروجه هو و عائلته من المدينة و كل من يرغب فى مغادرة المدينة سيعطيه الأمان فجمع الأمبراطور مستشاريه ليشاروهم فى الأمر فنصحه البعض بالتسليم و نصحه البعض الآخر بالقتال حتى الممات فمال إلى راى القائلين بالقتال و رد رسول محمد الفاتح برسالة يعلن فيها عن نيته لدفع الجزية و أما القسطنطينية سيدافع عنها بحياته حتى يدفن تحت أسوارها فلما وصلت الرسالة إلى الفاتح قال: «حسناً عن قريب سيكون لي في القسطنطينية عرش أو يكون لي فيها قبر».

و هجم الجند العثمانى فى الواحدة صباحاً على المدينة بقرابة المائة و خمسين ألف جندياً و تسلقوا الأسوار و أدت المدافع دورها أيضا فى إحداث فجوات واسعة فى أسوار المدينة خاصة المدفع السلطانى فتمكن جند السلطان من النفاذ إلى داخل المدينة من خلال تلك الفجوات و دارت معارك شرسة بين الجيشين حتى أنتهت بانتصار الجيش العثمانى و الاستيلاء الكامل على المدينة و لما دخل محمد الفاتح المدينة وجد أن بعض جنده قاموا بالنهب و السلب فأمر بوقف الاعتداء فورا فساد الأمن المدينة و تقدم محمد الفاتح من كنيسة آية صوفيا و قد تجمع فيها عدد كبير من أهالى القسطنطينية و قد داخلهم خوف عظيم من بطش محمد الفاتح بهم و لكنه آمنهم على حياتهم و طلب منهم أن يعودوا إلى ديارهم فزال عنهم الخوف و قتل الأمبراطور البيزنطى و هو يدافع عن القسطنيطينة كما وعد.

و أمر محمد الفاتح أن يرفع الأذان فى كنيسة آية صوفيا و أن يتحول إلى مسجد و أقر حرية الاعتقاد للمسيحين و أن يتولى رجال الدين الحكم فى شئونهم المدنية وفق التعاليم المسيحية و جمع القساوسة لانتخاب بطريرك جديد فانتخبوا جورجيوس كورتيسيوس سكولاريوس و أعطى المسيحين نصف الكنائس الموجودة فى القسطنطينية و حول النصف الآخر من الكنائس إلى مساجد و سمى القسطنطينية أسلامبول أى مدينة الإسلام.

هذه ملامح سريعة أو أقرب إلى أن تكون ومضات حول تاريخ هذا الرجل العظيم فى واحدة من معاركه الحربية التى شكلت فارق فى التاريخ الإنسانى وقتها و فى التاريخ الإسلامى خاصة و الحق أنها أحدى المعارك التى غيرت مجرى التاريخ الإنسانى إلى الأبد و هذه واحدة من معاركه العظيمة التى خاضها فى سلسلة فتوحاته المتعددة لبلاد جديدة يضمها إلى الأمبراطورية العثمانية, أتمنى أن نرى فى المستقبل القريب هذه الشخصية يدرس تاريخها إلى طلاب المدارس ليعرفوا بعض من أمجاد التاريخ الإسلامى الذى أغفل عن عمد أو سقط سهواً من ذاكرة الأمة و لا نناقش هنا الأسباب التى أدت إلى إغفال تاريخ رجل بهذا القدر العالى من البراعة العسكرية و العبقرية العسكرية الفذة و أيضا المعاملات السياسية و الإدارية للدولة, ربما سيأتى جيلاً عما قريب ينصف مثل هؤلاء الرجال و يعيد لهم مكانتهم التى يستحقونها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق