سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

الثلاثاء، 30 يوليو 2013

مقالات سياسية: من نحن؟ (تونس الثورة نموذجا) بقلم/ مختار الأحولى

 ( صحفى من تونس)

وقبل تخصيص ما يجب أن يخصص لسوريا واليمن وجب أن نمرّ على الزمن الفاصل الذي كان لحظة التأسيس في الأروقة وبتغطية من أحداث ليبيا والحرب على ألقذافي وليس ثورة كما كانت في المنطلق(أيام بنغازي) إذ بدخول الناتوا وآليته العسكريّة التي حسمت المعركة عمليّا وفعليّا خرج مفهوم الثورة من ساحة ثورة المنطلق وهنا يبرز جليّا وجه المحرّك وخدمه الرئيسيين على الميدان كلاعب رئيسي وأساسي يجب أن يعي كلّ حسب رأيه. حجم ومسار ومآل نضاله.وكان للأحداث في ليبيا انعكاس(مؤسس لمرحلة فوضى خلاّقة في محيط المغرب العربي) على مجريات الأمور سواء في تونس أو مصر معا. 
فكان على تونس أن تدخل مرحلة صراع داخلي شرس للغاية تحكمه في الأصل قوّة رأس المال. ورأس رأس المال في آن وتضاد الدوافع والأجندات. 
وقبل أن يبرز معطى جديد قديم نسبيا هو تكريس وجود الطرف الإسلامي "كورقة تستهلك نفسها بنفسها حتى تركيز معطيات المرحلة داخل صورة ومشهد يوحي من بعيد بصراع سياسي ديمقراطي ناشئ إلى حين توفير عناصر وقواعد وشخصيات المرحلة ليصعدوا(ديمقراطيّا) للمشهد الجديد"وكانت ركائز صعود نجم من قدموا من بلاد الثلج إلى نار الانتفاضة بقوّة المال السياسي والإعلام الموجّه(كالعادة قناة "الجزيرة" التي ما تزال حتى اللحظة التي أتحدث عنها تحظى بإصغاء المشاهد العربي عامة والتونسي والمصري خصوصا. نتيجة حضورها. تبعا لأجندة محكمة البرمجة والتطبيق. وبتوفّر الآلة اللازمة لانتقاء الصورة. ومن ورائها الخبر الذي يحرّك أحاسيس المشاهد. ويقتل عقله جزئيا على الأقل. وهذا ما نجحت فيه إلى حدّ ما حتى هذه المرحلة. بمعيّة محطات أخرى تصارعها لتدعم نهجها ضمنا. من أجل الفوز بلقمة من الكعكة المعدّة للإعلام"النزيه الثوري الديمقراطي" ومن بين هذه القنوات من كان معدّا منذ حكم الصقور في ذات الميادين المخبريّة والتي كانت أذرع فاعلة في التغطية المنتقاة والتوجيه المبرمج. بحرفيّة مخادعة. لتأخذ الحيز الذي تركته فيما بعد الجزيرة التي فضح أمرها. خصوصا في تونس. ووقع حتى طردها من الساحات. حين كانت تحاول يائسة لكسب ما تبق من مصداقيّة وحياديّة مخاتلة ومغالطة وكاذبة. للعودة للدور الذي رسم لها. من خلال تنويع وجودها في صلب قضايا الشعب التونسي المصيريّة لكن حيلها لا تنطلي إلاّ على غافل جديد أو مشبوه أو مريض عقليا. وتعتمد هذه المحطّات الناشئة على الإقناع بالصورة المنتقاة بدقّة متناهية الذكاء حيث تجمع بين خاص يوهم بأنه عام. وأيضا الإلهاء حين يجب حتى أنّ بعضها أصبح مثار تهكم التونسيين. أو الغضب الفعليّ مما أفرز"حسب المتوفّر من دعم" بروز إعلام يوجّه ويحاول السيطرة بكلّ السبل على الرأي العام. قصد تسيره إلى وجهة محدّدة. وليس يعلم ويخبر ويوفّر المعلومة بنزاهة وحياديّة وصدق في تونس". وهو ما ترغبه حاليا القيادة لتكريس وجودها والتحكّم في الرأي العام وبالتالي قلب الطاولة حين تشاء على من تشاء. ونعلم كلّنا قيمة الإعلام في العصر الحالي وحتى خلال ما سمي تاريخيا بالحرب الباردة. وحتى الأداة الوطنيّة(على أساس ممولها الأول والأخير الشعب)فهي تعيش صراع كسب الشرعيّة للوجود فقط كمرفق عموم لابدّ من وجوده في المشهد العام ضرورة.ولكنّه رضخ على عادة بعض أهله الذين يتخيلون أن رزقهم بيد الحاكم وليس ممول وجودهم الشعب(دافع الضرائب)لذلك هم انحازوا لخدمة النظام وهذا عمق التخلّف والمرض الذي تعانيه ديمقراطيتنا الوليدة وبدعم خارجي لا مشروط ولا محدود.فهو النهج الذي سطّروه لكي تبق هذه المستعمرات قائمة كمستعمرة مهما كانت درجات وعي ونضج نخبتها إن لم أقل شعبها. 
وبين داخل لا يزال منه المشبوه لتاريخه الانبطاحي وعمالته للحاكم(على رأي مقولة الأجداد"الله ينصر من صبح"). وبين محاولات تلاقي صدّ الطرف الحاكم الآن. لانحياز بعضهم لقضايا شعبيّة بصدق نسبي مهمّ.محاولا الخروج بأخف الأضرار إمّا بتجنيبها وتحييدها أو بضمّها إلى ممتلكاته الحزبيّة الحاكمة مؤقّتا وهذا مالا تفترضه الحالة الثوريّة من مصداقيّة تامة وغير مشروطة وبلا خوف يعيد سريعا إنتاج خوف من سلطة مؤقّتة ويفترض أنها تؤسس لديمقراطيّة شعبيّة تونسيّة وحرّية وكرامة حتى قبل الخبز الذي هو ضرورة حتميّة.وليس لحكم جديد مؤقّت يؤسس لدائم. بشروطه وقواعده. وبطرق الاحتلال وبغطرسة ودكتاتوريّة مقنّعة بالضرورة الحتميّة. وبزوايا نظرتهم وطرحهم. وليس الكسب الديمقراطي من خلال الإقناع والجدوى والضرورة الشعبيّة الديمقراطيّة.
وحتى أسرع بلا تسرّع سأعتمد في هذا الجزء من المبحث على مقالاتي كسند وليس حجّة وهي التي نشرت بجريدة الشعب لسان الإتحاد العام التونسي للشغل. وواكبت مختلف مراحل الانتفاضة الشعبيّة التونسيّة. في أهم مفاصلها تباعا. وعلى قاعدة الصيرورة التاريخيّة ومراحله المفصليّة المؤثّرة في ما بلغته الوضعيّة الثوريّة حتى تاريخ نشر هذا البحث على الرأي العام والخاص في شكل مساهمة إثراء. وإنارة. وتشكيل وعي لمن غالطتهم وراوغتهم وهمّشتهم. أهمّ وسيلة مهمّة من أسلحة التجميع والتعبئة وهو الإعلام. وستكون هذه المقتطفات التي أنتقيها بعناية متواصلة مع الروابط التاريخيّة للانتفاضة في أهمّ مفاصلها ومراحلها. 

1- تاريخ تونس لا يخرج عن تاريخ صراع القوى: 

إن تاريخ تونس كغيرها من دول العالم الثالث(أو النامي) مرتبط شديد الارتباط. بما تفرزه مراحل الصراع العالمي لموازين القوى. سواء في الداخل. كما في ما يخصّ سياستنا الخارجيّة. وأيضا صراعا آخر لابدّ من الإشارة إلى وجوده لم يظهر إثر تفكّك الاتحاد السوفيتي بل حتى خلال ذلك الصراع. هو صراع رأس المال في ذاته وفي صلبه. وهو صراع الريادة والقيادة. وتشكّل الأحزمة أو قيادة الأحزمة. حسب القرب من سلطة القرار التي تمتلكها القوّة المسيّرة والمشكّلة لرقعة الصراع ذاته والتي تجمع بين الثروة والقوّة. وخصوصا قوّة الجذب.وقيادات الأحزمة تتشكّل بقدر توفّر الثروة اللازمة من جهة وتوفّر قوّة ردعيّة أو غطاء حماية قادرة على التحرك بسرعة كبيرة متمثّلة في(قواعد أحلاف) إذا ما غابت القدرة على إنتاج هذه القوّة تاريخيّا كبعض قوى أوروبا الاستعمارية مثلا. وحتى ما يدعى بالشرعيّة التاريخيّة أثبت الواقع الحالي أنها ليست شرط قيادة فشرعيّة الثروة والقوّة هي أصل فرض الوجود(ولنا في قطر مثال). وهي أيضا تقاس بالجدوى المرحليّة من وجودها على رأس الحزام. وطبعا درجة وطبيعة تكوين قياداتها وتوجهاتهم السياسية التي تمليه القاعدة الاقتصاديّة المتبعة ودرجة تماهيها مع القيادة المركزيّة أو العامة.والمتمثّلة حاليّا في أمريكا.وقوّة رأس المال اليهودي الصهيوني. في داخل مكوناتها وخلاياها وشرايينها الحياتيّة على جميع الأصعدة وخلف كلّ الواجهات. وجملة هذه الصراعات هي المؤثّر في التركيبة الحاكمة.
لا في الوطن العربي وحسب. بل في كلّ دول العالم الثالث(النامي) عدى من رحمهم التاريخ الثوري. وأعني تحديدا(بلدان من أمريكا اللاتينيّة).التي استفادت قياداتها من تضامن الشعب معها. ووقوفه الى جانب أطروحاتها الثوريّة. في مراحل التحرير الوطني. بينما نجحت الامبرياليّة والصهيونيّة لتركيزها الشبه كلّي على المنطقة في بثّ الفرقة بين الشعب وقياداته في المحيط العربي. وساهم الطرفان كثيرا في هذه الفرقة من خلال هوّة زرعها وهم التفوّق والقوّة(متناسين أن هذه القوّة لم تكن لتكون لولا خيانات سجّلها التاريخ بين قياداتنا العربيّة. إمّا رغبة أنانيّة في القيادة والريادة. أو رغبة في التشفّي وبدافع الحسد الذي ولّد حقد تاريخيّ تحمّل تبعاته الشعب العربي. حتى في تفاصيل حياته اليوميّة وحرّك وجنّد لهذا الغرض معطى التاريخ لفرض أفضليّة هي في أساسها دعوة صريحة للتمييز وتحقير أو استنقاص الجدوى من طرف على حساب طرف آخر. مرجعهم في أصله هو واحد في كلّ الحالات وهويتهم التي يدّعون فيها أفضليّة على العالمين. هي واحدة الأصل. ولم تكن أدواة المستعمر سوى ما غرّ هؤلاء وغيرهم من أنها مصدر قوّة ومهد تطوّر.
وهنا أكون قد مهّدت لألج التجربة الاستعماريّة في تونس ومنطلق تمدّدها في المساحة. وأسلحتها الميدانيّة الفاعلة. 

2- ضرب قاعدة الكينونة (الآلة وعقلها): 

منذ عجز بورقيبة عن إدارة البلاد رغم وجوده في هرم السلطة(أي مرضه وكبره). وبروز الصراع على السلطة. الذي سبقه نجاح في كسر حاجز وجدار الفكر اليساري في تونس إثر تفكك تنظيم أفاق. وتفرّق رفاق الأمس إلى صراع شرعيّة القيادة والذي استغلته أطراف خارجيّة لإثبات وجودها في صراعها على الحكم. والجدوى منها للقيادة في بلادها(أعني فرنسا بدرجة أولى وأساسيّة بمكوناتها. اليمين واليسار. ثمّ تأتي على القائمة أطراف أخرى كانت في تلك المرحلة ذات تأثير أقلّ على الساحة التونسيّة بشقيها الحاكم والمعارض.)وحتى الأطراف العروبية التوجّه ورغم السند الذي مثّله مصادر الفكر القومي إلاّ أنهم لعبوا ذات الورقة ظنّا منهم أنهم يساهمون في الانفتاح والتمدّد بما مثّلته بريطانيا في مرحلة ما من حاضنة وأرضيّة(حرّة)وساحة خلفيّة لنضالهم.(رغم أنّ اجتماعهم التأسيسي كان في باريس) ولم يفت زعامات الحزب الحاكم وقتها أن يبحثوا عن شرعيتهم(التاريخية) في الحكم من مصادر خارجيّة قبل الاعتماد على الشعب وتطلعاته ومطالبه وما يمكن أن يكون أرضيّة تأسيس لمرحلة جديدة(لما بعد بورقيبة) أرضيّة وطنيّة.وهذه هي رغبة المستعمر الأصلية في أن يبق البحث عن الشرعيّة لا يخرج عن أروقة وزارت خارجيته وداخليته بجناحها ألمخابراتي ووزارة دفاعه أيضا بجناحها ألمخابراتي العسكري.أولا وبالأساس. لذلك شهدنا وقبل تقريبا أسبوعين عن انقلاب 7 نوفمبر اجتماع بورقيبة بقائد الأسطول السادس الأمريكي ومبعوث من الكونغرس وفي ذات الوقت كانت الملفات تطبخ في صالونات بارونات المال والأعمال الملوث بالعمالة.وقبل الخوض في أرضيّة ولادة (الثورة) كان لزاما عليّ أن أمرّ بالمؤسس لأرضيّة الدكتاتوريّة التي استثمرها وطوّر عملها خلفه(زين العرب).هو بورقيبة الذي أطبق على الإدارة بحزبه. وأنشأ سلاح الأمن السياسي حين عرف أن نهايته باتت أكيدة. وأنه رئيس صوريّ مدى الحياة.فالساحة السياسية لم يعد لديه فيها سوى أتباعه من يتامى الدهر و(أطفال بورقيبة) الذين يطلّون علينا اليوم محاولين إيهامنا بأنه باني تونس الحديثة ومؤسس الحياة في تونس لذلك أورد مقالي الذي نشر بجريدة الشعب لسان الإتحاد العام التونسي للشغل في الرد عليهم وعلى مهزلة من أللهوه في حياته (مدى الحياة)ويريدون أن يكون شبح تونس (الثورة) كما أورد تباعا ما أسس له من تفقير للشعب وتجويعه وتجهيله الشيء الذي أخصب أرض الاستعمار في تونس وأفرز جاهلا كبن علي يحكمنا لمدّة 23 سنة.

3- بورقيبة الذي يخفيه البورقيبيون الجدد:

جاد الزمان علينا أخيرا بمن يزعمون في التاريخ البورقيبي فلسفة فنزّهوا وطهّروا الشخص بفكر الشخصنة من جديد على أنه الزعيم الفذّ والمنزّه والقائد الرمز القدوة مع علمهم "هم أولا وبالذات". بجملة الجرائم التي ارتكبها قبل حتى تولّيه زمام البلاد فما الغاية من هذه البورقيبية الجديدة وبالضبط أهي العودة إلى فكر ؟ والرجل لم ينتج فكرا في أي مرحلة من حياته الشخصيّة والسياسية . لكنه يمثل تجربة يهواها ليس فقط مجموعة شيوخ بل وحتى المغرّر بهم من بعض الشباب اللذين لم يواكبوا في يوم مآسي العهد البورقيبي . وسطوة هؤلاء اللذين يرغبون العودة لسدة الدولة من خلال جبّة بورقيبة وبمباركة من البورقيبين الموجودين في الحكومة المؤقّتة"أيام السبسي"(نمط تفكير على الأقل) .
فمن علّم الخلف طرق الدكترة والإنفراد بالرأي والتسلّط واستخدام القوّة المفرطة لقمع كلّ تحرّك نخبويّ كان. أو شعبيّ وللعلم فقط فإنّ من عاصر ثورة الخبز مثلا سيخبر الناس أجمعين أنها ثورة ماحقة وساحقة أكثر بكثير من ثورة 14 جانفي . لكنّها قمعت وعن طريق الشخص الذي تعلّم كيف يقتل الشعب وهو يحكمه "زين العابدين" الذي استقدمه بورقيبة لقمع هذه الثورة الشعبيّة. ولتنزيه هذا الأخير ألصق التهمه في شخصيات سياسية وإداريّة كزكريّة بن مصطفى وغيره على أنهم غرّروا به وأعطوه أخبارا زائفة عن الوضع ساعتها (ولا أنزههم لدورهم الكبير ساعتها في تمدد قبضة الحاكم وحتى من تصوّروا أنه خلفا لبورقيبة) . 
ولنعد من البداية متتبّعين الوجه المخفيّ عن بورقيبة و"البورقيبيّة" الذي يرغب من يرغب من سياسيي التجمّع و"الدساترة" القدامى من التجمعيين العودة للحياة السياسية من بابها الذي يخالون أنّه كبير ونموذجيّ .
ولن أتحدّث عن الشكوك التي تحوم عن دور بورقيبة في عمليّة اغتيال الزعيم الرمز فرحات حشّاد لغياب الإثبات(حتى الآن على الأقل) بل سأنطلق من عمليّة تصفية واغتيال صالح بن يوسف في ألمانية وهو الذي كان صديق جمال عبد الناصر والمحتمي بمصر من خطر بورقيبة الذي استغل رحلة هذا الأخير لألمانية. ليرسل بشير زرق العيون. والكل يعرف القرابة التي تربط هذا الأخير ببن يوسف والتي لم تشفع لهذا الأخير ساعة اغتياله . وهنا نفهم تحرّك جمال عبد الناصر كرد فعل لمحاولة اغتيال بورقيبة التي تتحدّث عنها صحافتنا هذه الأيام خصوصا إذا ما علمنا أن بن يوسف كان يميل نحو القوميّة العربية كنهج سياسي يعتمده . وللسائل فإن الخلاف بين الشخصين كان سياسيا وليس كما يظنّ البعض أو يسرّب آخرون على أنه صراع زعامة وطلبا للكرسيّ فقط . إذا فإنّ بورقيبة لم يستهلّ فقط حياته السياسية بالعنف المنظم . بل معروف عليه أنه أزاح خصومه بطريقة أو بأخرى قبل وصوله للسلطة وإبّان صعوده الذي تزامن مع صعود نجم القوميّة العربية في الوطن العربي بعد أن نجح في تطويع وكسب عدد كبير من الزيتونيين وعلى رأسهم الطاهر بن عاشور.كما كسب إلى صفّه شخصيات حداثيّة استغل معارفها ومهارتها ورؤاها كالمسعدي الذي اشرف كلّيا على تطوير التعليم وركّز مؤسساته على نهج إصلاحيّ حداثيّ يتماهى والتجارب المتطوّرة وأصّل مجانيته وتعميمه على خارطة تونس وركّز مسألة لها أهمّية كبيرة في تاريخ تونس وهو تعميم تعلّم المرأة وتمدرسها لتصل إلى ما بلغته هذه الأيام (والمراد الآن تقزيمها حتى يصل جمع من مكونات الساحة إلى إعدامها والعودة بالمرأة التونسيّة المكافحة بعد كلّ مكتسباتها. إلى الحرف الأول أي البيت مع علمهم بدور أمهات المسلمين في العلم والعمل أيام بعث الرسالة المحمّدية).وكان المسعدي يستدلّ ويستند على فكر الطاهر الحداد أساسا وغيره من المفكّرين العرب التقدّميين.وكان بورقيبة هو من جنى ثمرة عمل المسعدي والبروز على أنه هو من حرر وقرر.ويزيح بذلك ذكرى رجال هم من صنع تونس فعلا وليس قولا.والذي وجب الآن إعطائهم القليل من الوجود في ذاكرتنا الجمعيّة بإعطائهم حقّهم التاريخي فيما قاموا به. وابتلعه الطاغية المعبود آنذاك بورقيبة الذي يصنع من نفسه محرّر المرأة وباني العلم والتعليم ومجانيّة مستلزمات ومقوّمات الحياة لديمومة آلة العطاء والبناء فكرا وساعدا. (الشعب الكادح). وهو في الحقيقة مطبّق لرأي غيره ممن كانوا محدّثين منذ المرحلة الاستعمارية والذين توافقوا مع برامج الدولة الحديثة التي كانت مطلب واقعيّا وجدّيا لكلّ مكونات البلاد من مثقفيها ومتعلّميها إلى عمّالها وكادحيها.
وعلى عادته في سرقة أفكار الآخرين (قبل أن يحيلهم إلى مهام أخرى) هي في الأصل خطط وظيفية تفرغ ما بقي من أفكارهم بدون أن يكونوا أسماء قابلة للمزاحمة لزعامته الربّانية. التي انتهت بالانتخاب لمدى الحياة.
ولم يكتفي بالسطو على الفكر و التصفية للخصوم بل صنع لهم محاكم عسكريّة قادته إلى فكرة السيطرة على القضاء فيما بعد بترؤسه وبعد ذلك ترؤس الجيش الذي قام بأول تحرّك فعلي ضدّه في المحاولة الانقلابية التي كانت تحمل في باطنها تحرّك سياسيا قوميّا والتي تزعّمها في الستينات لزهر الشرايطي ومجموعة من رجالات تونس وكان مصيرهم الإعدام طبعا بالنسبة للقادة والمؤبّد وغيره ممن قضوا ما قضّوه في "برج الرومي" .
ولن أتحدّث عن صاحب "تونس الشهيدة" الذي انقلب عليه بورقيبة لتأسيس الحزب الحرّ الدستوري وأقصد الثعالبي . أو إبراهيم طوبال الذي هرب إلى الجزائر ليعيش هناك بعيدا عن بطش بورقيبة ويدون كتابه "البديل ألثوري" لضيق المجال في حصر الضحايا الذين نسيهم التاريخ حتى الآن على الأقل من أبناء تونس الحقيقيين الذين غدر بهم بورقيبة فقط ليبقى على كرسيّه. كما لن أتحدّث عن حصار المعرفة وقمع حرّية الرأي المخالف لرأي الزعيم صاحب توجيهات السيد الرئيس اليوميّة . وقمعه للأحزاب التي كانت سابقة لوجوده كالحزب الشيوعي والأحزاب القوميّة التي دخلت إلى مرحلة السرّية مثل غيرها من الأحزاب اليسارية الأخرى وعلى رأسها تنظيم "أفاق" الذي قاسى منتسبوه وحتى المتعاطفين معه السجون والعذاب اليوميّ حتى "انقلاب قربة"1972 على المنظمة الطلابية الإتحاد العام لطلبة تونس وبعدها كانت محاكمات العامل التونسي 1975 ومن ذلك التاريخ تفطن بورقيبة إلى وجوب قتل الزعامات البديلة.
وتفريغ الساحة من مشاريع خلفاء له في تونس وحتى من حزبه الذي أصبح متغلغلا في كلّ نواحي الحياة الإدارية والجمعياتيّه والأمنيّة وكل النواحي الشعبيّة إلى درجة أن اسمه الذي كان جزءا من النشيد الرسمي للبلاد "بروح الحبيب زعيم الوطن" تأشيرة عبور إما للعالي أو للسجن بقدر ما تشحن هذا الاسم من شحنة سلبية أو إيجابية . وكان لكل جانفي بعد رمزيّ للعمل الثوري وكلنا يتذكّر 26و4من جانفي "الأسود" وغيرهما من تواريخ هذا الشهر الثوريّ التي قادته الى محاولة كسر شوكة الرمز الثوريّ للشعب وهو الإتحاد العام للشغل وفي كلّ مرّة يفشل فشلا ذريعا . وهنا أذكّر بمحاولة إنشاء ما سمّي إتحاد الشرفاء "الدساترة" وعلى رأسهم "عبيد" محاولة منه لبث الانشقاق .
وبعد وصول الفكر الوصولي لتونس ضربا لليسار المتفاقم في التمدد على الساحة وبمباركة فرنسية أمريكية ودعم سعوديّ في البداية. وبعد نجاح الفكرة إثر تناحر أبناء الوطن كل في سبيل فكره الذي يتبنّاه حتى بلغت الحالة حدّ العنف وإضعاف اليسار بالتشجيع على الانقسام ودس العناصر التي دفعت نحو شرذمة اليسار. بقي اليمين طليقا حدّ ما اعتبره "الدساترة" تطاولا على الشرعية التاريخية للحزب الاشتراكي الدستوري في الانتخابات التي قاربوا الفوز فيها بأغلبية مبرمجة سلفا (ولا أنزههم لدورهم الكبير ساعتها في تمدد قبضة الحاكم وحتى من خالوه خلفا له) وبذلك فضحت قيمة ما تبق من الحزب الحاكم على الساحة السياسية وخصوصا بعد نفي القيادات التاريخية لليسار التونسي
واكتفاء القوميين بالعمل داخل صلب الحزب الحاكم كحل لاختراقه من الداخل وتعلّم عنهم الإسلاميين الذين بعد شنّ الحرب عليهم توخوا نفس المنهاج وتستّروا برداء الحزب الدستوري(ثم التجمّع) حتى كان الوهن والكبر والعجز المقرون بمرض العظمة الذي وفّر للاعبين المعتمدين على الداعم الفرنسي الجو الملائم لكن حساباتهم خاطئة هذه المرّة لأنّ المد الأمريكي كان هو الحاكم في العالم لذلك لم تنجح محاولة المزالي ولا الصياح ولا غيرهما. بالفوز بالسلطة بينما وفّرت ليلى الطرابلسي لبن علي، مقرّ الاجتماع بالمخابرات الأمريكية التي دربته لزمن طويل بعد تلقيه دروس عسكرية مخابرتيه في أمريكا بعد سنسير في فرنسا وبعد عمله في هذا المجال لمدّة طويلة طول مدّة نضال الشباب وأطياف من الشعب ضد بورقيبة والبورقيبية. لزمن طويل وعسير ومؤلم لمن لا يعلم عن صنوف التعذيب والقتل المنظّم على يد البوليس السياسي وكل أنواع البوليس والميليشيات "كميليشيا الصياح" وغيره . وكان وقتها (زين العابدين) الذراع البوليسي الضارب الذي يقتل الشعب ببرودة كانت طريقه نحو الانقلاب وما كان منه مما كشف ما ستره بحجاب الطاغوت ومما ستكشفه الأيام القادمة. فكفّوا يا "أطفال بورقيبة" عن تنزيه ما لن ينزّه واليكن ذكرنا له بطلب الرحمة فقط . وليعلم الجميع أن بورقيبة لم يكن وحده قادرا على فعل كلّ المآسي بل بمعيّة ومباركة "أطفاله" الذين يطلّ علينا اليوم البعض منهم ليذكرونا بوجودهم بيننا حتى الآن وأنهم لم يحاسبوا بعد على ما اقترفوه في حقّ الشعب قبل ثورة الخبز وبعد فكونوا جريئين واصمتوا ففي الصمت جرأة عند المذنب التائب.
ومن جملة العناصر التي قام بورقيبة ومعاونوه بإفسادها وتكريس تبعيتنا للمستعمر من خلالها والتي استثمر هذه الأخطاء الكبيرة زين العرب لقتل الشعب. عناصر نوردها كأمثلة على الانحراف السياسي و الأهم هو الاقتصادي. عن شعارات الوطنيّة. وبيع تونس جملة وتفصيلا للمستعمر الإمبريالي الصهيوني. وأنطلق من أهم عنصر وأكثره حساسية الفلاحة: 
ومن أهم العناصر التي قام بورقيبة ومن بعد خلفه بتدميرها بشكل هستيريّ. "الفلاحة" الذي كان يكوّن أول ما يقوم عليه اقتصاد تونس(مطمور الرومان) هذا الميدان الذي دمّر حتى يكون سهلا ابتلاعه من طرف خاصتهم على أنه مريض ويجب أن يخوصص. رغم أنه كان المزاحم الذي يخلق توازنا في قفّة المواطن.هي أراضي الدولة(أي أراضي الشعب الفلاحيّة)وكما دمّر الفلاّحين الصغار وكبّلهم في قروض ما فتأت تزداد وطئتها ووطأة نسب فائدتها و من خلال إعادة جدولتها لأن الفلاح الصغير عاجز عن الدفع في ظلّ معطيات وتبعات عالميّة خصّنا بها هذا الزمن المبني على القوّة فالدول المصنّعة هي من ثقب طبقة الأوزون ليتغيّر كلّ ما بنته الطبيعة في جزءها الكليماتولوجي العام والذي كانت تتأسس عليه خارطة الفلاحة خصوصا عند صغار الفلاحين مقابل توصل نفوذهم من خلال بيع ما أهدوه في البداية من أسمدة ومواد أساسيّة للفلاحة وبأثمان بدأ يعجز الفلاح الصغير عن سدادها مما اضطره للاقتراض والتدين بلوغا مرحلة بيعه للأرض والخروج منها نحو العاصمة. وهي أمل الحالمين بلقمة عيش كريمة عبر النزوح أو الهجرة. ولكن في أفضل الأحوال سيجد نفسه في فقر وجوع وتشرّد هو وعائلته ويكون قوت يومه مصدر تجارة رابحة للدكتاتور. و الدكتاتوريّة هي التي قامت أولا بأهم أدوارها وهو تحطيم البنية القاعدية لشبه الاستقلال ألفلاحي الذي كان يمثّل أهم مصادر للغذاء بنسبته العالية جدا في تغطية الساحة الوطنيّة وهي أيضا مصدرا من أهم مصادر العملة الصعبة التي كانت تدرّ خيرا على الوطن عموما. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق