سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

الأربعاء، 4 سبتمبر 2013

مقالات دينية: التوبة رجوع إلى الفطرة بقلم الشيخ/ محمد الزعبى



أركان الإسلام بين الكهانة والديانة- الحلقة العاشرة

ولذلك أنت تختم وضوءك بإعلان الشهادتين، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَن توضَّأ فأحْسَن الوُضُوءَ ثمَّ قال: أشهَدُ أن لا إلهَ إلا الله وحْدَه لا شرِيكَ له وأشهَدُ أن محمَّدًا عبْدُه ورَسُوله، اللهمَّ اجْعلنِي مِن التوابين واجْعلنِي مِن المتطهرِين، فتِحت له ثمَانِيَة أبْواب الجنة يَدْخُل مِن أيِّهَا شاء» [سنن الترمذي وصحيح الألباني والكافي وبحار الأنوار] إنَّها الشهادة التي تؤكِّد وتجدِّد الالتزام بميثاق الله سبحانه، وذِكْر التوبة هنا "اللهمَّ اجْعلنِي مِن التوّابين واجْعلنِي مِن المتطهِّرِين" له دلالته، فالتوبة في اللغة هي الرجوع، فالمسلم بعد أن يتطهَّر بالماء يسأل الله سبحانه أن يجعله من التوَّابين، أي كثيري الرجوع إلى ميثاق الله وعهد الفطرة الذين يجدّدون حياتَهم كلّما توضَّؤوا، ويغسلون أدران حياتِهم بماء الوضوء. وكذلك ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أذكار الوضوء: «سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك» [إراوء الغليل والنسائي في عمل اليوم والليلة وبحار الأنوار ووسائل الشيعة]. 
أذكار الوضوء.. إعادة برمجة للأعضاء، وصياغة جديدة للإنسان:
وقبل أن نختم الحديث عن الطهارة لا بد أن نشير إلى بعض الأذكار الواردة في بعض الروايات وكتب العلماء أثناء أفعال الوضوء: 
«عن الحسن عليه السلام عن عليّ عليه السلام قال : علَّمني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثواب الوضوء فقال : يا عليّ إذا قدمت وضوءك فقل: بسم الله العظيم والحمد لله على الإسلام. فإذا غسلت فرجك فقل: اللهمَّ حَصِّنْ فرجي، واجعلني من التوّابين، واجعلني من المتطهرين، واجعلني من الذين إذا ابتليتهم صبروا، وإذا أعطيتهم شكروا. وإذا تمضمضت فقل: اللهمّ أعنّي على تلاوة ذكرك. وإذا استنشقت فقل: اللهمَّ لا تحرمني رائحة الجنة. وإذا غسلت وجهك فقل: اللهمَّ بيض وجهي يوم تَبْيَضُّ وُجوهٌ وتَسْوَدُّ وُجوهٌ. وإذا غسلت ذراعك اليمنى فقل: اللهمَّ أعطني كتابي بيميني وحاسبني حساباً يسيراً. وإذا غسلت ذراعك اليسرى فقل: اللهمَّ لا تعطني كتابي بشِمالي ولا من وراء ظهري. وإذا مسحْتَ برأسك فقل: اللهمَّ غَشِّني برحمتك. وإذا مسحْتَ أذنيك فقل: اللهمَّ اجعلني مِمَّن يستمع القول فيتَّبع أحسنه. وإذا غسلت رجليك فقل: اللهمَّ اجعله سعيًا مشكورًا وذنبًا مغفورًا وعملاً متقبلاً، اللهمَّ اجعلني من التوَّابين، واجعلني من المتطهِّرين، اللهمَّ إنِّي أستغفرك وأتوب إليك» [ابن منده والديلمي والمستغفري والمتقي الهندي في كنز العمال قال الحافظ ابن حجر في أماليه: هذا حديث غريب ورواته معروفون لكن فيه خارجة بن مصعب تركه الجمهور وكذبه ابن معين]
وعن أبي عبدالله عليه السلام قال: «بينا أمير المؤمنين عليه السلام ذات يوم جالس مع محمّد بن الحنفية إذ قال له: يا محمّد إيتني بإناء من ماء أتوضَّأ للصلاة، فأتاه مُحمّد بالماء، فأكفاه فصبَّه بيده (اليسرى على يده اليمنى)، ثم قال: بسم الله وبالله، والحمد لله الذي جعل الماء طهورًا ولم يجعله نجساً. قال: ثُمَّ استنجى فقال: اللهمَّ حَصِّنْ فرجي وأَعِفَّه، واسترْ عورتي، وحرِّمْني على النار. قال: ثُمَّ تَمَضْمَضَ فقال: اللهمَّ لَقِّنِّي حُجَّتي يوم ألقاك، وأطلقْ لساني بذكرك. ثُمَّ استنشق فقال: اللهمّ لا تُحَرِّمْ عليَّ ريح الجنّة، واجعلني مِمَّن يشمُّ ريحها وروحها وطيبها. قال: ثُمَّ غسل وجهه فقال: اللهمَّ بَيِّضْ وجهي يوم تسوَدُّ فيه الوجوه، ولا تُسَوِّدْ وجهي يوم تَبْيَضُّ الوجوه. ثُمَّ غسل يده اليمنى فقال: اللهمَّ أعطني كتابي بيميني، والخلد في الجِنان بيساري، وحاسبني حسابًا يسيرًا. ثمّ غسل يده اليسرى فقال: اللهمَّ لا تعطني كتابي بشمالي، ولا تجعلها مغلولة إلى عنقي، وأعوذ بك من مقطّعات النيران، ثُمَّ مسح رأسه فقال: اللهمَّ غَشِّني برحمتك وبركاتك وعفوك، ثم مسح رجليه فقال: اللهمَّ ثَبِّتْني على الصراط يوم تزلُّ فيه الأقدام، واجعلْ سعيي فيما يرضيك عنِّي»[الكافي ووسائل الشيعة]
وقال الإمام النووي في الأذكار: «يُستحبّ فيه دعوات جاءتْ عن السلف، وزادوا ونقصوا فيها فالمتحصّل مِمَّا قالوه أنّه يقول بعد التسمية: الحمد للَّهِ الذي جعل الماء طهوراً، ويقول عند المضمضة: اللهمَّ اسقِني من حوْضِ نبيِّك كأساً لا أظمأ بعده أبداً، ويقول عند الاستنشاق: اللهمّ لا تحرِمْني رائحة نعيمِك وجنَّاتِك، ويقول عند غسل الوجه: اللهمّ بيِّضْ وجهي يوم تبيضّ وجوهٌ وتسودّ وجوه، ويقول عند غسل اليدين: اللهمّ أعطِني كتابي بيميني اللهمّ لا تعطِني كتابي بشِمالي، ويقول عند مسح الرأس: اللهمّ حرّمْ شعري وبشرِي على النار وأظِلَّنِي تحت عرشِك يوم لا ظلّ إلا ظلُّك، ويقول عند مسح الأُذنَيْن: اللهمّ اجعلني من الذين يستمعونَ القول فيتَّبعون أحسنه، ويقول عند غسل الرجلَيْن: اللهمّ ثبِّتْ قدميَّ على الصراط»
وقال شيخ الإسلام الإمام الغزالي في بداية الهداية: «ثُمَّ اغسل يديك ثلاثاً قبل أن تدخلَهما الإناء وقل: اللهمَّ إنِّي أسألك اليُمْن والبَركة، وأعوذ بك من الشؤم والهلكة... ثُمَّ خُذْ غَرْفةً لِفمك... وقل اللهمَّ أعنِّي على تلاوة كتابك وكثرة الذكر لك وثبِّتني بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة... وقل في الاستنشاق: اللهمَّ أرحني رائحة الجنَّة وأنت عنِّي راضٍ، وفي الاستنثار: اللهمَّ إنِّي أعوذ بك من روائح النار وسوء الدار... وقل عند غسل الوجه: اللهمَّ بَيِّضْ وجهي بنورك يوم تبيضّ وجوهُ أوليائك، ولا تسوِّدْ وجهي بكلماتك يوم تَسْوَدُّ وجوهُ أعدائك... وقل عند غسل اليد اليمنى: اللهمّ أعطني كتابي بيميني، وحاسبني حسابًا يسيرًا، وعند غسل الشِّمال: اللهمَّ إنِّي أعوذ بك أن تعطيَنِي كتابي بشِمالي أو من وراء ظهري. ثُمَّ استوعبْ رأسك بالمسح... وقل: اللهم غَشِّني برحمتك، وأنزلْ عليَّ من بركاتك، وأظلَّني تحت ظلِّ عرشك يوم لا ظلّ إلا ظلُّك، اللهمَّ حرِّمْ شَعري وبشري على النار. ثُمَّ امسح أذنيك... وقل: اللهمَّ اجعلني من الذين يستمعون القول فيتَّبعون أحسنه، اللهمَّ أسمعْنِي مناديَ الجنّة في الجنّة مع الأبرار. ثُمَّ امسحْ رقبتك، وقل: اللهمَّ فُكَّ رقبتي من النار، وأعوذ بك من السلاسل والأغلال.. ثُمَّ اغسلْ رجلك اليمنى ثُمَّ اليسرى مع الكعبين... وقل: اللهمَّ ثَبِّتْ قدمي على الصراط المستقيم مع أقدام عبادك الصالحين.. وكذلك تقول عند غسل اليسرى: اللهمَّ إنِّي أعوذ بك أن تزول قدمي على الصراط في النار يوم تزلّ أقدام المنافقين والمشركين... فإذا فرغْت فارفعْ بَصرك إلى السماء وقل: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، سبحانك اللهمَّ وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أنت التوّاب الرحيم، اللهمَّ اجعلني من التوّابين، واجعلني من المتطهّرين، واجعلني من عبادك الصالحين، واجعلني صبورًا شكورًا، واجعلني أذكرك ذكرًا كثيرًا، وأُسَبِّحُك بكرة وأصيلاً»
ورغم ضعف هذه الروايات سنداً عند علماء السُنَّة إلا أنَّ فقهاء أجلاء كالنووي والغزالي وابن منده والديلمي والمستغفري وعلماء السلف (حسب عبارة النووي) أجازوا العمل بِها بل استحبُّوه، وواضح من هذه الروايات أنّ مدرسة الوضوء يجب أن تتجاوز العمل المادّيّ الحسيّ للوضوء ليعيد المسلم برمجة حواسه وأعضائه بمادّة الحياة، فهو يغسل لسانه وفمه من كلّ ولاء أو تأييد للطواغيت، ومن كلّ انحراف عن مهمّته الإنسانيّة الكبرى، ويعيد لِلِسانه دوره في مُهِمّة أداء الرسالة وقراءة القرآن، وهو عند استنشاقه يتذكر رائحة الجنة ليجدّد دافعيّة أهدافه الكبيرة، وهو عند غسل وجهه يتذكّر أن وجهه بدأ أبيض (البياض كناية عن الصفاء والفطرة) ويجب أن يختم بالبياض، ولذلك يسأل الله سبحانه أن يبقي وجهه أبيض بتوجُّهه إليه وحده، وأن يُنَزِّهَهُ عن التوجُّه للطغاة أو للعصبيات، وهو عندما يغسل يديه يطهِّرهما من كلِّ عمل خارج عن صراط الله، وبالتالي عن فطرة الإنسان ليكون يوم القيامة ممَّن يأخذ كتابه بيمينه، وعندما يمسح رأسه يتذكّر أنّ عليه أن يُظِلَّ هذا الرأس بظلِّ رحمة الله، وأن يقيه من حرّ مشاريع الإنسان الضالّة اللاهبة المحرقة، لتبقى هذه الرحمة تُظَلِّلُه يوم القيامة، وعندما يمسح أذنيه يؤكّد لنفسه أن مُهِمّة هاتَيْنِ الأُذُنَيْن ليست مجرّد الاستماع لأخذ العلم بل الاستماع من أجل العلم والعمل، وكثيراً ما يفهم الناس قوله تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)[الأعراف204] يفهمونه في غير محلّه، فيحسبون أنّ الآية تطالبهم بمجرّد الصمت والكفّ عن الكلام عند قراءة القرآن، ولعل آية استماع الجنّ تفسّر معنى الاستماع والإنصات في هذه الآية (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ)[الأحقاف29] فهذه الآية تبيّن الاستماع والإنصات المطلوب في القرآن، إنه ذلك الذي يتحوّل إلى عمل وحركة ومُهِمّة ورسالة (فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ) فعند مسح المسلم لأذنيه يتذكر واجبه في الاستماع وتعلم رسالة الإسلام من أجل أدائها، كما يتذكّر أن عليه أن يصون أذنيه عن الاستماع والتأثّر بإعلام العدوّ وشائعاته وفتنه، ومن التأثّر بمشاريعه وثقافاته ومفاهيمه.. وعند غسل رجليه يتذكّر أن عليه يغرس قدميه في أرض الرسالة، وأن يثبت على صراط الله في الحياة الأولى ليثبت عليه في الحياة الآخرة، وما أروع وصيّة سيّدنا عليّ عليه السلام لمحمد بن الحنفية عندما أعطاه الراية «تزول الجبال ولا تزول، عضّ على ناجذك، أَعِرِ اللهَ جمجمتك، تِدْ في الارض قدمَك» [نهج البلاغة وبحار الأنوار وربيع الأبرار للزمخشري]. 
هذه هي الطهارة التي تملأ حياة المسلم: فثوبه طاهر، وجسده طاهر، ومكان صلاته طاهر، ودينه وعقيدته ومفاهيمه وقيمه طاهرة، ونبيه وآل بيته أطهار (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)[الأحزاب33] وصحابته الذين حملوا دعوته وكلّ من حمل هذه الرسالة من بعدهم أطهار (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) [المائدة6] ومصحفه طاهر لا يمكن أن تمسّه يد التحريف أو التزوير أو التبديل (رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً) [البينة2]...
وأخيراً إذا اختلف الفقهاء في وجوب النيّة للطهارة، وفي كونِها ركناً من الوضوء ومن غسل الجنابة، فإنّ هذه المعاني التي ذكرناها للطهارة ينبغي أن يستحضرها الإنسان ليعيش الطهر وليحقّق وظيفة الطهارة في حياته وحياة الناس، وأن يجعلها أساس نيّته حتّى يضمن تكفير الوضوء لخطاياه، وتنقيته لمفاهيمه ودوافعه ولشخصيته كلّها من عوامل الانحراف عن صراط الله، أي عن صراط الحقيقة الإنسانيّة الكاملة.
في الحلقة القادمة: الأذان ودوره والإشارة إليه في كتب أهل الكتاب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق