سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

الاثنين، 26 أغسطس 2013

مقالات دينية: الطهور شطر الإيمان بقلم الشيخ/ محمد الزعبى

أركان الإسلام بين الكهانة والديانة- الحلقة السابعة: 

طهارة الفكر والحس والشعور والقيم الطهارة شرط أساسيّ لصحّة الصلاة، وهي لا تقف عند حدود طهارة الجسد والثوب والمكان عن الحدث أو الخبث، بل إنّ الطهارة عن الحدث أو الخبث يجب أن توصل إلى طهارة الإنسان عن النجاسات الفكريّة والخبائث العقائديّة والسياسيّة والدنيويّة التي يحاول الكفر العالميّ أن يحاصر الإسلام بِها، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إنّ الله تبارك وتعالى لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» [مسند أحمد بن حنبل وصحيح مسلم]. وطبعاً هذا لا يعني إهمال الأعمال الظاهريّة للعبادات، فلو لم تكن مهمّة لما أمرت بها نصوص الشارع، ولكن حتّى تقبل هذه العبادات ولا تُضْربَ في وجه صاحبها لا بدّ من الالتفات إلى ما تحمله من معانٍ وأبعاد، قال شيخ الإسلام الإمام الغزالي في الإحياء: «يبعد أن يكون المراد بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "الطهور نصف الإيمان" [صحيح مسلم ومسند أحمد] عمارة الظاهر بالتنظيف بإفاضة الماء وإلقائه وتخريب الباطن وإبقائه مشحوناً بالأخباث والأقذار هيهات هيهات»، وقال ابن القيّم في كتاب أسرار الصلاة: «والوضوء له ظاهر وباطن: فظاهره طهارة البدن وأعضاء العبادة، وباطنه وسرّه طهارة القلب من أوساخ الذنوب والمعاصي وأدرانه بالتوبة؛ ولهذا يقرن تعالى بين التوبة والطهارة في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) [البقرة : 222] وشرع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم للمتطهِّر أن يقول بعد فراغه من الوضوء أن يتشهّد ثم يقول اللهمّ اجعلني من التوّابين، واجعلني من المتطهّرين [الكافي وبحار الأنوار وسنن الترمذي والمعجم الأوسط للطبري]» وفي مصنّف ابن أبي شيبة «أنّ أبا العالية رأى رجلاً يتوضّأ فلما فرغ قال اللهمّ اجعلني من التوّابين واجعلني من المتطهّرين. فقال: إنّ الطهور من الماء حسن ولكنّهم المطهّرون من الذنوب». طهارة الفكر والحسّ والشعور والقيم: ولذلك ورد الأمر بالطهارة منذ بداية الدعوة، وربّما قبل أن تفرض الصلاة (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ)[المدثر] وقد اتّفق المفسّرون أن تطهير الثياب لا يقتصر على معنى الطهارة الحسّيّة، ففي تفسير ابن كثير وفي تفسير الطوسي عن ابن عباس رضي الله عنهما "(وثيابك فطهر) معناه من لُبْسِها على معصيته". وفي لغة العرب قد يكنى بالثياب عن القلب أو الذات، كما ورد في قول عنترة: فَشَكَكْتُ بالرمح الأصمِّ ثيابَه ليس الكريمُ على القنا بِمحرّمِ أو في قول امرئ القيس: وَإن تَكُ قَد ساءتك منّي خَليقَةٌ فَسُلّي ثِيَابي مِن ثيابِك تَنْسُلِ كما نقل ابن كثير في تفسيره عن سعيد بن جبير: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) قال: وقلبك ونيّتك فطهِّرْ. ويقول العلامة الشهيد سيد قطب في تفسيره ظلال القرآن: «(وثيابك فطهّر).. وطهارة الثياب كناية في الاستعمال العربيّ عن طهارة القلب والخُلُق والعمل.. طهارة الذات التي تحتويها الثياب، وكل ما يلمّ بِها أو يَمَسّها.. والطهارة هي الحالة المناسبة للتلقّي من الملأ الأعلى. كما أنّها ألصق شيء بطبيعة هذه الرسالة. وهي بعد هذا وذلك ضروريّة لملابسة الإنذار والتبليغ، ومزاولة الدعوة في وسط التيّارات والأهواء والمداخل والدروب؛ وما يصاحب هذا ويلابسه من أدران ومقاذر وأخلاط وشوائب، تحتاج من الداعية إلى الطهارة الكاملة كي يملك استنقاذ الملوَّثين دون أن يتلوَّث، وملابسة المدنّسين من غير أن يتدنّس». ويقول العلامة آية الله السيد محمد حسين فضل الله في تفسيره من وحي القرآن: «وربما كان المقصود به المعنى الكنائيّ، بأن ترمز طهارة الثياب إلى طهارة الذات والأخلاق، بحيث لا يلحقه شيءٌ من القذارة الروحيّة والفكريّة والعمليّة، وهذا ما ورد التعبير عنه بطهارة الذيل ونقاوة الثياب ونحو ذلك... ولعلّ هذا هو الأقرب إلى جوّ الساحة الرساليّة التي تفرض في الداعية أن يملك النقاء الأخلاقيّ الذي يجعله في مستوى التلقّي للوحي الطاهر، وفي مستوى القدوة للآخرين، لأنه إذا لم يكن نقيّاً في ذاته، طاهراً في أخلاقه، فإنه لا يستطيع أن يحصل على الثقة برسالته، كما أنّه لا يملك أن يمنح الناس شيئاً من حركة الطهارة في مضمون الرسالة، لأنّ الناس يعملون دائماً على المقارنة بين الرسالة والرسول، كما أنّ فاقد الشيء لا يعطيه». الطهارة من البخل والخوف والجبن: إذاً فالطهارة لا يجوز أن تُفْرَغَ من مضمونِها لتُقصر على المعنى الحسيّ، الطهارة القرآنيّة تحمل أبعاداً أوسع من الطهارة الكهنوتيّة الطقسيّة: فمن معاني الطهارة القرآنيّة الطهارة عن الشحّ وعن البخل وعن مال الطاغوت وكلّ المال الحرام (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[التوبة103]. ومن معاني الطهارة القرآنيّة تطهير المجتمع من سلطة القهر والخوف، ليكون دينُ الله وبيتُهُ مثابةً لكلّ المظلومين والمقهورين والمستضعفين (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)[البقرة125] فالآية هنا تخبر أن بيت الله هو المثابة والمأوى والأمن للناس، وحتى يكون كذلك يجب على إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام أن يطهِّراه، ولا شكَّ أنّ تطهيره من سلطة القهر والخوف هو من أبرز مصاديق الطهارة حتّى ينسجم مع جعل البيت مثابة للناس وأمناً.. في الحلقة القادمة: الطهارة من فلسفة المجتمع الفاسدة- الطهارة من العمالة والفتنة- قتلة الحسين يتنَزَّهون عن دم البعوض!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق