سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

الأربعاء، 21 أغسطس 2013

القصة القصيرة: الأشياء التى يعرفها هو بقلم/ مروان محمد



(1)

دور السيجارة بين أصبعيه و هو ينظر من النافذة العريضة لساحة مستشفى جمال عبد الناصر, لم يلاحظ بعض التبغ الذى خرج من السيجارة و ظل يدورها بين أصبعيه لثوان أخرى حتى أنتبه أخيرا و أشعلها بعود الكبريت المتبقى, لم يكن يفكر فى شىء محدد سوى رصده اللامبالى للموجودات التى هى أمامه ليقطع بها وقت ملله.

- عاطف.

استدار معقود الحاجبين يتطلع إلى صاحب الصوت الذى لم يكن يتوقع وجوده فى مثل هذا المكان قط, أقترب منه عاطف يصافحه سائلا أياه فى جفوة:

- ماذا تفعل هنا؟

- أحاول أن أراعى واجباتى الاجتماعية ليس أكثر.

- كيف تسير بك الأيام يا عمى؟

- دعك من هذا, كيف حال خطيبتك الأن؟

أمسكه عاطف من ذراعه يحثه على السير إلى المقعد الخشبى فاتجها إليه و هما يجلسان قال عاطف:

- الفحص بين أنها مصابة بسرطان الثدى.

مصمص عمه شفتيه و لم يعلق, ظل يهز رأسه و عاطف يراقب الاحتراق الأخير للسيجارة بين أنامله الطويلة.

(2)

فى مخزن حركة البريد و التوزيع ظلت اللمبة الفلورسنت يرتعش ضوئها قرابة الساعة, نظر عم حسنى إلى أعلى فى ضيق ثم قال:

- الأستارتر لابد و أن يستبدل.

- حقا.

كان ذلك هو تعليق عاطف الوحيد, نظر عم حسنى بعض الوقت إليه ثم أدار رأسه يمينا ليبصق على الأرض و عاد ينظر إليه قائلا:

- ولدت منحوسا يا عاطف.

تبسم عاطف مديرا وجهه لعم حسنى يتطلع إليه فأردف عم حسنى:

- هل كان من الضرورى أن تتنازل عن نصيبك من الشقة؟

- ربما هى حركة غبية و لكنى فعلتها.

- إذا كنت تعلق أمل على ما سيخلفه لك عمك فهذه هى الحماقة بعينها, لا تفاجىء إذا تبرع بكل ما يملك لأى جمعية خيرية قبل أن يموت.

أطلق عاطف ضحكة مجلجلة و لم يعقب ثم رفع عينيه إلى اللمبة الفلورسنت التى ترتعش فعلق قائلا:

- الله يخرب بيتك لمبة ملعونة.

(3)

عندما جلس إلى الكرسى الخشبى بجوار سريرها أمسك بيدها اليمنى و قال فى لهجة حاول أن يجعلها ودودة:

- كيف حالك اليوم؟

سحبت يدها فى هدوء و قالت:

- حماقة حقيقية أن تتنازل عن نصيبك فى الشقة.

ارتباكه لم يكن غريبا لأنه توقع أن تثنى عليه صنيعه بدلا من ذلك الرد القاسى و حاول أن يجد رد معقول و لكنه يأس فقال:

- لا أرغب فى الحديث فى هذا الموضوع لو سمحتى.

عيناها الزابلتان ما عادتا ترسلان ذلك البريق الذى اعتاد أن يراه فى عينيها, الهالتان استطاعتا أن تضع النهاية للكثير من الأحلام التى طالما روادتها... أحلام بسيطة تحلم بها أى فتاة على أعتاب العنوسة و لكنها بقيت بالنسبة لها على الأقل أحلام كبيرة و تستحق أن تعيش من أجلها و لكن ليس بعد اليوم.

الغريب أنها تشعر بارتياح عميق لأنها بهذه الطريقة استطاعت أخيرا أن تتخلص من قلق انتظار تحقيق هذه الأحلام التى تبدو كبيرة على أن تنالها هى بالذات.

(4)

كان يدرك أن وجوده فى شقة شكرى لا يمثل سوى عبء, خاصة و أن شكرى ينوى الزواج, كان من اللازم أن يوفر على شكرى عناء توضيح موقفه و يبادر هو بمغادرة الشقة.

طبيعى أن يرفض شكرى فى إصرار شديد بادىء الأمر و لكنه سكت أخيرا معبرا عن امتعاض زائف من أصرار عاطف على الرحيل, ضحك عاطف و هو يراقب وجه شكرى المتقلص فسأله باستغراب:

- ما الذى يضحكك يا عاطف؟

- لا تأبه لضحكى كثيرا, أصبحت أحب الضحك فجأة

تظاهر شكرى بأنه لا يفهم السبب من وراء ضحكه و عبر عن ذلك بأن رفع حاجبيه و خفضهما و قد أثر الصمت فى حين أن حقيقة ما يشغل بال عاطف الأن هو لماذا تأخر المسلسل عن ميعادة المعتاد؟

(5)

عندما انتقل إلى الغرفة المشتركة مع خمسة أفراد بفندق النوبة الجديد, تبسم لأن ذلك يعنى لأول مرة أنه سيلتزم أخيرا بمواعيد العمل و لم تعد هناك حاجة لأن يبرر لرئيسه فى العمل لماذا يتأخر كل يوم؟!

فى المساء غادر الفندق متجها إلى كشرى مدهش الكائن فى الرصيف الدائرى بمحطة مصر, ربما تكون أمنية تافهة تلك التى تراوده و لكنه كثيرا ما تمنى أن يتناول غداءه عند كشرى مدهش!!

اليوم و بكل سهولة يتسطيع أن يتناول عشاءه أيضا و ليس فقط وجبة الغداء... توقف أمام الرجل الذى رسم ابتسامة واسعة و هو يقول:

- أتفضل يا أستاذ.

هم بأن يجلس و لكنه ابتسم و هو يقول للرجل:

- أريد علبتين كشرى بالكبدة.

- تحت أمرك

أخذهما متجها إلى المبنى الإدارى للبريد و هو يتطلع إلى النافذة التى يرتعش من خلفها ضوء الفلورسنت, غمغم محدثا نفسه:

- ربما سأفعلها فى وقت لاحق.

8-3-2003
الإسكندرية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق