سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

الأربعاء، 9 أكتوبر 2013

القصة القصيرة: أمتى؟ بقلم/ إيمان الدواخلى

الطريق طويل، بقدر ساعات النهار الحار.. رغم جمال الماء والصحراء، لم يكن بد من تسيُّد الملل للمشهد، وصمت الراكبين تدريجيا، مستسلمين للتكيف واهتزاز العربة، حتى لم تعد سوى ثرثرة السائق مع صاحبه، يقاوم النعاس بها، مع رتابة الطريق والسكوت.

يتسرب صوته في الصمت..

- ولاد الكلب بقوا جزم من ساعة الثورة

- يا عم بلا ثورة بلا نيلة وقفوا حال البلد.. وبعدين الحق يتقال لهم عوزة برضه

يقهقه السائق عاليا، وتحمل نبرته مزيدًا من الاشمئزاز..

- العوزة لها تمنها ياخويا.. والنبي لما يكون بينك وبينه تار.. هتدفع هتاخد

- آه يالا دول سفاحين.. بس قصدي برضه بيـ...

قاطعه..

- مناشير يابا.. طالعين واكلين نازلين واكلين..

محتفظا بشيء من انتباهه للطريق الذي حفظه، يميل على صاحبه، كأنه سيسر إليه بالكلام، رغم أنه لم يخفض صوته بأي درجة..

- اسكت يا عم دا انا كان معايا الأسبوع اللي فات زبون سياحة.. عرب وكده يعني.. المهم عملت معاه واجب، فعزمني تاني يوم في حتة دين مكان.. اوف

- دا فين دا؟ أنا عارف الأماكن النضيفة في مصر واحد واحد

يضحك السائق ساخرًا من صاحبه..

- بطل تقريع ياض.. والنبي لو تحلف على المية تجمد ما اصدق أنك دخلته

ينظر صاحبه إليه في غيظ، ولا يرد.. لم يفهم أحد ألأن رفيقه أصاب الصدق بكلامه، أم لأن الصمت حولهما فاضحهما، والركاب قد أمسوا أشبه بالتماثيل المتجمدة في أماكنها، مرتسمٌ النعاس أو التبلد في وجوهها باحتراف..

هو، في كرسيه، صامت كسائر من حوله، يغمض عينيه، ربما لأنه لابد من التجاهل، أو ربما هو يدخر رد فعله لحينٍ يقدِّره. السائق لا ينكتم ولا رفيقه، والولد يتابع، وينقل بصره بين أبيه وأولئك الرعاع..

- الشهادة لله هو كان منظر.. جسم كده طول بعرض وعليه هيبة.. الحريم اتهبلوا ياجدع وللا دا لزوم التشريفة ما تفهم، والرقاصة بقى يا لهوي على اللي عملته معاه، وشكلها واخدة عليه ما اقولكش

- كلهم كده، ولعلمك ولا بيدفعوا قرش، كله ببلاش

- يووووووووه ولو عايز الرقاصة تجيله لحد عنده في القسم كمان، أنت هتقول لي

في التاسعة، يمكن للعقل استيعاب الكثير، حتى لو بغير وضوح.. عقل الصغير يدور في إعصارات من الشك.. يدقق في شيبة أبيه، يحاول أن يناديه، فلا يفتح عينيه. يلتفت ويلكز أمه ويسألها بعصبية: هو بابا هيسيب الشرطة امتى بقى ويبقى كويس؟ 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق