سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

الأحد، 11 أغسطس 2013

القصة القصيرة: شكل واحد لكل الأشياء بقلم/ مروان محمد



(1)

كان عاطف يتطلع إلى السماء و لا يرى فى حباتها الفضية المتلألئة ما يبعث على التأمل, تذكر أن السيجارة تنفث دخانا يتراقص فى صعوده الصامت فالتقطها منعلى حافة سور البلكونة يسحب منها نفسا مطولا و يتابع تلاشى الدخان و هو يخرج من فمه كثيفا.

- عاطف تعال.

أدار عاطف رأسه لشكرى الذى يجلس على الفوتيه فى الصالة و يضع على الطاولة المنخفضة شريط فيديو, فدخل عاطف متكاسلا فى خطواته حتى جلس على الكنبة, وجد ابتسامة عريضة تظلل شفتى شكرى فأطل من عينيه التساؤل فقال الآخر:

- جهز العشاء و مستلزمات القهوة لأننا الليلة سنقضى سهرة رائعة.

أشار عاطف بحاجبيه فى لامبالاة إلى الشريط يسأل:

- فيلم أمريكى.

- فيلم ثقافى.

- مراهقة متأخرة يا شكرى .

- أنت مقبل على الزواج, هل نسيت؟

ضحك عاطف و هو ينهض يجهز العشاء و عقله يستدعى نظرة اليأس التى أطلت من عينى سلمى أمس عندما حدثته عن ديستوفيسكى, تذكر أنه لم يقرأ كتابا منذ أن تخرج فى كلية التجارة.

(2)

كانا فى سيرهما يلزمان الصمت إلى جوار الكورنيش, سكان الوجه القبلى و كأنهم تآمروا اليوم ليحولوا بأجسادهم الكثيرة المتلاصقة المتراصة على سور الكورنيش دون وصول هواء البحر لشوارع محطة الرمل, أو حتى إلى رصيف الكورنيش!, لذا لم يشعر عاطف باختلاف الجو هنا عما هو عليه فى وسط البلد.

- اليوم هو الجمعة.

قالها لسلمى دون أى مقدمات فرفعت له عينين تستنكران وجوده معها!, لكنها عادت تشرد مرة أخرى تغمغم فى صوت غير مفهوم تؤيد فيه هذه الحقيقة البديهية !

ألقت نظرة على يده اليمنى فوجدته يدسها فى جيب بنطاله فحولت عينيها إلى تمثال سعد زغلول, اكتشفت فجأة أنهما قطعا شوطا طويلا من الأنفوشى إلى محطة الرمل سيرا على الأقدام كل ذلك فى هالة من الصمت التام, توقف فتوقفت تستطلع أمره.

- أنا أسف يا سلمى؟

- على ماذا؟

- على سيرنا هكذا صامتان لا نجد ما نقوله.

- لا بأس لقد اعتدت على ذلك.

- الدنيا لا تأتى لأمثالنا بما نتمنى دائما لذا أنا لا أدعوك للتحلى بالقناعة بقدر ما أدعوك إلى محاولة تقبلى على أنى زوج المستقبل!

- لم أكن أعرف أنك تحسن الكلام.

- أنا جامعى يا سلمى لا تنسى ذلك.

لم يستغرب الدموع التى تجمعت فى عينيها الحزينتين دائما, بحث فى جيوبه عن أى منديل و لكنه لم يجد, فى حين سحبت هى نفسا عميقا و استأنفت السير تمسح دموعها.

(3)

راقب عاطف الصرصور و هو يتسلق قدم المكتب اليمنى و شاربيه يتراقصان على الدوام, يتوقف للحظات, يواصل السير, يدور حول قدم المكتب و يعود فيقع فى مجال الرؤية, عندما وصل إلى سطح المكتب أطاح به عاطف بكفه الأيمن ليقع على الأرض مقلوبا على ظهره و أرجله الكثيرة تضرب الهواء فى جنون, و ثمة نملة تقترب منه فى حذر تتحسسه فيزداد جنونا, تبتعد النملة عدة خطوات, تحوم حوله, تقترب ثم تبتعد, أثناء مراقبته لما يدور سمع الفراش يهتف:

- ها هو آخر مكتب ناحية الشباك.

ادرك عاطف أنه المقصود فرفع عينين لامباليتين إلى السائل فأدهشه أن يكون العربى حتى أنه صاح:

- معقول, العربى هنا.

تقدم العربى من المكتب فى حياءه المفتعل دائما, صافحه عاطف و ابتسم ابتسامة خبث و هو يدعوه للجلوس قائلا:

- ماذا تطلب؟

- شكرا, لا شىء, أنا أتيت من أجل موضوع هام جدا.

لم يعلق عاطف ولكن لفت انتباهه بالصدفة أن عددا من النمل قد تجمع حول الصرصور الذى يحاول فى أصرار مجنون أن يعود لوضعه الطبيعى.

- لقد نويت الزواج.

رفع عاطف عينيه إليه و هو يقول فى بروده المعتاد:

- حقا, ألف مبروك.

لاحظ العربى بروده فى الرد بشكل جلى و لكنه عزم على الاستمرار و هو يقول بجدية غريبة:

- أريدك معى عند أهل العروس.

- أنا!, لماذا أنا بالذات؟

- لأنك محترم.

- شكرا على المجاملة.

- حقا أنا لا أجاملك أنت محترم لأنك جامعى و ليس فيمن أعرفهم من هو جامعى مثلك.

شعر عاطف بزهو بالغ فى أعماقه لأنه وجد شخصا ما يراه ذو قيمة بعكس ما يرى نفسه دائما خاصة كلما نظر فى عينى سلمى!

(4)


فى مثل هذا اليوم الحار من الممكن أن يكون هواء البحر منعشا حقا و أن يكون لطعم هواءه الملحى مذاقا خاصا, هذا ما أحس به كل من عاطف و شكرى و قد انتخبا أكثر الموائد قربا لحافة الرصيف المطل على شارع الكورنيش و القهوة قد ازدانت نوافذها و أبوابها الألوميتال بتلك الحبال الضوئية المتعددة الألوان.

شعر عاطف بتعارض بين أن يعبىء صدره بهواء البحر السحرى هذا و بين أن يسرب إلى صدره دخان سيجارته الكليوباترا فسحق السيجارة فى الطقطوقة.

- أنظر يا عاطف إلى يسارك و أخبرنى عن شعورك بالمفاجأة.

التفت عاطف يسارا كعادته غير مكترث و لكنه أعتدل فى جلسته قائلا بدهشة:

- هناء و حمدى.

- مفاجأة, أليس كذلك؟

- آخر مرة رأيتهما سويا وقت تخرجنا فى الكلية.

- كذلك أنا.

هناء و حمدى يتحدثان بجدية و طفليهما يتراقصان على مقعديهما و هما يلعقان الآيس كريم, حمدى لا يزال يحتفظ بشاربه و لكنه كان أكثر ضخامة هذه المرة و خصلات شعره تراجعت قليلا للخلف لتكشف عن جبهة طويلة و هناء امتلأت قليلا و لكن لايزال جسدها رشيقا كما عرفاها قديما و الإيشارب كل حين يتراجع إلى الخلف ليكشف عن شعر غير مصفف فتجذب حافته إلى موضعه مرة أخرى, عاد عاطف ليتراخى فى مقعده مديرا رأسه إلى شكرى يسأله:

- هل تغيرت أنا الآخر يا شكرى؟

- أعتقد أن الذين يتورطون بالزواج فقط يا عاطف أنما أنا و أنت لا.

(5)

- تخيلت للحظة أنك لن تأتى.

لم يكن يجرؤ أن يقول أنه كاد أن ينسى لولا أن نبهه شكرى!

- الموصلات كما تعلمين.

- تفضل.

وضع عاطف الاثنين لتر بيبسى على مائدة الصالة و شقيق سلمى يستقبله من ورائها يقول:

- أهلا بالعريس.

كان احتضانه المصحوب بحرارة يبدو متكلفا خصوصا و هو يربت على ظهره بقوة لكن عاطف تقبل الأمر ببساطة.

عندما مرت ساعة على جلوسه لاحظ أن سلمى ترسم ابتسامة روتينية للغاية و شقيقها يخوض فيما يجرى للفلسطنين بآسى زائف لا يختلف ما يحدثه من طنين عما تبثه نشرات الأخبار أما زوجة شقيق سلمى تقاطعه لتحدثهم عن إعلانات مدينة الرحاب لتكهرب الجو فتضفى عليه حيوية لم تكن موجودة!

- الحمد لله أن زوجة أخى لم تلاحظ أزرار القميص الكوكتيل هذه!

ابتسم و لم يعلق لأن زوجه أخيها لاحظت بالفعل كوكتيل الأزرار و عبرت عن امتعاضها بحركات من وجهها أما هو عندما أنصرف شعر بغيظ شديد لأن زوجة شقيق سلمى لم تقدم له طول فترة تواجده كوب بيبسى واحد!


2-11-2001

الإسكندرية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق