سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

الأربعاء، 21 أغسطس 2013

مقالات دينية: الصلاة وقود من أجل الحركة بقلم الشيخ/ محمد الزعبى



أركان الإسلام بين الكهانة والديانة- الحلقة السادسة

إنَّ من أعظم وظائف الصلاة أنّها تمنحك الطاقة التي تجعلك قادراً على تحمّل أعباء الرسالة وتكاليف الصراع ضدّ الكفر والظلم والطغيان، وهو عبءٌ ثقيل لا يقدر على تحمُّله إلا من كان متَّصلاً بالله عبر الصلاة، مستمِدّاً من صلاته طاقةَ الصبر والتحمل (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6) إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (7) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9) وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا)[المزمل] قال الإمام الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب: «إنِّي إنَّما أمرتك بصلاة الليل لأنَّا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً، فَصَيِّرْ نفسك مستعدة لقبول ذلك المعنى»، وقال العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان: «قوله: (إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا) في مقام التعليل لتشريع أصل هذه الصلاة» وقال العلامة الشهيد سيد قطب في تفسيره ظلال القرآن: «إن الله سبحانه حينما انتدب محمداً صلى الله عليه وآله وسلم للدور الكبير الشاقّ الثقيل، قال له: (يا أيُّها المزَّمِّل قم الليل إلا قليلاً. نصفه أو انقص منه قليلاً. أو زد عليه ورتِّل القرآن ترتيلاً. إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً) فكان الإعداد للقول الثقيل، والتكليف الشاقّ، والدور العظيم هو قيام الليل وترتيل القرآن». ويقول آية الله العظمى السيد علي الخامنئي في كتاب من أعماق الصلاة: «أولئك الذين يحملون هتافاً جديداً ومخططات بديعة للزمان وللتاريخ، هم أكثر من غيرهم عرضة لهجوم قوى الشرّ، وهم بحاجة أكثر من غيرهم إلى حفظ هذا الحصن الفولاذيّ، حصن العزم والإرادة التي لا تقهر. إنّ صلاة الإسلام بما فيها من تلقين وتكرار لذكر الله، تربط الإنسان الضعيف والمحدود بالله المطلق المسيطر، وتجعله مستعيناً به؛ وعن طريق ربط الإنسان بمدبِّر العالم، يصنع منه قدرة غير محدودة ولا زائلة. ويجب عدُّها أفضل علاج لضعف الإنسان، وأنفع دواء للعزم والإرادة. إنّ الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم الذي كان يشعر بثقل المسؤولية في مجال التغيير الإسلاميّ العظيم أمام الجاهلية المستشرية، أُمِر بالصلاة في منتصف الليل (يا أيّها المزّمّل * قم الليل إلاّ قليلاً * نصفه أو انقص منه قليلاً * أو زد عليه ورتّل القرآن ترتيلاً * إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً)» - انتهى - 
فالصلاة والقيام في أصلها إنّما تَهدف إلى شحن المسلم بالطاقة التي تمكّنه من تحمّل أعباء الرسالة وتكاليف الثورة ضدّ الطغيان وضدّ استعباد الإنسان (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)[الحجر] إذاً سيحاول الطغاة أن يحاصروكم بإشاعاتِهم وإعلامهم، وسوف تؤلمكم دعاياتُهم وتُضَيِّق صدوركم، ولذلك أنتم بحاجة إلى استمداد الطاقة والصبر من الله سبحانه، وهذا يتحقّق بالسجود بين يديه. وكذلك فإنّ الباطل سيمتلك القوّة المادّيّة والإعلاميّة التي يحاول من خلالها أن يهزم حَمَلَةَ الحقّ نفسياً، فيجعلهم -وهم خاضعون لتأثير قوّته الإعلاميّة والمادّيّة- يحاولون أن يتقرّبوا منه محتفظين بما يستطيعون من الحقّ الذي معهم، فيبحثون عن حالة توافقيّة مع الباطل؛ وحتّى لا يسقط حَمَلَةُ الحقّ في هذا الفخّ، وحتّى يستطيعوا أن يثبتوا على الحقّ ويحتفظوا بالحقيقة ناصعة عليهم أن يقيموا الصلاة (وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44) وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ)[البقرة] فالذين يحملون رسالة إنقاذ الإنسان من عبوديّة الطغيان يجب أن يمضوا في طريقهم إلى آخره، فلا مجال للتراجع أو التردّد، إنهم يعشقون رسالتهم حتّى الشهادة.. سيقف الموت في طريقهم مكشّراً أنيابه ليزرع الرعب في قلوبِهم، ولكنَّ صلاتَهم تعلّمهم أنّ العيش بلا رسالة هو أشنع أنواع الموت، وأنّ الموت في سبيل الرسالة هو أسمى أهداف الحياة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153)وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (154) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة].
اسجدْ لتتمرَّد: 
الصلاة في المفهوم القرآنيّ وسيلة وليست غاية، وسيلة للقرب من الله سبحانه ولاستمداد العون منه لتحمُّلِ تكاليف الرسالة وأعبائها، فمن لم يكن حاملاً للرسالة يكافح بها الباطل والظلم فلا قيمة لصلاته.. الصلاة هي التي تعين المسلم على سلوك نَهج الثورة ضدّ الطغاة، وهي التي تمنحه القدرة على التمرّد على مشاريع الظلم والاستعباد (كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ)[العلق19] أي حتّى تستطيع ألا تطيع الطاغية وأن تتمرّد على إرادته، عليك أن تكثر من التقرّب إلى الله من خلال الصلاة والسجود. ولنتأمّل في هذه الوصيّة النبويّة لكعب بن عجرة رضي الله عنه: «يا كعب بن عجرة.. أعيذك بالله من إمارة السفهاء. قال: وما إمارة السفهاء؟ قال: أمراء يكونون من بعدي لا يهتدون بِهداي ولا يستنّون بسنّتي، فمن صدّقهم بكذبِهم وأعانَهم على ظلمهم فأولئك ليسوا منّي ولست منهم ولا يَرِدُون على حوضي، ومن لم يدخل عليهم ولم يُعِنْهم على ظلمهم ولم يصدّقْهم بكذبِهم فهو منّي وأنا منه وسَيَرِدُ عليّ الحوض. يا كعب بن عجرة.. الصلاة قربان، والصوم جُنَّةٌ، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماءُ النارَ، والناس غاديان: فمبتاع نفسه فمعتقها، وبائع نفسه فموبقها. يا كعب بن عجرة.. إنّه لا يدخل الجنّة لحمٌ نَبَتَ من سحت» [مسند أحمد وهو في مستدرك الوسائل للطبرسي مختصراً] هذا الحديث ليس وصايا متناثرة كما يفهمه البعض على طريقة "من كلّ وادٍ عصا"، وحاشا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يكون كلامه هكذا وهو الذي أوتي جوامع الكلم، بل الحديث فيه وحدة موضوعيّة عنوانُها: العياذ بالله من إمارة السفهاء، وهي كل إمارة خرجت عن منهج الله سبحانه لتقود الناس وَفْقَ أهوائها ومصالحها، فكيف يمكن للإنسان أن يعوذ بالله من كلّ ضغوطاتِها وإغراءاتِها التي تجعل المرء يبيع نفسه لها، ويستحلّ أكل سحتها، ولعلّ المال السياسيّ من أبرز مصاديق هذا السحت؟ كيف يمكننا أن نبقى خارج سُوق شراء الذمم، رافضين تصديق الكذب السياسيّ والمشاريع الكاذبة التي تخدم مصالح الطاغية مدّعية أنّها تريد خدمة الجماهير؟ كيف يمكننا أن نبتاع أنفسنا فنعتقها من الخضوع لترهيب أو ترغيب أمراء السفاهة؟ «يا كعب بن عجرة .. الصلاة قربان» اقتربْ بالصلاة حتى تبتعد عن الطغاة (كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ).
هذه هي الصلاة التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «جعلت قُرَّة عيني في الصلاة» [مسند أحمد وصحيح الحاكم وسنن النسائي والكافي وبحار الأنوار] وهذه هي الصلاة التي كان صلى الله عليه وآله وسلم إذا حزبه أمرٌ فزع إليها [بحار الأنوار ووسائل الشيعة ومسند أحمد وسنن أبي داود] وهي الصلاة التي كان يقول لبلال رضي الله عنه: «يَا بِلالُ أَرِحْنَا بِالصَّلَاةِ» [مسند أحمد وبحار الأنوار] فمن لم يتعبْ في كفاح الظلم والباطل لن يجد راحته في الصلاة.
الصلاة.. مشروع للوحدة.. والتحرير
ومن أعظم وظائف الصلاة إخراج المصلّين من معسكر الشرك المتمثّل بتأليه الإنسان أو تأليه القيم المادّيّة أو تأليه مشاريع الظلم والاحتكار، وصهرهم في بوتقة الأمّة الواحدة (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)[الروم] فمن عمل على تمزيق الأمّة إلى أمم من خلال الطوائف والمذاهب فهذا من الخَلْف الذين أضاعوا الصلوات، وهذا مِمّن عمل في خدمة مشروع المشركين، فالآية تأمر بإقامة الصلاة لأنّ الصلاة هي التي تُطَهّرنا مِمّا علق في وعينا أو في لاوعينا من مفاهيم الشرك وقيمه وثقافته، وهي التي تُمَكِّنُنا أن نقاوم إغراءاتِ الشرك التي يقدِّمها لاستخدامنا في مشاريعه، وهي التي تُعَلِّمُنا أنّنا مهما اختلفنا في الفهم والاجتهاد، يجب أن نبقى أمّة واحدة، ولا يجوز أن يُحَوِّلَنا اختلافُنا واجتهاداتنا إلى أمم مذهبيّة (كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) فالأصل في المذاهب أنّها مدارس لفهم الإسلام ولإغناء الفكر والثقافة الإسلاميّة، فإذا تحوّل المذهب إلى دين، وتعدّدت أديان الأمّة بِتَعَدُّدِ مذاهبها، عند ذلك نكون قد ضَيَّعْنا غَرَضَ إقامة الصلاة، ونكون قد دخلنا في خدمة مشاريع أعدائنا المشركين. والصلاة هي عهد الإسلام، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إن العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر» [الترمذي والنسائي وابن ماجه] «ليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة» [صحيح مسلم] وبغضّ النظر عن الخلافات الفقهية حول معنى الكفر في هذه الأحاديث، أهو الخروج من الدين، أم هو الذنب الكبير الذي يُقَرِّبُ صاحبه من الكفر، فإنّه لا خلاف بأنّ من فَقَدَ قيم ومفاهيم الصلاة قد أصبح خارج دائرة الإسلام.
ومن دخل في الصلاة فقد دخل في ذمّة الله، وما أفظع خسران من يعتدي على أهل ذمّة الله، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «من صلى الغداة والعشا الاخرة في جماعة فهو في ذمة اللّه عزوجل, ومن ظلمه فانّما يظلم اللّه, ومن حقره فانّما يحقر اللّه عزوجل» [وسائل الشيعة] وعن أبي بكر رضي الله عنه قال: «من صلّى الصلواتِ الخمسَ فإنّه يصبح فى ذمّة الله ويمسي فى ذمّة الله، فلا تقتلنّ أحداً من أهل الله فتخفر الله فى ذمّته، فيكبّك الله في النار على وجهك» [أحمد فى الزهد وابن سعد وكنز العمال] وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من صلى الصبح فى جماعة فهو فى ذمّة الله فمن أخفر ذمّة الله كبّه الله فى النار على وجهه» [أخرجه الطبراني كما في مجمع الزوائد قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح] وكذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «من صَلَّى الصُّبْح فَهُوَ فِي ذمَّة الله، فَانْظُر يَا ابْن آدم لا يطلبنّك الله من ذمَّته بِشَيْء» [رَوَاهُ مُسلم]. هذه الروايات والأحاديث تؤكّد أنّ المصلِّيَ في ذمّة الله، وويل لمن يظلم أو يعتدي على أهل ذمّة الله، وويل لمن يَتَجَرَّأُ أن يفتي بالاعتداء على أهل ذمّة الله، وويل لمن يعين أو يُحَرِّض ولو بشطر كلمة على الاعتداء على أهل ذمّة الله، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة لقي الله عزّ وجلّ مكتوب بين عينيه: آيس من رحمة الله» [سنن ابن ماجه وسنن الترمذي والكافي وبحار الأنوار]. 
هذه بعض المعاني العامّة للصلاة التي هي عمود الدين، والتي أوّل ما يحاسَب عليها العبد، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أوّل ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح له سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله» [بحار الأنوار ووسائل الشيعة والمعجم الأوسط للطبراني وسنن النسائي والترمذي] وهي الصلاة التي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوصي بِها وهو على فراش الموت «الله الله في الصلاة وما ملكت أيمانكم» [سنن أبي داود ومسند أحمد والبيهقي والكافي وبحار الأنوار]. ولندخل الآن إلى بعض تفاصيل وأعمال وأحكام الصلاة لنتأمّل في وظائفها وما ينبغي أن تغيّره فينا وفي أمّتنا وفي العالم.
في الحلقة القادمة: الأبعاد الإنسانية والثورية للطهارة


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق