سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

السبت، 3 أغسطس 2013

القصة القصيرة: رتوش من صفحات حزينة - مروان محمد بقلم/ مروان محمد



(1)

عند مدخل الشارع الى يسكن فيه عاطف غادر مجدى سيارته الصغيرة, و قد رسمت شفتى مجدى ابتسامة ترحيب, أقبل نحوه عاطف مطرق الرأس, شارد النظرات, مرهق الملامح فاستوقفه قائلا:

- كيف حالك يا أستاذ عاطف؟

- الحمد لله.

- المدام الأن فى الشهر التاسع.

لم يستوعب عاطف فى بادىء الأمر عن أى مدام يتحدث هذا الرجل, حتى قال مجدى موضحا و هو يشير إلى نفسه:

- أقصد المدام ... زوجتى !!

- آه... مبروك.

- مع أننا اتفقنا على أن نؤجل الأمر لفترة من الوقت ألا أنه النصيب.

فشل عقل عاطف المرهق فى العثور على رد مناسب فأكتفى بشبح ابتسامة, صافح بعدها الرجل ثم مضى إلى باب البيت فابتلعته ظلمة مدخل البيت.

لم يفته أن يلقى نظرة عابرة من نافذة المنور على ثمرات البصل المتكوم إلى جانب و قد نبتت فى كل ثمرة عيدان خضرا و بدى و كأنها مغسولة جيدا بمياه الأمطار.

لقد سقطت هذه الثمرات من الحقيبة القماشية المعلقة إلى نافذة فوزية , تلك المرأة الملطقة.

(2)

- هل أصنع لك كوب من الشاى معى يا عم حسنى؟

- يا ريت يا عاطف.

سار عاطف بخطوات سريعة للموقد الصغير الموضوع على مائدة صغيرة ذات لون أخضر كالح, التقط من رف خشبى كوبين زجاجين لامعين, وضع البراد الأزرق الصغير أيضا فوق نيران الموقد الحمراء المتراقصة.

أحكم عم حسنى لف الكوفيه حول رقبته و مصمص شفتيه فى صمت, و قد دفن صلعته فى طاقية من الصوف تبث الدفء إلى كل جسده.

- ماذا ستفعل فى موضوع الشقة يا عاطف؟

أطفىء عاطف الموقد و صب الشاى فى الكوبين و هو يجيب بصوت عالى:

- لا أعلم, هل لديك أقتراح معين؟

- لا و الله يا عاطف غير أنى أدعو لك بالخير.

وصل عاطف إليه ليناوله كوب الشاى, و جلس على المقعد المجاور, ارتعش ضوء النيون الأبيض لثوان ثم غرقالمكان فى الظلام, قال عم حسنى:

- على العموم عملت حسابى, هناك أستارتر جديد فى درج المكتب و مصباح يدوى, قم بتركيبه يا عاطف.

غادره عاطف بينما يعيد عم حسنى أحكام الكوفيه حول عنقه, أعقبها برشفة من كوب الشاى.

(3)

فرغ لتوه من تجهيز فراشه استعدادا للنوم, غالبا ما ينام فى التاسعة, سمع دقات رقيقة على باب الشقة, تبادر إلى ذهنه أمران.

أولا: من هذا الوقح الذى يأتيه الأن؟

ثانيا: لماذا يأبى الجرس على العمل رغم أنه أصلحه اليوم؟!

فتح الباب بقبضة غاضبة و حاجبين معقودين, سرعان ما ارتخيا و قد فاضت ملامحه بالدهشة:

- هل تذكرنى؟

- .............

ضحكت فى عصبية مضيفة:

- أعلم أن الوقت غير مناسب و أنك أعزب و لكن الأمر ضرورى.

أفسح لها الطريق لتدخل, أغلق باب الشقة فى هدوء,تأملته فى بيجامته الكاستور مبتسمة, فقال:

- هل يضايقك أن أظل هكذا؟

هزت كتفيها قائلة:

- هذا ليس شأنى.

تناول سيجارة من ضمن عدد من السجائر الفرط المرصوصة على البوفيه ثم جلس على الفوتيه المقابل للكنبة التى جلست هى عليها و أشعل السيجارة يسألها:

- خير!

- أنا منقذتك!

- ماذا؟

- لقد عرفت أنك ستخلى الشقة خلال أيام معدودة بعد وفاة ....

ابتلعت باقى الجملة لحساسية الموقف, التقط هو نفس عميق من السيجارة و هو يتأملها ببرود, لم يشىء أن يسألها كيف عرفت بهذا الأمر لأنه سيبدو كالأبله, فبادرها:

- كيف ستنقذينى؟

- أخى عبد المنعم يعمل فى مشروع إسكان المتزوجين حديثا و وضعه الأن يتيح لنا أن يكون بمثابة مفتاح الفرج أذا ....

- تزوجنا.

أومأت برأسها فى انفعال فضحك قائلا:

- و من سيدفع ثمن الشقة؟

أشارت إليه فى استنكار قائلة:

- أنت بالطبع.

- أنا لا أملك أى مليم.

نهضت تتحرك صوب باب الشقة فاستوقفها قائلا:

- هل هذا كل شىء؟

- عند إخلاءك الشقة مؤكد الساكن الجديد سيراضيك بمبلغ ما, أيا كان هذا المبلغ فلن يقل عن 4 آلاف جنيه و هو ثمن كافى كمقدمة للشقة.

(4)

- القهوة فارت يا عاطف.

كان عاطف يرى ذلك جيدا و لكنه أحب أن يتأمل فوران القهوة إلى أن أطفى سائل القهوة نار الموقد, فأغلق الموقد و صب القهوة فى كوبه المفضل.

- ماذا بك يا عاطف؟

- لا شىء يا عم حسنى.

- هل تتدبر أمرك جيدا؟

- تقريبا يا عم حسنى.

- الحمد لله.

تجشأ عم حسنى فى صوت قوى فابتسم عاطف و أصابعه تلتف حول الكوب الساخن يستمد منه الدفء فيسرى ذلك التيار البارد فى أصابعه الباردة و باقى أنحاء جسده المتعطش لهذا الدفء.

(5)

يشعر بالحر داخل هذا المطعم الصغير الكائن بالمنشية, يجلس على مائدة رخامية لامعة و أمامه على المقعد البرتقالى صديقه شكرى باسم الوجه على الدوام.

- ما رأيك فى مطعمى الجديد؟

- ماذا يمكننى أن أقول سوى أنه ممتاز.

- بدون مجاملة.

التقط عاطف أحدى سجائرة الكليوباترا يضيف بلامبالاة:

- أنت أعلم الناس بكرهى للمجاملات.

أشعل السيجارة ثم سأل شكرى:

- لماذا لم تخبرنى بقدومك من البحرين؟

- و الله يا عاطف كنت مشغول فى هذا الموضوع تماما.

أشار عاطف بسبابته إلى باب المطعم الزجاجى يسأل:

- هناك لافتة ضوئية على الباب .....

كالعادة يندفع شكرى و يقاطعه بحماسته الطفولية التى تذكره بالعربى ليقول فى صوت ضاحك:

- - مكتوب عليها كشرى بالكمبيوتر... نعم ... نعم, فلقد أشار على أحد المقربين بهذه الفكرة الجهنمية كوسيلة للدعاية و لفت الانتباه فاشتريت كمبيوتر مستعمل و نجار ابن حرام صمم لى هذا الصندوق الوهم المملوء بالأزرار و المصابيح الملونة و أوهمت الناس بأن هذه الأشياء هى التى تقدم لهم طبق كشرى مطبوخ بالكمبيوتر!

ضحك عاطف فى هدوء ءو الآخر لا ينفك عن إرسال كلماته المتدفقة السريعة التى تتلاحق فى سرعة غير منتظمة تسبق أفكاره حتى:

- و لكن بشرفك, إليست فكرة عبقرية؟, الطبق مثل أى طبق كشرى آخر سواء فى جودته أو فى كميته و لكن بسعر أعلى و زبائن تتدفق إلى هنا لتحقيق البرستيج, أنا ضربت عصفورين بحجر!

نفث عاطف آخر دخان فى سيجارته, و أصغى إلى أغنية شعبان عبد الرحيم الجديدة.

- " أنا بكره إسرائيل و بحب عمرو موسى"!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق